• اخر تحديث : 2024-03-28 03:17
news-details
دراسات

الحرب الروسية – الأوكرانية إلى أين؟


مضى الآن أكثر من سبعة أشهر على بدء الحرب الروسية – الأوكرانية في 24 فبراير 2022. ومنذئذٍ، اختبرت الحرب ثلاث مراحل متمايزة، وقد تدخل في مرحلة رابعة أكثر تصعيداً وخطورةً؛ مالم تفلح الجهود الدولية في خفض مستوى الصراع وربما تسويته سلمياً. بعبارة أخرى، فإننا أمام مفترق طرق في تطور مسار العمليات العسكرية ومستواها؛ قد يتجه بالحرب إلى سيناريوهات متباينة.

تهدف هذه الورقة إلى تحليل تطور الحرب الروسية – الأوكرانية منذ إطلاق موسكو ما سمته عمليتها "العسكرية الخاصة"، واستشراف السيناريوهات المستقبلية لها، ومحاولة ترجيح إحداها.

أولاً- مراحل تطور الحرب الروسية – الأوكرانية:

كما قدمنا، مر مسار العمليات العسكرية منذ أواخر فبراير 2022 بثلاث مراحل مختلفة، ويدخل الآن في مفترق طرق أو منعطفٍ خطر قد يقود إلى مرحلة رابعة.

بدأت المرحلة الأولى منذ بداية الاجتياح الروسي للحدود الأوكرانية حتى أواخر مارس 2022. واتسمت هذه المرحلة بتكثيف روسيا هجماتها على كييف ومدن الشمال الأوكراني، مستهدفةً احتلال العاصمة وتغيير نظام الحكم بقيادة الرئيس فولوديمير زيلينسكي الموالي للغرب، ومن ثم تحقيق غايتها بالحؤول دون التحاق أوكرانيا بحلف الناتو؛ لما يتضمنه ذلك من تهديدٍ "حيوي" للأمن القومي الروسي. بيد أن تعثر العمليات العسكرية الروسية حول كييف، والمقاومة الأوكرانية للتقدم الروسي مدعومةً بمساعدات أمنية غربية وأمريكية هائلة، أدى إلى تغيير الكرملين لاستراتيجيته العسكرية؛ ما أفضى إلى دخول الصراع في مرحلته التالية.

وفي المرحلة الثانية، التي بدأت أواخر مارس واستمرت إلى آخر أغسطس 2022، برزت أهم معالم الاستراتيجية العسكرية الروسية المعدّلة. فالقيادة الروسية، وعلى رأسها الرئيس فلاديمير بوتين، أخذت في التركيز على استكمال السيطرة على إقليم الدونباس شرق أوكرانيا، بمقاطعتيه لوهانسك ودونيتسك اللتين أعلنتا الانفصال عن أوكرانيا عام (2014) واعترفت بهما روسيا جمهوريتين مستقلتين (فبراير 2022)، وتأمين ممر أرضي في جنوب أوكرانيا يربط إقليم الدونباس بشبه جزيرة القرم، التي ضمتها روسيا عام 2014. وهكذا، تخلت روسيا عن هدف السيطرة على العاصمة الأوكرانية. وقد حققت روسيا نجاحاً كبيراً في هذه المرحلة، عن طريق سيطرتها الكاملة على مقاطعة لوهانسك في أواخر يوليو الماضي، وتقدمها في مقاطعة دونيتسك مسيطرةً على نحو 80% من مساحتها، واحتلالها أجزاء واسعة في الجنوب الأوكراني، وفرضها حصاراً بحرياً على السواحل الأوكرانية على البحر الأسود وبحر آزوف. ومن ثم، شرعت موسكو في اتخاذ تدابير عملية لإجراء استفتاء في إقليم الدونباس وأجزاء من جنوب أوكرانيا؛ بغرض ضمها إلى روسيا. واتسم سلوك القوات الأوكرانية في هذه المرحلة برد الفعل، ومحاولة تعطيل التقدم الروسي في مقاطعتي خيرسون وزابوريجيا الجنوبيتين، مع اتخاذ الاستعدادات اللازمة لشن هجومٍ مضاد طال انتظاره في الجنوب أساساً.

وهكذا بدأت المرحلة الثالثة في أواخر أغسطس المنصرم مع بدء الهجوم الأوكراني المضاد ضد القوات الروسية. ولم يقتصر الهجوم، كما أُعلن سابقاً، على الجنوب، بل أخذت القوات الأوكرانية زمام المبادرة بمهاجمة القوات الروسية في الشمال والشرق والجنوب. وحققت القوات الأوكرانية تقدماً كبيراً في الجبهات الثلاث، وأعادت السيطرة على مساحات شاسعة فيها بلغت نحو 10 آلاف كيلو متر مربع. ومن ناحية أخرى، اضطرت القوات الروسية إلى الانسحاب إلى خطوطٍ خلفية أكثر تأميناً، واتسم سلوكها إجمالاً بالطابع الدفاعي. وكانت أولى النتائج المباشرة للهجوم الأوكراني المضاد هو انحسار القتال في جبهتي الشرق والجنوب، بعد أن أصبحت الجبهة الشمالية من الماضي؛ حيث تمكنت القوات الأوكرانية من إعادة السيطرة على مدينة خاركيف وما حولها، بل وكان هناك تخوف روسي من اندفاع القوات الأوكرانية نحو الحدود الدولية بين روسيا وأوكرانيا. بيد أن أهم النتائج التي تمخضت عنها هذه المرحلة هو تصميم الكرملين على الإسراع بإجراء الاستفتاء في إقليم الدونباس، ومقاطعتي خيرسون وزابوريجيا لتقرير انضمامها إلى روسيا الاتحادية، وفي أواخر سبتمبر الماضي. وبطبيعة الحال، أسفرت الاستفتاءات في المقاطعات الأربع عن تأييد الغالبية الغالبة من السكان فيها الانضمام إلى روسيا؛ ما كان دافعاً لقرار الرئيس بوتين في 30 سبتمبر 2022 بتوقيع معاهدة لضم المناطق الأوكرانية الأربع إلى روسيا، ثم موافقة مجلس الدوما على قانون الضم، وكذلك المحكمة الدستورية العليا في روسيا. وربما باستثناء كوريا الشمالية وبيلاروس، لم تحظَ الاستفتاءات الروسية، ثم قرار ضم المقاطعات الأوكرانية بأي تأييد دولي، ولاسيما من جانب الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين. غير أن كثيراً من الدول والمؤسسات الغربية سارعت إلى فرض عقوبات اقتصادية جديدة على موسكو من جهة، والإعلان عن زيادة مساعداتها العسكرية لكييف من ناحية أخرى. وقد دانت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية كبيرة ضمّ روسيا “غير القانوني” مناطق أوكرانية بعد أن استخدمت موسكو حق النقض ضد مشروع قرار مماثل في مجلس الأمن.

ثم دخلت الحرب في منعطف جديد بعيد الهجوم الأوكراني على جسر كيرتش الوحيد الذي يربط الأراضي الروسية بشبه جزيرة القرم، في 8 أكتوبر 2022، والذي اعتبرته روسيا عملاً إرهابياً وإعلان حرب. ويُذكر أن العقيدة العسكرية لروسيا تقضي بتوظيف قدراتها العسكرية كافة، إذا تعرضت أراضيها للهجوم. ومن ثم، شنت روسيا موجة من الهجمات الصاروخية على كييف ومدن أوكرانية عدة، كانت هي الأعنف منذ الأسبوع الأول للحرب. واستهدفت الهجمات الروسية بشكل رئيسي البنية التحتية للطاقة وأجهزة أمنية ومكتب الرئيس الأوكراني نفسه. وقد دانت الولايات المتحدة والدول الغربية الهجمات الروسية، وأكدت دعمها لكييف، بينما دعا زيلينسكي في اتصال مع المستشار الألماني أولاف شولتس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى “ردٍّ أوروبيّ ودوليّ قاسٍ” وإلى “زيادة الضغط” على روسيا. وبالفعل، أعلنت ألمانيا نيتها تقديم منظومات صواريخ، ويزمع الاتحاد الأوروبي إنشاء نظام دفاع جوي أوروبي.

ولا شك أن روسيا أرادت من هذا الرد العنيف ليس الانتقام لتفجير جسر كيرتش فقط، وإنما إرسال رسائل إلى أوكرانيا وحلفائها الغربيين أيضاً؛ مؤداها أن على كييف أن تتوقف عن استهداف ما تعتبره موسكو بنية تحتية أو أهدافاً مدنية ومن ثم عدم تكرار مثل هذا التفجير، وأن على الغرب الداعم لها أن يعلم أن روسيا جادة في التهديدات التي تطلقها وأنها لن تتردد في استخدام الوسائل كلها للدفاع عن أراضيها.

ولا شك أن الهجمات الصاروخية الروسية، ومن قبلها تفجير جسر القرم يؤشران إلى منعطفٍ مهم في الحرب، قد يؤدي إلى مرحلة جديدة من الصراع باستخدام أسلحة أكثر فتكاً من الجانبين، خاصة أن الدول الغربية وعدت بتقديم أسلحة متطورة، وستدفع الهجمات الروسية الأخيرة الأوروبيين والولايات المتحدة إلى التسريع في إرسال الأسلحة لكييف وتدريب المزيد من الجنود الأوكرانيين. كما أن الخيار النووي الروسي، ولو باستخدام أسلحة تكتيكية، بات مطروحاً في ضوء تكرار تلميحات وتصريحات القيادات الروسية، وعلى رأسهم الرئيس بوتين، بإمكانية تطبيقه، ولاسيما في ضوء الهجوم المضاد الذي تشنه أوكرانيا على القوات الروسية، التي تكبدت خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات. ويشار إلى أن الأسلحة النووية التكتيكية عبارة عن رؤوس حربية نووية صغيرة، يمكن استخدامها في مسرح العمليات لتوجيه ضربة محدودة لتدمير أهداف العدو في منطقة معينة دون التسبب في تداعيات إشعاعية واسعة النطاق، ويمكن إطلاقها بواسطة صورايخ تحمل عادة رؤوساً تقليدية أو باستخدام الطائرات والسفن الحربية. وبرغم أن هذا النوع من الأسلحة لا ينطبق عليه قاعدة “توازن الرعب النووي”، فإن مكمن الخطورة أن يتطور الأمر إلى مواجهةٍ نووية شاملة بين روسيا والغرب.

ثانياً- سيناريوهات الحرب

تبدو الحرب الروسية – الأوكرانية في ظل التطورات المختلفة العسكرية والسياسية التي شهدتها مؤخراً مفتوحة على عدد من الاحتمالات أو السيناريوهات، وهي:

أولاً، استمرار الحرب: على عكس الكثير من التوقعات التي جرى الحديث عنها سواء على مستوى المحللين والمراقبين أو حتى القادة والمسؤولين، في الأشهر الأولى للحرب من أنها ستنتهي قبل نهاية عام 2022، فإن المسار الذي أخذته المعارك على الأرض لا سيما منذ الهجوم المعاكس الذي شنته القوات الأوكرانية أواخر أغسطس الماضي وما تبعها من تطورات ميدانية مهمة تشير إلى أن الحرب مستمرة وربما ستطول أكثر من الزمن المتوقع وقد تأخذ عامين أو أعواماً وفقاً لبعض المراقبين، وذلك بالنظر إلى العوامل التالية:

1. التصعيد المتبادل على مختلف جبهات القتال، حيث يواصل الأوكرانيون هجومهم المعاكس لاستعادة الأراضي التي سيطر عليها الروس، بينما لا يتوقع على نطاق واسع أن تتمكن القوات الأوكرانية بالفعل من استعادة تلك الأراضي كاملة، خاصة أن القوات الروسية تفوقها عدداً وعتاداً وربما الأهم هو أن لديها نفساً طويلاً للقتال وقدرات تمكنها من وقف التقدم الأوكراني، وقد تمكنت من ذلك في مناطق عدة؛ فضلاً عن إمكاناتها الصاروخية المدمرة.

2. حالة الجمود أو استبعاد التفاوض، في ظل تباعد بل وتناقض مواقف الأطراف خاصة بعد ضم روسيا للمناطق الأوكرانية الأربع، حيث يتوقع ألا تتراجع موسكو عن هذا الضم، باعتباره المكسب الرئيسي من الحرب، بينما لا يبدو – حتى الآن – أن الأوكرانيين سيقبلون التفاوض على حل سياسي دون أن تكون هذه المناطق، وربما شبه جزيرة القرم أيضاً، ضمن أجندات المباحثات، ما يعني أن المفاوضات ستبقى مجمدة ربما إلى أجل غير مسمى.

استمرار تدفق السلاح إلى أوكرانيا، حيث تؤكد الولايات المتحدة الأمريكية باستمرار أنها ستواصل تقديم المساعدة العسكرية وبالطبع الاقتصادية والإنسانية لتمكين أوكرانيا من الدفاع عن نفسها. كما تعهدت الدول الأوروبية بتقديم مزيد من المساعدات العسكرية المتطورة أيضاً، في حين أعلنت مجموعة السبع في قمتها التي عقدت، عبر الفيديو، يوم 11 أكتوبر الفائت، التزامها بتوفير “الدعم المالي والإنساني والعسكري والدبلوماسي والقانوني” لأوكرانيا والوقوف بحزم إلى جانبها مهما طال الزمن. وهذا مؤشر إلى أن الدول الداعمة لكييف ستواصل تقديم المساعدات مادامت القوات الأوكرانية قادرة على مواصلة القتال.

ثانياً، توسيع دائرة الصراع: كانت هناك تحذيرات من توسيع دائرة الصراع منذ بداية الحرب، ولكن معظم الأطراف المعنية ولا سيما الولايات المتحدة والقوى الأوروبية بما فيها حلف الناتو طبعاً، كانت تؤكد باستمرار أنها ليست طرفاً في الصراع وأنها حريصة على حل النزاع وليس توسيعه. لكن في المقابل قالت روسيا أكثر من مرة إن استمرار الدعم الغربي المصاحب لعقوبات هي الأقوى في تاريخها يجعل هذه الدول شريكة في الحرب؛ وقد حذر بوتين الغرب من مغبة تقديم أسلحة متطورة أو صواريخ باليستية لأوكرانيا؛ وألمح إلى احتمال لجوء بلاده إلى استخدام الأسلحة النووية.

وبغض النظر عن مدى الجدية التي يأخذ بها الغرب تهديدات بوتين، فإن هذا الاحتمال يبقى قائماً، وذلك في حال استمرار التقدم الأوكراني بدعم من الغرب، وتضييق الخيارت أمام بوتين أو حشره في الزاوية، بحيث لا يكون أمامه من خيار سوى اللجوء إلى الأسلحة النووية التكتيكية التي يأمل منها في حال استخدامها إما استسلام أوكرانيا وإما توقفها عند حدود معينة، لفتح المجال لمفاوضات من دون شروط مسبقة.

ومثل هذا التطور إذا ما وقع فسيكون له بالتأكيد عواقب وخيمة ليس على أوكرانيا فقط، وإنما على العالم أجمع، حيث ستكون سابقة منذ الحرب العالمية الثانية؛ وسيضع الولايات المتحدة أمام خيارات محددة للرد، وقد أكد المسؤولون الأمريكيون أن استخدام السلاح النووي سيكون له عواقب وخيمة، وقد تقوم واشنطن وفقاً للمراقبين بتدمير القوات الروسية في أوكراينا / أو/ وإغراق أسطول سفنها في بحر آزوف أو أسطولها في البحر الأسود؛ وهو ما لا يمكن أن تقف روسيا مكتوفة الأيدي أمامه، ومن ثم فقد تلجأ إلى أسلحة أكثر فتكاً، وهنا نكون أمام السيناريو الأسوأ على الإطلاق، الذي لا ينطوي على توسيع دائرة الصراع فقط، وإنما، ربما، يجر العالم إلى حرب عالمية ثالثة بكل ما يترتب على ذلك من تداعيات ودمار.

ثالثاً، الحل السلمي والتسوية السياسية: رغم المؤشرات كلها على استمرار الحرب على الأقل في المدى المنظور، فلا يمكن استبعاد خيار أو سيناريو الحل السياسي للصراع؛ وذلك في ظل المعطيات التالية:

1. صعوبة الحسم العسكري من قِبل أي طرف خاصة إذا حافظ الغرب على نسق الدعم المتواصل لأوكرانيا عسكرياً واقتصادياً، بينما تزايدت الضغوط الداخلية على الرئيس بوتين خاصة إذا بدأ الناس يشعرون بتأثير العقوبات التي تشتد يوماً بعد يوم؛ هذا فضلاً عن الصعوبات التي تواجه عملية التجنيد والتحديات الميدانية التي تواجهها القوات الروسية؛ ومن ثم فقد يتوصل الطرفان إلى قناعة بأن مسألة الحسم العسكري غير ممكنة.

2. قلق الأطراف المنخرطة بشكل غير مباشر في الصراع ولا سيما الولايات المتحدة وأوروبا من توسيع دائرة الصراع، بكل ما يحمله ذلك من مخاطر حرب إقليمية شاملة أو حتى عالمية وهو ما لا تريده الأطراف كلها، لأنه سيكون كارثياً على الجميع. ومن ثم لا يستبعد أن تحاول بعض الأطراف ولاسيما الولايات المتحدة من ممارسة بعض الضغوط على الأوكرانيين لتقديم تنازلات في حدود معينة مقابل تقديم روسيا تنازلات موازية لفتح المجال أمام حل سلمي للصراع.

3. حرص المجتمع الدولي على عدم التصعيد والرغبة في إنهاء الحرب لفتح المجال أمام الحلول السلمية؛ وفي هذا السياق هناك جهود متواصلة من قِبل العديد من الأطراف الإقليمية والدولية من أجل حل النزاع عبر الحوار، وهي تلقى دعماً أمريكياً وأوروبياً ومن بينها جهود الوساطة الإماراتية، حيث كان وقف التصعيد وخفض التوتر والدفع باتجاه  تسوية سياسية على جدول أعمال قمة سانت بطرسبرغ، التي عقدت بين صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة “حفظه الله”، والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي قال: إن الإمارات يمكن أن تلعب دوراً “مهماً” في الجهود المبذولة للتوصل إلى حل للحرب في أوكرانيا. وتتمتع وساطة الإمارات بالمصداقية والقبول، ولاسيما أنها ‏حافظت على مسافة واحدة من أطراف الصراع منذ بداية الحرب. كما أن دولة الإمارات العربية المتحدة عضو غير دائم حالياً في مجلس الأمن الدولي؛ ما يجعل وساطتها محل تقديرٍ من أعضاء المجلس الآخرين، ويجعل قمة بطرسبرغ والنتائج التي ستتمخض عنها محل متابعة من الجميع.

وهناك الجهود التركية المتواصلة منذ بداية الأزمة أيضاً والتي نجحت في التوصل إلى أول اتفاق بين الطرفين بشأن تصدير الحبوب؛ وتلقى الوساطة التركية ترحيب طرفي النزاع، بينما تلقى دعماً واضحاً من الغرب عموماً؛ ويبذل الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، جهوداً حثيثة من أجل وقف إطلاق النار والبحث في إمكانية لقاء مباشر بين الرئيسين: الروسي بوتين، والأوكراني زيلينسكي.

خاتمة

بعد ما يقرب من ثمانية أشهر، اختبر الصراع العسكري الروسي – الأوكراني ثلاث مراحل متباينة في مسار العمليات الحربية، وخصائصها، والنتائج التي تمخضت عنها. وتم تحليل هذه المراحل إلى: مرحلة الهجوم الروسي على كييف، ومرحلة التركيز الروسي على إقليم الدونباس وفتح ممر أرضي يربط الإقليم بشبه جزيرة القرم، ثم مرحلة الهجوم الأوكراني المضاد. ومنذ أوائل شهر أكتوبر 2022، تقف الحرب أمام مفترق طرق قد تقود إلى مزيدٍ من التصعيد العسكري وتوسيع نطاق الصراع، أو إلى خفض مستوى الصراع وربما التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار تمهيداً للدخول في مفاوضات للتسوية السلمية.

وعليه، تبدو الحرب الروسية – الأوكرانية مفتوحة على عدد من الاحتمالات أو السيناريوهات، لخصتها هذه الورقة في ثلاثة. السيناريو الأول وهو يشير إلى استمرار الحرب بين الجانبين لعامين أو أكثر، على عكس ما توقع أغلب المراقبين بانتهاء الحرب نهاية العام الجاري 2022. وقد يفضي هذا السيناريو إلى جمودٍ عسكري، ولاسيما في فصل الشتاء، أو إلى مستوى منخفض من الصراع قد يستمر سنوات، على نمط حالة الصراع بين شطري كوريا منذ انتهاء الحرب الكورية في عام 1953. أما السيناريو الثاني، فيتضمن توسيع دائرة الصراع ليتحول إلى مواجهةٍ عسكرية بين روسيا والغرب، ولاسيما في ظل استمرار الدعم الأمني الغربي الهائل لأوكرانيا؛ ما قد يدفع روسيا إلى توظيف الخيار النووي، ولو باستخدام أسلحة تكتيكية. وفي هذه الحال، قد يتطور الصراع إلى مواجهةٍ نووية شاملة بين روسيا والغرب أو تدخلٍ عسكري أمريكي مباشر بتحطيم أسطول البحر الأسود الروسي و/أو تدمير القوات الروسية في أوكرانيا. أما سيناريو التسوية السلمية، فبرغم صعوبة تحققه في المدى المنظور، فإنه يبقى قائماً في ظل الجهود التي تبذلها أطراف عدة إقليمية ودولية، وفي ظل تأكيد الولايات المتحدة على أهمية إيجاد مخرج للصراع الحالي.

وترجح هذه الورقة السيناريو الأول المتعلق باستمرار الحرب لفترة أطول مما هو متوقع، في ضوء التطورات السياسية والميدانية التي تشير إلى تصعيد مستوى العمليات العسكرية في أوكرانيا. وإذا لم يتوصل الطرفان إلى تسوية سياسية أو إلى وقفٍ لإطلاق النار، فإن الحرب قد تدخل في مرحلة من الجمود العسكري، أو تتحول إلى صراع منخفض المستوى يستمر لسنوات؛ ما سيستنزف قدرات الجانبين.

ومع كل ذلك، فلا بد من التأكيد على أن المفاوضات والحل السلمي هو الخيار الذي يصب في مصلحة ليس الأطراف المتحاربة أو المنخرطة فقط، وإنما العالم أجمع؛ وذلك بالنظر إلى التداعيات الخطرة التي أحدثتها هذه الأزمة على دول العالم كلها دون استثناء. وما أحوج العالم اليوم، وهو لم يكد يتعافى بعد من تأثيرات أزمة كورونا، للسلام والاستقرار الذي يعود دون شك بالنفع على الجميع.