• اخر تحديث : 2024-11-23 11:50
news-details
تقدير موقف

قمة الجزائر العربية: نتائج عادية في ظروف غير عادية


استضافت الجزائر، في 1 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، "القمة العربية العادية الـ 31"، وهي القمة الرابعة التي تستضيفها بعد القمم التي استضافتها من قبل (في الأعوام 1973 و1988 و2005). وقد عُقدت آخر قمة عربية في تونس في آذار/ مارس 2019، وكان يُفترض أن تُعقد في الجزائر قمة عربية أخرى في عام 2020، إلا أن تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، وما عقب هذه الجائحة من قيود، دفعَا إلى تأجيلها إلى أن وافق مجلس وزراء الخارجية العرب على مقترح الجزائر المتمثل في عقدها في التاريخ المذكور، وهو تاريخ يوافق احتفالات الجزائر بالذكرى الثامنة والستين لانطلاق ثورتها التحريرية من الاستعمار الفرنسي عام 1954. وقد انشغلت القمة بالعديد من القضايا العربية والإقليمية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وأزمات سورية واليمن وليبيا والعراق والسودان، إضافة إلى الحرب في أوكرانيا وتداعياتها على الدول العربية.

سياقات انعقاد القمة

ألقت الخلافات العربية بظلالها على القمة العربية في الجزائر، وكان أبرزها الخلاف بشأن عودة سورية إلى جامعة الدول العربية؛ إذ قادت الجزائر جهدًا في هذا الشأن، ساندتها فيه عدة دول عربية؛ من بينها العراق ولبنان، إضافة إلى الأردن الذي برز باعتباره أكثر الداعمين لإعادة سورية إلى جامعة الدول العربية. في حين عارضت دول عربية أخرى، أهمها قطر والسعودية ومصر، هذا الأمر؛ بالنظر إلى أنّ الظروف التي أدت إلى تعليق عضوية سورية في الجامعة، في أواخر عام 2011 لم تتغير. ونتيجةً لعدم التوافق على الموضوع، تخلّت الجزائر عن جهودها المتعلقة به. وكان وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد قد أبلغ نظيره الجزائري رمطان لعمامرة بأن سورية "تفضل عدم طرح موضوع استئناف شغل مقعدها بجامعة الدول العربية خلال قمة الجزائر"، بعد فشل جهود إعادتها. وبرزت خلافات، أيضًا، بين الجزائر والمغرب، في سياق التحضير لعقد القمة؛ إذ انقطعت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، في آب/ أغسطس 2021، نتيجة خلافات مرتبطة بقضية الصحراء الغربية والموقف من إسرائيل.

وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، التي ظلت تتصدر باستمرار جدول أعمال القمم العربية، حصل تراجع كبير في المواقف العربية؛ فمنذ آخر قمة في تونس عام 2019، قامت أربع دول عربية بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل في مخالفة صريحة لمبادرة السلام العربية التي تبنتها القمة العربية التي عُقدت في لبنان عام 2002، والتي اتفق فيها قادة الدول العربية على "التزامهم بالتوقف عن إقامة أية علاقات مع إسرائيل، وتفعيل نشاط مكتب المقاطعة العربية، حتى تستجيب لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، والانسحاب من كافة الأراضي العربية المحتلة حتى خطوط الرابع من حزيران/ يونيو 1967".

من ناحية أخرى، عُقدت القمة العربية في الجزائر بعد التوصل إلى اتفاق مصالحة جديد بين الفصائل الفلسطينية برعاية جزائرية، في تشرين الأول/ أكتوبر 2022، تمثّل في "إعلان الجزائر لِلَمّ الشمل الفلسطيني". ورغم انعدام مؤشرات دالة على أن الاتفاق الجديد سيكون مصيره مختلفًا عن الاتفاقات السابقة، فإنّه ساهم في إعادة القضية الفلسطينية إلى دائرة الاهتمام العربي. وقد عُقدت القمة في الجزائر بعد اتفاق المصالحة الخليجية الذي جرى التوصل إليه في مدينة العلا، في المملكة العربية السعودية، في كانون الثاني/ يناير 2021، ومن ثمّ إنهاء أزمة حصار قطر التي استمرت نحو أربع سنوات.

من الناحية الدولية، جاءت القمة في الجزائر عام 2022، بعد انحسار جائحة كورونا، التي دفعت التعاون الدولي المتعدد الأطراف إلى أزمة كبيرة، تفاقمت معها السياسيات الأحادية، وسياسات الانكفاء على الذات في عدد من مناطق العالم. ثم جاءت الحرب الروسية الأوكرانية لتضع العالم والمنطقة العربية في مواجهة تحديات جديدة، في مجالي الطاقة والغذاء خصوصًا. إضافة إلى ذلك، ألقى تزايد حدة الاستقطاب العالمي، في السنوات الأخيرة، بظلال ثقيلة على عموم المنطقة؛ بالنظر إلى تعقّد علاقات الدول العربية بالقوى الكبرى المتنافسة، واهتزاز التحالفات القديمة تحت تأثير تناقضات متنامية في المصالح.

مستوى التمثيل

كانت الجزائر والأمانة العامة للجامعة العربية تتطلعان إلى قمة عربية يحضرها أكثر الزعماء العرب، خصوصًا بعد انقطاع القمة طوال أكثر من ثلاث سنوات. وعلى الرغم من ذلك، فإنّ مستوى التمثيل في القمة، باستثناء التمثيل المنخفض نسبيًّا للسعودية، لم يكن مختلفًا كثيرًا عن مستواه في قممٍ عربية سابقة؛ إذ حضر هذه القمة قادة تسع دول، إضافة إلى الرئيس الجزائري، وهم: أمير قطر، ورؤساء مصر، وفلسطين، وموريتانيا، والعراق، وتونس، وجزر القمر، والصومال، وجيبوتي. وقد شارك رؤساء المجالس الرئاسية في كل من السودان واليمن وليبيا، فضلًا عن نائب رئيس الإمارات، وولي عهد كلّ من الكويت والأردن. وجرى حضور لبنان في القمة من خلال رئيس الوزراء، في حين كان حضور كلّ من البحرين وعمان من خلال نائب رئيس مجلس الوزراء، وأمّا السعودية فقد كان حضورها من خلال وزير الخارجية، وكذلك الشأن بالنسبة إلى المغرب.

القضايا محل النقاش

تصدرت القضية الفلسطينية جدول أعمال القمة في الجزائر، وذلك في ظل التطورات السياسية والأمنية والإنسانية التي طرأت منذ آخر قمة عربية عام 2019، وبلوغ ممارسات الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين مستوى غير مسبوق، مع استمرار سياسات الاستيطان والتهويد والتهجير، والانتهاكات المتواصلة لحرمة الأماكن المقدسة، واشتداد الحصار على غزة، إضافة إلى التحول في سياسات بعض الدول العربية تجاه التطبيع مع إسرائيل، وهو ما أثّر سلبيًّا في القضية الفلسطينية التي مثّلت، تاريخيًّا، رمزًا لوحدة الموقف العربي. وعلى هذا الأساس، أفرد البيان الختامي للقمة محورًا كاملًا لهذه القضية أكد فيه المشاركون على "مركزية القضية الفلسطينية والدعم المطلق لحقوق الشعب الفلسطيني في الحرية وتقرير المصير وتجسيد دولة فلسطين المستقلة كاملة السيادة"، و"التمسك بمبادرة السلام العربية لعام 2002 بكافة عناصرها، والالتزام بالسلام العادل والشامل كخيار استراتيجي لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لكافة الأراضي العربية". وأكد البيان، أيضًا، على دعم توجّه دولة فلسطين للحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، وضرورة توحيد جهود الدول العربية لتحقيق وحدة الصف الفلسطيني في إطار "إعلان الجزائر" لعام 2022.

وفيما يتعلق بالأوضاع في العالم العربي، ناقشت القمة مسألة الأمن القومي العربي، مع التركيز، هذه المرة، على مسألة الأمن الاقتصادي، في ظل أزمتَي الطاقة والغذاء الناجمتَين عن الحرب الروسية على أوكرانيا. وقد وردت في البيان توصية، هي: "مضاعفة الجهود لتجسيد مشروع التكامل الاقتصادي العربي وفق رؤية شاملة تكفل الاستغلال الأمثل لمقومات الاقتصادات العربية بهدف التفعيل الكامل لمنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى تمهيدًا لإقامة الاتحاد الجمركي العربي". ودعا البيان، أيضًا، إلى تطوير آليات التعاون لمأسسة العمل العربي في مجالات الأمن الغذائي والصحي والطاقوي، ومواجهة التغيرات المناخية.

وناقشت القمة الأوضاع في ليبيا واليمن والعراق وسورية ولبنان والصومال، وجددت الدعوة إلى تبنّي موقف عربي موحد، وتنسيق الجهود؛ للوصول إلى تسوية سلمية للنزاعات والخلافات التي مزقت هذه الدول، ورَفْض جميع أشكال التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية للمنطقة العربية. وعلى منوال القمم السابقة، أخذ موضوع تفعيل العمل العربي المشترك جزءًا كبيرًا من النقاش، وجرى التركيز خاصة على تطوير آليات عمل جامعة الدول العربية، واستحداث أجهزة جديدة تضطلع بالمسائل المستجدة. وقد ثمَّن البيان المقترحات التي تقدّم بها الرئيس عبد المجيد تبون، وهي مقترحات تهدف إلى "تفعيل دور جامعة الدول العربية في الوقاية من النزاعات وحلها وتكريس البعد الشعبي وتعزيز مكانة الشباب والابتكار في العمل العربي المشترك". وأعلن البيان كذلك مساندة الدول العربية دولة قطر في استضافتها نهائيات بطولة كأس العالم لكرة القدم "FIFA قطر 2022"، والثقة التامة بقدرتها على تنظيم "نسخة متميزة" لهذه البطولة. وفي هذا السياق، شدد البيان على رفضه المطلق لـ "حملات التشويه والتشكيك المغرضة" التي تتعرض لها قطر على خلفية فوزها بحق استضافة البطولة.

وفيما يخص العلاقات بين الدول العربية ودول الجوار، والعلاقات المرتبطة بالأوضاع الدولية أيضًا، شدد المشاركون على "ضرورة بناء علاقات سليمة ومتوازنة بين المجموعة العربية والمجتمع الدولي، بما فيه محيطها الإسلامي والإفريقي والأورو-متوسطي، على أسس احترام قواعد حسن الجوار والثقة والتعاون المثمر والالتزام المتبادل بالمبادئ المكرسة في ميثاق الأمم المتحدة وعلى رأسها احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية". والملاحظ أن البيان لم يُشر، في هذا الشأن، إلى قوى إقليمية أو دولية بعينها، على الرغم من تدخلاتها المسترة في شؤون المنطقة العربية. ويبدو أن الجزائر ضغطت من أجل أن يكون البند المتضمن في البيان عامًّا، ومن غير تخصيص.

مثّلت القمة فرصةً للدول العربية؛ من حيث التعبير عن الموقف من الوضع المتأزم للنظام الدولي. وبناءً عليه، دعا البيان الختامي إلى معالجة هذه الاختلالات في بنية النظام الدولي "ضمن مقاربة تضمن التكافؤ والمساواة بين جميع الدول وتضع حدًّا لتهميش الدول النامية"، مع التأكيد على ضرورة مشاركة الدول العربية في صياغة معالم المنظومة الدولية الجديدة بوصفها دولًا منسجمة وموحدة.

وفيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا، دعت الدول العربية إلى "نبذ استعمال القوة والسعي لتفعيل خيار السلام عبر الانخراط الفعلي لمجموعة الاتصال الوزارية العربية في الجهود الدولية الرامية لبلورة حل سياسي للأزمة بما يتوافق مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة ويراعي الشواغل الأمنية للأطراف المعنية". ولم يُشر البيان في هذا الشأن، أيضًا، إلى أطراف النزاع، ولم يذكر روسيا ولا الداعمين الغربيين لأوكرانيا، في محاولة للحفاظ على عدم الانحياز إلى أي طرف، كما يبدو، وضمانًا لعدم انقسام الصف العربي بسبب المواقف المتباينة للدول العربية من الأزمة. وعبّر البيان عن دعم ما أسماه "السياسة المتوازنة التي انتهجها تحالف مجموعة "أوبك +"، للدول المصدرة للنفط، من أجل ضمان استقرار الأسواق العالمية للطاقة"، واستدامة الاستثمارات في هذا القطاع الحساس؛ ضمن مقاربة اقتصادية تضمن حماية مصالح الدول المنتجة للنفط والمستهلكة له على حد سواء.

النتائج المتوقعة للقمة

لم تخرج القمة العربية في الجزائر عن المألوف، أو عن الطابع الذي يميز اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية، مقارنةً بسجلّات القمم العربية السابقة؛ سواء كان ذلك من حيث الحضور ومستوى التمثيل، أو من حيث التوصيات التي وردت في البيان الختامي. وعلى الرغم من الجهود التي بذلتها الجزائر من أجل إنجاح هذه القمة، فإنّ حجم التباينات في القضايا الخلافية لم يصل بالدورة إلى الأهداف المرجوة. ثمّ إنّ تنفيذ البنود الواردة في البيان يبقى مرتهنًا بقدرة الجزائر على متابعتها بصفتها رئيسةً لمجلس الجامعة إلى حين انعقاد دورة مقبلة للقمة العربية، وخاصة على صعيد تنفيذ اتفاق المصالحة الفلسطينية، وهو موضوع تبدو الجزائر مستعدة لبذل جهود كبيرة فيه، أو على صعيد حل الأزمات العربية الممتدة من سورية والعراق إلى اليمن وليبيا. غير أن ذلك لن يكون كافيًا وحده، ما لم تتضافر إرادات كل دول الجامعة من أجل رأب التصدعات الموجودة داخل الجسد العربي نفسه، ثم الانطلاق، بعد ذلك، في مسار تعزيز العمل المشترك، وتحقيق المكانة المرجوة للدول العربية في النظام الدولي الآخذ في التشكل.