قوبل قرار الرياض خفض إنتاج نفط أوبك بغضب في واشنطن. لكن البيت الأبيض يأخذ وقته في إنزال أي عقوبة علنية. وعلى الرغم من رد فعلها الغاضب من قرار السعودية الشهر الماضي خفض إنتاج النفط في مواجهة النقص العالمي والتهديدات بالانتقام، فإن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تبحث عن إمكانية إنقاذ العلاقة الأمنية الوثيقة التي استمرت لعقود بين واشنطن والرياض.
هذه العلاقات، والالتزام بالمساعدة في حماية شركائها الاستراتيجيين - لاسيما ضد إيران - جزء لا يتجزأ من دفاعات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. عندما حذرت تقارير المخابرات الأخيرة من هجمات صاروخية باليستية إيرانية وشيكة وطائرات من دون طيار على أهداف في السعودية، أطلقت القيادة المركزية الأميركية طائرات حربية متمركزة في منطقة الخليج تجاه إيران كجزء من حالة التأهب الشاملة للقوات الأميركية والسعودية. كان تدافع الطائرات التي تم إرسالها كعرض عسكري للقوة لم يتم الإبلاغ عنه من قبل أحدث مثال على قوة وأهمية الشراكة التي قالت الإدارة إنها تعيد تقييمها الآن.
وقال الرئيس بايدن بعد أن اتفق السعوديون الشهر الماضي في اجتماع لمنظمة أوبك بلس للطاقة التي يرأسونها على خفض الإنتاج بمقدار مليوني برميل يوميًا: "ستكون هناك عواقب لما فعلوه".
افترض البيت الأبيض أن خفض إنتاج الخام سيؤدي إلى زيادة الأسعار، وستفيد روسيا عضو الكارتل بالضبط في اللحظة التي كانت تحاول فيها الولايات المتحدة وحلفاؤها خنق عائدات موسكو النفطية لتقويض حربها في أوكرانيا.
رد السعوديون علنًا بأن الإدارة طلبت تأجيل الخفض لمدة شهر، مما يشير بشكل غير مباشر إلى أن بايدن أراد تجنب زيادة الأسعار قبل الانتخابات النصفية الأميركية المقبلة. وصرّح المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي للصحفيين بأن السعوديين كانوا يحاولون "تحويل" مخاوف الولايات المتحدة بشأن أوكرانيا واستقرار الطاقة العالمية إلى حيلة سياسية داخلية، وصرف الانتقادات الموجهة إلى الحرب الروسية.
عبّر العديد من المشرعين ممن دافع بعضهم منذ فترة طويلة عن قطع العلاقات مع السعوديين عن استياء كبير، داعين إلى الانسحاب الفوري لآلاف القوات الأميركية المتمركزة في المملكة ووقف مبيعات الأسلحة من بين إجراءات عقابية أخرى. لكن البيت الأبيض، وهو يفكر في كيفية الوفاء بتعهد "عواقب" بايدن وعلى الرغم من غضبه المستمر، أصبح غير مرتاح بشأن رد الفعل الذي أثاره رد الفعل الحاد في الداخل. بدلاً من التحرك بسرعة للرد، فهو يلعب على عامل الوقت، ويبحث عن طرق لإعادة السعوديين إلى صفه، مع الحفاظ على العلاقات الأمنية الثنائية القوية.
قال مسؤول كبير في الإدارة ـ تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته ـ عما أصبح وضعاً سياسياً ودبلوماسياً حساساً: "كان لدينا خلاف جوهري حول حالة سوق النفط والاقتصاد العالمي، ونحن نراجع ما حدث". وقال المسؤول "لكن لدينا مصالح مهمة على المحك في هذه العلاقة".
يأتي النفط وتأثير السعودية في السوق العالمية في المرتبة الثانية بعد المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة في الخليج العربي، حيث تلعب المملكة دورًا مركزيًا، ليس أقله في مواجهة العدوان الإيراني. وامتنع البيت الأبيض عن التعليق على إطلاق الطائرات الحربية الأميركية. وقال المتحدث باسم القيادة جو بوتشيو: "إن القيادة المركزية ملتزمة بشراكتنا العسكرية الإستراتيجية الطويلة الأمد مع السعودية". لن نناقش التفاصيل التشغيلية. تحتفظ الولايات المتحدة بأصول جوية كبيرة في المنطقة، بما في ذلك طائرات F-22 المقاتلة في السعودية، على الرغم من أن الموقع الذي انطلقوا منه لم يكن واضحًا.
يأتي الآن حوالي 6 في المئة فقط من واردات النفط الأميركية من السعودية. والصين هي الشريك التجاري الأكبر للمملكة، وقد توسعت العلاقات التجارية مع روسيا. لكن العلاقات الأمنية والاستخباراتية هي العمود الفقري للعلاقات الأميركية السعودية، ومسؤولو الدفاع في واشنطن غير مستقرّين لما قد تعنيه الاضطرابات الحالية. يوجد الآن حوالي 2500 جندي أميركي في السعودية، يشارك العديد منهم في أعمال وتدريبات استخباراتية عالية التقنية. الولايات المتحدة هي المورد لما يقرب من ثلاثة أرباع أنظمة الأسلحة التي يستخدمها الجيش السعودي، بما في ذلك الأجزاء المطلوبة باستمرار والإصلاحات والتحديثات.
كانت المبيعات العسكرية للمملكة موضع جدل في السنوات الأخيرة، حيث اعترض عليها الكثيرون في الكونغرس. بينما الرئيس دونالد ترامب، الذي تفاخر بالمليارات من المبيعات الأميركية المحتملة للسعوديين، استخدم حق النقض ضد محاولات الكونغرس لوقف معاملات معينة، حظر بايدن شراء المملكة للأسلحة الأميركية الدفاعية بعد فترة وجيزة من توليه منصبه. منذ ذلك الحين، كانت هناك عمليتا شراء سعوديتان رئيسيتان، صواريخ جو - جو، وصواريخ بديلة لبطاريات دفاع جوي باتريوت. ووافقت وزارة الخارجية على طلب آخر لشراء 300 صاروخ باتريوت - بأكثر من 3 ملايين دولار لكل وحدة - في آب/أغسطس بعد زيارة بايدن للمملكة، حيث يُعتقد أنه اتفق مع ولي العهد بعدم خفض إنتاج النفط.
في انعكاس للمستوى الحالي من غضب الكونغرس، قال السناتور كريس مورفي (ديمقراطي) الشهر الماضي أنه يجب إيقاف مبيعات الأسلحة إلى السعودية، وسحب أنظمة الباتريوت وإرسالها إلى أوكرانيا. وكتب مورفي على تويتر: "إذا لم تكن السعودية على استعداد للانحياز إلى جانب أوكرانيا والولايات المتحدة في مواجهة روسيا، فلماذا نحافظ على صواريخ باتريوت هذه في السعودية عندما تحتاجها أوكرانيا وحلفاؤنا في الناتو".
بينما لا يزال نظامان من صواريخ الباتريوت الموجودة في السعودية تحت سيطر ة الولايات المتحدة لحماية الأفراد الأميركيين من هجمات الحوثيين في اليمن الصاروخية، ومن إيران على الأرجح، فقد اشترت السعودية الجزء الأكبر من الأنظمة المستخدمة هناك منذ سنوات.
قال بايدن إنه يريد التشاور مع المشرعين بشأن "العواقب" الموعودة، وبينما تدعم تصريحات المشرعين القوية تهديده، فإن عطلة الكونغرس تمنح الإدارة أيضًا مساحة لالتقاط الأنفاس.
وجاءت أقوى الاعتراضات على التعامل مع المملكة كالمعتاد من الديمقراطيين. قدم النائب رو خانا والسناتور ريتشارد بلومنثال الشهر الماضي مشروع قانون لوقف مبيعات الأسلحة الأميركية إلى السعودية حتى تعيد النظر في خفض إنتاج النفط. وقال بلومنتال: "السعوديون بحاجة إلى العودة إلى رشدهم". الهدف الوحيد الواضح لهذا الخفض في إمدادات النفط هو مساعدة الروس وإلحاق الضرر بالأميركيين.
حتى الآن، لم تقدم الإدارة أي أدلة بشأن الإجراءات العقابية، إن وجدت، ولا يبدو أنها في عجلة من أمرها لاتخاذ قرار بشأنها. قال كيربي الأسبوع الماضي: "لسنا بحاجة لأن نكون في عجلة من أمرنا". في غضون ذلك، شدد المسؤولون على الخطوات التي يقولون إن السعوديين اتخذوها لتهدئة الغضب الأميركي وإثبات أنهم لا يميلون إلى روسيا. فبالإضافة إلى تصويت السعودية لصالح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي الذي يدين ضم روسيا غير القانوني لأربع مناطق في أوكرانيا، اتصل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة، بالرئيس فولوديمير زيلينسكي ليخبره أن السعودية ستساهم بمبلغ 400 مليون دولار في المساعدات الإنسانية لأوكرانيا، أكثر بكثير من تبرعها السابق الوحيد البالغ 10 ملايين دولار في نيسان/ أبريل. لكن وزير الخارجية أنطوني بلينكين أشار إلى أن هذا ليس كافيًا بعد.
إن انقضاء الوقت يزيد من فرص السعودية في تصحيح الأمور، وتلطيف أي رد أمريكي محتمل، والمرجح أن يأتي أحد المؤشرات الرئيسة الشهر المقبل، بعدما قرر الاتحاد الأوروبي فرض حظر على الواردات المنقولة بحرا من النفط الخام الروسي -يليه حظر على المنتجات البترولية الروسية بعد شهرين- والخطط التي روجت لها الولايات المتحدة لفرض سقف لسعر النفط الروسي.