• اخر تحديث : 2024-04-24 13:38

يخوض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين معركة تتجاوز الإطار الصارم للعمليات العسكرية. فهو يخوض حربًا على جبهتين. أولا هناك الجبهة العسكرية ضد الجيش الأوكراني الذي قلل من شجاعته. ثم هناك الجبهة الأيديولوجية ضد الغرب الذي يعتبره في حالة انحطاط أخلاقي كامل.

على الجبهة العسكرية لا تسير الأمور على ما يرام بالنسبة إلى سيد الكرملين الذي لا يذهب أبدًا إلى خط المواجهة. أظهر الجيش الروسي خلال ثمانية أشهر ونصف من الحرب أنه أقل قدرة على المناورة، وأقل إبداعًا، وأقل انضباطًا، وأقل تجهيزًا من خصمه الأوكراني. ليس لديه حلفاء يمدونها بالتدريب والاستخبارات والأسلحة الحديثة. لا نرى كيف يمكن للمحتل الروسي أن يحتفظ اليوم بجيبه في خيرسون (مدينة مدعومة بالضفة الغربية لنهر دنيبر)، العاصمة الإقليمية الأوكرانية الوحيدة التي تم الاستيلاء عليها في هذه العملية العسكرية الخاصة التي بدأت في 24 شباط/ فبراير 2022. 

لا يمكن التنبؤ بالتاريخ، لكن من المرجح أن ينسحب بوتين من خيرسون من دون قتال لتدعيم جبهته خلف العائق الطبيعي لنهر الدنيبر، وهو نهر يزيد عرضه عن كيلومتر واحد. ويحتمل أن يستخدم الجيش الروسي فصل الشتاء لإكمال التدريب العسكري لمجنديهم البالغ عددهم 300 ألف، ويفكر الكرملين الآن في جعل نهر الدنيبر الحدود الغربية الجديدة لروسيا. لكن هل سيكون قادرًا في العام 2023؟، إن كل شيء يعتمد على قدرة الجيش الروسي على التحديث مع حلول ذاك الوقت.

وعلى الجبهة الأيديولوجية، يقف بوتين في خط المواجهة ضد الغربيين. ففي اجتماع الجمعيات التاريخية الروسية بتاريخ 4 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، قال رئيس روسيا: "لا مفر من الصدام بين روسيا وهذا النظام النازي الجديد الذي ظهر في أوكرانيا ". ووصف غزوه في 24 شباط/فبراير بالعمل الاستباقي الوقائي في مواجهة هجوم وشيك على روسيا. إن استخدام بوتين لكلمة وقائي ليس بالأمر الهين. وهو يشير ضمنًا إلى عملية الناتو الوقائية في آذار\مارس 1999 ضد صربيا لإنقاذ الانفصاليين الناطقين بالألبانية في كوسوفو من مذبحة توقعوها.

كانت حرب الناتو الوقائية غير قانونية لأن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لم يصرح بها. يقول بوتين إنه اتخذ إجراءات وقائية ضد أوكرانيا لإنقاذ الانفصاليين الناطقين بالروسية في دونباس من مذبحة متوقعة. وهو خطاب لا تنقصه الفاعلية ضد الغربيين الذين مارسوا حروبًا وقائية في العراق وليبيا وخلفت الفوضى هناك. لكن الرئيس الروسي واصل حديثه باتهام الغربيين الذين يجهزون الجيش الأوكراني بالترويج "لأهدافهم الجيوسياسية التي لا علاقة لها بمصالح الشعب الأوكراني". يمكن أن يكون للغربيين دوافع خفية تتجاوز مجرد التضامن مع الشعب الأوكراني في هذه الحرب.

ونتيجة عدم ارتياحه حيال أوكرانيا قرر بوتين أن ينظر إلى ما هو أعلى: الفضاء الحضاري. فقد انتقد في خطابه في منتدى فالداي في 27 تشرين الأول/ أكتوبر 2022، غطرسة الغرب الاستعمارية الجديدة التي تسعى إلى فرض الأنظمة الغربية الليبرالية على العالم بأسره، ما يحرم الدول الأخرى من اتباع نظامها الخاص. وقد حقق هذا الخطاب نجاحًا كبيرًا في العالم الثالث. كما أنه يؤثر على الجماهير المحافظة المرتبطة بالقيم العائلية التقليدية في أميركا وأوروبا. لكن ادعاء بوتين ببناء روما الثالثة للمسيحية سيكون أكثر مصداقية إذا تخلى نظام حكم الأوليغارشية عن السرقة والقتل.