مؤشرات ميدانية كثيرة تؤكد على فشل الحرب التركيبية، ابتداءًا من انحسار الاحتجاجات، وصولًا الى الاعتراف الإسرائيلي بذلك، ولأن الحرب التركيبية أو الهجينة كما يسميها الغرب قائمة على الأدوات التقليدية والحديثة، السرية والعلنية، السلمية وغير السلمية وعلى الادوات الاجتماعية والاقتصادية والافتراضية والادوات الناعمة، وعلى الاستعانة بالجماعات الانفصالية والإرهابية، يمكننا القول أن هذه الحرب بائت بالفشل.
بدأت هذ الحرب مع أزمة تضخيم قضية الحجاب والمظاهرات التي خرجت في البداية وكانت سلمية، ولاحقاً اندمجت معها عوامل ودوافع ومكونات اخرى تتعلق بالوضع المعيشي والاقتصادي ودعوات الانفصال المدعومة من الخارج والفروقات الاجتماعية الطبيعية الموجودة في أي مجتمع والتنوع العرقي والمذهبي والإثني وتنوّع التوجهات والميول والحريّات التي يوفرها النظام الإيراني، بالإضافة الى استغلال المعارضة الإيرانية الموجودة في الخارج وكذلك محيطها الجغرافي.
وسارعت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها للتدخل بقضية مهسا أميني منذ اليوم الاول من وفاتها من أجل تحقيق أهدافها السياسية ضد إيران حكومةً وشعبًا. استخدمت الدول المتورطة الخطابات التحريضية وتدخل السفارات وفرض العقوبات من أجل تحقيق أهدافها ضد إيران. وهذا ما أشار إليه محافظ العاصمة الإيرانية طهران، محسن منصوري، عن وجود رعايا أجانب بين المعتقلين. وعلى حسابه في "تويتر"، قال: "بحسب التقرير الدقيق للأجهزة المعنية في قضايا طهران الأخيرة، يمكن رؤية آثار تدخل بعض السفارات وأجهزة التجسس الأجنبية بوضوح". وأضاف: "تم القبض على رعايا 3 دول أجنبية خلال اعتقالات الاحتجاجات في طهران". ويمكن اختصار أهداف التدخل بـ: تشويه نجاح رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية إبراهيم رئيسي، تشويه الثورة الإسلامية، زعزعة استقرار إيران، تشويه صورة النظام وتأليب الداخل الإيراني عليه وعلى شخصية السيد القائد علي الخامنئي، كذلك إشغال إيران في القضايا الداخلية.
وفي هذه الورقة، شرح لمؤشرات فشل الحرب التركيبية على إيران من خلال تفنيد مسار العوامل التي تم استغلالها.
أولاً: انحسار الاحتجاجات في جميع المدن الإيرانية
في البداية سمح النظام الإيراني في التظاهرات الشعبية التي كانت تحمل عنوان "حرية المرأة" ولكن سرعان ما انحسرت، وخرج المتظاهرون العفويون بسبب أعمال الشغب والتخريب والتعدي على الأملاك العامة والخاصّة لأن تلك التحركات لا تمثلهم ولا تمثّل مطالبهم. وبعدما كشفت القوى الأمنية الإيرانية عن جماعات مسلحّة مدربّة ومنظمّة ترتبط بجماعة المعارضة الإيرانية المتواجدة بالخارج مدعومة وممولة من الاستخبارات الأمريكية والسعودية والبريطانية، ونشر فيديوهات مسجلة عن تواطؤ المندسين مع بعض المحتجين وتسليمهم مبالغ من المال مقابل إثارة الشغب، انحسرت الاحتجاجات بنسبة 90% بالمدن الإيرانية. وتظهر المعطيات والصور المنشورة أن معظم الاحتجاجات تقام بمشاركة 300 شخص على أكثر تقدير. وقال معلق الشؤون العبرية في القناة 12 الإسرائيلية إيهود يعري في 24-9-2022:" "للأسف الشديد، نجحت السلطات في إيران في وضع بطانية ثقيلة (بمعنى إطفائها) على موجة الاحتجاجات التي شملت مدناً إيرانية، والتي تضمّنت هجمات ضد مراكز حكومية، وهجمات مع زجاجات حارقة ضد قوات البسيج التي تفرّق التظاهرات". وأضاف أن "الأميركيين يبذلون جهوداً من أجل فتح الإنترنت الذي أغلقته السلطات الإيرانية لتعطيل شبكات التواصل الاجتماعي، لكنّ هذا لم يساعد، ونحن نرى تراجعاً واضحاً جداً في حجم التظاهرات وقوتها، وأيضاً في الجانب العنيف منها".
ثانيًا: الانكشاف الأمني لضباط ادارة الحرب
أعلنت الاستخبارات الإيرانية عن هوية مثيري الشغب وعن المسؤولين عن مجزرة المزار في شيراز، وعن إرهابيين كانوا يستعدون لتنفيذ عمليات إرهابية في مختلف المناطق الإيرانية لا سيما في زهدان وسيستان وبلوشستان ومدن تابعة لمحافظة الأهواز جنوب غربي إيران. هذا الإنجاز الإستخباراتي كان ردًّا عقابيًّا فيما يتعلّق بالاعتبار الأمني تجاه الجهات والدول المتوّرطة، ومن أهم هذه الانكشافات الأمنية:
- قال وزير الأمن الإيراني إسماعيل خطيب: "إيران اعتقلت، قبل اندلاع أعمال الشغب، ضباطاً يعملون في أجهزة استخبارات أجنبية، ولاسيما الجهاز الأمني الفرنسي".
- وفق آخر الإحصاءات، تم اعتقال 100 عنصر من منظمة "مجاهدي خلق"، وأكثر من 150 عنصراً من التنظيمات الإرهابية الأخرى.
- اعتقال جميع المتورطين والبالغ عددهم 26 شخصاً في الاعتداء الإرهابي على مرقد "شاه شراغ" في محافظة شيراز.
- اعتقال 26 إرهابياً من دول أذربيجان وطاجيكستان وأفغانستان، والذي كان بعضهم يستعد لتنفيذ عمليات إرهابية، ولا سيما في زهَدان؛ مركز محافظة سيستان وبلوشستان.
- اعتقال 7 متورطين في أعمال شغب وتخريب بمدينة مشهد.
- توقيف مجموعة تخريب واغتيال في مدينة خوزستان التابعة لمحافظة الأهواز جنوب غربي إيران.
- اعتقال أعضاء مجموعة تخريب واغتيال في مدينة خوزستان التابعة لمحافظة الأهواز جنوب غرب إيران.
- القبض على الممثلين الذين فبركوا فيلم إهانة العمامة.
- اعتقال "إلهام أفكاري" احدى العملاء الرئيسيين لقناة إيران إنترناشيونال والتي قامت بالعديد من الأنشطة والإجراءات لتشويه سمعة النظام ودعوة الشباب والفتيات إلى أعمال الشغب وإثارة الرعب بين الناس.
ثالثًا: انكشاف خطوط الامدادات اللوجستية
بالإضافة الى الإنكشافات الأمنية، كشفت الاستخبارات الإيرانية الامدادات اللوجستية المرسلة من الجهات الخارجية المتورطة الى أذرعها داخل إيران بهدف مواصلة أعمال الشغب والأعمال الإرهابية، وأبرزها:
- أعلن قائد قوات حرس الحدود الإيراني العميد أحمد علي كودرزي أن "القوات الإيرانية ضبطت في الأيام الـ45 الماضية نحو 600 قطعة سلاح حربي".
- ضبط ثلاثة شحنات أسلحة قادمة من الخارج في اتجاه سيستان وبلوشستان تحتوي على كميات من المسدسات ومخازن الأسلحة والذخيرة، وقد اعتقل شخص على علاقة بهذه العملية.
- أعلن مدعي المحاكم العامة والثورية في مدينة خرمشهر الإيرانية فاخر باوي عن ضبط شحنة أسلحة وذخائر في هذه المدينة الواقعة بمحافظة خوزستان جنوب غرب إيران، وفق ما نقلت وكالة الأنباء الإيرانية (إرنا). ولفت باوي، في تصريح له، إلى أنّه "بعد تلقي تقرير من قيادة قوى الامن الداخلي في خرمشهر وإصدار أمر قضائي، تم كشف وضبط 34 مسدسا وبندقية كلاشينكوف واحدة و67 مخزن عتاد و9 آلاف و739 رصاصة مسدس و12 ألفًا و630 طلقة من طراز كالانينكوف"، مشددًا على أنّه "تم في هذا الصدد اعتقال شخصين متهمين".
- ضبط شحنة أسلحة حربية وذخائر من صناعة أميركية في مدينة مهاباد في محافظة أذربيجان الغربية.
رابعًا: الانكشاف المبكر للعمليات الإرهابية
وضمن مسار الانكشاف الأمني للجهات والدول المتوطة، فقد أحبطت الاستخبارات الإيرانية عدّة عمليات كانت تهدف الى اغتيال شخصيات عربية وزرع المتفجرات، وأبرزها:
- تفكيك خلية إرهابية في كرمنشاه غربي إيران، كانت تخطط لاغتيال شخصيات عربية.
-احباط عملية تفجير في منطقة معالي آباد، في مدينة شيراز، جنوبي إيران، وذلك بتفكيك القنبلة التي كانت مزروعة في شارع رئيسي في مدينة شيراز قبل انفجارها.
- تفكيك خلية إرهابية في محافظة خوزستان مدعومة من دولة أوروبية واعترف المعتقلون أنهم كانوا بصدد اغتيال شخصيات عربية في خوزستان وتكرار سيناريو القتل على غرار ما حصل في زاهدان واردبيل.
- تفكيك "خلية إرهابية" مسلحة في محافظة آذربيجان الغربية شمال غربي البلاد.
خامسًا: امتلاك إيران القدرة على الرد
مجموعة من عوامل القوة امتلكتها إيران مكنتها من القدرة على الردّ ضد الجهات والدول المتورطة على رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وذلك عبر التهديد وفرض العقوبات. وهي: استقرار إيران رغم كل الضغوط والعقوبات المفروضة عليها، وتحوّلها خلال أربعة عقود إلى أقوى دولة إقليمية، وامتلاكها قدرات للتأثير على السياسات العالمية، خاصة تلك التي تتعلق بغرب آسيا، بالإضافة الى تقدمها في المجالات العلمية المختلفة المدنية والعسكرية، لا سيما الطاقة النووية وصناعة المسيّرات والصواريخ، كذلك انجازات إدارة إبراهيم رئيسي خلال سنة خاصة على مستوى تطوير علاقتها السياسية والاقتصادية مع محيط إيران ومع روسا والصين، واعتماد استراتيجية اقتصادية جديدة تعزّز التوجه شرقًا وتقلّل من أهمية الاتجاه غربًا. واللافت أن خبرة إيران المكتسبة في سنوات الحرب في سوريا سمحت لها بإيجاد الطرق المناسبة للتعامل مع الأحداث الجارية في الوقت الذي تتعرّض فيه لهجمات شرسة من الإعلام الغربي. كما أن الحكمة الإيرانية أنتجت تعاملاً متفرّداً مع ما يحدث، فتجربتها منذ 43 عاماً سواء على المستوى الداخلي الذي أوصلها إلى طليعة الدول العلميّة، أو من خلال دعمها اللامشروط لدول وشعوب محور المقاومة.
- قال عضو لجنة الأمن القومي في مجلس الشورى الإيراني: "الجرائم المرتكبة ضد إيران لن تبقى من دون رد، إذا كانت إسرائيل تقود المؤامرة ضد إيران فإنها ستتلقى الرد الأكبر".
- قال قائد قوات حرس الحدود الإيراني العميد أحمد علي كودرزي: "سنتصدى بقوة لكلّ من يحاول زعزعة الأمن في البلاد".
- أكّد قائد حرس الثورة في إيران اللواء حسين سلامي أن: "من يسلب الشعب الإيراني السلام لن يحصل عليه. أعداؤنا يدركون أننا سنرد وسننتقم منهم بالتأكيد على تدخلاتهم وممارساتهم العدائية".
- فرض عقوبات على 8 أفراد، وكيان واحد من الجنسية الكندية بسبب دعم هؤلاء الأشخاص والكيان لمنظمة خلق الإرهابية، والتحريض على الأعمال الإرهابية والعنف، ضد الشعب الإيراني، والترويج لمعلومات مغلوطة حيال إيران، ومن بين هؤلاء الأشخاص، وزير الأمن العام، ووزير الدفاع الوطني الكندي".
- فرض عقوبات على 8 مؤسسات و12 فرداً في الاتحاد الأوروبي، بسبب دعم الإرهاب والعنف على أراضي ايران.
- فرضت عقوبات على 13 شخصاً و7 مؤسسات بريطانية، منها شبكة "إيران إنترناشيونال، و"بي بي سي" الناطقة بالفارسية، بسبب جرائم التحريض على الاغتيالات وأعمال العنف والتطرف في ايران.
سادسًا: استخدام الأكاذيب لتعويض الخلل
بالرغم من التضليل الإعلامي الكبير منذ وفاة مهسا أميني، الذي عمدت الدول المتورطة إلى ضخّه بكثافة عبر القنوات الإعلامية المعارضة والغربية، إلا أن الجمهورية الإسلامية نفذت وصية السيد القائد علي خامنئي فيما يتعلّق بجهاد التبيين، وقام المسؤولون الإيرانيون بالتعاون مع الوسائل الإعلامية ووسائل التواصل الإجتماعي بالكشف عن الأكاذيب التي تبثها أبواق الفتنة. وهكذا أصبح الداخل الإيراني على دراية بالخطة الممنهجة التي تقوم بها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا بالتعاون مع السعودية والكيان الصهيوني. بالإضافة الى أن كمية الأكاذيب الكبيرة التي بثّت والتي وصلت الى أكثر من 38 ألف كذبة ضد إيران هي دليل وجود خلل جوهري في الخطة التخريبية المعادية لا سيما في مبررات شن هذه الحرب، وسياقاتها، ونتائج هذه الحرب.
- قالت وكالة "فارس" الإيرانية، أنّ: "وسائل الإعلام المعادية نشرت أكثر من 38 ألف كذبة ضد إيران في الفترة الممتدة من 14 أيلول/سبتمبر إلى 31 تشرين الأول/أكتوبر".
- قالت وكالة تسنيم الإيرانية: "تراجع التجمعات الاحتجاجية بنسبة 90% في أغلب أنحاء إيران، بعد خروج المسيرات الداعمة للنظام."
- قال وزير الأمن الإيراني إسماعيل خطيب: "يد الكيان الصهيوني، في الأحداث الأخيرة، كانت أكثر وضوحاً في التنفيذ، وأيدي البريطانيين أكثر وضوحاً في الدعاية الإعلامية، ويد النظام السعودي أكثر وضوحاً في الدعم المالي". "السعودية قدّمت الدعم المالي الكامل إلى معرض برلين الفاسد في مجال الدعاية وإنشاء المساحات وتأجير معدات التصوير وتوفير التسهيلات لوجود الصحافيين والأطعمة الموزعة وما إلى ذلك".
- بيان مشترك لوزارة الأمن وحرس الثورة بشأن الأحداث الأخيرة:"العدو سعى، خلال الأشهر الأخيرة، لتهيئة الأرضية للشغب من خلال صرف ميزانية مضاعفة واعتماد وسائل متنوعة". "الأعداء استأجروا حسابات لشخصيات مشهورة لديها ملايين المتابعات لفترة زمنية لنشر معلومات كاذبة أو موجهة ضد إيران". وأعلن رئيس مجلس الشورى الإيراني، محمد باقر قاليباف، أنّ "المنظمين الرئيسين لأعمال الشغب في إيران هم وكالة الاستخبارات الأميركية والموساد ومجموعاتهما".
- كشف تسجيلٌ صوتي مسرّب للصحافية الإيرانية في قناة "بي بي سي" فارسي: "قناة إيران إينترناشنال (المدعومة سعودياً) وجّهت موظفيها إلى إجراء لقاءات تلفزيونية، مع قادة الأحزاب المناوئة للنظام في إيران". "دول المنطقة لا تريد إيران ديمقراطية، وفي حال طبّقت الديمقراطية وسارت الحركة النسوية قُدماً وأخذت النساء حقوقهن، فإنّ أول من سيصاب بالخوف والهلع هي السعودية". "بطبيعة الحال، المعارضون لا يهتمون بمستقبل إيران، والسؤال المطروح هو: لماذا هم الآن يعزفون على وتر تقسيم البلاد؟ والجواب: لأنهم يريدون إيران مقسّمة وضعيفة".
- نقلت وسائل الإعلام الإيرانية مشاركة النساء الإيرانيات بكثافة، ومن بينهن غير المحجبات، في فعاليات اليوم العالمي لمقارعة الاستكبار. وقال مساعد ومستشار قائد الثورة الإسلامية للشؤون العسكرية اللواء يحيى رحيم صفوي: "لقد جاءوا في الاحداث الاخيرة التي استهدفت أمن البلاد، بكل ثقلهم الإعلامي وشبكاتهم المتغلغلة في المنطقة وحتى أنهم استعانوا بكل الفاسدين والجواسيس داخل إيران ولكن بفضل الله تعالى وقائدنا المقتدر قد منيو بالهزيمة وأحبط شعبنا هذه الفتنة كما أحبط سابقاتها".
وهذا دليل واضح للمساعي الدولية لخلق واقع دعائي غير موجود في الأحداث الإيرانية، والذي يحتاج الى دعم لوجيستي للحملة الدعائية السلبية من أشخاص يتولاه الموساد والاستخبارات الأمريكية، وتغطية إعلامية تتولاه بريطانيا والمال السعودي لشراء الذمم وتغطية تكاليف الحملة.
سابعًا: عدم استخدام السلاح ضد المحتجين
لم تضطر الشرطة الإيرانية الى استخدام السلاح ضد المحتجين، فقد انحسرت الاحتجاجات بمجرّد أن بدأ المندسين في إثارة الشغب، لأن هذه الاعمال العنفية لا تمثلهم ولا تمثل مطالبهم. والصور التي تم نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، أثبتت أنها مزيفة ومفبركة عبر تقنيات إلكترونية بسيطة، وذلك بهدف تأليب الشعب الإيراني على المؤسسات الامنية. على سبيل المثال، الفيديو المفبرك الذي نشر على التويتر يظهر رجل يضرب إمرأة ضربًا مبرحًا بسبب احتجاجها تبيّن بعد ذلك أن الرجل ليس من الشرطة الإيرانية والفيديو ليس مصّور في إيران أصلًا. وأيضًا فيديو الذي انتشر على مواقع التواصل الإجتماعي يبيّن شرطيّ إيرانيّ يضرب امرأة ويعتقلها على خلفية الحجاب، تبيّن أن هذا الفيديو قديم منشور في أيار/مايو وليس له علاقة بالجمهورية الإسلامية.
ثامنًا: العدد القليل للمحتجين مقابل المسيرات الشعبية الضخمة الداعمة للنظام
بحسب وكالة أنباء فارس، شارك في الاحتجاجات الإيرانية حوالي 100 ألف شخص وفي عدة مدن محدودة، وهذا رقم ضئيل جدًّا مقابل الملايين التي شاركت في المسيرات الشعبية الحاشدة التي خرجت في كل أنحاء إيران، دعمًا للنظام ورفضًا للفوضى، والتي كشفت عن القوة الشعبية التي يستند إليها النظام، في أصدق تعبير عن رسوخ نظرية "السيادة الشعبية" الحاكمة في البلاد. كما كان ملفتًا المشاركة الضخمة للمشيّعين أثناء تشييع شهداء شيراز، الذين حمّلوا مسؤولية المؤامرة على إيران إلى كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والكيان المؤقت والسعودية.
تاسعًا: انتقال الاحتجاجات الى مستوى الأعمال الإرهابية
العديد من المحلّلين الأميركيين، كالمجموعة التي نشرت تقريراً على موقع "معهد دراسات الحرب" في الـ10-10-2022، يرون أن موجة الاحتجاجات التي تشهدها إيران، توفّر فرصة لاستقطاب الحركات الانفصالية في كردستان وسيستان - بلوشستان، لأعداد كبيرة من الأنصار في أوساط المحتجّين، وتصعيد عملياتها ضدّ الجمهورية الإسلامية. وقد سارعت شبكة «سي أن أن»، في الـ19 -10-2022، إلى إعداد تقرير عن التحاق شابات كرديات من إيران بالمجموعات الانفصالية المسلّحة المتمركزة في كردستان العراق للقتال في صفوفها. ويأتي الهجوم على مزار "شاه شراغ" في مدينة شيراز، الذي تبنّاه "داعش"، في سياق تراجُع الاحتجاجات «السلمية»، وتزايُد العمليات المسلّحة التي تشنّها المجموعات المسلّحة في أطراف البلاد. وأكدّ ذلك، الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في مقابلة تلفيزيونية:" إن أعمال الشغب تمهّد الأرضية لوقوع هجمات "إرهابية" كالتي استهدفت أمس مدينة شيراز جنوب البلاد. العدو ينوي إعاقة تقدم البلاد عبر أعمال الشغب هذه التي تمهّد الطريق أمام أعمال إرهابية". قال عضو لجنة الأمن القومي في مجلس الشورى الإيراني، محمود عباس زادة مشكيني: "بعض المعتقلين المتورطين بأعمال الإرهاب كانوا من جنسيات مختلفة، ويسعون إلى إعادة إنتاج داعش". وهذا ما يدل على فشل الحرب التركيبية المخطط لها بأن تبدأ بالاحتجاجات وتنتهي بإسقاط النظام الإيراني. ولكنها سارت على عكس المخطط له، بدأت الحرب بالاحتجاجات وسارت نحو الأعمال الإرهابية، الأمر الذي أدّى الى الالتفاف الشعب حول النظام لمواجهة الموجة الإرهابية وليس النظام الإيراني.
عاشرًا: استيعاب النظام للصدمة وعدم تؤثر مؤسساته في الأحداث الجارية
منذ وفاة مهسا أميني استطاعت إيران احتواء الصدمة والتعامل معها بحكمة وعبر القانون والقدرة الطبية استطاعت تبرئة نفسها من تهمة القتل المتعمد لأميني بالرغم من موجة الاحتجاجات وأعمال الشغب والهجمات الأمنية والاقتصادية والسيبرانية والإعلامية الممنهجة لتشويه صورة النظام وتأليب الشعب الإيراني على دولته وقيادته. بقيت المؤسسات الإيرانية لا سيما الأمنية والاستخباراتية صامدة وتتقدّم على الجهات المتورطة بخطوة وتكشف أعمالهم الإرهابية، وذلك ليس بالداخل الإيراني فحسب، بل وحتى خارج إيران، على سبيل المثال كردستان العراق.
حادي عشر: ضيق نطاق الحركات الإنفصالية
ضاق نطاق الحركات الإنفصالية في إيران بعد حدوث مجزرة المزار في شيراز، فقساوة المشهد وكشف مخططات الجهات المتورّطة للشارع الإيراني، تلقاها الشعب الإيراني كرسالة دم. إذ فهم الإيرانيون أن ما يراد للشعب الإيراني هو الفوضى والدماء وتغيير النظام الذي لطالما وفّر الحماية لشعبه منذ انتصار الثورة الإسلامية. كما أن الحرس الثوري يوفّر الحماية القصوى في المحيط الجغرافي لإيران لعدم تسلل المعارضين والإنفصاليين من حدود كردستان العراق ومن حدود أفغانستان وباكستان. والملفت أن الفئات التي تعمل وتتحرك باتجاه انفصالي هي جهات ممولة من السعودية ولا تمثل الأقليات القومية الإيرانية في الأساس. والدليل على ذلك أن كل المعتقلين عبر التحقيق معهم ثبت أنهم ممولين من السفارات وأنهم غير تابعين لأي حركة إنفصالية وهذا ما أكده محافظ العاصمة الإيرانية طهران، محسن منصوري، عندما أعلن عن "قبض رعايا 3 دول أجنبية خلال اعتقالات الاحتجاجات في طهران".