• اخر تحديث : 2024-11-22 10:05
news-details
أبحاث

منطقة التجارة الحرة الإفريقية: الفرص والآمال


تعتبر منطقة التجارة الحرة للقارية الإفريقية في منظورها العام أكثر بكثير من مجرد اتفاقية تجارية، حيث ينظر إليها على أنها أداة مكتملة الأركان لتنمية إفريقيا، من خلال دفعها بشكل استراتيجي الى تكامل القارة، وتضع الأسس الراسخة لإحداث ثورة صناعية وتجارية وبالتالي توفيرها لفرص الأعمال والوظائف في إفريقيا. وهي أيضًا اتفاقية تجارية طموحة لتشكيل أكبر منطقة تجارة حرة في العالم في حال تم بالفعل تنفيذها، فهي تربط ما يقرب من "1.3 مليار شخص عبر 55 دولة إفريقية تمثل الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي". والهدف هو الوصول إلى التكامل الاقتصادي المنشود بقارتنا الإفريقية؛ سعيًا لتحسين مناخ الاستثمار والاستغلال الأمثل للموارد المتاحة.

تحاول هذه الورقة، توضيح كيف بدأت وأين وصلت فكرة منطقة التجارة الحرة الإفريقية، ومن ثم تعرِّج على فرص التنمية المتاحة، والعوائق والعراقيل التي تواجهها، ومحاولة إيجاد الحلول لكيفية تذليلها والوصول للهدف المنشود.

كيف بدأت وأين وصلت؟

نشأت منطقة التجارة الحرة للقارية الإفريقية بناء على رغبة متبادلة للدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي لضمان فرص عمل وحياة أفضل للشعوب الإفريقية وتوفير سبل علاج مستدامة للعديد من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تعج بها القارة، بما في ذلك الهجرة غير الشرعية التي تؤدي إلى إزهاق أرواح العديد من شبابنا الأفارقة.

وقَّعت حتى الآن "54 دولة عضوًا بالاتحاد الإفريقي على اتفاقية إنشاء منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية. كما أن ثلاثًا وأربعين دولة عضوًا في الاتحاد الإفريقي هي دول أطراف في الاتفاقية"، بحكم إيداعها لوثائق التصديق على الاتفاقية، مما يدل على إرادة سياسية ثابتة لتحقيق تكامل السوق في إفريقيا. وعملًا بالمادة 13 من اتفاقية إنشاء منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، أنشأ المؤتمر أمانة لمنطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، ويقع مقرها في أكرا غانا. والدول التي صادقت على الاتفاقية هي:

غانا، كينيا، رواندا، النيجر، تشاد، إيسواتيني، غينيا، كوت ديفوار، مالي، ناميبيا، جنوب إفريقيا، جمهورية الكونغو، جيبوتي، موريتانيا، أوغندا، السنغال، توغو، مصر، إثيوبيا، غامبيا، جمهورية الصحراء العربية، سيراليون، زيمبابوي، بوركينا فاسو، ساو تومي وبرينسيبي، غينيا الاستوائية، الغابون، موريشيوس، جمهورية إفريقيا الوسطى، أنغولا، ليسوتو، تونس، الكاميرون، نيجيريا، مالاوي، زامبيا، الجزائر، بوروندي، سيشيل، تنزانيا، كابو فيردي، المغرب، جمهورية الكونغو الديمقراطية.

هناك 6 دول أعضاء ما زالت لم تصادق على الاتفاقية وهي دول في منظمات اقتصادية، ففي مجموعة دول شرق إفريقيا (EAC) لم تصادق جنوب السودان. وفي الاتحاد الجمركي لمنطقة الجنوب الإفريقي (SACU)، لم تصادق بوتسوانا بعد على وثيقة التصديق الخاصة بها، كما كشف الاجتماع التنسيقي الثاني لرؤساء المجموعات الاقتصادية الإقليمية الذي عُقد في مدينة أروشا التنزانية، في 7 يونيو/حزيران 2022، أن دول بنين وغينيا بيساو وليبيريا، وهي دول أعضاء في المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، لم تصبح بعد دولًا أطرافًا في اتفاقية منطقة التجارة الحرة الإفريقية.

تم التوقيع على اتفاقية منطقة التجارة الحرة الإفريقية في مارس/آذار عام 2018، وتمت المصادقة عليها من قبل النصاب المطلوب من الدول، في مايو/أيار 2019، ودخلت حيز التنفيذ في الأول من يناير/كانون الثاني عام 2021، في حين كانت أول شحنة بموجب اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية قادمة من غانا ومتوجهة إلى جنوب إفريقيا.

وقد تعهدت الدول الإفريقية ككتلة واحدة بناء على اتفاقية التجارة الحرة القارية، بتحرير التجارة في معظم تعاملاتها التجارية من خلال إلغاء التعريفات الجمركية على 97% من عامة الرسوم والمدفوعات. ومنذ بدء التنفيذ وحتى الآن قدمت 44 دولة من أعضاء الاتحاد الإفريقي عروضها التعريفية، وهي خطوة جيدة نحو التنفيذ الفعلي والاستفادة الكاملة من الاتفاقية.

فرص التنمية في القارة السمراء

بطبيعة الحال، تهدف هذه المنطقة التجارية الحرة إلى إنشاء سوق مشتركة موحدة للسلع والبضائع من أجل تعميق التكامل الاقتصادي لإفريقيا. وفي هذا الصدد تشير التوقعات إلى "أن الاتفاقية يمكن من خلالها أن يبلغ إجمالي الناتج المحلي للمنطقة المعنية حوالي 3.4 تريليونات دولار". ولكن، من أجل تحقيق هذا الهدف المتكامل لإمكاناتها، سيعتمد ذلك بشكل كبير على إصلاحات سياسية مهمة، وتدابير ضرورية لابد أن تنفذها الحكومات من أجل تيسير التجارة عبر الدول الإفريقية الموقعة والتي صادقت بالفعل على الاتفاقية.

وفقًا لتقديرات البنك الدولي الصادرة مؤخرًا، فإن تنفيذ اتفاقية منطقة التجارة الحرة للقارية الإفريقية سيسهم في انتشال 30 مليون شخص من الفقر المدقع و68 مليون شخص من الفقر المعتدل. وبحلول عام 2035، سيزداد حجم إجمالي الصادرات للدول الأعضاء بنسبة 29 في المئة تقريبًا مقارنة بالنسب الحالية. وستزيد الصادرات بين القارات بأكثر من 81 في المئة، بينما سترتفع الصادرات إلى البلدان غير الإفريقية بنسبة 19 في المئة. وذلك كله من شأنه أن يخلق فرصًا جديدة للتنمية للمصنِّعين والعمال الأفارقة، والحصول على أسواق أخرى أجنبية.

تركز منطقة التجارة الحرة للقارة الإفريقية بشكل قوي على التنمية، وتسلط الضوء بالتحديد على التنمية الاقتصادية والاجتماعية والمواءمة القانونية بين أهدافها، وتضمين جوانب أجندة 2063 المعلنة للاتحاد الإفريقي، والتي بموجبها تعطي الأولوية للتنمية الاجتماعية والاقتصادية الشاملة، وتربط نمو إفريقيا وتكاملها بأهداف التنمية المستدامة لإفريقيا.

وتعتبر فرص التنمية الرئيسية قائمة على عوامل محددة يمكن من خلالها تحقيق أهداف التنمية لاسيما ما يتعلق بقطاع التصنيع والزراعة والقطاع المالي وكذلك بناء القدرات للمرأة الإفريقية وتحريرها من الجهل وأعمال العنف ضدها، وأبرز تلك العوامل:

تنمية الصناعة الخاصة بالزراعة

وهذا العامل بالتحديد يعتبر من أهم بنود الأجندة التي كان من المفترض أن يوليها القادة الأفارقة أهمية كبرى لتحقيق الكفاية والأمن الغذائي لتجنب أزمات زيادة أسعار المواد الغذائية والتي تؤدي في حالات كثيرة الى أزمات المجاعة، مثل الأسعار الجنونية التي تعصف بسكان القارة الإفريقية في الوقت الراهن جرَّاء الحرب الروسية-الأوكرانية الجارية. فمن غير المعقول أن تعتمد قارة إفريقيا بأرضيتها الزراعية الخصبة على دول أجنبية في غذائها!، ويمكن ذلك من خلال تعزيز التنمية الصناعية وبالتحديد التنمية الصناعية المتعلقة بالزراعة، والأمن الغذائي، من خلال توفير صندوق مالي حكومي خاص لكل دولة لتدعيم القطاع الزراعي ومنحه الأولوية على حساب قطاعات أخرى أقل أهمية. كما يمكن أن تلعب منطقة التجارة الحرة للقارة الإفريقية دورًا مهمًّا في تسهيل التجارة البينية في المنتجات الغذائية الزراعية من مناطق الفائض إلى مناطق العجز، وبالتالي استقرار أسعار المواد الغذائية وتحسين الأمن الغذائي والذي يعتبر من أهم القطاعات التي يجب أن تهتم بها القارة لتنميتها وإنقاذها من إذلال أزمات الجوع وطلب المعونة من الدول الأجنبية.

من المؤسف أن قطاع الزراعة يعتبر من القطاعات شبه المهمشة في إفريقيا، وقد يكون ذلك بفعل أطراف أجنبية بهدف وضع القارة في وضعية عدم الاكتفاء الغذائي وبالتالي وعند حدوث أي أزمة عالمية أو دولية "الحرب الروسية-الأوكرانية كمثال" تصبح القارة في خطر حدوث مجاعة، وهذا ما يهدف اليه أعداء القارة لتجويع الإفريقي حتى يصبح جل اهتمامه كيفية سد جوعه بدلًا من البحث عن القيادة والريادة والتطور والازدهار، وهذه العوامل كفيلة بوضع حدٍّ لنهب وسرقة الموارد الطبيعة الضخمة لإفريقيا.

التنمية من خلال تشجيع الصناعة والتجارة

تشير تقديرات البنك الدولي (2020) إلى أنه في إطار زيادة إجمالي الصادرات بنحو 29%، فإن الصادرات الصناعية ستحقق أكبر المكاسب، مع زيادة التجارة الصناعية داخل إفريقيا بنسبة 110% وزيادة الصادرات الصناعية إلى بقية العالم بنسبة 46%. وهذا من شأنه أن يخلق فرص الحصول على أسواق أجنبية بأسهل الطرق الممكنة.

كما أن فرص التنمية في قارة إفريقيا متاحة بشكل كبير من حيث التركيز على كيفية استغلال أبناء القارة للموارد الطبيعية الضخمة التي تزخر بها إفريقيا، والتي جعلتها محط أنظار معظم المستثمرين حول العالم، فاليوم نرى تهافت الدول الغربية والخليجية وحتى اللاتينية لضخ استثماراتها في إفريقيا، ومنها من تستثمر بمبدأ الربح للجانبين ولكن مع الأسف هناك من يستثمر لجني الأرباح له ولفئة معينة من الحكام الفاسدين وبالتالي تصبح الشعوب والدول هي الخاسر الأول.

إن فرص التنمية متاحة في العديد من الميادين في القارة الإفريقية واتفاقية التجارة الحرة تعزز هذه النظرية، فبإمكان الشباب الآن تنفيذ وابتكار المشاريع التجارية حتى الصغرى والمتوسطة للمبتدئين داخل إفريقيا وبإمكانهم تحقيق أرباح جيدة، بدلًا من البحث عن طرق اللجوء غير الشرعية التي تكلف أموالًا طائلة وأحيانًا ينتهي بهم المطاف الى الموت.

عوائق وعراقيل: ما الحل؟

بالطبع، هناك العديد من العوائق تواجه تفعيل منطقة التجارة الحرة، وتعد أهمها هي:

أولًا: عدم وجود بنية تحتية مواتية لتسهيل وسائل النقل بين الدول. بالفعل بدأت بعض الدول الإفريقية تدابير واضحة لتحسين البنية التحتية ومنها تنزانيا التي تعمل على بناء شبكة للطرقات بمعايير وجودة عالية تربطها بدول الجوار، "وقد نالت الرئيسة التنزانية، سامية حسن، جائزة "بابكر إندياي" لبناة الطرقات في إفريقيا لعام 2022"، وعلى الدول الأخرى أن تحذو حذوها.

ثانيًا: مؤسسات التنمية المالية ليست لها القدرة على أن تكون في وضع جيد لتعبئة رأس المال الخاص اللازم للقطاعات الحيوية والمتعلقة بالتجارة وعلى الحكومات أن تخصص صندوقًا ماليًّا لدعم المؤسسات المالية التي بدورها ستوزعها على القطاعات المعنية والأكثر أهمية، مثل الزراعة والصناعة، ومنحها الأولوية على القطاعات الأخرى. هناك من يرى أن الصناعة أكثر أهمية من الزراعة، ولكن بالنسبة لإفريقيا فالأولوية هي الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي، فالإنسان بطبيعته لا يمكنه العمل أو التصنيع بدون أن يؤمِّن غذاءه بالمقام الأول.

ثالثًا: مخاوف الدول الأقل نموًّا من خسائر في عائدات الرسوم الجمركية والتوزيع غير المتكافئ للدول للتكاليف والفوائد: يجب استكشاف التدابير اللازمة والمرونة في القوانين بين الدول من أجل تقاسم عادل للتكاليف والفوائد، وتحقيق الفوائد الكاملة طويلة الأجل لمنطقة التجارة الحرة القارية، وبالتالي وعلى المدى الطويل سيؤدي تحرير التجارة في المنطقة إلى جني الأرباح والتي ستؤدي بطبيعة الحال إلى خفض تكاليف التجارة، وسيسمح للمستهلكين بالوصول إلى مجموعة أكبر من المنتجات وبأسعار منخفضة، وبفرص متساوية.

وهناك بالتأكيد تحديات أخرى من المفترض تذليلها مثل نظام الدفع؛ حيث إن معظم العملات الإفريقية غير قابلة للاستخدام خارج نطاق دولها، ولكن جهود حل هذه المعضلة جارية الآن لاستخدام نظام دفع يتناسب مع الجميع بالتعاون مع مصرف "آفريكسم بانك".

بالإضافة إلى وجود عقبة تتمثل بعمل تنسيق لمساعدة المنتجين والتجار من جانب وتعريف المستهلكين بمكان توافر البضائع والخدمات المرغوبة من جانب آخر، وفي هذا الصدد الفكرة متاحة لإنشاء مؤسسة تجارية إفريقية تساعد المتداولين بالحصول على تلك المعلومات عن الأسواق الإفريقية.

في بعض الدول الإفريقية، يمثل التبادل التجاري مع الشركات الأجنبية تحديًا كبيرًا؛ حيث تحصل تلك الشركات على الموارد الطبيعية الإفريقية بعوائد غير متكافئة، وهي تعمل على إفساد النخب الحاكمة، وتدعم ممارسة حكم تسلطي أو ديمقراطي وهمي. وقد تسهم بعض الشركات في إشعال فتيل الصراعات المسلحة، مثل ما يحدث في جمهورية الكونغو الديمقراطية، لسرقة مواردها. كما تواجه الدول الإفريقية تحديات نحو التصنيع المتكامل، حتى تلبي متطلبات القارة من جهة، وتتماشى مع متطلبات تطورات العصر الحالي من جهة أخرى. وفي هذا الصدد بدأت بعض الدول الإفريقية بحظر تصدير سلعها الرئيسة في شكلها الأولي، فإثيوبيا حظرت تصدير البن، ودول غرب إفريقيا التي تنتج الكاكاو بدأت بالسعي لحظره وترغب بتصنيع الشوكولاتة بدلا من تصديرها. وفي تنزانيا أيضًا بدأت فعليًّا بحظر تصدير الذهب بشكله الأولي وبدأت بإنشاء العديد من مصانع الذهب المحلية.

ومن المفترض أن يكون الجيل الإفريقي المثقف الحالي، واعيًا بضرورة استقلالية القارة وتحررها من الاستعمار الغربي، وأن يكون هذا الجيل هو المحفز حاليًّا ومستقبليًّا لتحقيق التكامل والاندماج الإفريقي وبالتالي تطور وازدهار القارة من خلال تحقيق الاكتفاء ذاتيًّا بجميع عوامل الرفاهية الأساسية دون الحاجة لمساعدة أجنبية، والطريق إلى تحقيق خارطة الطريق هذه بالرغم من أنه وعر، ولكن بتضافر الجهود سيتحقق هذا الهدف.

خلاصة

إن منطقة التجارة الحرة للقارية الإفريقية ستسهم في زيادة معدلات الوصول إلى الأسواق، كما ستتمكن من النمو بشكل كبير وبالأخص في مجالات الزراعة والتصنيع والتنمية الصناعية وكذلك السياحة من خلال التعاون بين البلدان الإفريقية، والتحول الاقتصادي، وبناء علاقة مبنية على الاحترام والند للند بين إفريقيا وبقية العالم.

ولكن من أجل تحقيق الهدف المتكامل والمنشود لهذه الاتفاقية يجب على الدول الإفريقية في المقام الأول أن تعمل ككتلة واحدة من أجل تذليل العقبات التي تواجهها، ونبذ جميع الخلافات الإقليمية والعمل معًا لصالح الوحدة الإفريقية والنظر في كيفية التعامل مع الكتل الدولية بمبدأ الربح للجانبين بدون هضم الحقوق الإفريقية.

سيكون لإفريقيا، حسب إحصائيات دولية، إجمالي إنفاق استهلاكي وتجاري يبلغ 6.7 تريليونات دولار بحلول عام 2030، و16.12 تريليون دولار بحلول عام 2050، مما يخلق فرصة فريدة للأفراد والشركات، وهذا يعني أن المنطقة ضمن أكبر المناطق التجارية في العالم وستصبح محط أنظار التكتلات التجارية الأخرى في العالم.

وعند اكتمال الهدف المنشود لمنطقة التجارة الحرة الإفريقية بهذه المميزات الضخمة ستتمكن القارة أيضًا من إعادة ترسيم علاقاتها التجارية بمميزات وشروط أفضل، مع القوى العظمى الأخرى مثل الصين وروسيا وحتى الاتحاد الأوروبي.