بالرغم من مقولات استقرار النظام الدولي بقيادة الولايات المتحدة التي هيمنت على أدبيات العلاقات الدولية خلال العقود الماضية، وخاصةً بعد انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفييتي والتحول نحو الأحادية القطبية؛ فإن هذه المقولات باتت موضع شكوك هائلة، لا سيما فيما يتعلق باستبعادها اندلاع حروب كبرى تُعيد إلى الذاكرة ما جرى في الحربَين العالميتَين الأولى والثانية. وفاقم هذه الشكوكَ حالةُ الفوضى التي تحولت إلى سمة رئيسية للنظام الدولي في السنوات الأخيرة، وتراجُع المكانة الأمريكية في النظام الدولي بالتوازي مع طموحات بعض القوى الكبرى، وخصوصاً الصين وروسيا، إلى المشاركة في قيادة النظام الدولي.
لم تَكَد هذه المعطيات تمنح سيناريو نشوب حرب عالمية ثالثة بعض القابلية، حتى جاءت حرب أوكرانيا لتُضفِي المزيد من الزخم على هذا السيناريو، وتزيد احتمالية حدوثه؛ فما يجري في أوكرانيا يُعيد إلى الأذهان صراعات القوى الكبرى التي كانت تراجعت بصورة واضحة عقب انتهاء الحرب الباردة. الأمر المؤكد في اللحظة الراهنة أن مسار الحرب في أوكرانيا أصبح على درجة هائلة من الغموض، وهو ما يعني أن احتمالية خروج الأمور عن السيطرة قائمة ولو على سبيل المُصادَفة؛ فربما يكفي سقوط أحد الصواريخ “الطائشة” في دول الجوار الأوكراني، وخاصةً إذا كانت عضواً في حلف الناتو، على غرار بولندا، لكي تندلع حرب عالمية جديدة لن تقف عند حدود أوكرانيا، بل ستمتد إلى مناطق أخرى تشهد تنافساً وصراعَ نفوذٍ بين القوى الكبرى.
ذاكرة الحروب
تكشف الخبرة التاريخية للعلاقات الدولية وذاكرة الحروب الكبرى التي نشبت بين الدول – وكان آخرها الحرب العالمية الثانية – عن مجموعة من المداخل والعوامل التي تفسر اندلاع حروب كبرى، ويمكن تناول أهمها فيما يلي:
1– الاختلال المتعاظم في توازن القوى: فالكثير من الأدبيات تفترض أن حالة الاستقرار في النظام الدولي وتحجيم احتمالات نشوب حرب عالمية ترتبط بالحفاظ على توازنات القوى بين الأطراف الفاعلة في النظام، ومن ثم ففي اللحظة التي يحدث فيها الخلل في هذه التوازنات قد تقع الحرب الكبرى. ولعل هذا ما تؤكده أطروحات المدرسة الواقعية؛ فعلى حد تعبير “جون ميرشايمر” فإن “الواقعيين البنيويين يؤكدون أن احتمال نشوب الحرب يتأثر بالتصميم البنيوي للنظام الدولي. ويجادل بعض الواقعيين بأن المتغير الرئيسي هو عدد القوى العظمى أو الأقطاب في النظام، بينما يركز آخرون على توزيع القوة فيما بين الدول الرئيسية. وثمة مقاربة ثالثة تنظر إلى الكيفية التي تقوم من خلالها التغيرات في توزيع القوى بالتأثير في إمكان نشوب الحرب. كما يزعم البعض أن التباينات في ميزان الهجوم والدفاع لها التأثير الأكبر في احتمالات نشوب الحرب”. لا يمكن إغفال أن هذا الجانب كان حاضراً في الحرب العالمية الأولى؛ حيث إن شعور النمسا والمجر بقوتهما تجاه صربيا وروسيا، دفعهما إلى التصعيد اعتقاداً منهما بأن الفرصة مواتية لتسوية المشكلة الصربية.
2- صعوبة تقييم دوافع الفاعلين الآخَرين: يحتمل أن تدفع حالة الغموض واللا يقين في النظام الدولي إلى تصاعد احتمالات نشوب حرب كبرى. وفي هذا السياق، لا يؤدي توزان القوى في النظام الدولي، في بعض الحالات، بحسب الواقعية الكلاسيكية، إلى تحقيق الاستقرار، لكنه قد يدفع نحو الاضطرابات والحروب، وخصوصاً مع صعوبة تقييم وإدراك دوافع الدول الأخرى، وقدراتها ونواياها؛ إذ يفترض “ريتشارد نيد ليبو”، في دراسته عن الواقعة الكلاسيكية، أن "الزعماء يسعون، بشكل مفهوم، إلى تحقيق هامش من الأمان (margin of safety)، وعندما تتصرف دول عدة، أو تحالفات معادية، على هذا النحو، فإنها تصعد التوترات الدولية. وفي هذا الوضع، قد تميل القوى الصاعدة إلى الدخول في حرب عندما تعتقد أن لديها ميزة، وقد تميل قوى الوضع الراهن إلى شن حروب وقائية ضد القوى الصاعدة المتحدية لها".
3- تزايد معدلات الاستياء تجاه بنية النظام الدولي: ثمَّة تفاعل بين الحروب الكبرى والنظام الدولي؛ فالكثير من الأدبيات تفترض أن التنافس على قيادة النظام الدولي، وخصوصاً في حالة تعددية القوى الصاعدة في النظام، عادةً ما يدفع إلى بعض الحروب التي تعبر، بشكل أو بآخر، عن حالة من الاستياء بشأن مكانة الدولة في النظام الدولي، أو على حد تعبير “برتراند بديع”، في كتابه “زمن المذلولين”، فإن "النظام الدولي يتحقق عبر القوة، ومن خلال لعبة هي أشبه ما تكون باللعبة التوافقية، تعيد من خلال قانون المواجهة تحديد الأسس المنطقية للعلاقة والمكانة بين الأمراء المتنافسين. وهكذا، ما من حاجة إذن إلى أن تنتج الدبلوماسية إذلالاً؛ فقانون الحرب يقرر وحده من هو الوضيع في هذه الدائرة الضيقة".
4- محاولة التعافي من الضغائن التاريخية: تشكل الضغينة التاريخية مدخلاً مهماً لتفسير نشوب الحروب العالمية، ولكن لكي تُحقِّق الضغينة التاريخية دورها في تفجير الأوضاع، لا بد أن يتلقاها قادة خارجون عن السيطرة يحاولون تصحيح الأوضاع وفقاً لرؤيتهم، والتعافي من الإذلال التاريخي المتصور لهم ولدولهم. لقد كان هذا الأمر حاضراً، على سبيل المثال، في مشهد الحرب العالمية الثانية في ظل سعي “هتلر” والنازيين إلى إنهاء معاهدة فرساي التي تم إقرارها عام 1919، واعتبروها إذلالًا للكرامة الوطنية بعد الهزيمة في الحرب العالمية الأولى.
5- التأثيرات الممتدة للسمات الداخلية للقوى الكبرى: لا تنفصل الحروب الكبرى عن الديناميات الداخلية السائدة في الدول المنخرطة في هذه الحروب؛ ففي بعض الحالات، تلجأ الدول الكبرى إلى الحروب استجابةً لطموحات نخب حاكمة أو مد قومي متطرف متصاعد داخل الدولة أو حتى لأسباب اقتصادية بحتة. لقد افترض “لينين” مثلاً، في دراسته المعنونة “الاستعمار أعلى مراحل الرأسمالية”، التي كتبها سنة 1917، أن الحرب العالمية الأولى كانت “حرباً استعمارية لتقسيم وإعادة تقسيم المستعمرات، ومناطق نفوذ الرأسمالية المالية”، كما أن أحد التفسيرات التي طرحت للحرب العالمية الثانية هي أن النخب الحاكمة الألمانية كانت تتطلع من خلال الحرب إلى توطيد سلطاتها من أجل تعظيم الأرباح، وبناء الهيمنة الألمانية على أوروبا.
6- تفكك المعادلات المستقرة في المناطق العازلة: حيث تتشكَّل المناطق العازلة، أو ما تطلق عليه بعض الأدبيات الأنظمة العازلة buffer systems، من خلال التفاعل بين القوى الكبرى المتجاورة المتساوية تقريباً في قدراتها على استعراض القوة، وبين دولة أو مجموعة دول عازلة أقل قوةً. وربما تؤدي التفاعلات حول المناطق العازلة إلى تصاعد الخلافات بين القوى الكبرى لتتحول هذه المناطق إلى بؤر اشتعال، أو على حد تعبير “روبرت كاجان”، فإنه "غالباً ما تبدأ حروب القوى العظمى كنقاشات حول الدول العازلة؛ حيث تتقاطع مجالات النفوذ".
وبشكل مجمل، تتصاعد الصراعات حول المناطق العازلة في حال حدوث اختلال في توازنات القوة بين الدول الكبرى، وسعي بعض هذه الدول إلى تغيير الأوضاع في المنطقة العازلة. وتتزايد توترات المناطق العازلة كذلك إذا كان للدول الكبرى سيطرة قليلة على ما يحدث بالفعل داخل منطقة عازلة استراتيجية، لا سيما إذا كانت المنطقة العازلة المتنازع عليها غير مستقرة أو منقسمةً داخلياً وهي المناطق التي تعرف بـ”الأحزمة المتكسرة” shatterbelts. في هذا السياق، قد تحرك الأحداث الخارجة عن سيطرة القوى الكبرى دون قصد، منطقة عازلة استراتيجية نحو معسكر أو آخر. وهكذا تقود مثل هذه الديناميكيات على الأرض القوى الكبرى إلى التخلي عن الحلول الوسط وتبني سياسات تصعيدية، ويساعد على ذلك أيضاً عدم وجود طرف ثالث موثوق ضامن لحياد المناطق العازلة، وهو الطرف الذي قد يضطلع بدور في تسوية النزاع بين القوى الكبرى المتنافسة.
السيناريو القائم
ربما تساعد المداخل السابقة في فهم السياق الدولي الراهن واحتمالات تطور الأوضاع في أوكرانيا والوصول إلى حرب عالمية جديدة، وخصوصاً بعد التوتر الذي حدث عقب وقوع صاروخ في الأراضي البولندية يوم 15 نوفمبر الجاري، ومحاولة البعض تحميل روسيا مسؤولية إطلاق الصاروخ على الأراضي البولندية. وفي هذا الإطار، يمكن القول إن سيناريو الحرب العالمية الثالثة في اللحظة الراهنة يرتبط بعدد من الأبعاد الرئيسية:
1- رغبة أطراف متعددة في تغيير النظام القائم: ما يميز اللحظة الراهنة، وبالتزامن مع الحرب الأوكرانية، أن هناك العديد من الأطراف الراغبة في إعادة صياغة النظام الدولي القائم، والخروج من أسر النظام الذي تشكل عقب انتهاء الحرب الباردة. ولعل هذا ما عبَّر عنه “جون ميرشايمر”، في كتابه “الوهم الكبير: الأحلام الليبرالية والحقائق الدولية”، حينما ذكر أن "الدول الليبرالية الغربية أخطأت عندما اقتنعت بإمكانية فرض الليبرالية والديمقراطية على الدول الأخرى؛ فالحماس لنشر وهيمنة الليبرالية على النظام الدولي، قد لا يكلل بالنجاح، وسيؤدي الإخفاق هنا إلى تكاليف باهظة، ومن المحتمل أن ينتهي الأمر بالدول الليبرالية إلى خوض حروب لا نهاية لها؛ ما يزيد مستوى الصراع في العَلاقات الدولية بدلاً من الحد منه، ومن ثم تتفاقم المشكلات الأمنية، ناهيك عن إمكانية تقويض الليبرالية في الداخل؛ لأن السياسة الخارجية العسكرية تشجع على إقامة دولة أمنية تتبنى إجراءات لانتهاك الحريات المدنية لمواطنيها".
2- تزايد الغموض حول مسار الحرب الأوكرانية: فالحرب التي كان يُعتقَد أنها ستنتهي سريعاً امتدت لأكثر من ثمانية أشهر، وبات من الصعب توقع كيفية وتوقيت انتهائها. صحيح أن الرئيس الروسي “بوتين” يحاول كسب المزيد من الوقت بهدف تفكيك التحالف الغربي وإضعافه مع دخول فصل الشتاء وتفاقم أزمة الطاقة، بيد أن هذه الاستراتيجية ليست مضمونة النتائج، وخاصةً أن الدول الغربية تنظر إلى ما جرى في أوكرانيا باعتباره تهديداً وجودياً لها ولأمنها. وفي سياق كهذا، قد تخرج الأمور عن السيطرة إذا قررت موسكو تنفيذ هجمات بأسلحة نووية تكتيكية أو حتى إذا استهدفت أراضي دول الجوار لأوكرانيا على النحو الذي قد يؤدي إلى مواجهة مع حلف الناتو.
3- استمرار حضور مشاعر الإذلال في العلاقات الدولية: لا تزال مشاعر الإذلال حاضرة كعامل مؤثر في العلاقات الدولية. هذا الشعور بالإذلال قد يؤدي إلى اتخاذ خطوات غير محسوبة تُفضِي في نهاية المطاف إلى حرب عالمية. ويكفي هنا الإشارة إلى حالة الرئيس الروسي “بوتين”؛ إذ إن شعوره بأن الدول الغربية لا تتعامل مع روسيا باعتبارها نظيراً لها على قدم المساواة خلال العقود الماضية، قد خلق تدريجياً إحساساً عميقاً بالإذلال والصدمة التي تتخلل بناء مفاهيم الدولة الحضارية. هذا الشعور شكَّل أحد المحفزات الجوهرية على اندلاع الحرب الأوكرانية.
4- تعدد بؤر الاشتعال العالمية في الوقت الراهن: تتزايد احتمالية نشوب حرب عالمية كلما تعددت بؤر الاشتعال والتنافس بين القوى الكبرى؛ فالأمر لا يقتصر في اللحظة الراهن على أوكرانيا، بل هناك صدام هائل في منطقة الهندو-باسيفيك وتايوان، كما تعتبر منطقة شرق أوروبا منطقة رخوة مؤهلة للتفجر في أي لحظة. أضف إلى ذلك اتجاهات العسكرة المتصاعدة في القطب الشمالي، علاوة على امتداد صراع النفوذ الدولي إلى أفريقيا، وخصوصاً شرق أفريقيا، وفي القلب منها القرن الأفريقي.
5- احتمالية خروج بعض الفاعلين عن السيطرة: وفَّرت الحرب الأوكرانية فرصاً لبعض الفاعلين من أجل خدمة أجندة راديكالية. ويتجلى هذا الأمر في حالة زعيم كوريا الشمالية “كيم جونج أون” الذي استغل الانشغال العالمي بالحرب الأوكرانية في تنفيذ تجارب صاروخية ساهمت في تزايد التوترات في شبه الجزيرة الكورية. هذه التحركات قد تؤدي إلى اندلاع حرب في آسيا، لا سيما أن زعيم كوريا الشمالية تعهَّد في شهر سبتمبر الماضي بعدم نزع السلاح النووي لبلاده أو إجراء أي مفاوضات متعلقة بهذه القضية؛ وذلك فيما أقر برلمان الدولة قانوناً يعلن أنها دولة تمتلك أسلحة نووية وقادرة على توجيه ضربة في حالة حدوث غزو.
6- إعادة ترسيم مناطق النفوذ: تكشف ديناميات العلاقات الدولية عن توظيف القوى الكبرى مفهوم مناطق النفوذ من أجل تحديد نطاق مصالحها وتحذير الدول الأخرى من تحديها ومنافستها في هذه المناطق. وبقدر ما يؤدي تحديد هذه المناطق إلى قدر من الاستقرار في النظام الدولي، فإن مساعي بعض القوى الدولية إلى إعادة ترسيم مناطق النفوذ قد يدفع الأوضاع نحو الانفجار والدخول في حروب كبرى. لقد كانت هذه الإشكالية حاضرة في الصراع الأوكراني، في ظل اقتناع موسكو بأن الدول الغربية تتدخل في مناطق نفوذ روسيا. وربما يتكرر هذا النموذج في مناطق أخرى مثل تايوان، أو حتى في بعض المناطق في أفريقيا المعروفة بارتباطها بالدول الغربية، أو حتى فيما يتعلق بأمريكا اللاتينية التي تعتبر “الفناء الخلفي” لواشنطن.
كوابح الانفجار
بالرغم من محفزات اندلاع حرب عالمية جديدة في ظل تطورات الحرب الأوكرانية، فإن تحقُّق هذا السيناريو قد يواجه تحديات رئيسية:
1- استمرار فاعلية سياسة ضبط النفس: قد تلعب سياسة ضبط النفس التي تمارسها الولايات المتحدة وحلف الناتو، حتى الوقت الراهن، دوراً ما في تحجيم احتمالية نشوب حرب عالمية جديدة. وظهرت فاعلية هذه السياسة مثلاً عقب الصاروخ الذي سقط على الأراضي البولندية، يوم 15 نوفمبر الجاري؛ فبالرغم من مسارعة بعض التقارير إلى اتهام روسيا بإطلاق الصاروخ، حاولت واشنطن تهدئة التوتر، وأوضح الرئيس الأمريكي “بايدن” أنه من غير المرجح أن يكون الصاروخ الذي سقط على بولندا أُطلق من روسيا، وأكد أيضاً حلف الناتو أن الانفجار في بولندا "نجم على الأرجح عن صاروخ دفاعي أطلقته أوكرانيا وهي تدافع عن نفسها ضد الضربات الروسية".
2- تزايد الانقسامات داخل أوروبا: ربما تكون الحرب في أوكرانيا قد أكدت وحدة الموقف الأوروبي تجاه التهديد الروسي، ولكن هذا لا ينفي أن طول أمد الحرب أفضى إلى تفاقم المشكلات والانقسامات داخل أوروبا؛ فهناك ملامح انقسامات مجتمعية تجلت ملامحها في التظاهرات التي خرجت تطالب بفرض ضرائب إضافية على الأثرياء، كما ظهر تيار أوروبي واسع يطالب بضرورة تهدئة التصعيد مع روسيا وتسوية الصراع سياسياً، وخصوصاً مع الأزمات الاقتصادية الحادة وأزمة الطاقة. ولم تقتصر هذه الانقسامات على المستوى المجتمعي، بل امتدت إلى مستوى العلاقات بين الدول الأوروبية في ظل الخلافات حول بعض الملفات مثل تسعير الغاز الروسي.
3- الحسابات الاستراتيجية للصين: صحيح أن بكين أبدت تقارباً مع الموقف الروسي في الحرب الأوكرانية، إلا أنها حافظت في الوقت على حيز للتحرك بحرية بعيداً عن موسكو، ولا توجد مؤشرات حتى الوقت الراهن على أنها تزود موسكو بالأسلحة، كما تتجنَّب بكين الانجرار إلى سيناريو أوكرانيا في حالة تايوان. وفي هذا السياق، يظل انخراط الصين في حرب عالمية بجانب روسيا ضد الدول الغربية أمراً غير مرجح، على أقل تقدير وفقاً للمعطيات الراهنة، وهو أمر قد يحجم من احتمالية تحول حرب أوكرانيا إلى حرب عالمية.
4- اتساع مساحة الكتلة المحايدة: كانت الدول الكبرى في النظام الدولي إبان الحربين العالميتين الأولى والثانية، تسيطر على مجموعات هائلة من المستعمرات، وهو ما سمح لها بتوفير عناصر بشرية مطلوبة لخوض حرب كبرى، كما لم يكن لهذه المستعمرات فرصة للتعبير عن موقف مناهض لموقف القوى الاستعمارية. ولكن يبدو السياق الدولي في الوقت الراهن مغايراً، بشكل أو بآخر؛ فالكثير من الدول ترفض الانخراط في الصراع الأوكراني، ومنذ اندلاع الصراع، واجهت واشنطن معضلة في إقناع حلفائها بالتماهي مع سياساتها والانضمام إلى العقوبات الغربية المفروضة على موسكو. وعليه، قد تضعف هذه الكتلة المحايدة إمكانية نشوب حرب عالمية جديدة.
خلاصة القول أن طول أمد الحرب في أوكرانيا يفتح المجال أمام سيناريو الحرب العالمية الجديدة؛ لأن عامل الوقت قد يؤدي إلى حسابات خاطئة من بعض الأطراف تنفجر على إثرها الأوضاع، وربما كان حادث الصاروخ الذي استهدف الأراضي البولندية مؤشراً على ذلك الأمر. وبالرغم من تبني واشنطن سياسة ضبط النفس وإبعاد الاتهام عن روسيا، فإن بعض الأحداث غير المقصودة التي قد تحدث في المستقبل يُحتمَل أن يكون التعاطي معها بصورة مغايرة ليحدث تصعيد متبادل ينتهي إلى حرب كبرى.