• اخر تحديث : 2024-04-25 13:23
news-details
قراءات

هل تؤدي نتائج انتخابات الكونغرس إلى انقسامات داخل الحزب الجمهوري؟


توقع أبرز قادة الحزب الجمهوري “موجة حمراء” في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، التي أجريت في 8 نوفمبر 2022، لكنها لم تتحقق في أيٍّ من مجلسَي النواب والشيوخ؛ حيث رفض الناخبون التصويت للعديد من المرشحين الجمهوريين الأكثر التزاماً بادعاء الرئيس السابق دونالد ترامب بتزوير الانتخابات الرئاسية لعام 2020؛ فقد حصل الجمهوريون على أغلبية ضئيلة للغاية في مجلس النواب؛ حيث فازوا – حتى الآن – بـ218 مقعداً من مقاعد المجلس التي تبلغ 435 مقعداً، وخسروا الانتخابات في ولايات نيفادا وأريزونا وبنسلفانيا؛ ليفوز الديمقراطيون بـ50 مقعداً من المقاعد المائة للمجلس؛ ما مكنهم من تحقيق الأغلبية فيه. ويكافح الجمهوريون من أجل قلب مقعد ولاية جورجيا في جولة الإعادة في 6 ديسمبر المقبل، لكن التوقعات تشير إلى خسارتهم هذا المقعد أيضاً.

مؤشرات الانقسام

أثارت نتائج انتخابات التجديد النصفي للكونغرس المخيبة لآمال الجمهوريين، حالة من الإحباط داخل الحزب الجمهوري، وانقسامات حول من يتحمَّل المسؤولية عن تلك الخسارة التي من شأنها التأثير على فرصه في الانتخابات الرئاسية المقررة عام 2024، وتصاعد الدعوات إلى إحداث تغيير في قياداته. وتتمثل أبرز ملامح الانقسام داخل الحزب الجمهوري فيما يلي:

1تحميل زعيم الأقلية الجمهورية بالشيوخ مسؤولية النتائج: يلوم عدد من المشرعين الجمهوريين البارزين في مجلس الشيوخ، زعيم الأقلية في المجلس السيناتور ميتش ماكونيل، على فشل الحزب في استعادة السيطرة على مجلس الشيوخ بعد خسارته في عدد من الولايات المتأرجحة التي مكَّنت الديمقراطيين من تحقيق الأغلبية في مجلس الشيوخ، حتى لو فاز الجمهوريون بمعقد ولاية جورجيا في الإعادة؛ فقد كتب الرئيس السابق دونالد ترامب، على منصته للتواصل الاجتماعي Social Truth، إن نتيجة انتخابات التجديد النصفي للكونغرس هي خطأ “ماكونيل”؛ حيث أشار إلى أنه أنفق أموالاً على هزيمة مرشحين جمهوريين بدلاً من دعمهم، كما انتقد السيناتور الجمهوري ريك سكوت، وغيره من المشرعين الجمهوريين بمجلس الشيوخ فشل ماكونيل في إعطاء الناخبين الأمريكيين صورة واضحة عما سيكون عليه جدول أعمال الجمهوريين إذا فاز الحزب بالسيطرة على المجلس.

2لوم “ترامب” على الأداء الضعيف للحزب الجمهوري: يُرجع العديد من قيادات الحزب الجمهوري، ومشرعيه بمجلسي النواب والشيوخ، مسؤولية خسارة الجمهوريين في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس إلى أداء “ترامب” الذي أضعف الحزب؛ حيث دعم عدداً من المرشحين غير المؤهلين للفوز في ولايات ينافس فيها مرشحون ديمقراطيون على قدر عالٍ من الكفاءة والخبرة في العمل السياسي؛ لكونهم يؤيدون مزاعمه بأن الانتخابات الرئاسية السابقة سُرقت منه، كما دعم “ترامب” المرشحين الذين جعلوا إنكار نتائج انتخابات عام 2020 قضية محورية لحملاتهم الانتخابية، في عدد من الولايات المهمة، وقد خسروا في معظم السباقات الانتخابية لصالح منافسيهم الديمقراطيين.

3دعوات لتأجيل انتخابات القيادة الجمهورية بالكونغرس: دعا بعض الجمهوريين المحبطين من نتائج انتخابات التجديد النصفي للكونغرس إلى تأجيل انتخابات القيادة في مجلسي الكونغرس؛ فقد أرسل 72 من القادة الجمهوريين المحافظين، في 14 نوفمبر 2022، رسالة إلى الأعضاء الجمهوريين بالكونغرس لحثهم على تأجيل انتخابات قيادتهم إلى ما بعد انتخابات الإعادة في ولاية جورجيا في 6 ديسمبر القادم، لاختيار مرشحها لمجلس الشيوخ، وظهور جميع نتائج الانتخابات بشكل كامل. ورغم تلك الدعوات، أُجريت الانتخابات داخل الحزب لاختيار زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ، ورئيس مجلس النواب.

4صدام جمهوري–جمهوري لاختيار القادة الحزبيين بالكونغرس: واجه زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ السيناتور ميتش ماكونيل، أصعب منافسة على قيادة الحزب بالمجلس منذ أصبح زعيم الأقلية في المجلس في عام 2007 من منافسه الجمهوري ريك سكوت، خلال اجتماع مغلق للأعضاء الجمهوريين بالمجلس. ولكن “ماكونيل” فاز بموافقة 37 مشرعاً جمهورياً مقابل 10 مشرعين لمنافسه “سكوت”. وتحدى النائب الجمهوري أندي بيجز، زعيم الأقلية في مجلس النواب، كيفن مكارثي الطامح إلى أن يصبح رئيساً لمجلس النواب القادم بعد فوز الجمهوريين بأغلبية مقاعده. ورغم فوز “مكارثي” بتصويت 188 صوتاً لصالحه، فإن “بيجز” ومؤيديه – حيث صوت له 31 صوتاً – كانوا يهدفون إلى إثبات أن “مكارثي” يفتقد الدعم للفوز بمنصب رئيس مجلس النواب عندما يجتمع المجلس الجديد بكامل هيئته في يناير القادم لاختيار رئيسه؛ حيث سيكون “مكارثي” في حاجة للفوز بما لا يقل عن 218 صوتاً عندما ينعقد الكونغرس.

5النأي عن دعم ترشح “ترامب” للانتخابات الرئاسية القادمة: بعد خيبة الأمل التي أصابت الجمهوريين عقب نتائج انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، يفكر بعض حلفاء الرئيس السابق “ترامب” في النأي بأنفسهم عن حملته الرئاسية لعام 2024 التي أعلنها “ترامب” في لحظة يتسم فيها بالضعف السياسي والقانوني، حتى إن ابنته “إيفانكا”، يبدو أنها تتراجع خطوة إلى الوراء عن دورها البارز في حملة والدها الرئاسية؛ حيث قالت في بيان لها بعد إطلاق “ترامب” محاولته الثالثة للرئاسة: “لا أخطط للانخراط في السياسة”. ويشعر بعض الجمهوريين بالقلق من أن “ترامب” قد يضر بفرص الحزب في الانتخابات المستقبلية.

وفي هذا الإطار، قال الحاكم الجمهوري المنتهية ولايته لولاية ماريلاند “لاري هوجان” لشبكة “سي إن إن”، في 13 نوفمبر 2022، إنه سيكون من الخطأ ترشيح “ترامب” مرة أخرى. وقد وصف كين جريفين أبرز المانحين للحزب الجمهوري ومؤسس صندوق التحوط، “ترامب” في منتدى “بلومبرج” للاقتصاد في سنغافورا، بأنه “خاسر ثلاث مرات” في إشارة إلى خسارته الانتخابات الرئاسية لعام 2020، وفقدان الحزب الجمهوري مقعد ولاية جورجيا لمجلس الشيوخ في عام 2021، وانتخابات التجديد النصفي للكونغرس هذا العام. وقد أعلن أنه سيدعم حاكم فلوريدا رون ديسانتيس، إذا قرر الترشح للرئاسة في عام 2024. وأعلن ثاني أكبر مانح للحزب الجمهوري ستيفن شوارزمان، عدم تأييد “ترامب” للسباق الرئاسي القادم؛ حيث قال: “حان الوقت لكي يلجأ الحزب الجمهوري إلى جيل جديد من القادة”، وأعلن أنه سيدعم أحدهم في الانتخابات التمهيدية القادمة للحزب لاختيار مرشحه للانتخابات الرئاسية القادمة.

6غياب القيادات الجمهورية عن إعلان ترامب ترشحه لعام 2024: أعلن “ترامب” عن ترشحه للانتخابات الرئاسية القادمة بحضور عدد قليل من القادة الجمهوريين. وتشير تقارير أمريكية إلى أن فريقه تودد إلى عدد من المستشارين وأعضاء الكونغرس وغيرهم من الجمهوريين المؤثرين، بما في ذلك أعضاء اللجنة الوطنية الجمهورية، لكي يحضروا في تلك الفعالية، لكنهم لم يحضروا إعلان ترامب الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة؛ فلم تحضر رئيسة الحزب رونا ماكدانيال، والعديد من حلفاء “ترامب” الأكثر موثوقيةً في الكونغرس، مثل النواب مارجوري تايلور جرين من جورجيا، ومات جايتز من فلوريدا، وجيم جوردان من أوهايو.

وترجع بعض التقديرات أن الرئيس السابق اختار بدايةً حملته الانتخابية مبكراً جداً لكي يجهض أي محاولة لتقديم لوائح اتهام جنائية ضده خلال الفترة القادمة، التي تتنوع بين الاحتفاظ بمعلومات حساسة بالأمن القومي الأمريكي بمنتجعه في مارالاجو، وجهوده لإلغاء الانتخابات الرئاسية لعام 2020 في جورجيا، ودوره في التحريض على أعمال الشغب في 6 يناير 2021، ويدفع إلى تحويلها إلى اتهامات ذات دوافع سياسية بهدف منعه من الوصول إلى البيت الأبيض مرةً ثانيةً.

7دعوات جمهورية إلى ضرورة بحث الحزب عن قيادة جديدة: عقب نتائج انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، تصاعدت الدعوات داخل الحزب الجمهوري إلى أنه يحتاج إلى قادة جدد يقدمون بثقة ومهارة رؤية متماسكة مقنعة عن الحزب، وما يدافع عنه، وما سيفعل في حال وصوله إلى الحكم؛ فخلال مقابلة مع وكالة أسوشيتد برس، في 17 نوفمبر 2022، قال نائب الرئيس السابق مايك بنس، إن الناخبين الجمهوريين يبحثون عن قيادة جديدة بعد خسائر الجمهوريين في انتخابات 8 نوفمبر 2022، وقال إن الحزب سيكون لديه خيارات أفضل في عام 2024. وأعرب عن ثقته بأن الناخبين الجمهوريين سيختارون بحكمة مرشحهم للانتخابات الرئاسية القادمة.

تداعيات مؤثرة

ستحمل حالة الانقسام المتصاعدة داخل الحزب الجمهوري، التي تصفها بعض التقديرات الأمريكية بأنها “حرب أهلية جمهورية”، جملة من التداعيات على الحزب خلال الفترة القادمة، ويتمثل أبرزها فيما يلي:

1جعل الانتخابات التمهيدية أكثر تصادميةً: يكشف عدم حماسة كثير من الجمهوريين لإعلان الرئيس الأمريكي السابق ترشحه للانتخابات الرئاسية القادمة للمرة الثالثة، أن الانتخابات التمهيدية داخل الحزب لاختيار مرشح الحزب لانتخابات 2024 ستشهد منافسة محتدمة في ظل تطلع العديد من الجمهوريين إلى منصب الرئاسة، وفي مقدمتهم حاكم ولاية فلوريدا الذي حقق نصراً كاسحاً بمنصب حاكم الولاية في انتخابات 8 نوفمبر، والعديد من المسؤولين الجمهوريين بإدارة ترامب السابقة، ومنهم وزير الخارجية مايك بومبيو الذي نشر تغريدة انتقدت تأكيد “ترامب” خلال خطاب إعلانه للترشح للانتخابات الرئاسية القادمة أنه ضحية، ونائب الرئيس السابق مايك بنس الذي قال إن الجمهوريين سيكون لديهم خيارات أفضل من ترامب بحلول عام2024.

ويتوقع أن تشهد الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري منافسة محتدمة بين الرئيس الأمريكي السابق وحاكم ولاية فلوريدا، في وقت تتزايد فيه شعبية الأخير بين القاعدة الانتخابية للجمهوريين؛ فقد أظهرت نتائج استطلاع للرأي أجرته “يوجوف” في الأيام الثلاثة التالية ليوم انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، ارتفاع نسب تأييد الأمريكيين لأن يكون “ديسانتيس” مرشح الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية القادمة؛ حيث يقول 42% من الجمهوريين والمستقلين ذوي الميول الجمهورية، إنهم يفضلون “ديسانتيس” مرشحاً رئاسياً لعام 2024 على “ترامب”، بينما يقول 35% إنهم يفضلون “ترامب” على “ديسانتيس”؛ وذلك بعدما كان 35% يفضلون “ديسانتيس” و45% يفضلون “ترامب” قبل شهر من ذلك الاستطلاع.

2فقدان “ترامب” تأثيره اللافت على الحزب الجمهوري: بينما كان ينظر إلى الرئيس السباق على أنه الأكثر تأثيراً على الحزب، وجد استطلاع أجرته شبكة “إن بي سي” الإخبارية أن “ترامب” يفقد قبضته على ناخبي الحزب، وأن عدداً قياسياً من الجمهوريين يدعمون حزبهم أكثر من الرئيس السابق؛ إذ تظهر نتائج الاستطلاع أن نحو 62% من الجمهوريين يعرفون أنفسهم كمؤيدين للحزب الجمهوري أكثر من كونهم مؤيدين لـ”ترامب”، في حين أن 30% يُعرِّفون أنفسهم بأنهم مؤيدون لـ”ترامب” على الحزب الجمهوري. وقد قالت نسبة كبيرة من الجمهوريين (72%) في استطلاع للرأي أجرته شبكة “إيه بي سي” الإخبارية و”إيبسوس” إنهم يثقون بـ”ديسانتيس” أكثر مما يثقون بترامب (64%) لرسم مسار الحزب في المستقبل. ويقول عدد متزايد من الجمهوريين إن “ترامب” لن يكون مرشح الحزب للرئاسة لعام 2024؛ حيث يجادل الكثيرون بأن الحزب الجمهوري يجب أن يركز على قضايا مثل الاقتصاد بدلاً من المظالم بشأن انتخابات عام 2020.

وختاماً؛ لم تكن خسارة الحزب الجمهوري في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس مستبعدة من قبل بعض القيادات الجمهورية؛ فقد سبق أن حذر زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ في الصيف الماضي من أن الجمهوريين في المجلس لديهم مشكلة “جودة المرشح”، ولكن أداء الحزب في الانتخابات صعَّد حدة الانقسام داخله بين تيارَين يقود أولهما التيار المؤسسي بالحزب، وثانيهما تيار الرئيس ترامب ومنكري الانتخابات. وفي حال عدم إعادة الحزب الجمهوري تماسكه، والاصطفاف وراء مرشحه للانتخابات الرئاسية القادمة، فإنه لا يُستبعَد أن يخسر الانتخابات الرئاسية وكذلك الأغلبية بالكونغرس في نوفمبر 2024.