دعا شي جين بينغ، الأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، ورئيس اللجنة العسكرية المركزية للحزب، ولجمهورية الصين الشعبية، في حديثه إلى المؤتمر الوطني العشرين للحزب خلال الفترة من 16 – 22 أكتوبر 2022، إلى تسريع عمليات تحديث الجيش الصيني ليصبح "جيشاً على مستوى عالمي"، وشدد على الحاجة إلى "كسب الحروب الإقليمية".
بيئة أمنية مضطربة:
جاءت دعوة الرئيس شي جيش بلاده إلى تسريع عمليات تحديثه، في ظل سياقات إقليمية ودولية مأزومة بالنسبة لبكين، والتي يمكن توضيحها في الآتي:
1- النزاعات الحدودية مع دول الجوار: يتمثل أحد أهم المخاطر على البيئة الأمنية الخارجية للصين في عام 2022 في النزاعات الحدودية بين الصين والدول المجاورة لها، خاصة تلك المتحالفة مع الولايات المتحدة، على غرار اليابان في بحر الصين الجنوبي والشرقي، بالإضافة إلى النزاع الحدودي البري بين الصين والهند.
2- تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية: تتهم الدول الغربية الصين بتقديم الدعم الاقتصادي لروسيا، نظراً لرفضها الاصطفاف خلف العقوبات الغربية ضد موسكو، وإن أكدت واشنطن أن بكين لم تقدم الدعم العسكري لروسيا. ومع ذلك، فإن بعض القوى الغربية تتهم الصين بأنها تسعى لاستغلال الانشغال الغربي بالحرب لغزو تايوان عسكرياً واستعادتها بالقوة، وذلك على الرغم من أن الولايات المتحدة هي التي بدأت باستفزاز الصين، وذلك عبر زيارة نانسي بيلوسي، زعيمة مجلس النواب إلى تايوان مطلع أغسطس الماضي. ومن جهة أخرى، فإن تعثر روسيا في حربها ضد أوكرانيا يستغله الغرب لترهيب الصين، والضغط عليها لعدم الإقدام على احتلال تايوان عسكرياً، إذ إنها قد تواجه مصيراً مماثلاً.
3- الدعم الأمريكي لاستقلال تايوان: صدرت عدة تصريحات عن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، على مدار العامين الأخيرين تشكك في التزام واشنطن بمبدأ "الصين الواحدة"، خاصة بعدما أشار إلى إمكانية استخدام الجيش الأمريكي قواته لحماية تايوان، وهو الأمر الذي دفع بكين إلى إجراء تدريبات ومناورات عسكرية غير مسبوقة في مضيق تايوان وحول الجزيرة بأكملها. وكذلك الإعراب عن استعدادها "لاتخاذ الإجراءات اللازمة كافة" لحماية سيادتها. فضلاً عن إصدار كتاب أبيض، أكدت فيه عدم استبعاد اللجوء إلى القوة كملاذ أخير، لإعادة توحيد تايوان مع الوطن الأم.
4- المحاولات الأمريكية لتطويق الصين: قامت واشنطن بعدة تحركات أمنية وعسكرية بالتعاون مع حلفائها، في منطقة المحيطين الهادئ والهندي بهدف تطويق الصين، وعلى رأسها اتفاق "أوكوس" الأمني، الذي تم الإعلان عنه في 15 سبتمبر 2021، وهو عبارة عن شراكة أمنية بحرية بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، ويتضمن تزويد أستراليا بالتكنولوجيا الأمريكية لبناء غواصات تعمل بالطاقة النووية، حتى تتمكن أستراليا من مراقبة التحركات البحرية الصينية في جنوب شرق آسيا. واعترضت الصين على الاتفاق لكونه ينتهك معاهدة عدم الانتشار النووي.
هذا بجانب قيام واشنطن بإعادة إحياء الحوار الأمني الرباعي "تحالف كواد"، والذي يضم، إلى جانب الولايات المتحدة، كلاً من الهند واليابان وأستراليا، وتستخدمه واشنطن كإحدى الآليات المهمة لحشد حلفائها الإقليميين في سياق استراتيجيتها الهادفة إلى احتواء الصين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
5- محاصرة الصين عسكرياً: صرحت وزارة الدفاع البريطانية، بأن هناك طيارين عسكريين سابقين يتعرضون لإغراءات بمبالغ مالية كبيرة تصل إلى 270 ألف دولار أمريكي من قبل الصين لتدريب جيشها ونقل خبراتهم إليه. وتعتقد الوزارة بأن ما يصل إلى 30 طياراً سابقاً سافروا إلى الصين، لتدريب أعضاء جيش التحرير الشعبي الصيني.
كما أعلنت أستراليا إجراء تحقيق، هي الأخرى، بشأن تجنيد الصين طيارين سابقين في سلاحها الجوي. ونفت الصين أي علم لها بما أثير بشأن التعاقد مع طيارين بريطانيين. ولا يمكن فصل هذا الأمر عن محاولات لندن في الآونة الأخيرة الترويج لنظرية "التهديد الصيني"، والنظر إلى بكين باعتبارها تهديداً للأمن القومي البريطاني.
مؤشرات التحديث والتطوير:
حققت الصين خلال العقد الماضي، وتحديداً منذ تولي الرئيس شي السلطة في مارس 2013، طفرة كبيرة في تحديث وتطوير جيشها، إذ بات يأتي في المرتبة الثالثة بين أقوى 139 جيشاً في العالم. ويمكن توضيح ذلك في الآتي:
1- وضع برنامج للإصلاح العسكري: يطمح الرئيس الصيني لاستكمال تحديث جيش بلاده بشكل كامل بحلول عام 2035، لاسيما من الناحية التكنولوجية باستخدام الذكاء الاصطناعي، ليكون مستعداً لخوض الحروب غير التقليدية. ونتج عن هذا البرنامج نتائج إيجابية بالنسبة لمختلف وحدات الجيش الصيني.
وبالنسبة للقوات البحرية، تمتلك الصين أكبر قوة بحرية في العالم من حيث عدد الوحدات، متفوقة في ذلك على الولايات المتحدة، حيث نجحت في تطوير وتصنيع ثلاث حاملات طائرات، دخلت نطاق خدمة القوات البحرية، وهي: لياونينج وشاندونج، بالإضافة إلى حاملة الطائرات الجديدة فوجيان، والتي دخلت نطاق الخدمة في يونيو 2022، ويُنظر إليها على أنها ستكون نقلة نوعية في قدرات الصين البحرية، حيث تُصنف ضمن الجيل الثاني من حاملات الطائرات الصينية ذات الاقلاع الكهرومغناطيسي. ويبلغ عدد أفراد القوات البحرية الصينية 250 ألف جندي، كما تمتلك الصين 6 غواصات تكتيكية نووية، و48 غواصة تكتيكية تقليدية، و80 مدمرة وفرقاطة بحرية، علاوة على 209 مقاتلات ساحلية ودوريات.
وبالنسبة للقوات الجوية، تعتبر القوات الجوية الصينية هي الأكبر في شرق آسيا، وثالث أكبر قوة في العالم. وتمتلك الصين مئات الصواريخ الباليستية طويلة ومتوسطة المدى، وآلاف الطائرات المقاتلة. ويبلغ عدد أفراد القوات الجوية 395 ألف جندي، وتمتلك الصين 2517 طائرة مقاتلة و714 طائرة هليكوبتر مقاتلة.
كما قام الجيش الصيني العام الماضي بإطلاق طائرة شراعية فرط صوتية قامت بدورة حول الأرض بسرعة تفوق 6 آلاف كم في الساعة. وكشفت الصين عن طائرة التزويد بالوقود الجديدة "واي يو – 20" (YU-20)، والتي تتمتع بقدرات فائقة تمكنها من بلوغ نقاط بعيدة المدى. وتعمل الصين حالياً على تطوير صواريخ باليستية جديدة عابرة للقارات، وهو ما سيترتب عليه تحسين قدراتها الصاروخية النووية.
وتمتلك الصين الآن حوالي 350 رأساً نووياً، أي ضعف الكمية التي كانت تمتلكها خلال الحرب الباردة. في حين تُقدر أجهزة الاستخبارات الأمريكية أن هذا المخزون قد يتضاعف أكثر ليصل إلى 700 رأس بحلول عام 2027.
وبالنسبة للوحدة البرية، يبلغ حجم القوات البرية الصينية 975 ألف جندي، وتمتلك الصين 5850 دبابة قتال رئيسية، و6950 عربة قتال مشاة مدرعة، و6194 قطعة مدفعية. وإلى جانب تطوير الوحدات الرئيسية الثلاثة للجيش الصيني المشار إليها، فقد تم استحداث وحدة جديدة في الجيش الصيني وهي وحدة الدعم الاستراتيجي، وهي وحدة حديثة صغيرة العدد نسبياً تختص بتطوير الأسلحة التكنولوجية.
2- زيادة الميزانية الدفاعية: تزامن ذلك مع عملية تطوير وتحديث القوات المسلحة الصينية، حيث كشف تقرير الحكومة السنوي في مارس 2022، عن رفع الميزانية الدفاعية للعام الحالي إلى 7.1%، وهو ما يمثل زيادة طفيفة عن ميزانية العام الماضي والبالغة 6.8%.
وحسب ما ورد في التقرير، فقد خصصت الحكومة الصينية ما قيمته 1.45 تريليون يوان، أي ما يعادل 229.47 مليار دولار للإنفاق العسكري. وتعتبر هذه سابع زيادة على التوالي في ميزانية الدفاع الصينية، الأمر الذي يعكس مدى حرص القيادة الصينية على تطوير وتحديث جيشها، في ظل التحديات والاضطرابات السياسية والعسكرية.
3- التركيز على التقنيات المتقدمة: شهدت السنوات الأخيرة تخفيضات مستمرة في عدد جنود القوات البرية، وتم استحداث ما يعرف بـ "وحدة الدعم الاستراتيجي"، وهي تعتبر أصغر وحدات الجيش الصيني الأربع، من حيث العدد وتختص بتطوير الأسلحة التكنولوجية.
4- تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي: تشير وزارة الدفاع الأمريكية إلى أن الصين تعمل على تطوير الحرب "الذكية"، والتي تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي. وتشير تقارير إلى أن الصين ربما تقوم بالفعل باستخدام الذكاء الاصطناعي في مجال الروبوتات العسكرية وأنظمة توجيه الصواريخ، علاوة على مجالات الطائرات والزوارق الحربية المسيّرة.
دلالات متباينة:
يعكس حديث الرئيس شي عن ضرورة تحديث جيش بلاده، لاسيما تركيزه على مسألة خوض الحروب الإقليمية والانتصار فيها، العديد من الدلالات، والتي يمكن توضيحها في الآتي:
1- استعداد الصين للحرب: دعا الرئيس الصيني جيش التحرير الشعبي الصيني إلى التركيز على الاستعداد للمشاركة في أعمال قتالية حقيقية، وذلك في سبتمبر 2022، أي قبل انعقاد المؤتمر الوطني العشرين للحزب الشيوعي الصيني بأكثر من شهر، كما أكد أن أهم مطلب للجيش هو قدراته القتالية وقدرته على الانتصار.
كما أن الرئيس الصيني يسعى إلى توجيه رسالة ضمنية للولايات المتحدة مفادها أن "صين شي جين بينج ليست هي صين ماو تسي تونج"، وأنها لن تتردد في اللجوء إلى استخدام القوة العسكرية حال لجوء واشنطن إلى تهديد أو الاعتداء على ما ترى بكين أنه يمثل مصالح جوهرية لها أو مساساً بأمنها القومي في آسيا.
2- الوصول إلى المرتبة الأولى: تسعى الصين إلى الارتقاء بمكانة الجيش الصيني إلى المرتبة الأولى عالمياً بحلول عام 2049، وتخطي الجيش الأمريكي. ووفقاً لتقرير "التطورات العسكرية والأمنية المتعلقة بجمهورية الصين الشعبية" لعام 2020، الصادر عن وزارة الدفاع الأمريكية، ترغب الصين في أن تصير قوة عظمى تضاهي حتى الجيش الأمريكي، مما يعني تبني تقنيات جديدة، وأسلحة أفضل، وتدريبات عصرية.
3- تبني سياسات حازمة: يلاحظ أن الصين سوف تتجه إلى تبني سياسات حازمة للدفاع عما تعتبره مصالحها المشروعة، خاصة في ظل عدم حسم مسألة تايوان، والنزاع الحدودي مع الهند، واستمرار الخلاف مع اليابان بشأن السيادة على جزر سينكاكو التي تطالب بها الصين وتسميها جزر دياويو، علاوة على التوترات المستمرة في بحر الصين الجنوبي. وعلى سبيل المثال، "لن تتخلى الصين عن استخدام القوة إذا لزم الأمر" لضم تايوان، حسبما ذهب الرئيس شي في تقريره المقدم إلى المؤتمر المشار إليه.
4- تمدد الصين خارجياً: سوف تتجه الصين إلى عقد اتفاقيات أمنية وعسكرية مع الدول التي ترتبط بعلاقات شراكة استراتيجية مع بكين، وهو الأمر الذي يتيح لها إقامة بنية تحتية لوجستية وقواعد عسكرية خارجية، مما يسمح للقوة العسكرية الصينية بالتمدد عبر أنحاء مختلفة من العالم.
ويتمثل أحدث مؤشر على هذا التوجه في قيام الصين في أبريل 2022 بتوقيع اتفاقية أمنية مع دولة جزر سليمان، الواقعة في جنوب المحيط الهادئ، والتي تتيح للصين نشر قوات أمنية وبحرية في الجزر مع الحفاظ على سرية هذه المهام الأمنية، وهو الأمر الذي قوبل بالاعتراض من جانب الولايات المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا، تخوفاً من أن يؤدي ذلك إلى نجاح الصين في توسيع نفوذها العسكري في المحيط الهادئ.
تحديات ماثلة أمام الجيش:
يلاحظ أن مسالة تحديث الجيش الصيني لتحقيق هدف بلوغ المرتبة الأولى عالمياً بحلول عام 2049، تواجهه العديد من التحديات والإشكاليات، والتي يمكن توضيحها في الآتي:
1- حدوث سباق تسلح: إن اتجاه بكين لتحديث قدراتها العسكرية سوف ينظر إليه باعتباره تهديداً بالنسبة للقوى الدولية والإقليمية الرئيسية، لاسيما الولايات المتحدة واللاعبين الرئيسيين في منطقة المحيطين الهادئ والهندي، والتي لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء توجه الصين نحو تحديث قواتها المسلحة وزيادة قدراتها العسكرية، إذ ستنظر تلك القوى إلى هذه المسألة على أنها موجهة إليها بالأساس، الأمر الذي سيدفعها أيضاً إلى العمل على تنمية قدراتها العسكرية للرد على تحديث الجيش الصيني، سواء بشكل فردى أو عن طريق التحالف مع الولايات المتحدة في مشاريعها المناوئة للصين.
وسوف يترتب على ذلك حدوث سباق للتسلح في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وعلى سبيل المثال، ترغب كوريا الجنوبية في تطوير قوتها البحرية، وزيادة مشترياتها من الأسلحة. وتتحدث أستراليا عن شراء أسلحة فرط صوتية وصواريخ باليستية طويلة المدى، وحتى قاذفات شبحية. والأكثر من ذلك، تزايد الانفاق العسكري، إذ تشير تقديرات المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بلندن إلى أن نفقات الدفاع في منطقة آسيا والمحيط الهادئ تجاوزت تريليون دولار في عام 2021.
2- أوجه قصور محتملة: يعاني الجيش الصيني بعض أوجه القصور، والتي يتمثل أولها في التشابه بين المشاكل التي تواجه موسكو في أوكرانيا، وبين نقاط الضعف المحتملة في جيش التحرير الشعبي الصيني. ويتمثل ثانيها في الإلحاح الذي تمثله مسألة إعادة توحيد تايوان مع الصين بالنسبة للرئيس شي جين بينج، حيث يذهب البعض إلى أنه في حين أن القدرة على الاستيلاء على تايوان كانت منذ فترة طويلة محركاً لاهتمام الرئيس شي بتحديث جيش التحرير الشعبي، فإن ثمة صعوبات بشأن إمكانية القيام بذلك في ضوء غزو روسيا لجارتها. إذ يتطلب ذلك ضرورة عبور القوات الصينية لمضيق تايوان للوصول إلى الجزيرة، وهو ما يتطلب مئات الآلاف من الجنود.
أما ثالث هذه التحديات، فيتمثل في التأكد على أن جميع الوحدات المكونة للجيش الصيني تسير في الاتجاه نفسه. فوفقاً لبعض المحللين، لا تزال الصين في المراحل الأولى لإنشاء هياكل قيادة موحدة تعمل فيها الوحدات البرية والجوية والبحرية بتناغم وسلاسة لتنفيذ خطة معركة منسقة، وهو ما أشار إليه الرئيس شي في تقريره، بتأكيده الحاجة إلى "تحسين نظام القيادة للعمليات المشتركة" وتعزيز "أنظمة وقدرة جيش التحرير الشعبي على الاستطلاع والإنذار المبكر والضربات المشتركة، ودعم ساحة المعركة، والدعم اللوجستي المتكامل".
3- وجود فجوة بين الصين والولايات المتحدة: على الرغم مما وصلت إليه عملية تطوير وتحديث الجيش الصيني من تقدم كبير في عهد الرئيس شي، فإنه مازال يعاني وجود عدة فجوات تؤثر على محاولته اللحاق بالولايات المتحدة في مكانتها العسكرية العالمية، ومن هذه الفجوات: حاجة الجيش الصيني إلى تكثيف التدريب العسكري، وكذلك التحرك بشكل أسرع لتحديث الأنظمة اللوجستية للجيش والسعي إلى بناء نظام مبتكر لإدارة الأسلحة والمعدات، بجانب مواصلة إصلاح الدفاع الوطني وتكثيف الابتكارات في علوم وتكنولوجيا الدفاع.
ويضاف إلى الملامح السابقة، ضعف الخبرة القتالية لدى أفراد الخدمة في الجيش الصيني مقارنة بنظرائهم في القوات الأمريكية، حيث لم يقم الجيش الصيني بخوض أي حرب فعلية منذ ما يزيد على أربعة عقود، وتحديداً منذ الحرب التي خاضها ضد فيتنام في عام 1979، فضلاً عن وجود فجوة واضحة بين بكين وواشنطن في القوات البحرية. وعلى الرغم من أن الصين تعتبر في الوقت الحالي أكبر قوة بحرية في العالم، فإنها ليست أقواها. وبالتالي، من المهم للصين أن تعزز قوتها البحرية من أجل التصدي للتهديدات البحرية التي تواجهها، لاسيما الاستفزازات الأمريكية في المياه الإقليمية الصينية، خاصة أن حسم الصراع بين الصين والولايات المتحدة بشأن مسألة تايوان، سيتوقف بالأساس على المدى الذي ستصل إليه الدولتان في مجال القوة البحرية.
وفي الختام، يمكن القول إن توجه الصين نحو تحديث قدراتها العسكرية يرتبط بوجود إدراك لدى القيادة الصينية بتزايد مسببات وعوامل عدم الاستقرار الإقليمي والدولي التي تمثل تهديداً للبيئة الأمنية الخارجية للصين، وهو الأمر الذي يدفع بكين إلى تبني توجه أكثر حزماً وتشدداً في التعامل مع مهددات نزع الأمن والاستقرار ببعديها الإقليمي والدولي، عبر اعتماد سياسة تتسم بقدر أكبر من توظيف القوة الصلبة، بما فيها اللجوء إلى القوة المسلحة، في سياساتها لدى التعامل مع العالم الخارجي. بيد أن نجاحها في تحقيق ذلك يتوقف على تجاوز الفجوات التكنولوجية في القدرات العسكرية بينها وبين الولايات المتحدة.