• اخر تحديث : 2024-04-18 04:21
news-details
مقالات مترجمة

عقيدة "بايدن": كيف تتعايش استراتيجية الدفاع الوطني الأمريكية مع التهديدات النووية؟


نشر موقع مجلة "فورين بوليسي" الاميركية مقالاً، بعنوان "استراتيجية بايدن النووية تدور حول التعايش مع عالم خطير"، للكاتب ماثيو هاريز مدير قسم الانتشار والسياسة النووية في المعهد الملكي للخدمات المتحدة ببريطانيا، يشير فيه إلى أن إدارة "بايدن" أصدرت الشهر الماضي النسخة العامة من مراجعة الوضع النووي (NPR)؛ وذلك كجزء من استراتيجية الدفاع الوطني الجديدة ووسط محاولات روسيا المستمرة للترهيب النووي في أوكرانيا. وبحسب المقال فقد أجرى كل رئيس أمريكي منذ بيل كلينتون استعراضاً وطنياً للأسلحة النووية في وقت مبكر من ولايته الأولى، كبيان سياسي حول سبب امتلاك الولايات المتحدة الأسلحة النووية، ومتى وكيف ستفُكِّر في استخدامها، والأسلحة التي ستحتاجها في المستقبل. ورغم أنه في معظم الوقت كانت هذه المراجعات تمر دون ملاحظات، فإنه مع تلويح روسيا بالأسلحة النووية في أوكرانيا ووجود توترات شديدة مع الصين، يرى الكاتب أن الأمر يستحق الانتباه إلى موقف الولايات المتحدة الجديد.

استنتاجات مهمة

يقدم المقال عدة استنتاجات مهمة بشأن تقرير الولايات المتحدة الأمريكية حول مراجعة الوضع النووي 2022؛ وذلك على النحو التالي:

1.  إعطاء واشنطن أولوية قصوى لأي هجوم نووي روسي محدود: يشير الكاتب إلى أن تقرير المراجعة يركز بشكل كبير على محاولات روسيا استخدام الخطاب النووي لإقناع أوكرانيا والغرب بتقليص أهدافهما الحربية، والمخاوف من أن تستخدم روسيا عدداً صغيراً من الأسلحة النووية لإنهاء الحرب وفقاً لشروطها؛ إذ نص على أن “استخدام روسيا النووي المحدود في صراع إقليمي يُعَد أولوية قصوى للولايات المتحدة وحلف الناتو”، كما تشير استراتيجية الأمن القومي الأمريكية الأخيرة إلى أن هذه المشكلة من المرجح أن تزداد سوءاً؛ لأن الكارثة العسكرية التقليدية لروسيا في أوكرانيا تقودها إلى الاعتماد بشكل أكبر على الأسلحة النووية في المستقبل.

2. احتمال تبني الصين استراتيجية الإكراه النووي بآسيا: يشير تقرير المراجعة إلى احتمال أن تتبنى الصين استراتيجية مماثلة في آسيا. وفي هذا السياق، تقول المراجعة إن الحشد النووي المذهل للصين سيُعطِيها المزيد من الخيارات في أزمة إقليمية أو حرب، بما في ذلك الإكراه النووي أو الاستخدام المحدود الأول. ويرى الكاتب أن الطريقة التي تصف بها المراجعة ترسانة الصين النووية المستقبلية – “المتنوعة”، مع “درجة عالية من البقاء والموثوقية والفاعلية” – تختلف كثيراً عن الموقف التاريخي الأكثر بدائيةً للصين، الذي ركز على القدرة على تحقيق انتقام واسع النطاق إذا ضُربت بأسلحة نووية أولاً. كما تضيف المراجعة وزناً للتكهنات التي تقول إن هدف الصين هو أن تكون قادرة على التهديد باستخدام هجمات نووية محدودة بأنظمة ذات قدرة أقل وأقصر مدى – أو قادرة على تنفيذها بالفعل – من أجل مساعدتها على كسب نزاع تقليدي في المنطقة دون التصعيد إلى حرب نووية واسعة النطاق مع الولايات المتحدة.

3.  ضرورة تمتع واشنطن بالمرونة ضد أي هجوم نووي محدود: تماشياً مع التدابير الأخرى في استراتيجية الدفاع الوطني الأوسع تدعو المراجعة إلى مزيد من المرونة ضد الهجوم النووي المحدود، سواء من قبل روسيا أو الصين، بما في ذلك أنظمة الأسلحة التقليدية المحمية بشكل أفضل، ومعدات الحماية للقوات الأمريكية والقوات المتحالفة، و”تعزيز ضمان المهمة” للأنظمة الفضائية المستخدمة في الحرب التقليدية. وبحسب الكاتب، يركز هذا المنطق على أنه إذا كان الخصم يعلم أن حلفاء الولايات المتحدة يمكنهم المضي قدماً بعد استخدام محدود للأسلحة النووية، فإن مثل هذا الاستخدام يفقد جاذبيته باعتباره انقلاباً رئيسياً ينهي الحرب.

4. تخفيضات محدودة للأسلحة النووية مع بناء أسلحة جديدة: بحسب المقال، تعتقد إدارة “بايدن” أن ردع الاستخدام النووي المحدود يتطلب القدرة على التهديد بالانتقام بضربة نووية محدودة نسبياً. وفي هذا السياق، تحتفظ مراجعة الوضع النووي الجديدة بالعديد من الأسلحة النووية المتطورة، مثل القنابل الجوية وصواريخ كروز، بجانب الرأس الحربي W76–2. وتنص المراجعة صراحة على أن “W76–2 يوفر حالياً وسيلة مهمة لردع الاستخدام النووي المحدود” ويُستشهد به كجزء من الردع تجاه روسيا والصين. ووفقاً للمقال، تسعى لجنتا القوات المسلحة في مجلسي النواب والشيوخ لإعادة إدراج صاروخ كروز النووي “SLCM–N” في مشروع قانون إقرار الدفاع للعام المقبل. وسيتم أيضاً تجهيز مجمع إنتاج الرؤوس الحربية النووية في الولايات المتحدة مرة أخرى لإنتاج أسلحة جديدة من الصفر. وفي إطار ذلك، يرى الكاتب أن آمال بعض المدافعين عن أن إدارة “بايدن” ستختار الحد من التسلح النووي قد تلاشت.

5. استمرار الردع النووي المتكامل كهدف محوري لواشنطن: يشير المقال إلى أن استراتيجية الدفاع الوطني، التي تتداخل فيها مراجعة الوضع النووي، تتوسع بشكل كبير في فكرة “الردع المتكامل”. في هذا السياق، تقول الإدارة الأمريكية إن هذا يعني “العمل بسلاسة عبر مجالات الحرب والمسارح وطيف الصراع وجميع أدوات القوة الوطنية للولايات المتحدة وشبكة التحالفات والشراكات الخاصة بنا”، كما تَعِد المراجعة بتقييم الأسلحة غير النووية القادرة على “تكملة” الأسلحة النووية في وضع رادع “مع” دمج هذه القدرات في الخطط التشغيلية، حسب الحاجة. ومن ناحية أخرى، تشير استراتيجية الدفاع الوطني إلى أن الولايات المتحدة ستساعد الحلفاء والشركاء على حدود روسيا على تطوير “خيارات استجابة تتيح فرض التكلفة”، وهو ما يعني – وفقاً للكاتب – أن الولايات المتحدة لن تبني دفاعات حلفائها فحسب، بل ستساعدهم على الاستعداد بشكل نشط لمعاقبة روسيا على عدوانها.

6. حاجة واشنطن لمزيد من الأسلحة النووية بسبب تعزيز قدرات بكين النووية: بينما تمتلك روسيا ترسانة نووية مرقمة بالآلاف، لدى الصين حالياً المئات فقط منها. لكن بكين، التي أكدت المراجعة أنها “شرعت في التوسع الطموح والتحديث والتنويع لقواتها النووية”، قد تصبح في المستقبل نظيراً نووياً لروسيا، ومن ثم ستحتاج الولايات المتحدة إلى المزيد من الأسلحة النووية حسب الكاتب؛ لأنه إذا اعتقدت واشنطن أنها يجب أن تكون قادرة على امتصاص الضربة الأولى المتزامنة من قبل اثنين من الخصوم النوويين النظراء، فستحتاج إلى أسلحة نووية أكثر بكثير مما هو موجود حالياً؛ وذلك لكي تستطيع مواكبة الترسانات النووية المشتركة لروسيا والصين. ولكن يعتقد المقال أنه قد لا يكون هذا ممكناً مادياً ومالياً، وقد يكون له عواقب سياسية واستراتيجية غير مقبولة من حيث رد الفعل من روسيا والصين، والتأثير على معايير حظر الانتشار العالمية.

7. تعزيز واشنطن استراتيجية الردع النووي بهدف طمأنة الحلفاء: أشار المقال إلى أن كل رئيس أمريكي منذ كلينتون حتى “بايدن” أمر بمراجعة الموقف النووي للولايات المتحدة، ومع ذلك كان من الصعب تحقيق تغييرات كبيرة؛ إذ تم إقناع باراك أوباما – على سبيل المثال – بقبول إجراءات نزع سلاح أقل طموحاً مما أراد بسبب مخاوف بشأن كيفية تعامل حلفاء الولايات المتحدة مع الأخبار، واضُطر إلى إنفاق المزيد على البنية التحتية للأسلحة النووية الأمريكية أكثر مما كان يود.

فيما أمضى “بايدن” أكثر من 40 عاماً منغمساً في المناقشات حول الاستراتيجية النووية وكان من المدافعين عن الحد من التسلح. لكن بعد توليه الحكم – وحتى قبل غزو أوكرانيا – فشل اقتراح رئيسي لإدارته يشير إلى أن الولايات المتحدة يجب أن تقول إن “الغرض الوحيد” من أسلحتها النووية هو ردع استخدام الأسلحة النووية من قبل الآخرين؛ إذ أخبر حلفاء واشنطن الإدارة أن قول “الغرض الوحيد” يمكن أن يُقوِّض التأثير الرادع للمظلة النووية الأمريكية، ويشجع العدوان تحت العتبة النووية. ومن ثم كررت المراجعة الحالية صياغة حقبة أوباما بأن “الدور الأساسي للأسلحة النووية هو ردع هجوم نووي على الولايات المتحدة وحلفائنا وشركائنا”، موضحاً أن “الأسلحة النووية مطلوبة ليس فقط لردع هجوم نووي، ولكن أيضاً لنطاق ضيق من الهجمات الأخرى ذات الأهمية العالية على المستوى الاستراتيجي”.

ويعتبر الكاتب أن هذا التراجع عن السياسة التوضيحية، والتركيز على التكامل النووي التقليدي، والإصرار على الحاجة إلى خيارات نووية محدودة، يؤكد أن المراجعة تقدر تعزيز الردع أكثر بكثير من تقليل دور الأسلحة النووية. ومن ثم، فإن إصرار المراجعة على أن الولايات المتحدة “تركز مجدداً على الحد من التسلح، ومنع الانتشار النووي، والحد من المخاطر” يبدو غير حقيقي؛ وذلك من وجهة نظر الكاتب.

وختاماً، يشير المقال إلى أن إدارة “بايدن” قررت أن تعيش بأفضل ما في وسعها في العالم النووي القادم، بدلاً من المخاطرة من جانب واحد لتغييره، وهو قرار خيَّب آمال دعاة الحد من التسلح خارج الحكومة، وربما البعض داخل الحكومة أيضاً. لكن يرى الكاتب أنه ربما مستقبلاً، قد تمثل مراجعة الوضع النووي لحظة يقرر فيها الرئيس أن المخاطر الطويلة المدى للاعتماد على الردع النووي أكبر من أن تتحملها، وأن التقليل الجذري لدور الأسلحة النووية الأمريكية يستحق التكلفة السياسية والخطر الذي قد يتسبب فيه.