• اخر تحديث : 2024-04-26 02:51
news-details
إصدارات الأعضاء

الذهب العالمي من برناردشو إلى فيروز وبايدن وبوتين؟!


تنبأت فيروزتنا أطال الله بعمرها بغلاء الذهب بأغنيتها الذهبية وهي من كلمات وتلحين المبدعين الاخوين الرحباني رحمهما الله (غالي الذهب غالي وضحكت عناقيده)، وتشهد الأسواق العالمية حاليا زيادة في الطلب على الذهب مما أدى إلى ارتفاع أسعاره ليصل سعر الاونصة بتاريخ 24/11/2022 إلى /1742/ دولار أمريكي، وبرأينا سيكون سعر الاونصة في نهاية /2022/ بحدود /2000/ دولار، ومعروف كيف انتشرت صورة للرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) وهو يمسك (أونصة ذهب) في إشارة واضحة إلى أنه يمهد الطريق لاستبدال الدولار بالذهب.

وأهم العوامل الكامنة وراء زيادة الطلب نذكر منها [كونه ملاذ امن للاستثمار وخاصة مع تراجع قيمة العملات الدولية مثل الدولار واليورو والجنيه وغيرها بسبب موجات التضخم الكبيرة التي تتعرض لها - محدودية زيادة الكمية المستخدمة منه  حيث ينتج سنويا منه بحدود /3000/ طن سنويا ولكن يمكن زيادة الكمية المستخدمة منه عند الحاجة لكن ليس مثل الدولار واليورو من خلال طباعة المزيد منهما بدون قيود - سهولة حمله ونقله ومقاومته لعوامل الطبيعة مثل التأكل والاهتلاك، تراجع عائدات السندات الامريكية طويلة الأجل وقيم العملات الالكترونية مثل بيتكوين وغيرها - زيادة الطلب على الذهب من الصناديق الاستثمارية وخاصة في الاقتصاديات الناشئة - زيادة عدد الحروب وبؤر التوتر والمخاطر العالمية فمثلا بعد الحرب الروسية الناتوية الأوكرانية زاد شراء السبائك الذهبية بحوالي /12%/ حتى الان - زيادة الاعتماد عليه في الزينة والتحلي مثل (المنطقة العربية) وفي الدول الصناعية في الاستخدامات التجميلية لكن يستخدم في الصناعة بشكل اكبر مثل تكنولوجيا النانو والحواسيب والهواتف الذكية والسفن الفضائية ومعداتها والأسلحة والمعدات الطبية، وهذا يفسر استحواذه بشكل كبير من قبل  الدول الصناعية فقد تصدرت أمريكا دول العالم بحوالي /8134/ طن ومن ثم المانيا حوالي /3359/ طن وثالثا إيطاليا /2452/ طن ورابعا فرنسا / 2436/ طن ومن ثم روسيا /2299/ طن /- استمرار الثقة بالذهب وهي أساس العمل الاقتصادي وتؤكد الدراسات الاقتصادية ان اول قطعة نقدية ذهبية ظهرت سنة / 550/ قبل الميلاد ورغم مرور قرون زمنية على استخدام الذهب لكنه لايزال يستخدم في الاحتياطيات النقدية الدولية...الخ].

ومن هنا يتوقع اغلب الاقتصاديين العالميين ان قرار الرئيس الأميركي جو بايدن بمنع استيراد الذهب الروسي فإن هذا سينعكس إيجابا على روسيا وينقلب السحر على الساحر وكثير من المحللين الاقتصاديين الأمريكيين اعتبروا هذا الاجراء حسب رايهم (إجراء غير حكيم) حتى لا استخدم كلمة أخرى هم  استخدموها، وجاء ذلك عندما شعرت الإدارة الامريكية بخطورة التوجه العالمي لاستخدام الذهب وبدأ يحل تدريجيا محل الدولار، وفي خطوة استباقية لجأت إلى زيادة سعر الفائدة في البنك الفيدرالي الأمريكي وللمرة السادسة خلال سنة /2022/ وارتفعت من /صفر %/ إلى حدود /3،75%/ لان العلاقة بين أسعار الفائدة وسعر الذهب هي علاقة عكسية وهذا يحصل لأول مرة في أمريكا والهدف هو دعم الدولار لأنه العلاقة بين سعر الفائدة والذهب هي علاقة عكسية ،أي كلما ارتفع سعر الفائدة زاد الطلب على الدولار فيزداد سعره وبالتالي ينخفض سعر الذهب، ولكن بالمقابل بدأت روسيا و الصين بزيادة الإنتاج من الذهاب وكذلك الشراء لاستخدامه في التصدي للعقوبات الاقتصادية الغربية، وتؤكد صحيفة (تليغراف) البريطانية أن روسيا أصبحت تمتلك احتياطي من الذهب اكثر من احتياطاتها الدولارية وزادت قيمة سبائكها الذهبية سنة /2022/  بالمقارنة مع سنة /2020/ بنسبة /23%/، وتستمر بزيادة إنتاجها وهي ثالث أكبر منتج للذهب في العالم وزاد احتياطي الذهب في بنكها  المركزي /4/ أضعاف منذ سنة /2010/، وكل هذا دعم الروبل الروسي بما لا يقل عن /10%/ من قوته، كما ان الصين زادت من  شرائها للذهب وأصبحت تمتلك اكثر من /11%/ من الذهب العالمي وهي في المركز السادس /6/ عالميا، وتمتلك الهند /769/ طن في المرتبة العاشرة عالميا، وتعتبر جمهورية جنوب افريقيا هي الدولة الأولى المنتجة عالميا، لكن الملفت للنظر هو إعلان مجلس الذهب العالمي عن ان مصر اشترت /44/ طن من الذهب خلال الربع الأول من سنة /2022/ فارتفعت  كمية الذهب لدى البنك المركزي المصري  بمعدل/ 54%/  لتصل إلى/  125/ طنا وكثير من دول العالم بدأوا يميلوا على تنويع احتياطاتهم النقدية وإحلال الذهب أو عملات أخرى محل الدولار واليورو، فما هو موقف الحكومات الغربية من ذلك علما أن الكاتب الأيرلندي الساخر الشهير (جورج برنارد) أشار سنة /1927/ في كتابه [دليل المرأة الذكية إلى الاشتراكية والرأسمالية] عندما سألته  صديقته البريطانية بماذا ينصحها امتلاك الذهب أم غيره من النقود فقال لها  (عليك أن تختاري ما بين الثقة في الاستقرار الطبيعي للذهب، والاستقرار الطبيعي لأمانة وذكاء أعضاء الحكومة،  ومع كل الاحترام لهؤلاء السادة، أنصحك بأن تصوتي للذهب، طالما بقي النظام الرأسمالي قائما)، فهل هذا ينبئ بالعودة الى (القاعدة الذهبية) التي اعتمدتها بريطانيا سنة /1821/ ثم تعاملت بها لاحقا  (فرنسا وألمانيا وإيطاليا) وغيرها، وجوهر القاعدة ومعيارها هو [تحديد قيمة أي عملة لأي دولة بكمية من الذهب، وعلى هذا الأساس  يتم التبادل بين العملات] واستمر التعامل بهذه القاعدة  حتى بداية الحرب العالمية الأولى سنة /1914/ حيث لجأت الدول إلى فرض قيود على استخدام الذهب سواء في السوق الداخلية او على التصدير بسبب ظروف الحرب والحاجة للذهب و تم اللجوء الى العملات الورقية.

ومع أزمة (الكساد الكبير أو العظيم)  سنة /1929/ وفقدان أغلب العملات الورقية قيمتها التبادلية وتراجع قوتها الشرائية عادت الكثير من دول العالم للتعامل بالذهب وتمت العودة إلى قاعدة الذهب وتم في نهاية الحرب العالمية الثانية تثبيت سعر الذهب من قبل الولايات المتحدة الامريكية ووضع حد أدنى لسعر الذهب في أغلب البنوك المركزية الدولية في البيع والشراء، واستمر هذا حتى سنة /1971/، ولكن مع انخفاض احتياطي الولايات المتحدة من الذهب وزيادة عجز ميزانها التجاري بسبب تراجع إنتاجها والانتقال من الاقتصاد الإنتاجي إلى الاقتصاد المالي الورقي وتكلفة حرب فيتنام الكبيرة ومطالبة الرئيس الفرنسي باستبدال الدولارات لديها بالذهب من البنك الفيدرالي الأمريكي وعلى أساس السعر الذي حددته الإدارة الامريكية لكن تفاجأ العالم برفض الإدارة الامريكية للطلب الفرنسي واعتبرت هذه أكبر (فضيحة نقدية) في العالم ولا يزال العالم يعاني من جراء ذلك أي الغاء التثبيت والعمل بقاعدة الذهب، ومع فوضى السوق المالية العالمية حاليا وتذبذب أسعار العملات الدولية فهل تفعلها الدول الكبرى وخاصة دول مجموعة البريكس [روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا] في قمتها القادمة بترسيخ التعامل بالذهب، ومن المعروف ان كثير من دول العالم تقدمت بطلب للانضمام إلى المجموعة ومنها مثلا (مصر وايران) وغيرهما، وكل هذه الدول لها مصلحة التعامل بالذهب كما ذكرنا أعلاه.