• اخر تحديث : 2024-11-22 10:05
news-details
تقدير موقف

اتجاه بروكسل لتشكيل قوة عسكرية في النيجر تحسباً للنفوذ الروسي


أشارت تقارير غربية إلى تخطيط الاتحاد الأوروبي لتشكيل مهمة عسكرية جديدة له في النيجر، وذلك مطلع العام 2023، في محاولة لتعزيز القدرات العسكرية في نيامي، وهي الخطوة التي تأتي في ظل اتجاه بروكسل لإعادة هيكلة تواجدها في هذه المنطقة، بعد انتهاء مهمة قوة برخان الفرنسية في الساحل.

تحركات بروكسل العسكرية:

عمد الاتحاد الأوروبي إلى تشكيل بعثة تدريب مدنية في النيجر قبل نحو عقد من الآن، تتولى مسؤولية تقديم الدعم والتدريب لقوات الشرطة النيجرية، لكن يبدو أن ثمة توجهات أوروبية راهنة تستهدف تعزيز الحضور العسكري في نيامي، من خلال تطوير البعثة القديمة، وإضفاء أبعاد جديدة لها، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:

1- شراكة عسكرية جديدة: أكد مسؤولون أوروبيون وجود مساع راهنة من قبل الاتحاد الأوروبي لتشكيل "مهمة شراكة عسكرية" جديدة في النيجر، تنطوي على إقامة مركز لتدريب القوات النيجرية على مسائل الصيانة والأمور اللوجستية، بالإضافة إلى تقديم تدريبات متخصصة في مجالات أخرى، منها التعامل مع المتفجرات يدوية الصنع، فضلاً عن تقديم الدعم للجيش النيجري من خلال تنسيق وتعزيز الاتصالات المشتركة.

وشهدت الأشهر الأخيرة تنامياً ملحوظاً في وتيرة التعاون والتنسيق العسكري بين النيجر والاتحاد الأوروبي، لا سيما فرنسا، فقد أعلنت هيئة الأركان بالجيش النيجري، في 29 أكتوبر 2022، أن قواته نفذت خلال الأشهر الأربعة الأخيرة، بداية من يوليو وحتى أكتوبر 2022، 15 عملية عسكرية مشتركة مع قوة برخان الفرنسية في منطقة عمليات "المهاو" (القوة النيجرية المناهضة للجهاديين) بغرب النيجر، المتاخمة للحدود مع مالي، حيث تنشط مجموعات إرهابية مرتبطة بتنظيمي داعش والقاعدة الإرهابيين في إقليم تيلابيري بمنطقة المثلث الحدودي بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو.

2- مهمة محدودة: تعكس ملامح المهمة الجديدة التي يسعى الاتحاد الأوروبي إلى نشرها في النيجر أن بروكسل تتجه لتشكيل مهمة عسكرية محدودة، وهو ما يتسق مع الاستراتيجية الفرنسية الجديدة في المنطقة، والتي تميل إلى أن تكون تدخلاتها محدودة بإطار زمني، واستبدال انخراطها العسكري المباشر بعمليات عسكرية محدودة والاعتماد أكثر على القوات المحلية لدول المنطقة.

وثمة اتجاه لإعادة صياغة مقاربة جديدة لمكافحة الإرهاب في الساحل، لاسيما بعد انسحاب مالي من مجموعة دول الساحل الخمس في مايو الماضي، حيث تسعى القوى الأوروبية إلى تعويض غياب باماكو وزيادة حجم التمويل الأوروبي لجهود مكافحة الإرهاب في هذه المنطقة، بالتزامن مع قرارات وزراء دفاع دول الساحل في النيجر، في سبتمبر 2022، القاضية بتحويل القوة المشتركة لدول الساحل الخمس إلى قوة تدخل لمكافحة الإرهاب، قادرة على القيام بعمليات عسكرية في مختلف دول التحالف وإلغاء مناطق العمليات الجغرافية الثلاثة، والتي منعت القوة من التدخل سابقاً بشكل فعال وتنفيذ عمليات عسكرية ضد المجموعات الإرهابية.

مصالح أوروبية مهددة:

تتعدد الدوافع التي ربما تفسر أسباب اتجاه الاتحاد الأوروبي لتشكيل مهمة عسكرية جديدة في النيجر، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- تفاقم الأوضاع الأمنية في النيجر: تُعد النيجر هي الدولة الوحيدة من بين دول الساحل التي تتعامل مع انعدام الأمن على ثلاث جبهات بشكل متوازي. ويتمثل أول هذه التهديدات في جماعة بوكو حرام على طول الحدود مع نيجيريا، خاصة بعد فرار المئات من عناصر الجماعة مؤخراً من مناطق ارتكازهم بشمال شرق نيجيريا باتجاه النيجر، على خلفية القصف المكثف للجيش النيجيري والفيضانات التي شهدتها أبوجا.

أما ثاني التهديدات، فتتركز في الحدود الغربية والجنوبية الغربية للنيجر، وترتبط بالجماعات الجهادية المنتشرة في مالي وبوركينا فاسو، خاصةً تنظيمي القاعدة وداعش، وأخيراً يعاني شمال البلاد تهديدات داعش، الذي يتركز في جنوب ليبيا.

وعلى الرغم من التهديدات الأمنية المتفاقمة التي تعانيها نيامي، بيد أنها في المقابل لم تخسر أي أجزاء من أراضيها بشكل دائم لصالح أي من الجماعات الإرهابية المنتشرة على حدودها، باستثناء "جزر النيجر" عند بحيرة تشاد، وذلك على خلاف الوضع القائم في دول المنطقة، على غرار مالي وبوركينا فاسو.

2- تخوفات من التمدد الروسي: حذرت تقارير غربية خلال الآونة الأخيرة من أن النيجر، الغنية باليورانيوم، باتت تشكل الوجهة الجديدة لروسيا في الساحل. ودعمت هذه التقارير طرحها بتنامي وتيرة الأصوات الداعمة لموسكو في داخل النيجر، وهو ما يشبه الأوضاع الداخلية التي سبقت الانقلاب العسكري الأخير في بوركينا فاسو.

ويتسق مع هذا الطرح التقارير الغربية التي أشارت إلى أن النيجر أضحت تشكل دولة هشة يمكن أن تصبح بسهولة الدولة التالية التي تشهد انقلاباً عسكرياً، لا سيما مع تنامي السخط الشعبي من الوجود الفرنسي والغربي هناك، مع تزايد الدعوات الداخلية المطالبة بالتقارب مع روسيا.

انعكاسات إقليمية محتملة:

تعكس خطوة تشكيل مهمة أوروبية جديدة في النيجر وجود جملة من التداعيات المحتملة، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- الإعلان عن بعثة أوروبية جديدة: رجحت غالبية التقديرات أن يتم إطلاق بعثة أوروبية جديدة في النيجر في النصف الأول من 2023، وذلك بالتوازي مع إعلان فرنسا عن مسمى جديد لقواتها العسكرية المنتشرة في الساحل، خاصةً أن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، كان قد أعلن أن الاستراتيجية الفرنسية الجديدة المتعلقة بأفريقيا ستكون جاهزة خلال ستة أشهر، بعد مشاورات مطولة ستطلقها باريس خلال الأيام المقبلة مع شركائها الأوروبيين.

ومن ناحية أخرى، رجحت بعض التقارير الغربية أن تشهد الفترة المقبلة الإعلان عن مهام أوروبية جديدة في غرب أفريقيا، ربما تتضمن إلى جانب النيجر كلاً من موريتانيا والسنغال، في ظل اتجاه بروكسل حالياً لمراجعة مبادرة "مجموعات العمل السريع: المراقبة والتدخل في منطقة الساحل"، والتي تضمنت تمويل وتدريب القوات في ست دول بغرب أفريقيا، من أجل مكافحة الإرهاب والاتجار بالبشر، حيث تخطط بروكسل لإيقاف المبادرة في مالي وبوركينا فاسو وتشاد، مع العمل على تعزيز البرنامج في النيجر والسنغال وموريتانيا، وهو ما انعكس في الإعلان عن اتجاه الاتحاد الأوروبي تشكيل مهمة عسكرية جديدة في نيامي، ومن ثم لا يمكن استبعاد أن تشهد الفترة المقبلة الإعلان عن مهام جديدة مماثلة في نواكشوط ودكار.

2- مبادرات أمنية ثنائية: أشارت بعض التقارير الغربية إلى أن هناك مشاورات حالية تقودها القوى الأوروبية بشأن حلحلة الإشكالية المتعلقة بالتمويل طويل الأجل للقوة المشتركة في الساحل، والتي شكلت سابقاً عقبة رئيسة أمام فاعليتها على الأرض، فضلاً عن المشكلة المتعلقة بالحاجة إلى تطوير كبير للقدرات العسكرية الأفريقية، ورجحت هذه التقارير أن يتم خلال الفترة المقبلة تشكيل مبادرات أمنية ثنائية، لتعويض الفاعلية المحدودة لقدرات القوة المشتركة، لاسيما مع تعطل التكامل الجغرافي للقوة بعد انسحاب مالي.

3- تعزيز الدعم الأوروبي لمبادرة "أكرا": يرجح أن تشهد الفترة المقبلة زيادة وتيرة الدعم الأوروبي لمبادرة "أكرا"، والتي تم إطلاقها في سبتمبر 2017، من قبل توجو وبنين وساحل العاج وغانا وبوركينا فاسو، قبل أن تنضم لهم النيجر ومالي في 2019، في إطار جهود مكافحة الإرهاب في غرب أفريقيا، فقد استضافت العاصمة الغانية أكرا، في 17 نوفمبر الجاري، اجتماعات للدول المشاركة في المبادرة، بمشاركة ممثلين عن الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، بغية تعزيز التعاون الأمني والاستخباراتي ضد الجماعات الإرهابية.

4- جبهة جديدة للتنافس الغربي – الروسي: تشكل النيجر أهمية خاصة بالنسبة لباريس، سواء لاعتبارات تتعلق بتراجع النفوذ الفرنسي في الساحل الأفريقي، ومن ثم حاجة باريس الملحة للتمسك بحضورها في الدول التي لا تزال تمتلك بها نفوذاً، أو حتى لأهمية النيجر بالنسبة لتشغيل محطات الطاقة النووية الفرنسية، التي توفر نحو 70% من احتياجات باريس من الكهرباء، حيث تزخر نيامي بثروات هائلة من اليورانيوم، وبالتالي ربما تتفاقم أزمة الطاقة في فرنسا حال فقدت نفوذها في النيجر. ففي عام 2020، كان حوالي 35% من اليورانيوم الذي تستخدمه باريس في تشغيل مفاعلاتها النووية يأتي من دول غرب أفريقيا، بما في ذلك النيجر، وربما هذا ما يفسر وجود نحو 1700 جندي فرنسي حالياً في نيامي.

وتتخوف تقارير غربية من تنامي السخط الداخلي في النيجر ضد الوجود الفرنسي، مع وجود تطلعات راهنة لدى موسكو لتعزيز نفوذها في نيامي، وبالتالي لا يُستبعد أن تشكل الأخيرة بؤرة تنافس جديدة بين روسيا والغرب، خاصةً فرنسا، خلال الفترة المقبلة.

وفي الختام، يبدو أن ثمة قناعة باتت تتبناها القوى الغربية بشأن الانخراط العسكري في عمليات مكافحة الإرهاب بمنطقة الساحل وغرب أفريقيا، مفادها الدفع نحو بناء تعاون عسكري بين دول المنطقة، وأن يقتصر دور القوى الغربية على تقديم الدعم المطلوب لقوات هذه الدول، لاسيما فيما يتعلق بالبعد التمويلي، لكن لا تزال هناك حالة من عدم اليقين تتعلق بالموقف الأمريكي إزاء هذه المقاربة الأوروبية الجديدة، خاصةً أن واشنطن كانت تعتمد على الانخراط المباشر لشركائها الأوروبيين في تأمين مصالحها في القارة، وموازنة النفوذ الروسي والصيني هناك.