تمكن الحزب الجمهوري من السيطرة على مجلس النواب في أعقاب انتخابات التجديد النصفي للكونغرس التي أُجريت في الثامن من نوفمبر الجاري، وفاز الجمهوري كيفن مكارثي بترشيح الحزب لشغل منصب رئيس المجلس. وبالتوازي مع ذلك، أعلنت نانسي بيلوسي عدم رغبتها في إعادة انتخابها لقيادة الحزب الديمقراطي في الكونغرس القادم، دون أن يعني ذلك إسقاط عضويتها في مجلس النواب عن ولاية كاليفورنيا، وهو ما يعني إتاحة المجال لجيل جديد من القيادات الديمقراطية لتولي المناصب القيادية بالحزب والكونغرس من ناحية، وخسارة الديمقراطيين جهود بيلوسي، التي تبلغ من العمر 82 عاماً؛ لكونها أقوى عضو ديمقراطي في الكونغرس من ناحية ثانية.
خسارة فادحة
بصفتها رئيساً لمجلس النواب، لعبت بيلوسي أدواراً عدة تجعل من رغبتها في التخلي عن قيادة الحزب الديمقراطي في الكونغرس القادم خسارة فادحة للحزب الديمقراطي، وهو ما يمكن فهمه بالنظر إلى النقاط التالية:
1- دور بيلوسي المحوري في تمرير بعض القوانين الهامة: يرجع إلى بيلوسي الفضل في تمرير قانون “أوباما كير” الذي يُعد من أهم إنجازات إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، إلى جانب قوانين أخرى مهمة كتلك المتعلقة بتحسين أحوال البنية التحتية وتغير المناخ في عهد الرئيس الحالي جو بايدن، التي نصت على تغطية نفقات البحث والتطوير اللازمة لتسويق المفاعلات النووية المتقدمة والهيدروجين واحتجاز الكربون من بين أمور أخرى.
2- امتلاك بيلوسي قدرة كبيرة على تحدي الجمهوريين: تمتلك بيلوسي قدرة كبيرة على تحدي الحزب الجمهوري؛ حيث سبق أن تصدت عدة مرات للرئيس السابق دونالد ترامب بشكل مباشر طوال فترة رئاسته؛ حيث اشتهرت بتمزيق نسخة من خطابه عن حالة الاتحاد في 5 فبراير 2020 بالكونغرس. ومن الجدير بالذكر أن أنصار ترامب اقتحموا مبنى الكونغرس في 6 يناير 2021 بحثاً عنها للحيلولة دون التصديق رسمياً على فوز بايدن بالرئاسة، وقد تعددت اللقطات التي أوضحت مساعيهم لتدمير مكتبها ووضع أقدامهم عليه.
3- قيادة بيلوسي الديمقراطيين لتجاوز تحديات عديدة: تعد بيلوسي واحدة من أكثر الشخصيات الديمقراطية فاعلية، حتى وصفتها بعض التحليلات بأنها قيمة مضافة للديمقراطيين وخصماً صلباً للجمهوريين، وهو ما يمكن فهمه بالنظر إلى فطنتها التشريعية وقيادتها الفاعلة للحزب الديمقراطي لمواجهة بعض التحديات التي عصفت به؛ فقد كانت مؤثرة في المسرح السياسي لا سيما مع قوة خطاباتها السياسية ومؤتمراتها الصحفية ودورها في تحديد الوقت المناسب لإمرار التشريعات المهمة.
تحديات مرتقبة
من المتوقع مواجهة الحزب الديمقراطي تحديات عديدة في أعقاب تخلي نانسي بيلوسي عن قيادة الحزب في الكونغرس، ويمكن الوقوف على أبرز هذه التحديات من خلال ما يلي:
1- صعوبة ملء الفراغ لوجود أزمة داخل الجيل الثاني: لقد حالت قيادة بيلوسي للحزب الديمقراطي لما يزيد عن عقدين دون تصعيد القيادات الشابة فيه. وبعبارة أخرى، يعاني الحزب الديمقراطي من أزمة على صعيد الجيل الثاني المرشح لقيادة الحزب خلفاً لـ"بيلوسي"؛ فقد انتظرت القيادات الشابة لسنوات طويلة أملاً في قيادة الحزب والترقي في مناصبه القيادية، حتى تركه بعضهم كليةً لانعدام فرص الترقي فيه. وبعد أن أصبحت الفرصة سانحة، بات لزاماً على تلك القيادات ملء الفراغ الذي خلفته بيلوسي بعد أن حان الوقت لجيل جديد لكي يقود الحزب على حد تعبيرها.
2- تراجع قدرة الديمقراطيين على تحدي الجمهوريين: لقد عُرفت بيلوسي بمواجهتها المتكررة للجمهوريين الذين جعلوها محوراً أساسياً في حملاتهم الانتخابية. وعليه، تكررت دعواتهم لناخبيهم لمساعدتهم على “طرد نانسي بيلوسي”، وهو ما رآه البعض دعوة صريحة للتحريض ضدها، وهو ما أسفر عن الاعتداء على زوجها “بول” في مقر إقامته بكاليفورنيا، كما تجلى الصدام مع الجمهوريين بوضوح عند إعلان تنحيها، ويدلل على ذلك تصريحات “كيفن مكارثي” المرشح الجمهوري لرئاسة مجلس النواب الذي من المرتقب أن يخلفها: “هي لا تريد أن تسلمني مطرقة المجلس شخصياً”، مشيراً إلى بروتوكول تسليم مطرقة رئاسة المجلس لدى افتتاح الدورة الجديدة للكونغرس في مطلع العام المقبل. ومن المتوقع أن يستمر الصدام بين الحزبين في الكونغرس، لكن برحيل بيلوسي عن القيادة ستقل قدرة الديمقراطيين على تحدي الجمهوريين.
3– ضعف إنجازات القيادة الجديدة مقارنةً بـ”بيلوسي”: من المرجح أن يخلف “حكيم جيفريز” عضو الكونغرس عن ولاية نيويورك “بيلوسي” في قيادة الديمقراطيين في مجلس النواب، وهو ما يجعل منه أول زعيم من أصل إفريقي في الكونغرس في تاريخ البلاد. وقد شغل “جيفريز” سلفاً منصب رئيس الكتلة الحزبية في مجلس النواب منذ عام 2019، ويشتهر بدوره في إقرار قانون الخطوة الأولى، وهو مشروع قانون إصلاح العدالة الجنائية الكبير من الحزبين الذي وقعه “ترامب” في عام 2018، وهو أكبر إنجاز تشريعي له في تاريخه، وهو ما يعني أن إنجازاته حتى الآن لا يمكن مقارنتها بإنجازات “بيلوسي” بأي حال من الأحوال.
تقديم المشورة
وختاماً، ستواصل بيلوسي عملها في رئاسة مجلس النواب حتى شهر يناير المقبل عندما ينعقد الكونغرس الجديد، وستظل محتفظة بمقعدها في المجلس حتى يناير 2025. ومن المتوقع أن تلعب دوراً مهماً في تقديم المشورة لأعضاء الكونغرس الجدد بعد أن أصبح الديمقراطيون أقلية مرة أخرى، وإن أكدت بيلوسي أن الديمقراطيين – في تقديرها – سيتمتعون بنفوذ قوي على ما وصفته بالأغلبية الجمهورية الضئيلة، وسط مخاوف من صعوبة ملء الفراغ الذي ستخلفه بيلوسي التي وصفها بايدن بأنها “رئيسة مجلس النواب الأكثر أهميةً في تاريخنا”.