• اخر تحديث : 2024-04-26 10:23
news-details
تقدير موقف

هل ينجح قطاع الطاقة الروسي في التعافي من آثار الحرب الأوكرانية؟


تعد روسيا من أهم اللاعبين الرئيسيين في أسواق الطاقة العالمية؛ حيث تحتل موقع الصدارة في إنتاج النفط الخام والمنتجات النفطية، وثاني أكبر منتج ومصدر للغاز والوقود الأحفوري، خاصة لدول الاتحاد الأوروبي؛ حيث توفر روسيا نحو 40% من إمدادات أوروبا من الغاز عبر أوكرانيا. ومع اندلاع الصراع الروسي الأوكراني، ارتفعت المخاوف الأوروبية من استخدام الغاز الروسي وسيلة ضغط سياسية وتهديدها بإيقاف إمدادات الغاز الروسية، ومن ثم قامت باتخاذ تدابير مسبقة بالبحث عن بدائل تؤمن لها إمداداتها الطاقوية، ووضعت خطة للتخلص التدريجي من الاعتماد على الوقود الأحفوري من روسيا من خلال تنويع الإمدادات وزيادة الاستثمارات نحو الطاقة المستدامة، وفرض حظر تدريجي على صادرات روسيا من الطاقة بهدف تخفيض عائداتها من العملات الأجنبية وتحجيم قدرتها على تمويل الحرب الدائرة في أوكرانيا.

وقد ألقى ذلك بظلاله على قطاع الطاقة الروسي؛ حيث أسهم في تراجع حجم إنتاج الغاز والنفط الروسيين، كما أثر سلباً على حجم الاستثمارات الجديدة في مشروعات الطاقة الروسية، فضلاً عن تراجع حجم الصادرات الروسية من الوقود الأحفوري؛ ما من شأنه أن يقلل بشكل فعال حصة روسيا من النفط والغاز المتداول دولياً بمقدار النصف بحلول عام 2030، خاصة بعد توقف شحناتها من الغاز والنفط لدول الاتحاد الأوروبي.

أهمية استراتيجية

تُشكل روسيا أكبر مُصدِّر للنفط؛ إذ تُمثل صادراتها النفطية أكثر من ٥ ملايين برميل يومياً من النفط الخام بنسبة 12% من إجمالي التجارة العالمية، وما يعادل نحو 15% من تجارة المنتجات المكررة عالمياً، كما تعد روسيا ثاني أكبر منتج للغاز الطبيعي بالعالم، وتوفر نحو 40% من إمدادات أوروبا من الغاز الطبيعي، وتتمثل الأهمية الاستراتيجية لقطاع الطاقة الروسي فيما يلي:

1- أحد أكبر منتجي ومصدري النفط والغاز في العالم: تعد روسيا لاعباً رئيسياً في أسواق الطاقة العالمية؛ فهي ثاني أكبر منتج للغاز الطبيعي في العالم، بعد الولايات المتحدة، بحجم إنتاج بلغ نحو 762 مليار متر مكعب في عام 2021، وصدرت ما يقرب من 210 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي، لتحتل مكانة أكبر مصدر للغاز في العالم، ولديها أكبر احتياطيات الغاز في العالم. كما تعد روسيا من أهم منتجي النفط على المستوى العالمي بحصة تقدر بنحو 10% من الإمدادات العالمية؛ حيث بلغ إنتاج روسيا من النفط الخام والمكثفات النفطية خلال عام 2021 نحو 10.5 مليون برميل يومياً؛ ما يشكل 14% من إجمالي المعروض العالمي. وتمتلك الدولة منشآت لإنتاج النفط والغاز في جميع أنحاء البلاد، ويتركز الجزء الأكبر من حقولها في غرب وشرق سيبيريا.

2- خطط زيادة إنتاج الغاز الطبيعي المسال: أدى التدفق القوي للغاز الطبيعي المسال في عام 2020، وسط زيادة المعروض العالمي، إلى خفض حصة الغاز الروسي إلى نحو 40%. وبقيت عند مستوى مماثل في عام 2021، مدفوعة باستراتيجية غازبروم الخاصة بخفض المبيعات القصيرة الأجل، ومن ثم أصدرت الحكومة الروسية خطة طويلة الأجل لتطوير الغاز الطبيعي المسال في عام 2021، من أجل التنافس مع صادرات الغاز الطبيعي المسال المتزايدة من الولايات المتحدة وأستراليا وقطر. وتستهدف الخطة زيادة صادرات الغاز الطبيعي المسال من 110 إلى 190 مليار متر مكعب في السنة بحلول عام 2025.

3- اعتماد الاتحاد الأوروبي على واردات الطاقة الروسية: بلغت صادرات روسيا من النفط الخام والمكثفات النفطية في عام 2021، نحو 4.7 مليون برميل يومياً؛ ما يعادل أكثر من 45% من إجمالي الإنتاج البالغ 10.1 مليون برميل يومياً، وتعد دول الاتحاد الأوروبي المستورد الرئيس، بنحو 49% من إجمالي صادرات الطاقة الروسية، تليها منطقة آسيا وأوقيانوسيا بمقدار 38%.

وتمتلك روسيا شبكة واسعة النطاق لخطوط أنابيب تصدير الغاز، عبر طرق العبور عبر بيلاروسيا وأوكرانيا، وعبر خطوط الأنابيب التي ترسل الغاز مباشرة إلى أوروبا، ونظراً لتصدير معظم شحنات الغاز الروسية للدول الأوروبية عبر أوكرانيا، فقد تلقي الحرب الأوكرانية بظلالها على تلك الإمدادات.

ضغوط غربية

في إطار احتدام الحرب الروسية الأوكرانية، وارتفاع مخاوف الدول الأوروبية من استخدام الغاز الروسي وسيلة ضغط روسية، اتخذت الدول الغربية عدة تدابير تسهم بدورها في تقليل الهيمنة الروسية على واردات الغاز الأوروبية؛ وذلك من خلال ما يلي:

1- خطط التخلص التدريجي من الواردات الروسية: في أعقاب التدخل العسكري في أوكرانيا، حددت المفوضية الأوروبية في 11 مارس في إعلان فرساي خطة للتخلص التدريجي من الاعتماد على الوقود الأحفوري الروسي قبل نهاية هذا العقد، من خلال  تنويع الإمدادات وزيادة الاستثمارات في الطاقة المتجددة وتحسين كفاءة الطاقة، وإنتاج 35 مليار متر مكعب من الغاز الحيوي بحلول عام 2030، فضلاً عن تسريع نشر الهيدروجين المتجدد، وبذل الجهود المطلوبة لضمان تخزين الحد الأدنى من احتياطيات الغاز من قبل الحكومات الوطنية لضمان أن متوسط مستوى الاتحاد الأوروبي من التخزين يبلغ نسبته 80% بنهاية سبتمبر 2022.

2- العقوبات الأوروبية على قطاع الطاقة الروسية: فرض الاتحاد الأوروبي العقوبات السادسة على قطاع الطاقة الروسي وتضمنت حظراً كاملاً على الفحم الروسي اعتباراً من أغسطس 2022، بينما تم اعتماد حظر جزئي على النفط والمنتجات النفطية في 6 يونيو لخفض نحو 90% من واردات النفط من روسيا بحلول ديسمبر 2022، وحظر المنتجات النفطية في فبراير 2023. وتهدف الدول الأوروبية الكبرى إلى التخلص من الواردات الروسية، فعلى سبيل المثال، تستهدف ألمانيا أكبر مستورد للغاز الروسي بين دول الاتحاد الأوروبي خفض حصة الغاز الروسي في إمداداتها من الغاز إلى 10% بحلول صيف عام 2024. ولا يمكن إغفال أن هذه السياسات من شأنها إعادة توجيه الغاز الطبيعي والمسال الروسي بعيدًا عن أسواق الاتحاد الأوروبي؛ ما يخفض صادرات الغاز الروسي بمقدار 15 مليار متر مكعب مقارنة بعام 2021.

3- طرح آلية لتسعير الصادرات الروسية: فقد طرحت الدول الغربية، وخاصة عبر مجموعة السبع (G7)، خلال الشهور الماضية فكرة فرض حد أقصى لأسعار صادرات النفط والغاز الروسيين، وهو الطرح الذي استهدف الضغط على الإيرادات الروسية، وحرمان موسكو من بعض المصادر التي تساعدها في مواجهة العزلة المفروضة عليها عقب اندلاع الحرب في أوكرانيا. وقد يؤثر ذلك في خريطة الشراء العالمية؛ إذ يعمل على توسعة نطاق المشترين للخام الروسي، لكن في الوقت ذاته يرفع الخصومات والتخفيضات التي كان يتمتع بها لترويج شرائه؛ ما قد يدفع روسيا للتهديد بوقف إمداداتها بشكل كامل.

مساران رئيسيان

تطرح الضغوط الغربية على قطاع الطاقة الروسي مسارين رئيسيين أمام هذا القطاع:

1- التضرر الاقتصادي الحاد لقطاع الطاقة: وبحسب هذا المسار يبدو مستقبل قطاع الطاقة في روسيا متشائماً؛ وذلك في ضوء مجموعة من المؤشرات:

أ- انخفاض إنتاجية النفط والغاز: إذ كشفت توقعات وكالة الطاقة الأمريكية أن روسيا ستتكلف خسارة إنتاجية تراكمية تزيد عن 550 مليار متر مكعب على المدى المتوسط للفترة 2022-2025؛ حيث ساءت آفاق مشروع القطب الشمالي للغاز الطبيعي المسال بسعة 27 مليار متر مكعب/السنة بشكل كبير، سواء من حيث التمويل أو الوصول إلى التكنولوجيا. وبحسب بعض التقديرات فقد تراجع إنتاج الغاز الروسي، منذ مارس حتى أغسطس 2022، بنحو 25% مما كان عليه في أغسطس 2021 ونحو 40% أقل من الإنتاج في يناير 2022، نتيجة للانخفاض الكبير في صادرات غاز خطوط الأنابيب. وبحسب توقعات منظمة أوبك سينخفض إنتاج النفط الروسي في عام 2025 بمقدار مليوني برميل يومياً عما كان عليه في عام 2021 وسينخفض إنتاج الغاز بمقدار 200 مليار متر مكعب.

ب- التأثيرات المعاكسة للانكماش الاقتصادي: تعزى أسباب التراجع في إنتاجية النفط والغاز، بالإضافة إلى الحرب الأوكرانية، إلى تناقص إنتاج مصافي التكرير، بعد وصول الطلب لذروته خلال صيف 2022، إلى جانب توقعات انكماش الاقتصاد بنسبة تتراوح بين 7.5% و8% على أساس سنوي في الربع الثالث من 2022، وبنسبة تتراوح بين 10% و11% في الربع الأخير من 2022، وفق تقديرات البنك المركزي الروسي، كما سيؤدي انخفاض النشاط الاقتصادي إلى الضغط على إنتاج مصافي التكرير، ليكون من المتوقع أن يهبط بنحو 700 ألف برميل يومياً على أساس سنوي، ليصل إلى 5.2 مليون برميل يومياً بحلول ديسمبر 2022.

ج- تراجع حجم صادرات الطاقة الروسية إلى الدول الغربية: انخفضت حصة روسيا من صادرات الوقود الأحفوري العالمية بشكل كبير نتيجة للحرب الحالية؛ حيث انخفضت شحنات الغاز الروسية إلى الاتحاد الأوروبي اعتباراً من سبتمبر 2022 بنسبة 80%، كما توقفت واردات الفحم الروسية لأوروبا اعتباراً من أغسطس 2022، بينما لا يزال إنتاج النفط الروسي وصادراته قريبة من مستويات ما قبل الحرب.

د- تنامي عدم اليقين بشأن الاستثمارات الجديدة في مشاريع الطاقة الروسية: فقد أصبحت العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أكثر صرامة مما كانت عليه في عام 2014، لتشمل قيوداً واسعة النطاق على قدرة الشركات الدولية على الاستثمار في روسيا، وعلى نطاق الشركات الروسية لجمع التمويل دولياً، وعلى وصول روسيا إلى التكنولوجيا الغربية.

وعلى الرغم من محاولة روسيا التغلب على تلك القيود من خلال برنامج إحلال الواردات، ولكنه لم يكن مجدياً بشكل كلي؛ حيث إن بعض الحقول النفطية الروسية معرضة لخطر الإغلاق، وكان من المقرر أن تأتي حصة متزايدة من إنتاج النفط الروسي من مناطق إنتاج جديدة، بما في ذلك مشاريع في شرق سيبيريا والقطب الشمالي، بينما تفاقمت المخاطر التي تهدد تلك التطورات وترفع تكلفتها؛ بسبب غياب الشركات والتكنولوجيات الغربية وبعض مقدمي الخدمات.

2قدرة قطاع الطاقة الروسي على التعافي السريع: وبحسب هذا المسار سيتمكن قطاع الطاقة من تجاوز الضغوط الغربية والتعافي سريعاً اعتماداً على آليات المناورة، وهو المسار الذي يرتبط بعدد من المحددات الرئيسية:

أ- اعتماد روسيا نظام مدفوعات بالروبل: فقد واجهت موسكو الضغوط الغربية بإعلان اعتماد نظام مدفوعات جديد لصادراتها من الغاز الروسي بالروبل بدلاً من الدولار، وقطعت إمدادات الغاز عن الدول التي لم تلتزم بنظام الدفع الجديد، وهو النهج الذي سعت من خلاله روسيا إلى تقليل ارتباطها بالنظام المالي والاقتصادي الغربي ومحاولة تقليل خسائرها الاقتصادية.

ب- إعادة توجيه الشحنات الروسية إلى أسواق بديلة: اتجهت روسيا للبحث عن بدائل لصادراتها في قارة آسيا؛ حيث بلغ إجمالي صادرات الغاز الطبيعي الروسي إلى آسيا 32 مليار متر مكعب في عام 2021. وتعد الصين أكبر سوق لروسيا في آسيا بحجم واردات بلغت نحو 17 مليار متر مكعب، تليها اليابان بنحو 9 مليارات متر مكعب، وكوريا بنحو 4 مليارات متر مكعب، ويتوقع أن ترتفع شحنات الغاز الروسية إلى الأسواق الآسيوية بمقدار 40 مليار متر مكعب في السنة لتصل إلى ما يزيد عن 70 مليار متر مكعب بحلول عام 2025.

ومنذ بدء الحرب الأوكرانية، ارتفعت إمدادات الخام الروسية إلى الصين إلى مستويات قياسية لنحو مليوني برميل يومياً، أي ما يعادل 55% من النمو على أساس سنوي لشهر مايو، كما ارتفعت مشتريات الهند من الخام الروسي إلى نحو 800 ألف برميل يومياً في مايو، مستفيدة بخصومات تتراوح بين 25 و30% على الشحنات الروسية، كما يمكن لروسيا تحويل أكثر من 10 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال التي تمر عبر مصنع يامال للغاز الطبيعي المسال من أوروبا إلى الأسواق الآسيوية.

ج- ارتفاع عوائد الصادرات الروسية من النفط والغاز: على الرغم من تراجع حجم الصادرات الروسية من الوقود الأحفوري، وتراجع حجم الإنتاج، ارتفعت عائدات روسيا من صادراتها النفطية نتيجة ارتفاع أسعار النفط والغاز عالمياً؛ ففي الأشهر الستة الأولى من الحرب الأوكرانية، صدرت روسيا وقوداً أحفورياً قيمته نحو 158 مليار دولار، من بينها نحو 85 مليار دولار قيمة صادرات إلى الاتحاد الأوروبي، ونحو 34.9 مليار دولار عوائد الصادرات إلى الصين كأكبر جهة فردية للصادرات الروسية، تليها ألمانيا وتركيا وهولندا.

وارتفعت عائدات النفط والغاز الروسية في مارس-أبريل 2022 إلى أعلى مستوياتها التاريخية، لكنها شهدت الانخفاض الحاد بدءاً من مايو 2022، لتنخفض بنحو 14% بين أغسطس وسبتمبر؛ حيث بلغت نحو 15.3 مليار دولار مقارنة بنحو 18.5 مليار دولار في أغسطس، لكن هذا لا يزال أعلى من متوسط المستوى الشهري في عام 2021. وتتوقع وزارة الاقتصاد الروسية أن تصل عائدات تصدير الطاقة الروسية إلى 338 مليار دولار بنهاية عام 2022، بزيادة أكثر من الثلث من نحو 244 مليار دولار في العام 2021. وستساعد تلك القفزة في الإيرادات، في حال تحققها، في دعم الاقتصاد الروسي على مواجهة العقوبات الغربية الشاملة التي تشل بعض صناعاتها.

تعقيدات عديدة

وأخيراً، يبدو أن قطاع الطاقة الروسي يواجه تحديات عديدة في ضوء الضغوط الغربية المفروضة عليه على خلفية الحرب الأوكرانية، فمن المرجح أن تنخفض حصة روسيا من النفط والغاز المتداول دولياً بمقدار النصف بحلول عام 2030، خاصة بعد توقف شحناتها من الغاز والنفط لدول الاتحاد الأوروبي، وربما لن يكون توجه روسيا إلى الأسواق الآسيوية بديلاً كافياً عن أوروبا، ويمثل تحدياً خاصةً في حالة الغاز الطبيعي؛ حيث إن فرصة السوق لعمليات التسليم الإضافية على نطاق واسع إلى الصين محدودة؛ وذلك في ظل التوقعات بتراجع نمو الطلب على الغاز الطبيعي في الصين إلى 2% سنوياً بين عامي 2021 و2030.

وفي السياق ذاته فإن التحول الهيكلي لروسيا نحو الشرق يسهم في ارتفاع التكاليف؛ حيث تم تأمين جميع ناقلات النفط الخام المنقولة بحراً من روسيا المتجهة إلى الهند في أبريل ومايو من قبل شركات في المملكة المتحدة والنرويج والسويد، وأدى قرار حظر التأمين وإعادة التأمين على البضائع المنقولة بحراً من الخام الروسي إلى زيادة التكاليف بالنسبة للشركات الروسية التي تحتاج إلى النقل، كما ستتطلب إعادة توجيه التدفقات مزيداً من الوقت لتتشكل بسبب الحاجة إلى استثمارات جديدة في البنية التحتية، مع عدم وجود روابط لأسواق بديلة، ومن ثم فإن السوق الآسيوية لن تعد بديلاً كافياً لشحنات الغاز الطبيعي الموجهة غرباً نحو أوروبا.