• اخر تحديث : 2024-05-15 19:58
news-details
تقدير موقف

الآفاق المتوقعة لأفريقيا جنوب الصحراء في عام 2023


من المتوقع أن تشهد الدول الأفريقية جنوب الصحراء عدداً من التطورات خلال عام 2023، قد يكون أبرزها استمرار تعقُّد المشهد السياسي والأمني في شرق أفريقيا، والعسكرة المتواصلة للمشهد السياسي في الساحل وغرب أفريقيا، وتنامي نشاط التنظيمات الإرهابية، وصعوبة التوصل إلى حلول سلمية مستدامة، وتصاعُد التنافس الدولي على القارة، والتحول الغربي المتسارع نحو سوق الطاقة الأفريقية بالإضافة إلى غياب اليقين بشأن مستقبل الاقتصاد الأفريقي. وفيما يتعلق بالدول التي من المتوقع أن يكون لها تأثير كبير في السياسة الأفريقية عام 2023، يُتوقع أن تسعى كينيا للعب دور إقليمي محوري شرق أفريقيا، مع تطلُّع رواندا للتحول إلى مركز مالي إقليمي جاذب للاستثمارات، وتوجُّه تنزانيا لجذب الاستثمارات الطاقوية الغربية، والاعتماد الغربي المتزايد على النفط والغاز النيجيريين، وتنامي دور النيجر في مكافحة الإرهاب بالساحل. وفي الأخير، يُتوقع أن تسعى جنوب أفريقيا لتعزيز حضورها السياسي في القارة.

سياقات مُعقدة

ثمة عدد من المتغيرات السياسية والاقتصادية والأمنية التي شهدتها منطقة أفريقيا جنوب الصحراء خلال عام 2022 مع توقعات باستمرارها خلال العام المقبل 2023. وتتمثل أبرز تلك المتغيرات فيما يلي:

1- سياق أمني وسياسي معقد في شرق أفريقيا: وهو ما يعبر عنه إقليم القرن الأفريقي باعتباره منطقة مضطربة أمنيّاً نتيجة تزايُد الصراعات السياسية والإثنية في عدد من الدول، والتأثير السلبي لتلك الصراعات على الاستقرار في تلك الدول والإقليم بشكل عام؛ ففي إثيوبيا، اندلعت الحرب الإثيوبية في إقليم تيجراي شمال البلاد في نوفمبر 2020 التي شكلت تحديّاً كبيراً لاستقرار الدولة الإثيوبية المهددة بالانزلاق نحو الفوضى مع استمرار الصراع بين الحكومة الفيدرالية وجبهة تحرير تيجراي؛ وذلك على الرغم من التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في 2 نوفمبر 2022 خلال المحادثات التي جرت في دولة جنوب أفريقيا برعاية الاتحاد الأفريقي، الذي يظل اتفاقاً هشّاً يهدد باندلاع الحرب مجدداً ما لم ينخرط الطرفان في عملية سلام حقيقية لتجاوز جميع الخلافات القائمة بينهما من أجل إحلال السلام الدائم في البلاد.

ولا يمكن حصر غياب الاستقرار بمنطقة القرن الأفريقي في الأزمة الإثيوبية فحسب، بل هناك عدد من الدول التي تعاني من بعض الاضطرابات السياسية والأمنية التي توثر على حالة الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني؛ فمع وصول الرئيس حسن شيخ محمود للسلطة في الصومال في مايو 2022 وتعهده بالقضاء على حركة الشباب المجاهدين التي تنشط في أنحاء البلاد على مدار العقدين الماضيين، تزداد التحديات التي تواجه النظام الصومالي الجديد، خاصة أن الحركة كثفت نشاطها الإرهابي خلال الشهور القليلة الماضية في ضوء مساعيها لتعزيز نفوذها الداخلي والإقليمي في منطقة القرن الأفريقي، وإحراج النظام الحاكم أمام الرأي العام الصومالي، بما يسهم في تراجع شعبية الرئيس الجديد، وهي التهديدات التي من المتوقع أن تستمر خلال عام 2023.

ولا يزال السودان يواجه تحديات المرحلة الانتقالية المستمرة منذ الإطاحة بنظام الإنقاذ في أبريل 2019، بينما لم تصل جنوب السودان لحالة الاستقرار المنشود منذ إعلان الاستقلال في عام 2011 بسبب تداعيات الصراع الممتد منذ عام 2013. في حين يعاني النظام الحاكم في إريتريا من العزلة الدولية على مدار العقد الماضي بفعل ممارساته الإقليمية التي يرى المجتمع الدولي أنها تُسهم في زعزعة الاستقرار الإقليمي في شرق أفريقيا، لا سيما الدور الإريتري في تأجيج الصراع الإثيوبي بحسب المزاعم الغربية.

2- عسكرة متواصلة للمشهد السياسي في الساحل وغرب أفريقيا: شهدت منطقتا غرب أفريقيا والساحل بعض الاضطرابات السياسية على مدار العامين الماضيين؛ وذلك نتيجة اندلاع بعض الانقلابات العسكرية التي طالت عدداً من دولها، مثل مالي التي شهدت تغييراً سياسيّاً في أغسطس 2020 بعدما أطاح الانقلاب العسكري بالرئيس السابق إبراهيم أبو بكر كيتا، وما صاحبه من اضطرابات سياسية وأمنية في البلاد تطورت إلى نشوب أزمة إقليمية بين مالي والجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا المعروفة باسم إيكواس نتيجة سيطرة العسكريين على السلطة في البلاد بقيادة رئيس الدولة الانتقالي الحالي أوسيمي جويتا.

فيما شهدت غينيا كوناكري انقلاباً عسكريّاً في سبتمبر 2021 أسفر عن الإطاحة بالرئيس السابق ألفا كوندي وسط مخاوف من تدهور الأوضاع في البلاد، بالإضافة إلى الانقلابين العسكريين اللذين شهدتهما بوركينا فاسو في يناير 2022 وأكتوبر 2022 على التوالي، وهو ما ساهم في غياب الاستقرار الإقليمي في الساحل وغرب أفريقيا خلال الفترة الأخيرة، وسط توقعات باستمرار تلك التحديات خلال الفترة المقبلة.

3- تنامي نشاط التنظيمات الإرهابية في أفريقيا: تُمثل قارة أفريقيا ساحة رئيسية لانتشار التنظيمات الإرهابية؛ حيث تشير التوقعات إلى أن القارة ستصبح ساحة للجهاد العالمي خلال العقدين المقبلين بدلاً من منطقة الشرق الأوسط؛ فقد أشارت دراسة لمؤسسة “فيريسك مابيلكروفت” للاستشارات الاستراتيجية وتحليل المخاطر الدولية في بريطانيا إلى أن 7 من أصل 10 دول هي الأخطر في العالم الآن تقع في قارة أفريقيا، لا سيما منطقة جنوب الصحراء؛ حيث ينشط نحو 64 تنظيماً إرهابيّاً في دول القارة.

ولا يزال الإرهاب يُشكل تهديداً خطيراً في أفريقيا جنوب الصحراء التي تضم نحو 48% من إجمالي الوفيات العالمية بسبب العمليات الإرهابية؛ حيث إن 4 دول من أصل 10 بلدان شهدت أكبر زيادة في الوفيات الناجمة عن الإرهاب كانت في أفريقيا جنوب الصحراء وهي النيجر ومالي والكونغو الديمقراطية وبوركينا فاسو.

4- صعوبة التوصل إلى حلول سلمية مستدامة في القارة: من الصعوبة بمكان التوصل إلى حلول لتسوية الصراع في أفريقيا نظراً للتوترات الكامنة التي غالباً ما تمتد عبر الحدود بين الدول الأفريقية، ومن المتوقع أن تكون هناك نقاط ساخنة لانعدام الأمن في عام 2023 في بعض المناطق مثل الساحل والصحراء بما في ذلك مالي وبوركينا فاسو والقرن الأفريقي بما في ذلك شمال إثيوبيا وشمال موزمبيق وبعض الأجزاء من نيجيريا. وربما تجذب هذه الصراعات المزيد من اللاعبين الدوليين إلى الساحة الأفريقية خلال العام المقبل بحجة دعم وتعزيز السلم والأمن الأفريقيين. كما قد تتوسع الصراعات الدائرة في الساحل وغرب أفريقيا لتضم الصراع بين التنظيمات الإرهابية لا سيما تنظيمي داعش والقاعدة وانخراط بعض العناصر العسكرية مثل قوات فاجنر الروسية، وهو ما ينذر باستمرار حالة عدم الاستقرار هناك.

5- تصاعُد التنافس الدولي في القارة الأفريقية: تُعتبر أفريقيا مجالاً حيويّاً للتنافس الدولي؛ حيث تشهد الدول الأفريقية تزاحماً من جانب العديد من القوى الدولية – مثل الولايات المتحدة والصين وفرنسا والاتحاد الأوروبي وبريطانيا وغيرها – الرامية إلى تعزيز نفوذها وهيمنتها في الفضاء الجيوستراتيجي الأفريقي، بالإضافة إلى رغبة تلك القوى في السيطرة على الموارد والثروات في القارة. وتستغل هذه القوى حاجة الدول الأفريقية إلى المزيد من المساعدات الاقتصادية والتنموية وضخ المزيد من الاستثمارات الأجنبية لتعزيز اقتصاداتها التي تتأثر بشكل كبير بتداعيات الأزمات الاقتصادية العالمية، إلى جانب الضعف الهيكلي الذي تُعاني منه الاقتصادات الأفريقية بالأساس منذ سنوات مضت.

6- تحول غربي متسارع نحو سوق الطاقة الأفريقية: من المتوقع أن يزداد الطلب على مصادر الطاقة في أفريقيا بعد قرار الدول الأوروبية الاستعاضة عن النفط والغاز الروسيين بإمدادات بديلة، وهو ما يجعل بعض دول القارة – مثل نيجيريا وأنجولا والجابون والكونغو برازفيل وغانا وغينيا الاستوائية وتشاد – مصدراً محتملاً لاستثمارات جديدة. ويمكن أن تحظى مشروعات التعدين الأفريقية، لا سيما في بتسوانا والكونغو الديمقراطية وناميبيا ونيجيريا وسيراليون وجنوب أفريقيا وتنزانيا وزامبيا وزيمبابوي بمزيد من الاهتمام إذا ما تجنبت شركات التعدين الدولية الإمدادات الروسية من النحاس والكوبالت والماس والذهب والحديد والمنجنيز والنيكل والبلاتين واليورانيوم.

7- غياب اليقين بشأن مستقبل الاقتصاد الأفريقي: في ضوء التوقعات بشأن بيئة أعمال خارجية أكثر تحديّاً للمُصدرين الأفارقة خلال عام 2023، واحتمال انزلاق الدول الأوروبية إلى الركود وتباطؤ الاقتصاد الأمريكي وتزايد الضغوط على الاقتصاد الصيني بفعل آثار جائحة كوفيد-19 وتأزم قطاع العقارات الصيني، ربما تتجنب أفريقيا حدوث انخفاض كبير في أداء الصادرات في عام 2023؛ وذلك بفضل ارتفاع أسعار السلع في قطاع منتجات الطاقة والمعادن، واستفادة الدول المصدرة للسلع الأساسية من زيادة معدلات التبادل التجاري على المدى القصير؛ وذلك في ضوء استمرار المنافسة الدولية لضمان الوصول إلى منتجات الطاقة والمدخلات الصناعية ذات الأهمية الاستراتيجية في أفريقيا.

ومع ذلك، من المتوقع أن يظل النمو الاقتصادي ضعيفاً في عام 2023 عند نحو 3.7%. وتشير أحدث التوقعات الاقتصادية للأمم المتحدة إلى أنه لكي تعود أفريقيا إلى مسارها الاقتصادي قبل الجائحة سوف تحتاج إلى تسجيل زيادة سنوية في الناتج المحلي الإجمالي بنحو 6% في عامي 2022 و2023، كما يُتوقع أن ترفع غالبية الدول الأفريقية أسعار الفائدة المحلية في عام 2023، كما ستبقى نسبة ديون القطاع العام إلى الناتج المحلي الإجمالي أعلى من 60% في عام 2023، ومن المرجح أن تتجاوز بعض البلدان الأفريقية هذا المستوى، كما يُتوقع أن تواجه بعض البلدان الأفريقية، مثل نيجيريا وغانا والكونغو برازفيل وزامبيا وموزمبيق وزيمبابوي، ارتفاع تكاليف وأعباء خدمة الديون التي تلتهم حصة كبيرة من إيراداتها في عام 2023؛ إذ يتعين على الدول الأفريقية سداد نحو 75 مليار دولار من الديون المستحقة في عام 2023 ومبلغ مماثل في عام 2024.

دول مؤثرة

يمكن الإشارة إلى أبرز دول القارة المحتمل أن تكون أكثر تأثيراً في السياسة الأفريقية خلال عام 2023 على النحو التالي:

1- طموح نيروبي للعب دور إقليمي محوري شرق أفريقيا: تطمح كينيا إلى أن تكون قوة إقليمية محورية في شرق أفريقيا؛ نظراً لما تمتلكه من مقومات تؤهلها للعب هذا الدور؛ إذ يلعب الموقع الجغرافي دوراً في جعلها بوابة مهمة للمنطقة، لا سيما أنها تربط أفريقيا بمنطقة المحيط الهندي، كما أنها تُعد من أكبر اقتصادات المنطقة، ومركزاً تجاريّاً إقليميّاً مهمّاً؛ حيث تتمتع بمناخ أعمال جاذب وإمكانات اقتصادية كبيرة، ومن المتوقع أن يكون الاقتصاد الكيني هو الأسرع نمواً في أفريقيا على مدار السنوات الخمس المقبلة، كما تسعى كينيا إلى التحول لمركز مالي إقليمي وتوسيع دورها كنقطة محورية لتفريغ البضائع ونقلها من دول المنطقة وإليها عبر تطوير موانئها مثل ميناء لامو الرابط بينها وبين بعض دول المنطقة مثل إثيوبيا وجنوب السودان وكذلك ميناء مومباسا.

ويعزز الطموح الكيني اختيارها لتكون رئيساً للاتحاد الأفريقي في عام 2023 خلفاً للسنغال، وهو ما يتزامن مع رؤية الرئيس الجديد ويليام روتو للسياسة الخارجية الكينية التي تركز على الدائرة الأفريقية وإعطاء الأولوية للدور الكيني في المنظمات الإقليمية الأفريقية بهدف توسيع النفوذ الاقتصادي لكينيا ونفوذها كقوة تكنولوجية في القارة، فضلاً عن تحمُّلها عبء الوساطة لتحقيق السلام من خلال عملية نيروبي في منطقة البحيرات العظمى بين رواندا والكونغو الديمقراطية، التي تهدف إلى إرساء الأساس للحوار المستمر بين طرفي النزاع هناك، لا سيما أن الدعوة الكينية لوقف إطلاق النار قد لاقت استجابة جزئية من أكثر من 52 حركة مسلحة في شرق الكونغو الديمقراطية شاركت في عملية نيروبي للسلام. كما برزت نيروبي بوصفها جهة فاعلة من أجل إيجاد تسوية نهائية للصراع الإثيوبي؛ حيث ترى واشنطن في نيروبي شريكاً أساسيّاً في الجهود الرامية لإنهاء القتال في إقليم تيجراي؛ فقد استضافت في 7 نوفمبر 2022 وفدي الحكومة الإثيوبية وجبهة تحرير تيجراي؛ ما أسفر عن توقيع اتفاق نيروبي في محاولة لوقف إطلاق النار في شمال إثيوبيا.

وتشارك كينيا في بعثة الاتحاد الأفريقي لحفظ السلام في الصومال (أتميس)، وهي شريك وثيق للولايات المتحدة وبريطانيا في مجال محاربة الإرهاب في شرق أفريقيا، لا سيما أن هناك توافقاً دوليّاً على دور جديد لكينيا في المنطقة، يعززه توسع التحركات الإقليمية لنيروبي وزيادة انخراطها في أزمات المنطقة ونشاطها الواضح في مجال مكافحة الإرهاب، فضلاً عن تشجيعها عملية التكامل القاري والإقليمي في القارة من خلال دورها في المنظمات والهيئات الإقليمية مثل الاتحاد الأفريقي ومجتمع شرق أفريقيا (إياك) والهيئة الحكومة الدولية للتنمية (إيجاد).

2- تطلُّع رواندا للتحول إلى مركز مالي إقليمي جاذب للاستثمارات: تستمر المساعي الرواندية لتحقيق نهضة تنموية خلال الفترة المقبلة برغم مواردها المحدودة واعتمادها على المنح والمساعدات الاقتصادية. ويهدف الرئيس بول كاجامي إلى تحويل رواندا لدولة متوسطة الدخل بحلول عام 2035، وإلى أن تصبح بلاده مركزاً ماليّاً إقليميّاً في إطار المساعي لجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، مستغلة امتلاكها بيئة أكثر ملاءمة وجاذبية للأعمال في أفريقيا، بالإضافة إلى تمتعها بالاستقرار السياسي النسبي في شرق أفريقيا.

كما تسعى كيجالي إلى تعزيز حضورها في المنطقة من خلال تفعيل الدبلوماسية العسكرية التي تمثل جزءاً من استراتيجية السياسة الخارجية الرواندية التي تهدف إلى ضمان مصالحها على المدى البعيد، وهو ما يثير التساؤلات حول لعب رواندا دور الشرطي الجديد في أفريقيا، ومن المتوقع أن تحاول كيجالي الاستفادة من عضويتها في منظمتي الفرنكوفونية والكومنولث في تعزيز تحركاتها الخارجية على الصعيد الأفريقي.

3- توجُّه تنزانيا لجذب الاستثمارات الطاقوية الغربية: تحاول تنزانيا توظيف حاجة الغرب إلى النفط والغاز الأفريقيين في تقديم نفسها كأحد موردي الطاقة للدول الأوروبية، وهو ما قد يعزز نفوذها في القارة خلال الفترة المقبلة. كما تسعى البلاد إلى تعزيز حضورها الاقتصادي في القارة، من خلال تبني رؤية إنمائية خاصة بتحول البلاد إلى شريحة الدخل المتوسط بحلول عام 2025. ويتوقع بنك التنمية الأفريقي نمو الناتج المحلي الإجمالي لتنزانيا بنسبة 6.3% في عام 2023؛ وذلك برغم التحديات التي تطرحها تداعيات جائحة كوفيد-19 وتأثيرات الأزمات الدولية الأخرى.

4- اعتماد غربي متزايد على النفط والغاز النيجيريين: تمتلك نيجيريا أكبر اقتصاد في القارة؛ حيث يبلغ الناتج المحلي الإجمالي لها نحو 430 مليار دولار، وهي أكبر منتج للنفط في القارة، فضلاً عن كونها الدولة الأكثر اكتظاظاً بالسكان بالقارة، ولديها ثروة هائلة من الموارد البشرية والطبيعية. وبرغم التحديات الاقتصادية التي قد تواجهها أبوجا بفعل تأثيرات الأزمات الدولية، ربما تحقق نيجيريا أرباحاً خلال العام المقبل 2023 بفضل مبيعات النفط والغاز نتيجة تزايد اعتماد الدول الأوروبية على النفط والغاز الأفريقيين لتعويض نقص الغاز الروسي بسبب الأزمة الراهنة بين الغرب وموسكو.

5- تنامي دور النيجر في مكافحة الإرهاب بالساحل: قد تلعب النيجر دوراً بارزاً في مجال مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل خلال عام 2023، في ضوء تحول الاهتمام الأوروبي، لا سيما الفرنسي، نحوها بعد انسحاب القوات الفرنسية من مالي خلال عام 2022، وإعادة انتشارها في النيجر. كما تحاول النيجر تقديم نفسها للغرب باعتبارها قوة إقليمية قادرة على حماية المصالح الغربية في الساحل، وشريكاً إقليميّاً كفئًا في الحرب على الإرهاب. يتزامن ذلك مع بعض التوقعات التي تشير إلى وصول النمو الاقتصادي بالنيجر إلى 10% خلال العامين المقبلين بفضل الطفرة في إنتاج النفط الذي تحتاج إليه أوروبا.

6- سعي جنوب أفريقيا لتعزيز حضورها السياسي في القارة: لا تزال جنوب أفريقيا واحدة من أكبر الاقتصادات في أفريقيا، وتتميز بأنها تمتلك قطاعاً ماليّاً تنافسيّاً على المستوى العالمي، بالرغم من التوقعات بتراجع معدل النمو الاقتصادي في البلاد إلى 1.5% خلال عام 2023، وهو ما قد يؤدي إلى فترة ركود بخصوص نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي خلال النصف الأول من العام 2023 في البلاد. وسياسيّاً، من المتوقع أن تستمر مساعي بريتوريا للعب دور إقليمي لتعزيز حضورها ونفوذها على الصعيد الأفريقي، لا سيما في ضوء استضافتها ورعايتها اتفاق بريتوريا الذي وقعته الحكومة الإثيوبية وجبهة تحرير تيجراي في نوفمبر 2022 بهدف إنهاء القتال في شمال إثيوبيا الممتد منذ نوفمبر 2020.

وإجمالاً، ربما تؤدي جملة المخاطر التي قد تتعرض لها دول أفريقيا جنوب الصحراء من توترات جيوسياسية متصاعدة والآثار المستمرة لبعض الأزمات الدولية مثل جائحة كوفيد-19 وتعطيل سلاسل التوريد المستمر، إلى خلق سياق غير مستقر على الساحة الأفريقية خلال عام 2023، وما يرتبط به من خلق أعباء إضافية على الدول الأفريقية قد تسهم في حالة انكماش على جميع المستويات.