• اخر تحديث : 2024-11-15 12:27
news-details
تقدير موقف

مستقبل ترامب السياسي في ضوء نتائج الانتخابات النصفية الأميركية


أعلن الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، في 15 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، ترشّحه للانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2024، وذلك بعد أسبوع واحد من الانتخابات النصفية التي كان أداء الحزب الجمهوري فيها باهتًا، على عكس توقعات استطلاعات الرأي العام. ولم يتمكّن الجمهوريون من الظفر بمجلس الشيوخ، في حين حققوا أغلبية ضئيلة جدًا في مجلس النواب. وَحَمَّلَ عدد من قادة الجمهوريين ترامب مسؤولية النتائج المخيبة، خصوصًا أن غالبية المرشحين الذين دعمهم في الانتخابات التمهيدية على حساب مرشحي الحزب الأكثر كفاءة خسروا في الانتخابات؛ بسبب تطرّف مواقفهم وتبنيهم مزاعمه بشأن سرقة الرئاسة منه في انتخابات عام 2020.

أولًا: الحزب الجمهوري ومعضلة ترامب

جاءت نتيجة انتخابات الإعادة في ولاية جورجيا في 6 كانون الأول/ ديسمبر 2022، التي خسرها مرشح ترامب لمجلس الشيوخ، هيرشل ووكر، أمام الديمقراطي، رافائيل وارنوك، لتعزز قناعة مناهضي ترامب داخل الحزب بأنه يمثل عبئًا عليه وعلى فرصه في الانتخابات الرئاسية بعد عامين.

وتشير بعض استطلاعات الرأي التالية للانتخابات النصفية أن ترامب سيكون عاجزًا، في حال ترشحه، عن هزيمة الرئيس الحالي، جو بايدن، في الانتخابات الرئاسية عام 2024. وبحسب استطلاع حديث أجرته Yahoo News/ YouGov فإن ترامب سيخسر أمام بايدن في الانتخابات الرئاسية، لو جرت اليوم، بنسبة 42% إلى 45% لبايدن. كما تشير استطلاعات رأي أخرى أُجريَت بعد الانتخابات النصفية إلى أن الرغبة في هزيمة المرشحين المتطرفين المرتبطين بحركة ترامب "اجعلوا أميركا عظيمة مرة أخرى"، أو ما يُعرف بـ "ماغا" MAGA، على المستويَين الولائي والفدرالي، رفعت بشكل كبير من حماس الديمقراطيين ودفعت بأعداد كبيرة منهم إلى صناديق الاقتراع. وبحسب استطلاع أجرته شركة WPA Intelligence المحافظة، فإن 88% من الناخبين الديمقراطيين قالوا إنهم أدلوا بأصواتهم بهدف "إيقاف المتطرفين في ماغا". ويحيل الجمهوريون الذين يعارضون ترشح ترامب إلى سلسلة هزائم مُنيَ بها حزبهم بسببه، بدءًا من انتخابات التجديد النصفي خلال رئاسته عام 2018، والتي خسر فيها الجمهوريون مجلسَي النواب والشيوخ، ثم انتخابات 2020، وأخيرًا أداؤهم الباهت في انتخابات هذا العام. إلا أن التحدي الأكبر بالنسبة إلى الجمهوريين سيكون في كيفية الحفاظ على الكتلة الشعبوية الكبيرة التي ما زالت تقف وراء ترامب. وسيواجه الجمهوريون معضلة كبيرة إذا لم يجرِ التوصل إلى تسوية مع ترامب - في حال لم يكن مرشحهم عام 2024 - فهم إن رضخوا لاختياراته وخطابه، سيغامرون بخسارة الانتخابات العامة، وإن لم يستطيعوا حشد القاعدة المؤيدة له وراء مرشحيهم في تلك الانتخابات، فإنهم أيضًا يواجهون خطر خسارة الانتخابات.

ثانيًا: التحديات التي تواجه ترامب

يواجه ترامب منذ ظهور نتائج الانتخابات النصفية الأخيرة تمردًا غير مسبوق من قيادات الجمهوريين ودوائرهم؛ إذ يحمّلونه مسؤولية سوء أدائهم فيها. ويشدد هؤلاء على ضرورة خروج الحزب من عباءة الرئيس السابق والبحث عن قيادة بديلة تتطلّع إلى المستقبل، لا أن تكون رهينة الماضي. وللمرة الأولى، منذ ترشحه عام 2016، يتّحد عدد من دوائر الحزب الجمهوري، بما في ذلك قيادات بارزة فيه، ووسائل إعلام مؤيدة له، مثل: فوكس نيوز ووول ستريت جورنال، ممن كانت تؤيد ترامب، إضافة إلى ممولين كبار لحملات الحزب الانتخابية، لمطالبته بالتنحي جانبًا وإفساح المجال أمام قيادات جديدة في الحزب.

كما تلاحق أزمات عديدة ترامب على أكثر من جهة؛ ففي أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر 2022 استضاف على العشاء في مقر إقامته الرسمي في مارالاغو، مغني الراب كانييه ويست الذي اشتُهر بتصريحات معادية للسامية، ونيك فوينتيس وهو قومي متشدد؛ ما أثار موجة عارمة من السخط والإدانات ضده. ولم يلبث ترامب أن فجّر أزمة أخرى، جرَّت عليه إدانات واسعة، بعد أن دعا، مطلع كانون الأول/ ديسمبر 2022، إلى تعطيل عدد من المواد الدستورية بهدف إلغاء نتيجة انتخابات عام 2020، وتنصيبه رئيسًا. كما علّق ترامب على رسائل بريد إلكتروني في "تويتر"، كُشِف عنها مؤخرًا، تُظهر مداولات مسؤوليها عام 2020 في خضم الحملات الانتخابية، ضرورة عدم إبراز قصة نشرتها صحيفة نيويورك بوست عن مواد موجودة على الكمبيوتر الشخصي لابن الرئيس بايدن، هنتر. وعلى إثر ذلك اتهم ترامب "شركات التكنولوجيا الكبرى" بالتواطؤ مع الديمقراطيين، من خلال عدم التركيز على تلك القصة التي كانت ستضعف حظوظ بايدن الانتخابية، بحسب رأيه، ومن ثم فإن الانتخابات كانت "كاذبة ومزورة".

يُضاف إلى ذلك جملة من التحقيقات القانونية، والدعاوى القضائية؛ مدنية وجنائية، يواجهها ترامب وعدد من حلفائه المقربين، على مستوى بعض الولايات أو على المستوى الفدرالي. ففي 6 كانون الأول/ ديسمبر 2022، وهو اليوم نفسه الذي خسر فيه مرشحه لمجلس الشيوخ في جورجيا، توصّلت هيئة محلفين في منهاتن إلى إدانة شركتين تابعتين لمؤسسة ترامب بتهم متعددة تتعلق بالاحتيال الضريبي الجنائي وتزوير سجلات تجارية والتآمر، وتهم أخرى. وجاء حكم الإدانة في الوقت الذي يخضع فيه ترامب للمتابعة من قبل مدَّعين فدراليين وولائيين بسبب تعامله مع الوثائق الحكومية السرية، ومحاولاته إلغاء نتائج انتخابات 2020، والتي ترتب عليها اقتحام مبنى الكونغرس في 6 كانون الثاني/ يناير 2021، فضلًا عن ضغطه على مسؤولي ولاية جورجيا الجمهوريين للتلاعب بنتيجة الانتخابات الرئاسية هناك. كما أنه يواجه دعوى مدنية بقيمة 250 مليون دولار رفعها المدَّعي العام في نيويورك تزعم أنه وأولاده متورطون في عملية احتيال استمرت عقدًا من الزمن. وهناك دعوى أخرى رفعتها صحفيّة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، تتهم فيها ترامب باغتصابها، وهو ما ينفيه.

وازدادت الأمور تعقيدًا بالنسبة إلى ترامب مع رفض المحاكم تذرعه بـ "الحصانة الرئاسية". ففي 22 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، مهدت المحكمة العليا الطريق لتسليم السجلات الضريبية لترامب إلى لجنة في مجلس النواب وهي جزء من تحقيقات الديمقراطيين حوله. وفي الثلاثين من الشهر نفسه تسلمت اللجنة سجلات ضريبية لست سنوات من أعمال ترامب التجارية. بعد ذلك ألغت محكمة فدرالية تعيين "مراجع خاص" Special Master، للتحقيق في مدى سرية الوثائق التي صادرتها وزارة العدل من مقر ترامب في فلوريدا. وبعد ثلاثة أيام فقط من إطلاق ترامب حملته الرئاسية لعام 2024، أعلن وزير العدل، ميريك غارلاند، تعيين محقق خاص للإشراف على تحقيقات وزارة العدل في الجرائم العديدة المنسوبة إليه، والتي تشمل قضية وثائق مارالاغو، وتمرد 6 كانون الثاني/ يناير 2021، و"المؤامرة" لإلغاء نتائج انتخابات 2020. ويعتقد كثيرون أن هذه القضايا ستضعف سلطة ترامب داخل الحزب الجمهوري، خصوصًا أن عددًا من القضاة والمحاكم الذين حكموا ضده محافظون، كما في المحكمة العليا.

ثالثًا: تضاؤل شعبية ترامب بين الجمهوريين

أسهمت التحديات التي يواجهها ترامب وتجرّؤ عدد من قيادات الحزب الجمهوري على انتقاده بشكل مباشر، في دعم غالبية القاعدة الحزبية للجمهوريين طيّ صفحة ترامب وتقديم وجوه أخرى لقيادتهم في انتخابات عام 2024، وتحديدًا حاكم ولاية فلوريدا، رون ديسانتيس. ورغم أن هذا لن يقنع على الأرجح ترامب بالانسحاب، فإنه سيكون عليه أن يخوض انتخابات تمهيدية صعبة جدًا وإقناع قواعد الحزب بأنه قادر على هزيمة المرشح الرئاسي الديمقراطي عام 2024.

وتُظهر استطلاعات الرأي التي أُجريت بعد الانتخابات النصفية الأخيرة أن غالبية الناخبين الجمهوريين المسجلين (55%-45%)، وغالبية الناخبين المستقلين ذوي الميول الجمهورية المسجلين (60%-40%) يفضلون ديسانتيس على ترامب. في حين أظهر استطلاع Yahoo News/ YouGov الذي جرى في وقت سابق من كانون الأول/ ديسمبر 2022، أن 47% من الجمهوريين يفضّلون ديسانتيس على ترامب (42%) في حين أظهر استطلاع مماثل، في منتصف تشرين الأول/ أكتوبر 2022؛ أي قبل أسابيع من الانتخابات النصفية الأخيرة، أن 45% يفضّلون ترامب مرشحًا رئاسيًا عن حزبهم عام 2024 مقابل 36% لديسانتيس. وفي حين يظهر استطلاع آخر أن ترامب سيخسر أمام بايدن في جورجيا، والتي كانت في الأصل ولاية جمهورية، قبل أن تصبح ديمقراطية في الانتخابات الرئاسية عام 2020، فإن ديسانتيس يتفوق على بايدن فيها بنسبة (47%-43%). ويشير استطلاع Yahoo News/ YouGov إلى تعادل كل من بايدن وديسانتيس في الانتخابات الرئاسية القادمة (44% لكل منهما)، في حين يتقدم بايدن على ترامب بنسبة (45%-42%).

يعني هذا أن ديسانتيس بدأ يشكّل تهديدًا حقيقيًا لزعامة ترامب وهيمنته على الحزب الجمهوري، رغم أنه لم يعلن ترشحه بعد للرئاسة. وكان ديسانتيس قد فاز في انتخابات التجديد له بصفته حاكمًا لولاية فلوريدا بفارق 19% عن منافسه الديمقراطي. أما حين دعمه ترامب في انتخابات عام 2018، فقد كان فوزه بأغلبية ضئيلة جدًّا، وهو ما دفع الأخير إلى استهدافه بعد أن صار يمثل تهديدًا لمكانته في الحزب الجمهوري، واعتباره ناكرًا للجميل، خصوصًا مع اتساع الدعم الذي يتلقاه من العديد من دوائر الحزب ومموليه وقواعده.

يناء عليه، يتعين على ترامب أن يخوض منافسة شرسة في الانتخابات التمهيدية للفوز بترشيح حزبه له، خاصة بعد أن انخفضت نسبة الجمهوريين الذين لديهم رأي إيجابي للغاية عنه من 54% في تشرين الأول/ أكتوبر 2022 إلى 42% الآن، وانخفضت نسبة الجمهوريين الذين يرون أن ترامب سيكون المرشح الأقوى لحزبهم في انتخابات 2024 من 57% في تشرين الأول/ أكتوبر 2022 إلى 45% الآن. تبقى فرصة ترامب الوحيدة مرتبطة بانقسام معسكر الجمهوريين التقليديين في الانتخابات التمهيدية، كما جرى عام 2016؛ إذ إن ديسانتيس ليس المرشح الممكن الوحيد، بل هناك مرشحون آخرون، مثل نائب ترامب السابق مايك بنس (5%)، والسفيرة السابقة في الأمم المتحدة نيكي هايلي (5٪)، ووزير الخارجية السابق مايك بومبيو (2٪)، والنائبة المنتهية ولايتها ليز تشيني (2٪) وغيرهم.

خاتمة

يبدو واضحًا أن ترامب ماضٍ في مسعاه للفوز ببطاقة الحزب الجمهوري للترشح لانتخابات 2024 الرئاسية رغم التحديات القانونية والسياسية الكثيرة التي يواجهها وتستهلك جلَّ وقته وتركيزه. ورغم تراجع حظوظه بعد خيبة الانتخابات النصفية، فإنه ما زال يشكل قوة لا يُستهان بها داخل الحزب الجمهوري، وفي حوزة حملته أكثر من 100 مليون دولار حاليًا، وهو ما يجعله متقدمًا على كل منافسيه المحتملين. وفي كل الأحوال، حتى لو انتهى مستقبل ترامب السياسي بفعل الفضائح التي تلاحقه وخسر دعم حزبه، فإن هذا لا يعني نهاية الترامبية والشعبوية في الحزب الجمهوري، خاصة أن مرشحين آخرين مثل ديسانتيس يشاركونه بعض معتقداته ومواقفه السياسية، مثل ازدراء الديمقراطية، واستهداف الأقليات، ومعاداة الهجرة والمهاجرين، وغير ذلك.