قال وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف خلال اجتماع الدورة /77/ للجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 13/9/2022 [بأن أمريكا تريد توسيع نطاق سيطرة عقيدة (مونرو) لتشمل العالم بأكمله وان الامن الدولي في خطر]، ويأتي هذا القول والعالم يشهد تغيرات كبيرة في موازين القوى الاقتصادية والسياسية والعسكرية وغيرها، ويترافق هذا مع توجه دولي لإقامة عالم متعدد الأقطاب ورفض القطبية الامريكية الأحادية، ومن خلال قراءة محايدة لتاريخ السيطرة الامريكية العالمية تبين لي أنها لا تعود إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية ومؤتمر (بريتون وودز) سنة /1944/ وحسب، بحضور /44/ دولة والذي رسخّ الدولار كعملة للعملات، بل وجدت أن قادة الولايات المتحدة الامريكية ومنذ تأسيسها سنة /1776/ أي قبل /306/ سنوات كانت لديهم تطلعات للسيطرة على العالم حتى ولو تطلب هذا إبادة الكثير من شعوب العالم كما فعلوا في (الهنود الحمر) السكان الأصليين للولايات المتحدة الامريكية، ومع تطور النزعات الاستيطانية الامريكية توصلوا إلى نظرية اقتصادية وتجسدت بعقيدة تدعى (عقيدة مونرو) فما هي هذه العقيدة؟.
عندما عدت إلى القاموس وجدت ان مصطلح (عقيدة مونرو) أتى من ان كلمتين وهما (عقيدة) وتعني [الامر المحكم أو الربط والابرام أو الشد بالقوة أو التماسك والاثبات أو اليقين والجزم ...الخ] أي انها تتجاوز المعنى الديني، و(مونرو) هو الرئيس الأمريكي الخامس سنة /1817/ ، ومهندس العقيدة هو وزير الدولة في ذاك الوقت السيد (جون كنيسي أدامز) والذي أصبح رئيسا سادسا لأمريكا، وكان يفاوض للحصول على (فلوريدا) من اسبانيا المدعومة من فرنسا لاستعادة مستعمراتها في أمريكا الجنوبية، وركزت (عقيدة مونروا) على عدة مبادئ ومنها على سبيل المثال وليس الحصر [أن أمريكا للأمريكيين مع رفض أي تدخل اجنبي في القارة الامريكية الشمالية والوسطى والجنوبية، وحذرت من خطورة سيطرة الإمبراطورية الروسية سنة /1823/ على المحيطين الهندي والهادي والقطب الشمالي. الخ].
واستخدمت العقيدة تاريخيا قديما وحديثا وفي عصرنا الحالي مثلا بمحاصرة (كوبا) سنة /1962/ في عهد الرئيس الأمريكي الخامس والثلاثين (جون كندي) أثناء أزمة الصواريخ (السوفيتية) والتي كادت أن توصل العالم إلى حرب عالمية ثالثة، وأيضا في عهد (دونالد ترامب) سنة /2017/ باحتمال احتلال (فنزويلا) بعد رفضها للإملاءات الامريكية، والسؤال الآن هل يستخدم الرئيس (جون بايدن) الرئيس /46/ هذه العقيدة بعد تصريح السيد (لافروف) وبعد زيارة الرئيس الصيني (شين جين بينغ) للسعودية وعقد /3/ قمم [سعودية - خليجية - عربية]؟، في وقت تشتد المنافسة الاقتصادية الصينية الامريكية وبما يشبه الحرب التجارية، فهل ستخرج المنطقة العربية من العباءة الامريكية كما خرجت بعض دول أمريكا الوسطى والجنوبية؟
وامريكا التي تريد ربط العالم بعجلة اقتصادها، والدليل ان لديها أكثر من /800/ قاعدة عسكرية في أكثر من /70/دولة وتنشر أكثر من /300/ ألف جندي خارج حدودها ومنهم في سورية لسرقة مواردها ودعم العصابات الانفصالية وتقسيم سورية؟ وتسعى للسيطرة على المحيطات وعلى القوى البرية والبحرية والفضائية وغيرها، ولكن بالمقابل يوجد اتفاق أو تحالف (روسي -صيني - كوري شمالي - إيراني) يرفض السياسة الامريكية، وها هي زيارة الرئيس الصيني إلى السعودية واجتماعه مع اكثر /30/ دولة ومنظمة دولية للتنسيق الاقتصادي وزيادة التبادل التجاري والاستثماري، وقد عبرت أمريكا عن عدم رضاها عن الزيارة ونتائجها، ولا سيما انه تم توقيع اتفاقيات بعشرات مليارات الدولارات والدعوة لزيادة الاستثمارات الصينية للتعامل بالعملات المحلية واليوان الصيني مما يقلل من هيمنة الدولار الأمريكي (البترو دولار) وتوسيع دائرة التعاون الاقتصادي مع الدول العربية والتعاون في مجال الطاقة الخضراء وتكنولوجيا المعلومات والخدمات والنقل والبناء والبنية التحتية والمجالات الفضائية والنووية.
وأعلن الرئيس الصيني على ضرورة (فتح عصر جديد للعلاقات بين الصين والعالم العربي وافريقيا) وإنشاء مراكز صينية إقليمية في دول المنطقة، وتتكامل الزيارة مع موافقة بعض هذه الدول على المقترح الروسي بتخفيض الإنتاج اليومي من النفط بمقدار /2/ مليون برميل خلال اجتماع (أوبك بلاس +)، وعبر البيت الأبيض عن استيائه من التخفيض والزيارة، ومباشرة بادرت الإدارة الامريكية للدعوة لعقد قمة (أمريكية - افريقية) لمدة /3/ ايام من تاريخ 13/12/2022 للتركيز على التجارة والاستثمار والأمن وتطوير الشراكة فيما بينهما. وهنا نسأل هل ستعود أمريكا لإحياء عقيدة مونرو مجددا، ولكنها تدرك أن معالم العالم تتغير وقد تظهر عقائد جديدة في ظل تغير موازين القوى وتزايد التنافسية في الاقتصادية في منطقتنا، وبرأينا أن كل الاحتمالات مفتوحة على المستقبل والشيء الثابت هو التغير والتحول.