نشرت هيئة تحرير صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية افتتاحية طالبت فيها الإدارة الأميركية بممارسة الرحمة وتخفيف بعض العقوبات والقيود على إيران التي تواجه وباء كورونا وسط ارتفاع حالات الوفيات والإصابات.
وقالت الصحيفة إنه في عام 2003، عندما قتل زلزال آلاف الأشخاص في مدينة بام الإيرانية، وضع الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش (الإبن) جانباً سنوات من العداء وأرسل جسراً جوياً من رجال الإنقاذ والإمدادات الطبية. كما خفف مؤقتاً بعض القيود المفروضة على إرسال الأموال والبضائع إلى البلاد. وقال بوش لشبكة "سي إن إن" في أعقاب الزلزال: "الشعب الأميركي يهتم (بالآخرين) ولدينا تعاطف كبير مع المعاناة الإنسانية. من الصواب الاعتناء بالناس عند تعرضهم للأذى".
وأوضحت الصحيفة أنه في خريف هذا العام، مع استمرار ارتفاع عدد القتلى نتيجة فيروس كورونا في إيران - البلد الأكثر تضرراً من الوباء في الشرق الأوسط - لم تظهر إدارة ترامب أي رحمة. فقد أعربت الحكومة الأميركية عن معارضتها لطلب إيران، الذي لم يتم الوفاء به بعد، الحصول على قرض بقيمة 5 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي للمساعدة في مكافحة جائحة فيروس كورونا. ومع تجاوز إيران نصف مليون حالة إصابة بالفيروس وأكثر من 27000 حالة وفاة نتيجته، تضيف الإدارة عقوبات جديدة على بلد كان يكافح بالفعل لشراء الأدوية الأساسية.
وفي الأسبوع الماضي، فرضت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب عقوبات على 18 مصرفاً إيرانياً، والتي يبدو أنها كانت آخر المؤسسات المالية التي لها علاقات دولية لم تمسها عقوبات وزارة الخزانة الأميركية. وكان هذا الإعلان هو أحدث خطوة في محاولة لعزل الاقتصاد الإيراني بشكل محكم عن بقية العالم. ففي ظل الإدارات السابقة، اقترنت العقوبات على البنوك الإيرانية بمزاعم بأنها ساعدت في تسهيل الإرهاب أو تطوير أسلحة نووية.
وأضافت هيئة تحرير "نيويورك تايمز" "أنه في ظل إدارة ترامب، كونك إيرانياً هو جريمة كافية. وتشمل قائمة المنبوذين الجدد من المالية بنك "مسكن" المتخصص في الرهون العقارية وبنك "كيشافارزي إيران" الذي يقرض المزارعين. هذا التطبيق الواسع النطاق للعقوبات يرقى إلى مستوى العقاب الجماعي لعشرات الملايين من الإيرانيين الأبرياء الذين يعانون بالفعل في ظل نظام قمعي".
وتصف باربرا سلافين، مديرة "مبادرة مستقبل إيران" في المجلس الأطلسي، حملة "الضغط الأقصى" الأميركية ضد إيران بـ"السادية التي تتنكر في زي السياسة الخارجية". في الماضي، (أي قبل الاتفاق النووي لعام 2015)، كانت العقوبات على البنوك الإيرانية جزءاً من استراتيجية أوسع لجعل إيران توافق على قيود على برنامجها النووي، تم تنفيذها بدعم من حلفاء أميركا في أوروبا، وكذلك من روسيا والصين. لكن إدارة ترامب تراجعت عن الاتفاق الذي أنتجته تلك العقوبات. ومنذ ذلك الحين، كانت الولايات المتحدة وحيدة فعلياً في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في محاولة تصعيد الضغط على إيران. إن الطبيعة الأحادية الجانب التي تتجاوز الحدود الإقليمية للعقوبات - والتي تهدد بمعاقبة ليس فقط إيران ولكن كذلك أي شركة في العالم تتعامل مع إيران - تزعج أقرب حلفاء أميركا.
ورأت الصحيفة أن العقوبات الجديدة ضد هذه البنوك الـ18 هي قاسية بشكل خاص خلال الوباء. إذ يصر مسؤولو إدارة ترامب على أن العقوبات، التي ستدخل حيز التنفيذ في كانون الأول / ديسمبر المقبل، لا تنطبق على الغذاء والدواء. ويقولون إنهم بذلوا جهداً لتقديم إعفاءات للشركات التي ترغب في بيع الإمدادات اللازمة من الغذاء والدواء لإيران. لكن عملية الحصول على الموافقة على الإعفاءات مرهقة للغاية وتستغرق وقتاً طويلاً لتلبية الاحتياجات الصحية أثناء الوباء. حتى إذا حصلت الشركات على إعفاءات لبيع الإمدادات الطبية اللازمة لإيران، فستظل إيران تكافح لدفع ثمنها، حيث تفتقر البلاد إلى العملة الصعبة لأن إدارة ترامب حاولت منع دول أخرى من شراء المنتجات الإيرانية، وخاصة النفط، ولأن العقوبات المصرفية الأميركية تجعل من الصعب على إيران التأثير على عائدات التصدير التي تجنيها.
وقالت هيئة تحرير "نيويورك تايمز" إنه "ليس هناك شك في أن هذه السياسة قد شلّت الاقتصاد الإيراني وفقّرت شعبها بسبب التضخم الجامح. لكنها لم تحقق الهدف النهائي المتمثل في إجبار الحكومة الإيرانية على الاستسلام لواشنطن. بل على العكس من ذلك، فقد عززت المتشددين في إيران. إذ يسيطر الحرس الثوري الإسلامي على العملة الصعبة القليلة الموجودة في البلاد. وبدلاً من تحفيز إيران على أن تكون جهة فاعلة أكثر مسؤولية وشفافية، فإن هذا الغطاء الشامل للعقوبات يدفع المزيد من الاقتصاد الإيراني إلى أحضان مبيضي الأموال والشركات الإجرامية الخفية والصين. إنها سياسة تؤدي إلى تناقص العوائد بمرور الوقت. فكلما ألقت الولايات المتحدة بثقلها، زادت الرغبة في إنشاء آليات مالية بديلة من شأنها أن تحرم واشنطن في نهاية المطاف من نفوذها العالمي".
وخلصت الصحيفة إلى أنه سيكون المسؤولون الأميركيون أكثر حكمة لوقف تكديس العقوبات على إيران خلال هذا الوباء. وسيكون من الحكمة أيضاً أن يُظهر المسؤولون الإيرانيون الرحمة للعدد الكبير من السجناء السياسيين المحتجزين والمعرضين لخطر الإصابة بفيروس كورونا. فقد أعلنت الحكومة الإيرانية الإفراج المؤقت عن أكثر من 85 ألف سجين منذ أن بدأ الوباء، لكن تم إطلاق سراح عدد قليل من السجناء السياسيين. لكن ذلك يمكن أن يتغير. في الأسبوع الماضي، اتخذ المسؤولون الإيرانيون خطوة إيجابية بإطلاق سراح نرجس محمدي، المدافعة البارزة عن حقوق الإنسان والناشطة المناهضة لعقوبة الإعدام، والموجودة في السجن منذ عام 2015.