حملت الحرب الأوكرانية تأثيرات عديدة على أمن واستقرار العالم، وكانت منطقة جنوب وشرق آسيا من المناطق التي تأثرت بشدة من جراء هذه الحرب. وفي هذا الإطار، نشر موقع "نيكاي آسيا" مقالاً بعنوان "كيف هزت حرب أوكرانيا وشكلت آسيا في عام 2022؟" للكاتب دومينيك فولدر.
أشار المقال إلى أنه على الرغم من أن أوكرانيا بعيدة جغرافياً عن منطقة جنوب وشرق آسيا، فإن الحرب الأوكرانية أثرت على المنطقة بطرق مختلفة، وكان أبرزها على الصعيد الاقتصادي؛ حيث ساهمت الحرب في دفع التضخم بالمنطقة إلى مستويات قياسية، كما تفاقمت أزمة نقص الغذاء بالمنطقة؛ وذلك بالنظر إلى أن أوكرانيا أنتجت قبل الحرب ما يكفي لإطعام 400 مليون شخص حول العالم.
تداعيات متشعبة
أكد المقال على أن أبرز انعكاسات الحرب الأوكرانية على دول جنوب وشرق آسيا تتمثل ما يلي:
1- انقسام الدول الأعضاء في رابطة “الآسيان” تجاه الحرب: أحدثت الحرب انقساماً بين دول رابطة دول جنوب شرق آسيا “الآسيان”، التي تأسست في عام 1967 وتضم عشر دول هي بروناي وكمبوديا وإندونيسيا ولاوس وماليزيا وميانمار والفلبين وسنغافورا وتايلاند وفيتنام، خاصةً أن العديد من الدول الأعضاء في هذه الرابطة، التي تمتلك علاقات طويلة الأمد مع روسيا، لم تتمكن من إيجاد موقف موحد بشأن الصراع.
وقد كانت ميانمار مثلاً هي العضو الوحيد الذي أعرب صراحةً عن دعمه التدخل الروسي في أوكرانيا. وفي المقابل اتخذت سنغافورة خطاً متشدداً بفرضها عقوباتها الخاصة على موسكو، فيما دعت دول أخرى إلى السلام، محاولةً في الوقت نفسه إحياء الروابط الاقتصادية مع روسيا، وهو ما ينطبق بشكل خاص على تايلاند؛ حيث تتمتع روسيا بلوبي كبير في مجلس الشيوخ التايلندي الذي يهيمن عليه الجيش، كما كانت روسيا هي رابع أكبر مصدر للسياح في تايلاند قبل أزمة كوفيد- 19.
2- تعزيز التعاون العسكري والاقتصادي بين ميانمار وروسيا: ألقت الحرب الأوكرانية الضوء على العلاقات المميزة التي تجمع روسيا وميانمار المصنفتين من جانب الغرب ضمن الأنظمة الاستبدادية، وهو ما كان حافزاً على تعميق أواصر التعاون العسكري والاقتصادي بين البلدين؛ حيث تنامت العلاقات بينهما. ويعبر عن ذلك كشف القوات الجوية في ميانمار عن مقاتلتين روسيتين من طراز Su-30 خلال الاحتفالات بالذكرى السنوية الخامسة والسبعين لتأسيس الدولة في 15 ديسمبر الجاري. وكانت هاتان المقاتلتان هما الدفعة الأولى من بين ست مقاتلات طلبتها ميانمار في عام 2018.
كما يشهد التعاون الاقتصادي بين البلدين تنامياً ملحوظاً. ويتمثل الدافع الرئيسي وراء ذلك في سعي الطرفين لتجاوز العقوبات الغربية المفروضة عليهما، وهو ما يفسر – على سبيل المثال لا الحصر – مشاركة 100 شركة من روسيا و200 شركة من ميانمار في منتدى اقتصادي أُقيم مؤخراً في نايبيتاو؛ حيث تمت خلاله مناقشة التعاون في مجالات شملت التصنيع والطاقة والسياحة والتمويل. وتزامن ذلك مع زيارة وزير التنمية الاقتصادية الروسي “مكسيم ريشيتنيكوف” إلى ميانمار.
3- تشكك صيني وهندي في جودة وكفاءة الأسلحة الروسية: أدى الأداء الضعيف للمعدات العسكرية الروسية في أوكرانيا إلى زيادة الشكوك بشأن جودة تلك الأسلحة؛ ليس فقط من جانب الدول المستوردة للأسلحة الروسية في رابطة “الآسيان”، ولكن أيضاً من جانب الصين، التي تعتبر أن صداقتها مع روسيا “لا حدود لها”؛ ففي ضوء اهتمام الصين بوضع خطط لكيفية التعامل مع تايوان، فإن بكين قلقة إزاء امتلاك “جيش التحرير الشعبي” كمية كبيرة من المعدات العسكرية التي تعتمد على التصميمات السوفييتية والروسية القديمة، وهو ما يعتبر مصدر القلق نفسه في الهند، التي تعد هي الأخرى مشترياً رئيسياً للأسلحة الروسية.
4- استفادة الهند وباكستان من النفط الروسي المدعوم: على الرغم من أن نيودلهي اعتبرت أن “هذا ليس عصر الحرب”، فإنها لم تقم بإدانة موسكو صراحةً على تدخلها العسكري في أوكرانيا؛ وذلك في إطار محاولتها تجنب التبعات السلبية للمنافسة القائمة بين الولايات المتحدة وروسيا؛ لاعتمادها على كليهما، ولأن أي موقف تتخذه قد يكون له تأثير سلبي على مصالحها، خصوصاً أن الهند استفادت من شراء النفط الخام المدعوم من روسيا منذ فترة طويلة، وقد قفزت وارداتها من النفط الروسي في أعقاب الحرب الأوكرانية، مع رفض نيودلهي الانتقادات الغربية، خاصةً أن الدول الأوروبية لا تزال تشتري الغاز الروسي.
يُضاف إلى ذلك أن باكستان، التي تعاني من ضائقة مالية، تتوجه لشراء ما يصل إلى 4.3 مليون طن من النفط الروسي المدعوم في العام المقبل، الذي سيساعد في تعويض تكاليف الشحن الكبيرة في حال عدم عمل خطوط الأنابيب. ومن غير المتوقع أن تواجه إسلام أباد انتقادات غربية هي أو سريلانكا التي تعاني الضائقة نفسها، وتتبع مساراً مشابهاً لباكستان. ويدعم ذلك أن هذه الدول الواقعة في جنوب آسيا تعد من بين الدول الأكثر تضرراً من ضغوط التضخم وانعدام الأمن الغذائي التي فاقهما الصراع.
5- اضطرار اليابان للتعاون مع روسيا لتأمين واردات الطاقة: تعتمد اليابان الفقيرة بالموارد على الوقود المستورد لتلبية نحو 90% من احتياجاتها، وقد زادت حرب أوكرانيا مخاطر أمن الطاقة في اليابان، وهو ما دفعها إلى اتخاذ بعض القرارات الحرجة، التي يتعلق أحدها بمشروع “سخالين-2″، وهو مشروع للنفط والغاز في الشرق الأقصى لروسيا، انسحبت منه العديد من الشركات الدولية، بما في ذلك شركة “شل”، التي تمثل الشريك الرئيسي للمشروع. ولكن في المقابل فإن الشركات التجارية اليابانية الرائدة، مثل “مجموعة ميتسوي” و”ميتسوبيشي كوربوريشن” أعلنت في أغسطس الماضي أنها تنوي البقاء في المشروع تحت إشراف شركة تشغيل جديدة، وهي "سخالين إنيرجي".
وتتلقى اليابان نحو 60% من إنتاج “سخالين-2″، الذي يشكل نحو 10% من إجمالي وارداتها من الغاز الطبيعي المسال. واختارت اليابان أيضاً في نوفمبر الماضي الاحتفاظ بحصتها في “سخالين-1″، وهو مشروع نفطي كانت شركة “إكسون موبيل” الأمريكية قد خرجت منه. ومع ذلك، فإن المخاوف بشأن موثوقية الإمدادات وتكاليف الاستيراد المرتفعة وأولويات إزالة الكربون لم تترك لليابان مجالاً كبيراً للمناورة، ودفعتها للتفكير في الطاقة المتجددة.
قلق متصاعد
وختاماً، لفت المقال إلى أن الحرب الأوكرانية حملت تأثيرات متفاوتة على دول جنوب وشرق آسيا؛ حيث أحدثت انقسامات بين هذه الدول على صعيد مواقفها من الحرب، كما تأثرت معظم اقتصادات هذه الدول بشكل سلبي من جراء الحرب، وأدت الحرب إلى تصاعد القلق في المنطقة بشأن كفاءة الأسلحة الروسية، فيما سعت دول أخرى لتوظيف الحرب لصالحها، وتحديداً على صعيد الاستفادة من إمدادات الطاقة الروسية.