• اخر تحديث : 2024-04-26 13:39
news-details
قراءات

لماذا تعارض الصين قانون تفويض الدفاع الوطني الأمريكي؟


عارضت الصين بشدة قانون تفويض الدفاع الوطني للسنة المالية 2023 بقيمة 858 مليار دولار، بعد توقيع الرئيس الأمريكي جو بايدن عليه في 23 ديسمبر 2022؛ لما تضمنه من بنود تجيز بيع أسلحة أمريكية لتايوان تصل قيمتها إلى 10 مليارات دولار؛ حيث تعتبر بكين الجزيرة جزءاً لا يتجزأ من أراضيها. وقد رأت وزارة الخارجية الصينية، في بيان لها، أن القانون يُعد استفزازاً واضحاً للصين، وتهديداً للسلام والاستقرار في مضيق تايوان؛ وذلك في الوقت الذي رحبت فيه تايوان بالقانون؛ لدوره في تعزيز أمن الجزيرة على نحو يظهر مدى اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية بتعزيز علاقاتها معها رغم معارضة بكين.

دوافع بكين

يمكن الوقوف على أبرز الأسباب التي دفعت الصين إلى رفض قانون تفويض الدفاع الوطني للسنة المالية 2023 بالنظر إلى النقاط التالية:

1- دعم واشنطن تعزيز القوة العسكرية لتايوان: يجيز القانون إنفاق مليارات الدولارات في صورة مبيعات أسلحة ومساعدات أمنية لتايوان، كما تضمن القانون تعديلاً يقيد مشتريات السلطات الأمريكية من منتجات تستخدم شرائح إلكترونية تُصنِّعها بعض الشركات الصينية. وقد تسببت المساعدات الأمنية الأمريكية للجزيرة – في معارضة لسياسة “صين واحدة” – غضب بكين التي ترى في القانون الأمريكي تعدياً على أحكام القانون الدولي.

2– الإضرار عمداً بالعلاقات الأمريكية–الصينية: ترى بكين أن قانون تفويض الدفاع الوطني الجديد لا يقوض مساعي الصين التنموية فحسب، بل يهدد العلاقات الأمريكية–الصينية أيضاً، وهو ما يمكن فهمه بالنظر إلى أحكام القانون التي تدلل في مجملها على أن الولايات المتحدة تنظر إلى الصين بوصفها تهديداً محتملاً لمكانتها الدولية، وتختلق الأعذار لزيادة إنفاقها العسكري والحفاظ على صدارتها من ناحية، والتدخل في الشؤون الداخلية للدول الصاعدة من ناحية أخرى. ومن شأن رؤية الولايات المتحدة تلك أن تسفر عن استخدام تايوان لاحتواء الصين أو دعم القوى الانفصالية الساعية إلى استقلالها، وبالتبعية تصعيد التوترات عبر مضيق تايوان وتقويض الأساس السياسي للعلاقات الصينية–الأمريكية.

3- تقويض واشنطن مسار التنمية الصيني: ترى الصين أن الولايات المتحدة الأمريكية تتلاعب بكل من تايوان وهونج كونج وشينجيانج على نحو يشوه مصداقية مسار التنمية الصيني، كما ترى أنها تتدخل بشكل صارخ في شؤونها الداخلية على نحو يقوض سيادتها. وقد سبق أن حظرت واشنطن في شهر نوفمبر 2021 استيراد بعض معدات الاتصال المصنوعة من قبل عدد من الشركات الصينية التي اعتبرتها الإدارة الأمريكية تهديداً للأمن القومي الأمريكي، وهو ما انصرف إلى معدات “هواوي” و”زي تي إي” و”هيكفيجن” و”داهوا”، بجانب بعض الشركات الفرعية التابعة لها. ولا شك أن تلك الخطوة لم تكن تعدو كونها الخطوة الأولى على طريق حظر استيراد بعض المعدات الصينية بدعوى حماية الأمن القومي، وأن قانون تفويض الدفاع الوطني يسير على الطريق نفسه، على نحو يقوض تدريجياً القطاع التكنولوجي الصيني الذي حقق طفرات هائلة فاقت في بعض جوانبها القدرات التكنولوجية الأمريكية.

4- تفريغ مبدأ “صين واحدة” من مضمونه: تعكس مختلف التصريحات الرسمية الصينية الرافضة للقانون أن الولايات المتحدة تسعى جاهدة إلى تقويض مبدأ “صين واحدة” من خلال جملة من السياسات يأتي في مقدمتها بيع الأسلحة إلى تايوان، والتواطؤ العسكري معها في المنطقة، وتمرير عدد من مشروعات القوانين والوثائق المتعلقة بها. وفي المقابل، فإن الصين على استعداد لاستخدام جيش التحرير الشعبي الصيني للدفاع عن تايوان وإعادة توحيدها معها حفاظاً على وحدة وسلامة أراضي الدولة الأم، في الوقت الذي تلتزم فيه بالتنمية السلمية.

دلالات عاكسة

يمكن الوقوف على أبرز دلالات الموقف الصيني من قانون تفويض الدفاع الوطني الأمريكي 2023 بالنظر إلى النقاط التالية:

1- توظيف تسليح تايوان من جانب الولايات المتحدة: أضحت مبيعات الأسلحة إلى تايوان من أهم الأدوات الأمريكية في مواجهة الصين؛ فقد أضحت الولايات المتحدة الأمريكية أهم داعم دولي ومورد أسلحة إلى تايوان على الرغم من عدم وجود علاقات دبلوماسية رسمية بينهما، وهو ما يتسبب في غضب الصين، ويعد سبباً في توتر العلاقات المستمر بينهما؛ ولهذا السبب تكررت مطالبات الصين بوقف مبيعات الأسلحة الأمريكية، وقطع الاتصال العسكري الأمريكي–التايواني، وإلغاء خطط مبيعات الأسلحة ذات الصلة. وقد سبق أن أعلنت الولايات المتحدة عن صفقة أسلحة قيمتها 1,1 مليار دولار لتايوان في سبتمبر الماضي عقب شهر من زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي “نانسي بيلوسي” إلى تايوان في خطوة أثارت آنذاك غضب بكين التي أطلقت – إثر الزيارة – أهم مناورات عسكرية في تاريخها حول الجزيرة.

2– صعوبة إدارة الخلافات بين واشنطن وبكين: يشير قانون تفويض الدفاع الوطني إلى عدم التزام واشنطن بمخرجات لقاء الرئيسين الأمريكي والصيني على هامش قمة مجموعة العشرين في بالي بإندونيسيا الذي أكدا فيه إمكانية إدارة اختلافاتهما والحيلولة دون تحول المنافسة بينهما إلى صراع يسفر بدوره عن تدهور العلاقات المشتركة، انطلاقاً من محورية الدورين الصيني والأمريكي في عدد من القضايا والتحديات الدولية، وفي مقدمتها الأمن الغذائي والتغير المناخي.

3– استدراج الصين لاستخدام القوة في تايوان: من شأن استفزاز الصين المتكرر منذ زيارة “بيلوسي” إلى تايوان، وتعدد صفقات الأسلحة الأمريكية إلى تايوان أن يسفرا عن دفع جهود بكين الرامية إلى توحيد الجزيرة ضمن جدول زمني يفوق في سرعته التوقعات الأمريكية، وهو الأمر الذي سبق أن حذر منه وزير الخارجية الأمريكي “أنتوني بلينكن” ضمن فعالية نظمتها جامعة ستانفورد مع وزيرة الخارجية السابقة “كوندوليزا رايس” في أكتوبر 2022. وفي إطارها، لفت الأول إلى احتمالية استخدام القوة العسكرية لتوحيد تايوان إذا فشلت الأساليب السلمية في تحقيق ذلك الهدف. وما يدلل على ذلك رفض الرئيس الصيني “شي جين بينج” خلال افتتاح مؤتمر الحزب الشيوعي في بكين استبعاد خيار استخدام القوة لإعادة توحيد تايوان.

4- تزايد هامش المناورة في التنافس الأمريكي الصيني: تقلل الولايات المتحدة من شأن رد فعل الصين المحتمل على صفقات الأسلحة الأمريكية لتايوان على الرغم من احتدام التنافس الاقتصادي والتكنولوجي بينهما من ناحية، وتعدد الشراكات الصينية مع عدد من القوى العربية والإفريقية على نحو يهدد التحالفات الأمريكية من ناحية ثانية، وهو ما يحدث في الوقت الذي تتعالى فيه بعض الأصوات الأمريكية التي ترى أن الصين تعد تهديداً مباشراً للولايات المتحدة لا سيما في ظل قدراتها العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية، ودورها الداعم لروسيا في إطار الحرب الروسية–الأوكرانية.

ختاماً، يعتبر قانون تفويض الدفاع الوطني للسنة المالية 2023 بقيمة 858 مليار دولار، بعد توقيع الرئيس الأمريكي “جو بايدن” عليه، الأكبر في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية بزيادة تقدر بنحو 45 مليار دولار عن الميزانية المقترحة من قبل الرئيس الأمريكي. وقد تضمن عدد من البنود رسائل داعمة للقوى الانفصالية الساعية إلى استقلال تايوان، وإن أثر ذلك بالسلب في السلام والاستقرار بالقرب من مضيق تايوان في ظل التصعيد الصيني المرتقب قياساً على تعرض القوات الجوية التايوانية لغارات صينية متكررة بالقرب من الجزيرة على مدى السنوات الثلاث الماضية من ناحية، والتدريبات الهجومية الصينية في البحر، والمجال الجوي حول تايوان من ناحية ثانية.