• اخر تحديث : 2024-03-28 03:17
news-details
مقالات مترجمة

كيف ساهمت ألمانيا في تجرؤ روسيا على دول أوروبا الشرقية؟


نشر موقع "فورين بوليسي" الاميركي مقالاً للكاتب إدوارد لوكاس الزميل غير المقيم في مركز تحليل السياسة الأوروبية، بعنوان "لماذا تعلمت ألمانيا الدروس الخاطئة من التاريخ؟"؛ وأوضح المقال أن ألمانيا لم تستفد بعدُ من دروس التاريخ، مشيراً إلى أنه بعد توحيدها عام 1990، أولت اهتماماً كبيراً بروسيا، فيما تجاهلت جيرانها في أوروبا الشرقية، ورفضت تحذيرات المراقبين من الإمبريالية الروسية الصاعدة، وهو ما كان له تأثيرات سلبية عليها. ولفت المقال كذلك إلى أنه فيما يتعلق بروسيا وأوكرانيا، يظل الألمان متمسكين بالأوهام التاريخية والجيوسياسية التي سادت حياتهم لعقود.

عوامل داعمة

وقدَّم المقال مجموعة من العوامل التي تدعم وجهه نظره بشأن مساهمة ألمانيا في تجرؤ روسيا على دول أوروبا الشرقية. وتتضح هذه العوامل عبر ما يلي:

1تجاهل برلين دول أوروبا الشرقية وتعزيز علاقاتها بروسيا: وفقاً للمقال، فإنه بعد توحيد ألمانيا، لم يُعْطِ السياسيون الألمان الأولوية لأمن ورفاهية بلدان مثل إستونيا ولاتفيا وليتوانيا وبولندا – التي حولَّها تحالف عام 1939 بين الزعيمين النازي “أدولف هتلر” والسوفييتي “جوزيف ستالين” إلى حقول قتل – بل اتبعوا “سياسة جشعة وغير مسؤولة”، على حد قول المقال نصاً. وأضاف المقال أن ألمانيا تباطأت في قبول عضوية الديمقراطيات الشرقية الجديدة الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في حلف الناتو. وبحسب المقال، فإنه في الوقت نفسه، أبرمت برلين صفقات ثنائية مربحة للغاية مع موسكو، ولا سيما خطَّي أنابيب الغاز الطبيعي نورد ستريم عبر بحر البلطيق.

2بناء روسيا معاقل نفوذ في ألمانيا لتهاون برلين مع موسكو: رأى المقال أن ألمانيا استهانت بتحذيرات المراقبين من الخطر الذي تمثله الإمبريالية الروسية الوليدة التي تم إحياؤها بالكامل. وأكد المقال أن نهج برلين المتهاون مع موسكو سمح “للجواسيس والمحتالين الروس بالفرار، وسرقة الأسرار، واغتيال المعارضين، وبناء معاقل نفوذ في ألمانيا”، وفق ما ورد في المقال؛ لذلك شدد المقال على أن الإعلان عن أن ضابطاً في جهاز المخابرات الخارجية الألماني قد تم اعتقاله مؤخراً بتهمة التجسس لصالح روسيا ليس أمراً مفاجئاً. وأوضح كاتب المقال أنه علم من ضابط استخبارات من إحدى دول حلف الناتو ما يفيد بوجود اختراق روسي وصيني لأجهزة الأمن الألمانية.

3حساسية برلين تجاه القومية الأوروبية بسبب نازية “هتلر”: أشار المقال إلى أن النقاط العمياء التاريخية والجغرافية والجيوسياسية ترتبط بعضها ببعض، مضيفاً أنه بسبب الحساسية تجاه القومية بسبب إساءة نظام هتلر النازي لها، رفض الألمان الدور الذي لعبته المشاعر الوطنية في الانتفاضات التي حدثت بين عامي 1988 و1991 التي أطاحت بالشيوعية. وطبقاً للمقال، رأى الألمان أن الأوروبيين الشرقيين كانوا “قوميين”، على الرغم من أن القومية الروسية هي “أكبر بكثير وأكثر سُميةً”، لكن تجاهلتها برلين، وفق ما ورد بالمقال. ولفت المقال إلى أن الألمان يعتقدون أن الفضل في إنهاء الحرب الباردة يرجع حقاً إلى السياسة الخاصة بهم، أو “السياسة الشرقية” في السبعينيات والثمانينيات، التي ركزت على التقارب وبناء الثقة مع الكتلة السوفييتية.

4انخفاض الإنفاق العسكري الألماني إلى مستويات متدنية: أوضح المقال أن الإنفاق العسكري الألماني انخفض ليصل إلى 1% تقريباً من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2005. ووفقاً للمقال، فإنه في العالم الحديث، كان خبراء السياسة الألمان يركزون على حل المشكلات عن طريق الحوار، لا المواجهة “التي عفا عليها الزمن”. وبحسب المقال، كان السبيل لتجنب الصراع هو تعزيز التجارة والاستثمار، بناءً على مبدأ “لن تهاجم روسيا عملاءها أبداً”، فيما تسعى ألمانيا جاهدة الآن لفك ارتباطها بإمدادات الطاقة الروسية وتتزايد مخاوفها بشأن اعتمادها على الصين. وأكد المقال أن الألمان يشعرون بالذنب بشأن جرائم بلادهم تجاه روسيا في الحقبة النازية، لكنهم يتجاهلون أن الحرب العالمية الثانية جلبت الموت والدمار لأوكرانيا أكثر بكثير من الأراضي التي تشكل الاتحاد الروسي الآن.

5عدم اهتمام الذاكرة التاريخية الألمانية بمصير أوكرانيا: ولذلك فإن إخفاء أوكرانيا في الذاكرة التاريخية الألمانية حال – طبقاً للمقال – دون اهتمام برلين بمصيرها، وترك روسيا دون رقابة. وأضاف المقال أنه قبل الهجوم الروسي على أوكرانيا في فبراير 2022، تعرضت حكومة المستشار الألماني أولاف شولتس للسخرية لتقديمها 5 آلاف خوذة كمساعدة عسكرية لأوكرانيا المحاصرة. ونوه المقال بأن شولتس أعلن في أعقاب ذلك عن زيادة قدرها 100 مليار يورو في ميزانية الدفاع لبلاده، مضيفاً أن الدعم الخطابي لأوكرانيا امتد عبر الطيف السياسي الألماني، ولم يخالفه سوى اليسار المتشدد واليمين الراديكالي. وأوضح المقال أن المجتمع المدني الألماني دعا إلى استضافة مئات الآلاف من اللاجئين الأوكرانيين.

تجاهل التهديدات

وختاماً، أكد المقال أنه وفقاً للمعايير السابقة، فإن التغيير في الموقف الألماني كان مذهلاً، لكن من وجهة نظره فإن الأقوال والأفعال لا ترقى إلى مستوى الوعود، ودلل على ذلك بتراجع ألمانيا عن التزاماتها بزيادة الإنفاق الدفاعي سريعاً إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي، وتأكيدها أنها ستحقق هذا الهدف في عام 2025، فضلاً عن تصريح شولتس بأنه يتوق للعودة إلى "نظام السلام قبل الحرب" في أوروبا. وشدد المقال على أن هذا الأمر يؤكد أن برلين لم تستوعب دروس عام 2022 بعد، ولا تزال تتجاهل التهديدات التي تلوح في الأفق من جانب روسيا والصين، مضيفاً أن نقص الثقة بين ألمانيا والعديد من شركائها الأوروبيين هائلاً.