تحدّث المدير العام لمجلس الشؤون الدولية الروسي أندري كورتونوف، في مقال نشره في صحيفة "غلوبال تايمز"، عن تأثير المشاكل الأميركية المحلية على القضية الأكرانية، مشيراً إلى أنّ أميركا في هذه المرحلة ليست على استعداد لتغيير نهجها العام تجاه الصراع بين روسيا وأوكرانيا. وفيما يلي المقال المترجم كاملاً:
تعتبر الرحلة الأخيرة التي قام بها الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، إلى واشنطن، مهمّة من حيث وجهة رحلة زيلينسكي الأولى إلى الخارج، هي الولايات المتحدة، النائية جغرافياً، وليس بروكسل أو برلين المجاورتين. هذه علامة واضحة على أنّهم يعتمدون في كييف، على الولايات المتحدة، وليس على أوروبا، كأهم شريك لأوكرانيا.
وتشكّل زيارة زيلنسكي، مؤشراً على أنّ إدارة بايدن، في هذه المرحلة ليست على استعداد لتغيير نهجها العام تجاه الصراع بين روسيا وأوكرانيا. وربما النقطة الأكثر إثارة للاهتمام هي قرار البيت الأبيض، تزويد أوكرانيا بنظام الدفاع الجوي باتريوت، القادر على إسقاط صواريخ كروز، والصواريخ الباليستية قصيرة المدى، والطائرات بنسبة أعلى من أنظمة الدفاع الأميركية التي تمّ تسليمها سابقاً لأوكرانيا.
مع ذلك، ينبغي النظر إلى القرار باعتباره لفتة سياسية رمزية، أكثر من كونه إشارة إلى أنّ المساعدة العسكرية الأميركية لأوكرانيا ترتفع الآن إلى مستوى جديد. بالكاد يمكن اعتبار نظام باتريوت نظاماً حديثاً، فهو يعمل بالفعل منذ ما يقرب من 4 عقود. قد يكون أكثر كفاءة من أيّ سلاح دفاع جوي تمتلكه أوكرانيا الآن، لكنه لن يغير قواعد اللعبة في الصراع. إلى جانب ذلك، سيستغرق تسليم صواريخ باتريوت ونشرها والتدريب على تشغيلها بشكل صحيح وقتاً ليس بالقليل.
أكّدت زيارة زيلنسكي لواشنطن، وخطابه الرئيس أمام الكونغرس الأميركي، وجود إجماع قوي من الحزبين في واشنطن، بشأن القضية الأوكرانية، بشكل عام. فالجمهوريون ليسوا أقل دعماً لكييف من الديمقراطيين. ومع ذلك، فإنّ بعض الجمهوريين، مثل كيفن مكارثي، سوف يطرحون أسئلة محددة تتعلق بالمساعدة العسكرية والمالية والاقتصادية الأميركية لأوكرانيا، ويطالبون بمزيد من التدقيق والشفافية في تسليم المساعدات، وسوف يصرّون على إجراءات محاسبية أكثر صرامة. علاوة على ذلك، لن يفوت قادة الحزب الجمهوري فرصتهم للإصرار على التغييرات في أوكرانيا المتعلقة بتقاسم الأعباء بين الولايات المتحدة وحلفائها في القارة الأوروبية.
يبدو أنّ مشكلة زيلينسكي الحقيقية ليست في إقناع المؤسسة السياسية الأميركية، بالحاجة إلى مواصلة دعم كييف،أو بالأحرى الحفاظ على الرواية الأوكرانية في بؤرة اهتمام الرأي العام الأميركي. لكن، مع استمرار تفشي المشاكل الأميركية المحلية، تتزايد احتمالات دفع القضية الأوكرانية حتماً، إلى هامش الفضاء السياسي الأميركي العام. وفي الانتخابات الأميركية النصفية الأخيرة، بدا واضحاً غياب أوكرانيا عن سلّم الأولويات للمرشحين وللناخبين على حد سواء.
بذل زيلينسكي وفريقه، كل ما في وسعهم لتأدية دور درامي خلال الزيارة. ونصب زيلنسكي نفسه كبطل حرب، وكشخصية تاريخية بحجم جورج واشنطن، وأبراهام لنكولن. ارتدى ملابس قتالية خضراء، ولم يعد حليق الذقن، لإظهار الضغط الجسدي والنفسي الهائل الذي تعرض له منذ بداية الصراع.
وشتان بين زيارته الآن، وزيارته السابقة في أيلول/ سبتمبر من عام 2021، حينذاك كان مجرد زعيم أجنبي يزور واشنطن، مع الروتين المعتاد.
لم يتضح بعد، ما إذا كان هذا الأداء الدرامي له تأثير دائم على الرأي العام الأميركي. على أيّ حال، سيستمر الدعم العسكري الأميركي طوال عام 2023، ويمكن حتى زيادته من حيث تزويد كييف بمعدات عسكرية أكثر تطوراً وتقدماً. وبغض النظر عن المشاعر، يتعين على المرء أن يقبل أنّ الصراع قد أصبح بالفعل وجودياً ليس فقط بالنسبة لأوكرانيا وروسيا، ولكن بالنسبة للولايات المتحدة أيضاً. ولا يمكن لإدارة بايدن تقبّل هزيمة في أوكرانيا، دون مواجهة تداعيات سلبية كبيرة على مواقف ومواقع الولايات المتحدة، في كافة الخرائط الجيوسياسية الدولية.
باختصار، تشير الأنشطة الدبلوماسية الأخيرة حول أوكرانيا، إلى أنّ موسكو، وكييف، وواشنطن، والعواصم الغربية مع بداية عام 2023، ليس لديها آفاق للمضي في تسوية سياسية شاملة، ولا حتى أي خطط لوقف إطلاق النار. وتعتمد الأطراف المتصارعة على قدرتها على تحقيق الانتصار في ساحة القتال، بدلاً من الطاولة الدبلوماسية. لا يسع المرء إلا أن يأمل ألا يستمر هذا الوضع الرهيب لفترة طويلة، وأن يحظى السلام بفرصة في العام الجديد.