• اخر تحديث : 2024-05-03 14:30
news-details
تقدير موقف

كيف يرسم الاستقطاب الحزبي معالم الأجندة التشريعية للكونغرس؟


بعد نجاح الرئيس الأمريكي جو بايدن، خلال أول عامين له في البيت الأبيض، في تمرير العديد من القوانين بدعم من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، في وقت كان يُسيطر فيه الديمقراطيون على الأغلبية بمجلسي الكونغرس: النواب والشيوخ، وفي مقدمتها قوانين البنية التحتية، بجانب برنامج الإنعاش ما بعد الجائحة، وإصلاح نظام الرعاية الصحية؛ فإنه بعد انقسام الأغلبية في الكونغرس في أعقاب انتخابات التجديد النصفي للكونغرس التي أُجريت في الثامن من نوفمبر الماضي ­– حيث يسيطر الديمقراطيون على مجلس الشيوخ، بينما حقق الجمهوريون الأغلبية في مجلس النواب – فإن من المتوقع ألا يمنح الكونغرس الجديد الرئيس إنجازاً تشريعياً جديداً.

أجندة الجمهوريين

سيسعى الجمهوريون إلى تسليط الضوء على جملة من القضايا التي قد تتحول إلى أجندة الكونغرس التشريعية على مدى العامين المقبلين، وهي القضايا التي يمكن الوقوف على أبرزها على النحو التالي:

1- مواجهة تزايُد معدلات الهجرة وأمن الحدود الجنوبية: لقد تعهد الجمهوريون بعقد عدد من جلسات الاستماع لمناقشة قضية تزايد معدلات الهجرة بالتوازي مع التهريب غير الشرعي لبعض المخدرات، لا سيما من المكسيك؛ فقد وصف بعض النواب الجمهوريين تلك المسألة بالأزمة المحتدمة على الحدود الجنوبية، وطالبوا باستقالة وزير الأمن الداخلي أليخاندرو مايوركاس. ومن المرجح أن يطالب الجمهوريون بتخصيص الأموال اللازمة لاستئناف بناء جدار حدودي يفصل بين الولايات المتحدة والمكسيك، بجانب تكثيف قوات حرس الحدود؛ للحد من ظاهرتي الهجرة والتهريب غير المشروعين.

2- كبح جماح الإنفاق الفيدرالي وخفض الميزانية: تتعالى انتقادات الجمهوريين للميزانية الأمريكية، وبخاصة مع تجاوز الدين الفيدرالي 31 تريليون دولار؛ لذا من المتوقع أن يدفع الجمهوريون في اتجاه كبح جماح الإنفاق الفيدرالي وخفض الميزانية تدريجياً؛ ومن ذلك على سبيل المثال رغبة الجمهوريين في وقف المبالغ التي أذن بها الديمقراطيون للعاملين الجدد في مصلحة الضرائب، التي تقدر بنحو 80 مليار دولار، وكذلك رغبتهم في خفض الإنفاق على البرامج الاجتماعية العامة، وربط سقف الديون بتخفيض المبالغ المخصصة لكل من الضمان الاجتماعي، والرعاية الطبية، والإعانات الواجبة بموجب قانون الرعاية الميسرة، والمساعدات الزراعية، وامتيازات المحاربين القدامى، وهي البرامج التي تمثل الغالبية العظمى من الإنفاق الفيدرالي غير العسكري.

3- تعزيز استقلالية الطاقة وخفض أسعارها: يستعد الجمهوريون في مجلس النواب لحزمة ضخمة على صعيد الطاقة والبيئة في العام الجاري، وهي الحزمة التي قد تظهر في شهر يناير الجاري كأحد التشريعات الرئيسية استناداً إلى التشريع الذي طرحه بالفعل “كاثي ماكموريس رودجرز” (أحد كبار الجمهوريين في لجنة الطاقة والتجارة)، وكذا “بروس ويسترمان” (أحد كبار الجمهوريين في لجنة الموارد الطبيعية). ويتمثل الهدف الرئيسي من تلك الحزمة في إطلاق العنان لإنتاج الوقود الأحفوري المحلي جنباً إلى جنب مع التعدين المعدني؛ وذلك بهدف تعزيز استقلال الطاقة وخفض أسعارها باعتبارهما من الأولويات التشريعية.

4- أولوية تمديد قانون ضرائب الأعمال: يرغب الجمهوريون في تمديد أحكام قانون التخفيضات الضريبية والوظائف الذي أقرته إدارة دونالد ترامب في عام 2017. ومن المتوقع في هذا الإطار إبرام صفقة مع الديمقراطيين على صعيد الائتمانات الضريبية؛ إذ يرغب الجمهوريون في التركيز على السياسة الضريبية للشركات الصغيرة، لا سيما مع الركود الاقتصادي المتوقع في العام الجاري. وبالنسبة إلى الجمهوريين في مجلس النواب، فمن المرجح أن تتحول الضرائب المفروضة بموجب قانون الضرائب لعام 2017، بما في ذلك نفقات البحث والتطوير والمكافآت، إلى أولوية تشريعية.

دلالات مختلفة

يمكن الوقوف على أبرز دلالات القضايا التي يسعى الجمهوريون إلى إدراجها على الأجندة التشريعية للكونغرس الجديد من خلال النقاط التالية:

1- التوجُّه لعرقلة الأولويات التشريعية للديمقراطيين: من المتوقع عرقلة الأولويات التشريعية للديمقراطيين على صعيد حظر الأسلحة الهجومية، وحماية حقوق الإجهاض الفيدرالية، وإصلاحات العدالة الجنائية، وتشريعات حقوق التصويت، وغير ذلك. ومن المتوقع – في المقابل – دفع بعض القضايا التي يرى الجمهوريون أنها لا تعدو كونها أبرز إخفاقات الإدارة الأمريكية الراهنة، وفي مقدمتها التحقيق مع نجل الرئيس هانتر بايدن، وانسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، وغير ذلك.

إذ إن من المتوقع أن يُركز الجمهوريون في مجلس النواب على القضايا التي ستؤسس أجندتهم قبل الانتخابات الرئاسية لعام 2024، لا سيما في ظل الفرصة السانحة التي تمكنهم من استقطاب بعض رجال الأعمال من خلال بعض القوانين المنظمة للضرائب والأعمال التجارية، وهو الأمر الذي تتزايد أهميته في الانتخابات الرئاسية المقبلة. وفي المقابل، ترى البيت الأبيض أن بعض الانتصارات التشريعية السابقة ستظل كما هي في العامين الجاري والقادم، وستثبت شعبيتها لدى الناخبين؛ ما يعزز من زخمهما، وبالتبعية من شعبية الديمقراطيين في عام 2024.

2- احتدام الخلاف حول وضع الاقتصاد وخطط الاستثمار: منذ بداية ولايته، هدف بايدن إلى إنقاذ الاقتصاد الأمريكي الذي أضعفته جائحة فيروس كوفيد–19، من خلال مضاعفة خطط الاستثمار في البنية التحتية والطاقة النظيفة، فضلاً عن تقديم مليارات الدولارات في صورة مساعدات مباشرة للأمريكيين. أما بالنسبة إلى الحزب الجمهوري، فإن هذه النفقات المبالغ فيها، قد تسببت – من بين أمور أخرى – في التضخم الأعلى منذ أربعة عقود، وهناك مخاوف من ارتفاع أسعار الغاز مرة أخرى خلال العام الجاري، بالتوازي مع تباطؤ اقتصادي على الأقل في الربع الأول من عام 2023. وقد طالبت بعض الأصوات الجمهورية بالفعل بخفض مزايا الضمان الاجتماعي لأي شخص يتقاعد قبل 70 عاماً، ورفع سن الأهلية للرعاية الطبية إلى 70 عاماً، وجدولة سن الأهلية لكلا البرنامجين لزيادة مطردة بمرور الوقت، وهو ما يدلل في مجمله على تزايد الضغوط التشريعية على الإدارة الأمريكية لخفض الإنفاق العام مع ارتفاع سقف الديون.

3- تفعيل الآليات الرقابية على سياسات إدارة بايدن: دفعت بعض التحليلات بأن العامين الماضيين كانا أقرب إلى “حكم الحزب الواحد” في ظل سيطرة الديمقراطيين على الكونغرس دون رقابة فعلية على سياسات إدارة بايدن. وفي اتجاه مضاد لذلك، تعكس أجندة الجمهوريين التشريعية تفعيل أدوات الرقابة الصارمة على الحكومة الفيدرالية، التي يأتي في مقدمتها سلطة الاستدعاء، والمقابلات، ولجان التحقيق، ومذكرات الاستدعاء، والشهادات، وجلسات الاستماع، وغير ذلك. ومن الأمثلة البارزة على ذلك التحقيقات التي من المتوقع أن يبدأها الجمهوريون في الكونغرس ضد هانتر بايدن أوائل العام الجاري بهدف معرفة إذا ما كان الرئيس بايدن قد شارك بنفسه في تعاملات ابنه أكثر مما كان معروفاً في السابق.

4- ترجيحات بتنامي حدة الاستقطاب الحزبي: قد تتجه الإدارة الأمريكية إلى تقليل أعباء الشركات الصغيرة وخلق فرص عمل، ومن ثم التعاون بالتبعية مع الحزب الجمهوري بشرط عدم احتضان اليسار الراديكالي، كما يتوقع ألا تصل مشروعات القوانين المهمة إلى مكتب بايدن طوال العام الجاري والعام الذي يليه، بخلاف تدابير تمويل الحكومة أو الاستجابة لحالات الطوارئ الوطنية، مثل الأعاصير وحرائق الغابات، كما سيصعب على بايدن الوفاء بوعوده الانتخابية في الكونغرس الذي يديره الجمهوريون، وإن دفعت بعض الأصوات بأن الافتقار إلى دعم الجمهوريين لا ينبغي أن يمنع الديمقراطيين من تقديم تشريعات رئيسية إلى مجلس الشيوخ، كما لا ينبغي أن يتراجع بايدن عن أولويات الديمقراطيين، بما في ذلك زيادة الحد الأدنى للأجور، حتى مع فشله المتوقع في مجلس النواب.

5- حساسية واضحة للقضايا المتعلقة بالطاقة: مع ارتفاع أسعار الطاقة عالمياً من ناحية، واعتماد الحلفاء الأوروبيين على صادرات الطاقة الأمريكية من ناحية ثانية، وتعدد تحديات صناعة الطاقة الأمريكية الوطنية من ناحية ثالثة، من المتوقع تقديم مشروعات قوانين تفوض سياسات الإدارة الأمريكية على صعيد قضايا الطاقة؛ لأنها ستدور حول بعض خطوط الأنابيب الجديدة، وتسهيل صادرات الغاز الطبيعي المسال، وتعزيز إنتاج الوقود الأحفوري بهدف خفض تكلفة إنتاج الطاقة. ومن المتوقع الدفع صوب تبسيط عمليات المراجعة البيئية المطلوبة بموجب قانون السياسة البيئية الوطنية على الرغم من قوة جماعات الضغط البيئية.

انقسام حاد

ختاماً، قد يسعى الجمهوريون في الكونغرس إلى انتقاد بايدن والنيل من إنجازات إدارته، وقد يحاولون إعادة كتابة تاريخ إدارة ترامب، وتحريف الرواية الرسمية عن أحداث الكابيتول، بجانب تعطيل أجندة الرئيس التشريعية، فضلاً عن إطلاق تحقيقات تطال عائلة الرئيس وإدارته، وهو ما تنقسم الآراء بشأنه بين من يبالغ في دور الجمهوريين المحتمل، ومن يرى أن أغلبيتهم الضئيلة ستقوض قدرتهم على العمل في مجلس النواب، لا سيما أن بعض القضايا التي يدعمونها لا تتماشى بالضرورة مع المزاج العام للشعب الأمريكي، وفي مقدمتها موقفهم من الإجهاض.

وفي المقابل، سيحاول الديمقراطيون عقد مقارنة بين نجاحاتهم التشريعية لعام 2022 التي سعوا في إطارها إلى استخدام سلطة الحكومة لمساعدة المواطنين وتنمية الاقتصاد، وبين جهود الجمهوريين عام 2023 لخفض الضرائب وتقليص الإنفاق الفيدرالي. ولا شك أن الأجندة التشريعية للحزب الجمهوري في الكونغرس تشير إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد الهجرة غير الشرعية، بجانب ضبط الإنفاق الفيدرالي.