تكشفت التطورات التي تشهدها الساحة السياسية الأمريكية راهناً أن الانتخابات الرئاسية لعام 2024 ستشهد منافسة محتدمة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري؛ حيث يستغل الديمقراطيون وجودهم في البيت الأبيض لتسليط الضوء على ما نجحت الإدارة الأمريكية في تحقيقه حتى الآن من إنجازات على المستوى التشريعي أو على مستوى العلاقات الخارجية لإعادة الولايات المتحدة الأمريكية فاعلاً دولياً مؤثراً تسعى الدول إلى توطيد العلاقات معه، والاستفادة من تجربته الديمقراطية. ويعمل الرئيس جو بايدن في الوقت الراهن على زيارة الولايات المتأرجحة، والترويج لإنجازاته التشريعية، وانعكاساتها على المواطنين الأمريكيين في سبيل الاستعداد والتمهيد للحملات الانتخابية الخاصة بالرئاسة الأمريكية.
تكثيف الجهود
سيُكثِّف الديمقراطيون جهودهم للفوز بالانتخابات الرئاسية التي ستُجرَى في نوفمبر من العام المقبل. وفي ضوء ذلك، من المتوقع أن يقوموا بمجموعة من الخطوات التي يمكن تلخيصها فيما يلي:
1– البدء في البحث عن بديل للرئيس بايدن: يُتوقَّع أن يكرس الحزب الديمقراطي جهوده خلال العامين القادمين للبحث عن بدائل للرئيس الديمقراطي الحالي، الذي سيتجاوز عمره اثنين وثمانين عاماً إذا خاض السباق الانتخابي الرئاسي لعام 2024، وهو أمر لن يستسيغه الكثير من الأمريكيين، فضلاً عن تراجع شعبيته إلى أقل من 50% خلال عام واحد من دخوله البيت الأبيض.
ومن الأسماء الديمقراطية المرشحة في حال عدم ترشح بايدن لفترة رئاسية ثانية، نائبة الرئيس كامالا هاريس، لكنه احتمال غير مرجح بالنظر إلى ضعف أدائها نائبةً للرئيس، خاصةً فيما يتعلق بملف الهجرة، فضلاً عن وزير النقل بيت بوتيجيج الذي سيكون من الصعب نجاحه بسبب ميوله المثلية، ووجود قطاع عريض من الأمريكيين لن يتقبلوا ذلك، ونانسي بلوسي المرأة الحديدية في مجلس النواب، ولكنها كبيرة في العمر أيضاً، بجانب حاكمة ولاية ميشيغان غريتشن ويتمير.
وقد يكون هناك مرشحون أكثر تقدماً على غرار السناتور بيرني ساندرز أو النائبة الشابة ألكساندريا أوكاسيو–كورتيز، وكلهم مرشحون لخوض السباق الرئاسي لعام 2024 أمام جمهوريين على شاكلة حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس، أو نائب الرئيس السابق مايك بنس، أو السيناتور تيم سكوت من ولاية كارولاينا الجنوبية، أو السيناتور تيد كروز من تكساس، وهم يحظون بشعبية واسعة أيضاً.
2– الاعتماد على شخصيات ديمقراطية ذات شعبية: هناك تكهنات حول لجوء الحزب الديمقراطي إلى السيدة الأولى سابقاً ميشيل أوباما، والرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، الذي امتلك شعبية واسعة بين الناخبين الأمريكيين، وخاصةً بين الأمريكيين من أصول إفريقية. ودعمت تلك التكهنات حجتها بأن الزج بقرينة أوباما في الانتخابات سيثير المشاعر التي أثارها أوباما سابقاً.
3– الترويج لإنجازات الإدارة الديمقراطية الحالية: يعمل الديمقراطيون منذ الآن على الترويج لإنجازات إدارة الرئيس جو بايدن التشريعية، التي من بينها قانون البنية التحتية المدعوم من الحزبين، الذي يسمح بإعادة تطوير وتأهيل البنية التحتية المتهالكة في الولايات المتحدة الأمريكية، بما يساعد على إعادة الولايات المتحدة إلى مصاف الدول ذات البنية التحتية القوية. وذلك من أهم الأمور بالنظر إلى انعكاسها على تسهيل حياة المواطنين من جهة، والمساعدة في دفع عجلة النمو الاقتصادي من جهة أخرى.
فضلاً عن قانون الحد من التضخم الذي سيساعد على دعم الانتقال نحو الطاقة النظيفة، وتسريع وتوسيع استخدام السيارات الكهربائية الأقل تلويثاً للبيئة، فضلاً عن تطرقه إلى العديد من الجوانب الأخرى على غرار تخفيض أسعار الأنسولين بحيث لا تتجاوز 35 دولاراً شهرياً بعدما كان يكلف الأسر مئات الدولارات، وغير ذلك من التشريعات التي يتم الترويج لها في مختلف الولايات، لا سيَّما في الولايات المتأرجحة.
4– التركيز على إخفاقات الحزب الجمهوري: سيعمل الديمقراطيون – لا محالة – على استغلال نقاط ضعف الجمهوريين عبر تسليط الضوء على الإخفاقات التي وقعت طوال فترة حكم الرئيس السابق دونالد ترامب، لاسيَّما ما يتعلق بالهجوم على مبنى الكابيتول في السادس من يناير 2021. وإذا كان أيٌّ من المرشحين الجمهوريين الجدد من أنصار ترامب وأفكاره حول نظريات المؤامرة، فإن ذلك سيعطي مساحة أوسع للديمقراطيين يمكنهم التحرك خلالها لإثارة الخوف والذعر عند الأمريكيين من إمكانية تكرار ما حدث يوم نتيجة انتخابات الرئاسية لعام 2020.
5– ترويج حكام الولايات الديمقراطيين لإنجازات الإدارة: من المؤكد أن الحزب الديمقراطي سيستغل الحكام الديمقراطيين في مختلف الولايات لإبراز إنجازات الإدارة الأمريكية من جهة، وتدشين حملات انتخابية بمساعدة الحكام بجانب استغلال شعبية هؤلاء الحكام ومدى نجاحهم في إدارة تلك الولايات من جهة أخرى، بما سيكون عاملاً محفزاً لتصويت الناخبين داخل الولاية للديمقراطيين؛ وذلك على غرار ولاية ميتشغان التي تحكمها الحاكمة الديمقراطية غريتشن ويتمير، ويسيطر الديمقراطيون على الكونغرس الخاص بها، بما سيمثل فرصة لإثبات جدارة الديمقراطيين في مختلف القضايا التي تهم الناخبين الأمريكيين، وعلى رأسها التضخم، ورفع الحد الأدنى للأجور، وتوسيع منح إعانات البطالة، والحفاظ على حقوق الأقليات والمثليين أو تقنين الوصول إلى حقوق الإجهاض.
6– التفاوض مع الجمهوريين داخل الكونغرس: سيحاول الديمقراطيون خلال الفترة القادمة خلق مساحة للتفاوض مع الجمهوريين داخل الكونغرس من أجل تمرير المزيد من التشريعات التي تحقق أجندة الرئيس بايدن. وبالرغم من صعوبة هذا الأمر، فإن مجرد المحاولة والترويج للفكرة سيُظهر استعداد الديمقراطيين للتفاوض من أجل مصلحة البلاد، أو مصلحة الطبقة الوسطى، كما يزعم الرئيس بايدن الذي يكرس أجندته للحفاظ على تلك الطبقة بشكل أخص، بما سيكون عامل جذب للناخبين للتصويت لمرشحي الحزب الديمقراطي الذي يهتمون بمصلحة واشنطن في المقام الأول.
7– التوسع في الحملات الإعلانية والتبرعات: يسعى الحزب الديمقراطي حثيثاً إلى زيادة حجم التبرعات التي يحصل عليها من قِبل داعمي الحزب؛ وذلك في سبيل تعزيز النفقات التي سيتم إنفاق جزء منها على الحملات الإعلانية للترويج لمرشحي الحزب الديمقراطي؛ لذلك من المتوقع أن تزداد الدعوات للتبرع لصالح الحزب خلال الفترة المقبلة من أجل زيادة الإنفاق على الحملات الإعلانية لجذب مختلف فئات المجتمع الأمريكي.
معوقات الفوز
قد تكون هناك مجموعة من المعوقات تحول دون فوز الديمقراطيين بمقعد الرئاسة من جديد. ويمكن إيجاز أهم تلك المعوقات فيما يأتي:
1– احتمالات حدوث انقسام داخل الحزب الديمقراطي: هناك انقسامات داخل الحزب الديمقراطي، وتلك الانقسامات قد تكون أكثر وضوحاً عند اختيار الشخصية التي ستمثل الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية القادمة، كما أن هناك اختلافات حول التشريعات المختلفة، وهناك ضغوط من جانب التقدميين لتطبيق قوانين يرفضها قطاع آخر من الديمقراطيين؛ لذلك سيكون هناك بعض ملامح الشد والجذب حتى عام 2024، وهو ما قد يسمح بالتأثير على نتائج الانتخابات الرئاسية.
2– قوة الجمهوريين في الانتخابات الرئاسية المقبلة: هناك احتمالات تتعلق بفوز الجمهوريين في الانتخابات الرئاسية لعام 2024، بالنظر إلى وجود نفور متنامٍ من الرئيس السابق دونالد ترامب، وأفكاره المتعلقة بسرقة وتزوير الانتخابات خلال عام 2020، وإلقاء اللوم عليه في خسارة أغلبية مجلس الشيوخ بسبب دعمه مرشحين غير مؤهلين، مع وجود ميل متزايد نحو حاكم فلوريدا رون ديسانتيس، ليكون مرشح الحزب الجمهوري خلال الانتخابات القادمة. بجانب عدم رضا قطاع واسع من المواطنين عن أداء الإدارة الديمقراطية، وهو ما من شأنه أن يدفعهم للتصويت لصالح المرشح الجمهوري.
3– قدرة الاقتصاد الأمريكي على تلقي الصدمات: على الرغم من استمرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي في رفع أسعار الفائدة لاحتواء التضخم الذي وصل إلى أرقام قياسية لم يصل إليها خلال أربعة عقود، لا زال ملف الاقتصاد يأتي في مقدمة أولويات الناخب الأمريكي؛ بسبب ارتفاع أسعار العديد من المنتجات، وتذبذب أسعار الطاقة في الولايات المتحدة. ومع استمرار الاضطرابات العالمية، وعدم القدرة على التنبؤ بمستقبل تلك الاضطرابات، فإن الاقتصاد الأمريكي قد يتلقى صدمات أخرى تؤثر على قوته، وتدعم احتمالية حدوث الركود الاقتصادي، بما سيؤثر على المواطنين الأمريكيين بشكل مباشر، ومن ثم على الانتخابات الأمريكية؛ إذ قد يميل الناخبون إلى التصويت لصالح المرشح الجمهوري لتجربة نهج اقتصادي جديد.
4– وجود ملفات عالقة أمام إدارة بايدن: لا زال أداء الإدارة الأمريكية الحالية في ملفات الهجرة ومكافحة الاتجار بالأسلحة ومنع انتشار الجريمة المسلحة غير ناجح؛ إذ يستمر تدفق المهاجرين غير النظاميين على الحدود الأمريكية مع تدهور الأوضاع في الدول المحيطة بالولايات المتحدة، كما يستمر وقوع الجرائم المسلحة بسبب عدم القدرة على وقف بيع الأسلحة. ومن الآن، يركز الجمهوريون بشكل كبير على فشل الديمقراطيين في معالجة تلك الملفات، لا سيَّما ملف الهجرة. وبالرغم من أن تلك الملفات لا تأتي على قائمة أولويات الناخبين الأمريكيين، فإنها قد تكون ذات تأثير على احتمالية فوز الديمقراطيين في انتخابات الرئاسة القادمة، إلا إذا استطاعوا خلال العامين المقبلين التوصل إلى حل لهذا الوضع.
5– عدم اتخاذ خطوات جريئة بملف السياسة الخارجية: على النقيض من إدارة الرئيس السابق ترامب، التي نفذت بعض الخطوات الجريئة في ملف السياسة الخارجية، على غرار الاعتراف بمدينة القدس كعاصمة لإسرائيل، وتشجيع دول عربية على إبرام اتفاقيات سلام مع إسرائيل، لم تنجح الإدارة الراهنة في التوصل إلى اتفاق بشأن برنامج إيران النووي، فضلاً عن انسحابها الكارثي من أفغانستان وتأثير ذلك على احتمالية تحول كابول إلى مركز لتصدير الإرهاب من جديد، مع استمرار خلافات واشنطن مع الصين، واستمرار التهديدات الناجمة عن كوريا الشمالية وروسيا دون وضع أي رادع لها، وهو ما سيستغله الجمهوريون أيضاً، وقد يكون ذا تأثير على نتائج الانتخابات الرئاسية القادمة.
وختاماً، يمكن القول إن الديمقراطيين سيبذلون أقصى ما في وسعهم للفوز بالانتخابات الرئاسية لعام 2024، لكن تغير البيئة السياسية العالمية، مع تأثر البيئة الأمريكية الداخلية سيُلقِيان بظلالهما على نتيجة الانتخابات، لا سيَّما أنهما سيؤثران على نتيجة الانتخابات، وقد يدفعان المواطنين إلى تغيير توجهاتهم، وهو التغيير الذي سيعتمد على تقييم أداء الإدارة الراهنة.