• اخر تحديث : 2024-04-25 13:23
news-details
أبحاث

الحرب المعلنة على حركة الشباب الصومالية : تداعياتها المحلية وأبعادها الإقليمية


في الوقت الذي تحدثت فيه تقارير غربية وإقليمية عن إمكانية تحقق نموذج سيطرة طالبان على أفغانستان (أغسطس/آب 2021) في القرن الأفريقي، وسقوط الصومال بيد حركة الشباب مع مطلع عام 2022، أعلن الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود بعد إعادة انتخابه رئيساً لولاية ثانية (15 مايو/ حزيران 2022)، عن "الحرب الشاملة " ضد حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة، وهي الحرب التي أحجمت نفوذ "الشباب" على الأقل بوسط البلاد، إثر انسحاب مسلحيها من إقليمين استراتيجيين واستمرار المعارك ضدها حتى الآن، بمؤازرة مليشيات عشائرية مسلحة انتفضت ضد الحركة، ومسيرات تركية وأمريكية ترافق عمليات الجيش جواً في تنفيذ الهجمات العسكرية ضد مسلحي الحركة.

في هذه الورقة نتناول تأثيرات الحرب المعلنة على حركة الشباب، وخلفياتها التاريخية وسياقها الإقليمي وتداعياتها المحلية وأبعادها الأمنية والاقتصادية والإنسانية، واستشراف مستقبل حركة الشباب التي تواجه أكبر ضغط عسكري ميداني لها منذ عام 2011 (خروجها من العاصمة مقديشو)، ما يثير مجموعة من السيناريوهات لمستقبل واحدة من أقوى أذرع التنظيمات المرتبطة بالقاعدة في العالم.

الحرب على حركة الشباب.. خلفية سوسيوتاريخية

يستمر الصراع ضد حركة الشباب المجاهدين (ذراع تنظيم القاعدة في القرن الأفريقي) لمدة عقدين، آخذاً بين مد وجزر، فتارة تخبو جذوة الصراع معها وتشتعل الجبهات ضدها تارة أخرى، لكن "الشباب" المتغلغلة في النسق الاجتماعي والأمني حافظت على بقائها في مناطق عدة وسط البلاد وجنوبها، إلا أن ما تواجهه حالياً من ضغط عسكري من قبل الجيش الصومالي الذي تسانده مليشيات مسلحة من العشائر القاطنة التي انتفضت ضد الحركة بعد أن أفرط أتباعها شفرة العلاقة مع العشائر بتجاوزات أحدثتها منهجية تعامل الحركة مع حاضناتها الشعبية في القرى والبلدات الوسطى من البلاد، وذلك على مر السنوات التي كانت تبسط نفوذها الميداني والعسكري الممتد زهاء عقدين.

وشهدت حركة الشباب منذ ظهورها إلى العلن عام 2007 نمواً متزايدا واستطاعت السيطرة على تسع محافظات من أصل ثماني عشرة محافظة على مستوى البلاد، وتحولت من تنظيم محلي يقاتل ضد زعماء الحرب إلى حركة إقليمة ودولية تهدد الأمن العالمي خاصة أميركا وبريطانيا، لكن "الشباب" ذات الأيديولوجية القاعدية مرت بمراحل قوة وضعف، وما تواجهه حالياً من ضغط عسكري أضعف قدراتها على التماسك والصمود أمام الجيش ومسلحي العشائر يثير تساؤلات حول مستقبل وجود ذراع القاعدة الأقوى في القرن الأفريقي، خاصة بعد تبني الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود (2022-2026) نهجاً عسكرياً صارماً ضد "الشباب" متعهداً ببترها وإنهاء نفوذها في غضون عامين.

يمكن تقسيم مراحل الصراع بين الحكومات الصومالية المتعاقبة وحركة الشباب في البنود التالية:

مرحلة الرئيس الأسبق شريف شيخ أحمد (2009-2012)

أعلنت حركة الشباب عام 2007 انشقاقها عن اتحاد المحاكم الإسلامية برئاسة شريف شيخ أحمد، بذريعة أن المحاكم تحالفت مع من تعتبره الحركة "علمانيين" عقب لجوء قياداتها إلى إرتريا وتشكيل تحالف ضد حكومة عبدالله يوسف أحمد (2004-2009)، واشتد الصراع بين مسلحي حركة الشباب والقوات الصومالية إبان حكم الرئيس شريف شيخ أحمد، حتى خروج مسلحي الحركة من العاصمة مقديشو أواخر عام 2011، وتمركزوا في ضواحي العاصمة، وذلك بعد تدخل عسكري من قوات حفظ السلام الأفريقية أميصوم  سابقا (أتميس حاليا) وطردها من الأحياء الشمالية من العاصمة.

مرحلة حسن شيخ محمود الأولى (2012-2017)

بانتخاب حسن شيخ محمود رئيساً للصومال في سبتمبر /أيلول عام 2012 اختلف الوضع الأمني في الصومال، فركزت إدارة الرئيس شيخ محمود على مكافحة حركة الشباب وطردها من أهم معاقلها الاستراتيجية ومناطق نفوذها ومصادر دخلها ومنابع تمويلها، خاصة المدن الساحلية المطلة على المحيط الهندي، مثل مدينة مركة وبراوة وورشيخ، فمع إعلان الولايات المتحدة الأمريكية برئاسة الرئيس الأسبق باراك أوباباما اعترافها بالحكومة الصومالية عام 2013، شن الجيش الصومالي بمساندة من قوات الاتحاد الأفريقي هجوماً واسع النطاق على الحركة، فانتزعا السيطرة على أكثر من 15 مدينة في وسط البلاد وجنوبها، وبدت الحركة في حالة ضعف وانكسار، ولم تعد تقدر على شن ضربات عسكرية أو هجمات انتحارية ضد القوات الصومالية والأفريقية.

لكن "الشباب" الصومالية استعادت السيطرة على بعض المناطق مع نهاية حكم الرئيس حسن شيخ محمود 2016، وعادت لتنتشر في محيط وتخوم المدن القريبة من العاصمة، وهو ما أعطى صورة مغايرة لمجريات الوضع الأمني والعسكري في البلاد، وعكس أن حركة الشباب لم تمت بعد بل نشأت من جديد واستعادت نشاطها بتنفيذ هجمات انتحارية وأخرى مباشرة ضد أهداف عسكرية للقوات الأفريقية في المدن الجنوبية، ومثل حضورها الإعلامي في الميديا الإجتماعية بإبراز صور ومواد مرئية تتضمن غاراتها وهجماتها ضد الجنود الأفارقة، حافزاً معنوياً لأنصارها والمتضامنين معهاً أيديولوجياً.

مرحلة الرئيس السابق محمد عبدالله فرماجو  (2017-2022)

شهدت قوة حركة الشباب الميدانية والعسكرية في فترة الرئيس محمد عبدالله فرماجو نمواً ملحوظاً، لدرجة أنها باتت توصف "كياناً موازياً " في الصومال، في جمع الضرائب وتطبيق أحكامها وفصل الخصومات، ووفق مراكز أمنية، تمكنت "الشباب" من جمع 15 مليون دولار أمريكي شهرياً من خلال فرضها ضرائب تفوق ضرائب الحكومة الصومالية والولايات الفيدرالية؛ حيث لا تفرض الحكومة ضرائب على مراحل انتاج الحقول الزراعية ولا تجمع أموال الزكاة من التجار، في الوقت الذي تجمع فيه "الشباب" من التجار مبالغ مالية سنوياً 2.5$ من رأس مال التجار، كما تتفرد بفرضها هذه الضرائب على سكان المدن الجنوبية، ويتم جمع نصف ذلك المبلغ من تجار العاصمة مقديشو، كونها الرئة الاقتصادية للبلاد.

وفي المقابل، أضحت هجمات حركة الشباب منذ عام 2017 دموية أكثر بتوسع عملياتها العسكرية، وشهدت العاصمة مقديشو أكبر تفجير دموي راح ضحيته قرابة 500 شخص وأصيب نحو 1500 آخرين بجروح متفاوتة، واستولت الحركة على مناطق شاسعة من جنوب البلاد ووسطها، وتمكنت من إعادة تنظيم صفوفها عسكرياً وجنَّدت الآلاف من الشباب في صفوفها (5- 10 ألف مقاتل).

وعلى الرغم من أن الرئيس الصومالي محمد عبدالله فرماجو ركز في فترة حكمه  التي كان شعار جوهر حملته الانتخابية عام 2016، إعادة بناء الجيش الصومالي ومكافحة حركة الشباب، إلا أن فترة حكمه لم تشهد "الشباب" حرباً عسكرية، لكن الحكومة الفيدرالية برئاسة حسن علي خيري (2017-2020) استطاعت ترتيب الجيش وفق بيانات حكومية إلكترونية وشطب المليشيات المسلحة من قوائم أفراد الخدمة العسكرية، كما أن عدم الاستقرار السياسي ودخول البلاد في معارك سياسية مع المعارضة لم تتمكن الحكومة من توجيه ضربة عسكرية لحركة الشباب، التي استطاعت أن تتمركز على مناطق لا تبعد عن العاصمة سوى ثلاثين كيلومتراً جنوب مقديشو وشمالها.

لكن يحسب على الرئيس السابق محمد عبدالله فرماجو نجاح إدارته في القضاء على الجناح المسلح لتنظيم أهل السنة والجماعة الذي كان متمركزاً في مناطق عدة وسط البلاد، وكان يمثل عقبة أمام تشكل حكومة جلمدغ الفيدرالية، بفضل انتشار مسلحيه في معاقل مهمة وحيوية في قلب النظام المحلي الفيدرالي، لكن تهور قيادات تلك الجماعات وغياب رؤية استراتيجية في التعايش مع النظام الفيدرالي أشهروا أخيراً سلاحهم ضد القوات الصومالية، ما أطاح بهم في طرف أسابيع قليلة فقط.

مرحلة حسن شيخ محمود الثانية (2022-2026)

مع انتخاب الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود في 15 مايو/آيار الماضي رئيساً للصومال لولاية ثانية، أعلن تعهده مجدداً بمكافحة حركة الشباب، وكرر ذلك في أكثر من مناسبة، لتبدأ الحرب المعلنة على "الشباب" في أواخر يوليو / تموز الماضي، بشكل لم تردها الحكومة الصومالية، وذلك عقب أن شنَّ مسلحون من عشائر تقطن وسط البلاد حرباً على معاقل أتباع الحركة في إقليم هيران (وسط) على نحو غير منظم، ما أجبر الحركة على التراجع، نظراً لعدم توفر دعم عسكري لوجستي وعدد كاف من المقاتلين للحركة في تلك المناطق، ما قوض نفوذ الحركة على الأقل في القرى والأحراش والمناطق النائية التي كانت تنتشر فيها عناصرها.

ومنذ نحو خمسة أشهر يستمر القتال ضد حركة الشباب في إقليم هرشبيلي وجلمدغ، وتمكن الجيش الصومالي بمؤازرة مسلحي العشائر (أبغال وحوادلة وسليبان) من تحرير قرابة 40 منطقة بين بلدة وقرى ومدن في أقاليم هيران وشبيلى الوسطى وجلمدغ، وانتزع الجيش السيطرة على مدينة استراتيجية (أدن يبال) من قبضة مسلحي الحركة وهو ما يعده مراقبون بداية حقيقية لتقويض قدرات الحركة وكسر شوكتها وتراجع نفوذها ميدانيا لأن فقدان الحركة أهم معقل لها في إقليم شبيلى الوسطى منذ عام 2016 يعتبر فصلا جديدا من فصول القتال، بامتلاك الجيش زمام المبادرة في الحرب على الحركة والتحامه مع سكان المنطقة على طريقة أبناء العشائر العراقية (الصحوات) ضد تنظيم القاعدة، ما يزيد الضغط عسكرياً على الحركة على نحو غير مسبوق جعلها مرمى النيران من الجيش ورجال العشائر.

الحرب المعلنة على حركة الشباب: الأسباب والنتائج

شكل إقليما شبيلى الوسطى والسفلى المجاوران للعاصمة مقديشو منطلقاً لهجمات حركة الشباب ضد العاصمة منذ عام 2016، ولم تعد الحكومة الصومالية قادرة على منع أهداف حركة الشباب واحباط هجماتها المميتة، بسبب فقدانها زمام المبادرة في مواجهة مسلحي الحركة، واقتصرت عملياتها العسكرية على أهداف محددة دون أن تشمل المناطق والقرى في هذين الإقليمين، ما جعل سكان العاصمة في ترقب دائم لحوادث انتحارية، وتعد حادثة تفجيرا شارع زوبي في شهر أكتوبر بين عامي 2017 و2022، أعنف تفجيرين دمويين راح ضحيتهما قرابة 2000 صومالي بين قتيل وجريح.

ومع استمرار التراجيديا الأليمية التي تخلفها أحداث العنف في الصومال، استشعرت الإدارة الجديدة أهمية شن حرب على الحركة، لا يقتصر هذه المرة على الجوانب العسكرية والاستخباراتية والأمنية فقط، بل لجأت حكومة حمزة عبدي بري إلى تبني استراتيجية "الحرب الشاملة" لتشمل الجوانب التالية:

أدلجة الصراع: باعتبار أن حركة الشباب تحمل الموروث السلفي الجهادي وعقيدة فكرها السياسي والعسكري وتجنيد مقاتليها، وظفت الحكومة الصومالية الخطاب الديني في مقارعة حركة الشباب فكرياً وعسكرياً، وجيَّشت أفراد الخدمة العسكرية بالخطاب الديني باعتبار أن حربهم ضد الحركة نصرة للدين والوطن والعباد، وأن من يحاربونه لا علاقة له بالدين، ووسمتهم بـ"الخوارج"، وبات هذا الوصف أكثر شيوعاً حاليا في أوساط رجال الدولة والإعلام المحلي، وبات متداولاً في الميديا الاجتماعية، وذلك لإسقاط شرعية "الشباب" الدينية، ومواجهتها منزوعة الأيديولوجية العقائدية، واعتبارها حركة خارجة عن القانون والشريعة.

ثورة العشائر: شكلت العشائر في الصومال، خاصة سكان القرى والأرياف حاضنة شعبية لحركة الشباب منذ انسحابها من العاصمة عام 2011، وحافظت الحركة على علاقتها مع العشائر، خاصة في الأقاليم الوسطى من البلاد، لكن أخيراً توترت شعرة العلاقات مع العشائر في السنوات الأخيرة، بعد تزايد هجماتها في العاصمة والمدن الكبيرة، وضرائبها المفروضة على سكان المناطق الخاضعة لسيطرتها، وهي ضرائب لاتعد ولا تحصى، ما خلق عداوة بين "الشباب" والعشائر، سيما القاطنة بوسط البلاد، ما يثبت فرضية ابن خلدون القائلة " إذا كثرت الجباية أشرفت الدولة على النهاية" وأجج ذلك الصراع ـ وفق متابعين ـ سلوك الحركة في تعامل انقلاب العشائر ضدها، بسفك دماء شيوخ القبائل وارسال تهديدات إلى من يخالفها في الرأي أو يرفض دفع ضرائبها عنوة، ما وسع الهوة بين "الشباب" والعشائر، ولم يترك مجالاً للصلح بينهما مستقبلاً.

عسكرة الإعلام: استنجدت الحكومة الصومالية آلاتها الإعلامية في مواجهة الماكينات الإعلامية لحركة الشباب (السوشيال ميديا، الراديو، مواقع على الانترنت)، ودحض آرائها وتفنيد إدعاءاتها العابرة عبر الأثير، هذا إلى جانب حظر وسائل الإعلام المحسوبة على الحركة وحجب الحسابات في مواقع التواصل الاجتماعية (600 حساب)، واعتقال من تعامل مع "الشباب " واستهداف المتعاطفين معها وزجهم في السجون، وهو ما قد يؤثر سلباً في تداول أخبار ومعلومات حركة الشباب التي كانت متوفرة سابقاً للجمهور، خاصة في الإعلام البديل.

حرب اقتصادية: ومع بدء فصول المعارك المحتدمة في وسط البلاد، بدأت الأجهزة الأمنية بإطلاق حملة تستهدف مصادر تمويل حركة الشباب، وشنت هجوماً على محاكمها القريبة من مقديشو، خاصة بالقرب من مدينة أفجوي الزراعية (30 كيلومترا جنوب مقديشو) واستولت على بلدة بصرة التي كانت تضم محاكم الحركة ومقارها وتمثل نقطة تعبرها إمداداتها العسكرية اللوجستية بين المناطق الوسطى والجنوبية في البلاد، وحظرت الحكومة التقاضي إلى محاكم "الشباب" وبموجب ذلك اعتقلت عدداً من الأشخاص بتهمة الذهاب إلى محاكم الحركة، لتجفيف مصادر تمويل الحركة، كما أمرت النيابة العامة مكاتب العقود والمحاماة عدم التعامل مع حركة الشباب، كما أوقفت الأجهزة الأمنية حسابات بنكية محلية تابعة لشخصيات لها ارتباط وثيق بـ"ألشباب"، وجمدت الأجهزة الأمنية منذ بدء الحرب المالية ضد "الشباب" ما بين 80 و100 حساب بنكي تابع لعناصر الحركة،  وتبلغ الوديعة البنكية مجتمعة بنحو 20 مليون دولار، ووجهت وزارات عدة (وزارة المالية ووزارة الموانئ والنقل البري ووزارة التجارة والصناعة)، تحذيرا للتجار والشركات والمواطنين من التعاون مع "الشباب". خطوة من شأنها تكبيد خزينة حركة "الشباب" بخسائر كبيرة، قد تفقدها توازنها في المرحلة المقبلة.

المسيرات الأجنبية: تشكل المسيرات الأجنبية (بيرقدار التركية والدرون الأمريكية) ضغطاً عسكرياً يهدد وجود حركة الشباب، التي لم تعد قادرة على مواجهة القوات الصومالية في المواجهات المفتوحة، بفضل دخول المسيرات الأجنبية خط النار باستهدافها معاقل وحصون حركة الشباب، وشلَّت ايضاً قدرة تنقلاتها العسكرية بين مسلحيها، هذا بالإضافة إلى جمع البيانات والمعلومات عن تحركات "الشباب" خاصة أثناء الاشتباكات، ما قلب موزين الصراع لصالح الجيش، ويمثل نكسة عسكرية للحركة التي تجيد القتال في الأحراش وتنفيذ هجمات انتحارية نوعية.

يقول الجنرال عبد الرحمن توريري، المدير الأسبق ل جهاز المخابرات والأمن الوطني  إن الطائرات المسيّرة الأجنبية لعبت دوراً كبيراً في القضاء على نفوذ "الشباب" جزئياً في وسط البلاد، لأن هذه التكنولوجيا العسكرية لا تتوفر لدى عناصر الحركة، ولهذا فإن أكبر سلاح عسكري موجّه ضد الحركة يتمثل في استخدام المسيّرات التي تنفذ غارات جوية، فمن دون الاعتماد على هذه الطائرات الأجنبية لن يتمكن الجيش ولا مسلحو العشائر من تحقيق انتصارات عسكرية على مقاتلي "الشباب، وترجيح كفة القتال لصالح الجيش الصومالي، وغيَّرت موازين الصراع العسكري في المواجهات المسلحة ضد "الشباب".

تأثيرات الحرب على "الشباب " الداخلية وأبعادها الإقليمية

تركت الحرب الطاحنة التي شنها الجيش الصومالي على حركة الشباب في إقليمين بوسط البلاد منذ يوليو / تموز الماضي، تداعيات سلبية على الأوضاع الأمنية والاقتصادية في البلاد وبعثت رسائل تهديد إلى دول الجوار من إمكانية انتقال عدوى تفشي الفوضى الأمنية في دول المنطقة، خاصة كينيا وإثيوبيا، هذا إلى جانب تأثيراتها الاقتصادية من إمكانية شلّ تدفق البضائع العابرة عبر الحدود بين الدول الثلاثة (الصومال وكينيا وإثيوبيا)، هذا فضلاً عن إمكانية انتقال عناصر من حركة الشباب إلى الداخل الكيني أو الإثيوبي في حال اشتدت المواجهات في المدن الجنوبية المتأخمة مع حدود الدولتين.

الوضع الأمني: منذ بدء المواجهات المسلحة ضد حركة الشباب، كثفت الأخيرة هجماتها الانتحارية في العاصمة مقديشو بمعدل بلغ 57 هجوماً  منذ انتخاب حسن شيخ محمود (مايو / آيار الماضي)، وكشف تقرير للصليب الأحمر الدولي في تقرير جديد أن معدل الأحداث الأمنية ارتفع بنحو 30% مقارنة بعام 2021، الذي سُجلت فيه 43 حادثة، وهو ما يعني مؤشراً خطيراً لتردي الوضع الأمني في الصومال، إثر استهداف فندق مجاور للقصر الرئاسي في العاصمة، وأدى ذلك إلى إصابة مسؤولين رفيعي المستوى بجروح، وعكس فشلاً أمنياً في المنظومة الأمنية في مقديشو.

ووفق متابعين، فإن الاستراتيجية الأمنية التي تنتهجها الدولة حالياً تتمركز في تحرير إقليمي شبيلى الوسطى والسفلى المجاورين للعاصمة من مسلحي حركة الشباب، كمنطلق لإزالة التهديدات الأمنية ووقف هجمات "الشباب"، وهو ما تركز عليه الحكومة الفيدرالية في حملتها ضد "الشباب" التي تنفذ هجمات مروعة على الرغم من التأهب الأمني في العاصمة، بقطع شوارعها وتقاطعاتها بسواتر اسمنتية ونقاط تفتيش في مداخل العاصمة.

الوضع الاقتصادي: برغم أن الاقتصاد الصومالي حقق العام الماضي قفزة ملحوظة عام 2021 بعد أن ارتفع بنسبة 2.9%، فإن هذا الاقتصاد الهش يواجه تحديات كبيرة أمنية، خاصة في ظل رغبة حكومية في تشجيع الاستثمار داخلياً وخارجياً، بيد أن التفجيرات الأمنية التي تشهدها العاصمة والتحذيرات الأمنية المتكررة، تهددان نمو الاقتصاد المحلي، فالتفجير الأخير الذي شهده شارع زوبي في 29 أكتوبر / تشرين الأول الماضي ألحق أضرار بنحو 300 تاجر، وبخسائر مادية تناهز 3 ملايين دولار أمريكي، وفق تقديرات حكومية، ومقتل 120 شخصاً وجرح نحو 300 آخرين، كما أن توقف الرحلات الدولية في مطار مقديشو أحياناً بسبب مخاوف أمنية من استهداف المطار، يربك الاقتصاد المحلي ويؤثر سلباً في ميزانية الدولة التي يدعمها المجتمع الدولي بـ60% منها بينما إيرادات الدولة لا توفر سوى 40% فقط، والتي ارتفعت هذا العام إلى نحو مليار دولار أمريكي (930 مليون دولار).

وشلت الحرب المستعرة في إقليم شبيلى الوسطى ضد "الشباب" حركة نقل البضائع والمنتوجات الزراعية نحو العاصمة مقديشو، كما أوقفت حركة التنقلات بين المدن الوسطى والجنوبية، وهو ما كان يمثل مصدر دخل للكثير من المواطنين، وخاصة المزارعين الذين تأثرت تجارتهم بالجفاف تارة والحرب على "الشباب" تارة أخرى، ومع استمرار هذه الحرب دون وجود سقف زمني لها فإن التحديات الأمنية الموجودة ستؤدي إلى انكماش للاقتصاد المحلي، دون وجود تعويض لخسائر التجار وأصحاب الفنادق المتضررين من تداعيات الهجمات الأمنية في العاصمة أو الحرب على "الشباب " في المناطق الوسطى من البلاد.

التهديدات الأمنية لدول القرن الأفريقي: يبدو أن أمن دول القرن الأفريقي، سيما نيروبي وأديس أبابا بات مرتبطاً بمجريات الأحداث الأمنية في الصومال، فمنذ نهاية التسعينيات من القرن الماضي وتفجيرات نيروبي ودار السلام عام 1998، بات القلق الأمني القادم من الصومال هاجساً يراود الدوائر الأمنية والاستخباراتية في تلك الدول، ومع تجدد المعارك في وسط البلاد وانحسار رقعة نفوذ "الشباب" المرتبطة بالقاعدة، بدأت مخاوف عودة الجهاديين من أصول دول شرق أفريقيا من الصومال إلى بلدانهم الأصلية تقلق الأجهزة الأمنية لدى تلك الدول، وخاصة بعد اعتقال 6 أشخاص من أصول تنزانية في الحدود بين الصومال وكينيا في ديسيمبر / كانون الأول الجاري، وذلك بعد فرارهم من المعارك التي تشهدها مناطق بوسط البلاد، كما أغلقت كينيا حدودها البرية مع الصومال بشكل مؤقت للحؤول دون تسلل عناصر من "الشباب" إلى الداخل الكيني.

أما أديس أبابا التي شهدت نزاعاً عسكرياً في إقليم تيغراي لمدة عامين (2020-2022)، تمكن مسلحو حركة الشباب من التسلل إلى الإقليم الصومالي (أوغادين) والاشتباك مع القوات الصومالية المحلية والجيش الإثيوبي، وانتهت تلك المواجهات بتراجع مقاتلي حركة الشباب في يوليو / تموز الماضي بعد تزايد الضغط العسكري عليها من الجيش الصومالي، ما نسف إمكانية أن تقال "الشباب" في أكثر من جبهة في الصومال والداخل الإثيوبي، وأعقب ذلك توقيع اتفاقية أمنية بين جهازي المخابرات، مقديشو وأديس أبابا، لمواجهة تمدد حركة الشباب إلى العمق الإثيوبي والحد من نفوذها الصاعد في الصومال.

تداعيات إنسانية: تؤدي عمليات القتال ضد حركة الشباب إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية، خاصة لسكان المناطق التي ضربها الجفاف، (وسط البلاد)، حيث أدت تلك العمليات العسكرية إلى نزوح قرابة ألف أسرة من قراهم نحو مناطق أخرى، هرباً من الحرب، ما يعني أن سكان مناطق الاشتباك ينزحون مرتين، من الحرب تارة ومن الجفاف تارة أخرى.

سيناريوهات ومستقبل الحرب على حركة الشباب

تثأر حالياً في الأوساط الأمنية في الصومال مسألة إمكانية بقاء نفوذ حركة الشباب ومستقبل وجودها في البلاد، بعد تراجعها العسكري وسط البلاد وفي مناطق كانت تعد معقلها الاستراتيجي، فسيناريو هزيمة المحاكم الإسلامية التي كانت تسيطر على 90 في المئة من الجنوب الصومالي عام 2006 على يد الجيش الصومالي بمساندة عسكرية ضخمة من الجيش الإثيوبي، يلوح هذا السيناريو في الأفق، وتبدو أسباب هزيمة حركة الشباب أو إضعافها عسكرياً واردة على نحو غير مسبوق في العوامل التالية:

- إصرار الرئاسة الحالية المتمثلة في شخصية الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود في حسم واحتواء حركة الشباب ودحر نفوذها عسكرياً، كمدخل استراتيجي لفرض استقرار أمني وسياسي في البلاد، وعدم تمكين "الشباب" من العودة إلى نفوذها الميداني والعسكري بعد هزيمتها.

- الدعم الخارجي للعمليات العسكرية ضد حركة الشباب، وهو دعم تجده الحكومة الفيدرالية حالياً من أنقرة وواشنطن من خلال مسيرات تركية وأمريكية ترافق الجيش وتسانده جواً وتستهدف حصون ومعاقل وتحركات حركة الشباب في وسط البلاد، ومع دخول طائرات بيرقدار2 التركية في  خطوط المواجهة ضد حركة الشباب، بدت الحركة مكشوفة وأكثر ضعفاً وصموداً أمام الجيش الصومالي عما كانت عليه سابقاً، كما أن المناخ الصومالي المعتدل والأراضي السهلية في الصومال تمكنان من الدرونز الأجنبية من استهداف وتعقب مسلحي الحركة في وسط البلاد، ما دفع الحركة إلى مدينة أدن يبال (وسط) الاستراتيجية والتي تعد معقلاً مهماً لإحباء مخططات وهجمات حركة الشباب.

- تراجع مكانة "الشباب" في المكون العشائري وذلك نتيجة تبدل طبيعة العلاقة بين الحركة والقيادات العشائرية، من حديقة خلفية آمنة إلى واجهة للقتال ضدها، إذ لم تستطع قيادات الحركة راهناً مراعاة حساسية طبيعة المكون العشائري وتأثيره على مستقبل وجودها في البلاد، فاحتدام الخلافات بين العشائر من جهة وقيادات الحركة في أكثر من منطقة أدَّى إلى خلق خصومات وعداوة بين الطرفين، تطور لاحقاً في بعض المناطق إلى حرب بين مسلحين من العشائر و مقاتلين من الحركة، وهي الفرصة التي تستغلها الحكومة في تأليب الرأي العام والعشائر ضد وجود الحركة، من خلال تسليح العشائر بالأسلحة الخفيفة وتوفير الخدمات الصحية والمؤن الغذائية في المناطق التي تنسحب منها عناصر "الشباب" لأسباب عسكرية.

- لعنة التغير المناخي في الصومال: شكل الجفاف الذي حل بالصومال ضربة موجعة بالنسبة لإيرادات حركة الشباب من المنتوجات الزراعية، فتراجع هذا القطاع كبد حزينتها خسائر ضخمة، ودفع ذلك أيضاً القرويين وسكان المناطق إلى حمل السلاح ومواجهتها ضد "الشباب" نتيجة الضرائب المفروضة على المزارعين قبل وبعد الحراثة الزراعية وفق شهادات نازحين في مدينة بيدوا (أكبر معسكر للنازحين في جنوب الصومال) وفي العاصمة مقديشو.

لكن الحملة العسكرية التي يقودها الجيش الصومالي ضد حركة الشباب في وسط البلاد، تواجه تحديات كثيرة وهو ما يسمح للحركة إمكانية ترتيب صفوفها وإخماد النيران المشتعلة من بيوتها الخشبية والعودة إلى المناطق التي فقدت السيطرة عليها، ويمكن حصر تلك التحديات في البنود التالية:

حظر الأسلحة المفروض على الصومال: يشكل تحدي استمرار حظر الأسلحة المفروض على البلاد منذ عام 1992 جزءاً من أسباب عدة تعيق بناء قدرات الجيش الصومالي منذ ثلاثة عقود، ففي الوقت الذي يتوفر لدى القوات الأفريقية أسلحة عسكرية ضخمة ودبابات ومروحيات قتالية، وتستنزف ميزانية ضخمة أكثر من ميزانية المؤسسة العسكرية كلها، لايتوفر للجيش الصومالي أسلحة تمكنه من ترجيح كفة القتال لصالحه، والحال هذا ينطبق على أجهزة الشرطة الصومالية التي لاتستطيع إحباط مخططات حركة الشباب في العاصمة مقديشو، ولهذا يعد قرار حظر الأسلحة المفروض على مقديشو عقبة تحُد من قدرات الجيش في مواصلة حربه ضد حركة الشباب التي تجيد حرب "الغوريلا" في مواجهة الجيش الصومالي والقوات الأفريقية.

خطر السلاح في أيدي المليشيات العشائرية: مع بدء القتال ضد حركة الشباب، اعتمدت الحكومة الصومالية سياسة تسليح العشائر التي انتفضت ضد "الشباب"، خاصة عشائر أبكال وسليبان وحوادلي، وهي سياسة أتت أكلها في مقارعة "الشباب"، لكن السلاح المنفلت في يد العشائر يمكن أن يؤدي إلى نتائج عكسية في مكافحة الحركة، وأن يتحول هذا السلاح إلى آلة تغذي النزاعات العشائرية بين القبائل وانتشار نقاط تفتيش غير شرعية لجمع الإتاوات من قبل مسلحي العشائر ما يمكن أن يوقف الحرب ضد حركة الشباب، ويغير مسار الحرب من الصراع على حركة الشباب إلى صراع بين العشائر، وهو ما ينسف من استراتيجية الحكومة في مكافحة حركة الشباب.

غياب الدعم اللوجستي والعتاد العسكري: يسبب توفير الدعم اللوجستي والعتاد العسكري للجيش الصومالية بالنسبة للحكومة الفيدرالية والرئاسة الحالية هاجساً كبيرا، فعدم وجود ميزانية مرصودة لمواصلة الحرب ضد حركة الشباب، ربما سيؤدي في نهاية المطاف إلى توقف العمليات العسكرية، فحالياً تتوقف المعارك التي يشنها الجيش أسابيع لتستأنف من جديد بسبب ضعف في الميزانية والدعم اللوجستي لأفراد الجيش المشاركين في هذه المعركة المصيرية ضد "الشباب" بوصف الرئيس حسن شيخ محمود.

الخلاصة

مع استمرار الحرب أكثر من خمسة أشهر وبشكل متقطع أحياناً تشهد جبهات القتال في أقاليم بوسط البلاد حرباً مستعرة يختلط فيها الحابل بالنابل، وتعلن الحكومة الصومالية عبر وزارة الإعلام بيانات صحافية متضاربة في دقة ومصداقية المعلومات التي تصرحها خاصة في ما يتعلق بضحايا حركة الشباب، وتكبيدها خسائر فادحة، إلا أن مصادر مستقلة تفيد عكس ذلك، فأرقام ضحايا حركة الشباب بيد الجيش الصومالي، التي تعلنها الأجهزة الإعلامية الرسمية وتلك الصادرة عن القوات الأفريقية في أفريقيا (أفريكوم) عبر موقع "تويتر" بينهما بون شاسع، وهو ما يرجح أن الحكومة الفيدرالية تسخر آلتها الإعلامية لحرب دعائية ضد "الشباب".

وعلى الرغم من ذلك فإن استمرار هذه الضغط العسكري ضد "الشباب" وعلى هذا المنوال، ولأول مرة منذ نحو خمس سنوات، يضع مستقبل حركة الشباب في واحد من السيناريوهات التالية:

أولاً: هزيمة حركة الشباب: تبدو المعارك المستمرة منذ شهور ضد "الشباب" حاسمة ومصيرية بالنسبة لمستقبل استقرار الصومال وفق رؤية الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود الذي يكرر في أكثر من مناسبة وفي اجتماع مع الجاليات الصومالية في المهجر أن الحرب ضد "الشباب" مصيرية ولن تتوقف، ما يرجح إمكانية استمرار الحرب ضد الحركة لفترة طويلة، وسيناريو هزيمتها عسكرياً على يد الجيش الصومالي ومسلحي العشائر هو الأقوى حالياً نظراً لعوامل وأسباب اندلاع هذا الصراع ضد أقوى فرع لتنظيم القاعدة في أفريقيا.

ثانياً: إضعاف قوة حركة الشباب: تتمتع حركة الشباب قوة عسكرية لا يستهان بها ويقدر عدد مقاتليها ما بين 5 و10 ألف مقاتل منتشرين في جبهات عدة في عموم البلاد، وكانت تتمتع بحيازة نحو 80% من مناطق البلاد ما يكسبها قدرة على جمع أموال عبر ضرائبها المفروضة على السكان، ما يتيح لها أن تبقى في مناطق قليلة تختارها الحركة بعناية في حال هزمت في المناطق الوسطى من البلاد، وإمكانية لجوئها إلى الأحراش والمناطق المأهولة بالغابات، سيما في الجيوب المتأخمة مع الحدود الكينية، وهو ما يجعلها في وضعية انتظار لعودة قادمة، إذا بقيت ضعيفة القوى ولم تتعرض لتعقب مستمر من الجيش الصومالي في تلك المناطق.

ثالثاً: بقاء الوضع على ما هو عليه: إذا لم تنجح الحملة العسكرية الراهنة التي يجريها الجيش الصومالي لبسط نفوذ الدولة والتمدد عسكرياً في مناطق سيطرة حركة الشباب، خاصة إقليم جوبا الوسطى الذي تسيطر عليه الحركة بشكل كامل وبقية المناطق الجنوبية، فإن سيناريو بقاء الوضع على ما هو عليه يبقى مطروحاً، لأن وجود "الشباب" في تلك الأقاليم يوفر لها مساحة خلفية لإعادة ترتيب صفوفها مجدداً ويوفرها قدرة أكبر في البقاء ويمدها إكسير الحياة، دون أن تتأثر في هزائمها العسكرية بوسط البلاد، التي تعد مجرد واجهة أمامية لنشاط الحركة في الجنوب الصومالي، ذات الحقول الزراعية والحاضنات الشعبية المؤيدة للحركة ، بحكم تموضعها في تلك المناطق لأكثر من 15 عاماً.