بالنظر إلى التقارب الدبلوماسي والاقتصادي مع إسبانيا من قبل المغرب، الذي بات شريكاً استراتيجياً لمدريد بعد توقيع خارطة الطريق المشتركة، في أبريل 2022، إضافة إلى التقارب المغربي مع معظم العواصم الأوروبية، خلال العامين الماضيين؛ فإن الرئاسة الإسبانية للاتحاد، على صغر فترتها الزمنية، ما بين الأول من يوليو ونهاية ديسمبر؛ ستساهم في حلحلة تحديات مشتركة، بما في ذلك التهديدات الإرهابية والحركات الانفصالية التي تُغذي الإرهاب، وكذلك القضايا المتعلقة بالهجرة والتنمية.
مكاسب متعددة
تضع الرباط نُصب عينها عدداً من المكاسب التي يمكن أن تحصل عليها خلال رئاسة إسبانيا للاتحاد الأوروبي، سياسياً واقتصادياً، فضلاً عن المستوى الأمني الذي يُنتظر أن تُساهم فيه الرباط بقدرٍ ليس بالقليل، وهو ما يمكن بيانه كما يلي:
1– المُساندة الأوروبية للطرح المغربي لقضية الصحراء: من أهم المكتسبات التي تنتظرها الرباط من رئاسة إسبانيا للاتحاد الأوروبي، ما تُمثله هذه الرئاسة من فرصة مهمة لدفع دول أخرى داخل الاتحاد نحو مُساندة الطرح المغربي حول قضية الصحراء الغربية، خصوصاً أن دولاً أوروبية كبرى، مثل ألمانيا وهولندا وفرنسا، قد أيدت الطرح المغربي حول “الحكم الذاتي” لحل النزاع في الصحراء.
صحيح أن إسبانيا راجعت موقفها بخصوص الصحراء الغربية، وفقاً لمصالحها المرتبطة بـ”ترسيم الحدود” البحرية والمنطقة الاقتصادية الخالصة، مع المغرب، سواء على الواجهة الأطلسية أو المتوسطية، وما سيكون لها من تداعيات على جزر الكناري وجزيرتي سبتة ومليلية، إلا أن الرئاسة الإسبانية للاتحاد، في الوقت نفسه، ستُعزز الموقف الأوروبي الداعم لحل سياسي متوافق بشأنه، وفق قرارات مجلس الأمن التي باتت تتبنى مبادرة “الحكم الذاتي” في الصحراء، بما يعني أن المغرب سيكسب نقاطاً سياسية من هذه الرئاسة.
2– زيادة الدعم المالي والتقني الأوروبي للمغرب: إذ يُمكن لإسبانيا، وفقاً لمصالحها طبعاً، أن تدافع عن الزيادة في قيمة الدعم المالي والتقني للمغرب، من طرف الاتحاد الأوروبي، خاصةً فيما يتعلق بمواجهة الهجرة “غير الشرعية” إلى أوروبا، على غرار ما يقدمه الاتحاد الأوروبي إلى تركيا، الذي يتجاوز 3 مليارات دولار سنوياً، في الوقت الذي لا يحصل فيه المغرب إلا على 200 مليون دولار في العام. ولأن إسبانيا تُدرك حاجتها السياسية والاقتصادية إلى المغرب، خصوصاً في ظل النقاش الحالي حول ملفات ترسيم الحدود البحرية والإرهاب والهجرة غير الشرعية؛ يمكنها دفع الاتحاد الأوروبي إلى رفع استثماراته الخارجية في المغرب، للمساهمة في الجهود المغربية لتوطين المهاجرين القادمين من جنوب الصحراء الأفريقية؛ لأن توطينهم يعني توفير فرص العمل المرتبطة بالاستثمارات، كما يعني توفير الخدمات الصحية والتعليمية وغيرها.
3– تعزيز العلاقات الاقتصادية الأوروبية المغربية: حيث إن “الواقعية السياسية” التي دفعت مدريد إلى الاعتراف بالمبادرة المغربية لحل النزاع الصحراوي، ستجعل من إسبانيا نافذة أوروبية لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع المغرب، خصوصاً في خضم التحديات التجارية والغذائية وتحديات الطاقة الناجمة عن الحرب في أوكرانيا. ويتأكد ذلك عبر إدراك مدريد بأهمية المغرب في الجنوب الغربي للمتوسط، وليس عبر ذلك فقط، بل أيضاً من منظور أن إسبانيا، منذ عام 2012، تُعد الشريكة التجارية الأولى للمغرب، وبمبادلات تجارية وصلت، خلال عام 2021، إلى 17 مليار يورو؛ وذلك بحسب سفيرة المغرب بإسبانيا كريمة بنيعيش، في كلمتها بمناسبة حفل تقديم المجلس الاقتصادي المغربي الإسباني الجديد بمدريد، في 3 نوفمبر 2022، التي أكدت أن المغرب يحتل المركز الثالث في وجهات الصادرات الإسبانية خارج الاتحاد الأوروبي، بصفتها أكبر سوق لها في أفريقيا.
4– التمويل الأوروبي لأنبوب الغاز المغربي النيجيري: حيث يمكن للرئاسة الإسبانية الدورية للاتحاد الأوروبي إلى دفع الاتحاد نحو الانخراط في تمويل وإنجاز أنبوب الغاز الرابط بين المغرب ونيجيريا باتجاه أوروبا. ومن الواضح أن المغرب سيحاول اقتناص فرصة الرئاسة الإسبانية في هذا الاتجاه، خاصةً بعد رفض الجزائر طلباً أمريكياً لزيادة إنتاج الغاز لتلبية الاحتياجات الأوروبية، في ظل البحث عن بدائل للغاز الروسي.
ومن ثم، يبدو الطموح المغربي في استغلال الرئاسة الإسبانية، كـ”توقيت مناسب” للتقدم خطوات في إنجاز أنبوب الغاز “الرباط–أبوجا”؛ حيث إن هذا الأنبوب، من المنظور السياسي، والجيوسياسي أيضاً، محاولة “مغاربية” في التحرك صوب العمق الأفريقي؛ فهو سيفتح الباب أمام المغرب للدخول بقوة إلى منطقة غرب أفريقيا، من بوابة الغاز النيجيري؛ حيث يسعى المغرب ليكون ضمن مجموعة دول غرب أفريقيا الاقتصادية.
5– تعزيز الدعم الأوروبي للسياسات المغربية: جاءت زيارة رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز إلى الرباط، في 7 أبريل 2022 لتعبر عن التغير في الموقف الإسباني من الصراع في الصحراء، خاصة أن الزيارة جاءت بعد إعلان إسبانيا تأييد خطة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب لحل النزاع حول الصحراء الغربية، باعتبارها “الأساس الأكثر واقعيةً وجديةً من أجل تسوية الخلاف” حول المستعمرة الإسبانية سابقاً، متخليةً بذلك عن حيادها التقليدي إزاء هذا النزاع. ومن ثم، أصبحت إسبانيا في “فوهة” الصدام المغربي الجزائري، حول كيفية حل النزاع في الصحراء.
وبالرغم من أن الجزائر تُلبي أكثر من “ثلث” احتياجات إسبانيا من الغاز؛ ما يجعلها مالكة لورقة ضغط قوية على مدريد التي كانت تطمح – حتى وقت قريب – إلى زيادة تدفق الغاز الجزائري نحوها، بقصد الشروع في السياسة الأوروبية التي تتوجه نحو التخلي التدريجي عن الغاز الروسي.. رغم ذلك، فإن رئاسة إسبانيا للاتحاد الأوروبي، في ظل موقفها من قضية الصحراء، وانحيازها إلى الجانب المغربي، ستُعزز الموقف الأوروبي الداعم لمبادرة “الحكم الذاتي” في الصحراء؛ ما يعني اكتساب المغرب مزيداً من نقاط الدعم الأوروبية لموقفه من النزاع الصحراوي في مواجهة الجزائر الداعم الرئيس لجبهة البوليساريو.
ختاماً، في هذا السياق، يمكن القول بأن العلاقات المغربية الإسبانية تدخل – في هذه الآونة – مرحلة جديدة من التعاون في المنطقة المتوسطية الغربية، ومنطقة المحيط الأطسي، باعتبارها منطقة جاذبة لتفاعل دولي مهم، يضم إسبانيا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية والمغرب؛ ما يعني أن ثمة تقاطعات مشتركة بين البلدين؛ إذ إنه مثلما يُمثل المغرب المفتاح الأهم لدى إسبانيا للدخول إلى أفريقيا، فإن إسبانيا تعتبر هي الطريق الرئيس للمغرب في الدخول إلى القارة الأوروبية؛ لذلك يكون من المتوقع أن يكون بين الرباط ومدريد تعاون إقليمي ثنائي “نموذجي”؛ فالمنطقة الأطلسية تمتلك مؤشرات – تتمثل في كونها مجالاً حيوياً، وكون أنبوب الغاز المغربي النيجيري بعداً استراتيجياً، فضلاً عن تنمية العلاقات الاقتصادية مع أوروبا – على نجاح هذا التعاون الإقليمي بين المغرب وإسبانيا الذي سوف يتعزز مع رئاسة مدريد للاتحاد الأوروبي.