• اخر تحديث : 2024-04-30 13:50
news-details
قراءات

لماذا اقتحم مؤيدو "بولسونارو" مؤسسات الدولة البرازيلية؟


في حادثة غير مسبوقة في تاريخ البرازيل الحديث، اقتحم الآلاف من أنصار الرئيس اليميني المتطرف السابق جايير بولسونارو، الكونجرس ومباني حكومية أخرى في العاصمة البرازيلية برازيليا، في 8 يناير الجاري. وفي حديثه قبل وصوله إلى برازيليا، قال الرئيس البرازيلي اليساري “لولا دا سيلفا”، الذي سبق أن قاد البلاد بين عامي 2003 و2010، إنه “ليس في تاريخ بلدنا” سابقة لتلك المشاهد في العاصمة، ووصف العنف بأنه “أعمال المخربين والفاشيين”، كما يُنظر إلى أعمال الشغب والفوضى من قبل بعض المسؤولين البرازيليين على أنها بمنزلة “انقلاب”، كما وصفها وزير العدل فلافيو دينو.

بالنسبة إلى العديد من المراقبين، لم تكن الاضطرابات التي شهدتها البرازيل مفاجئة؛ فالروايات التي انتشرت على شبكات التواصل الاجتماعي وتراكمت على مدى الأشهر الماضية، والتي تشير إلى تزوير الانتخابات الرئاسية التي جرت في أكتوبر الماضي، وفاز فيها دا سيلفا على منافسه بولسونارو؛ قامت بعض الشخصيات السياسية المؤثرة بتأجيجها، وألهمت الناخبين المتطرفين للقيام بارتكاب أعمال عنف وشغب تهدد استقرار البرازيل ومؤسساتها الديمقراطية.

أسباب رئيسية

هناك عدة عوامل تُفسر قيام مؤيدي بولسونارو بأعمال الشغب وإثارة الفوضى في البرازيل، منها:

1رفض الاعتراف بشرعية دا سيلفا: لم يمر أسبوع على أداء لولا دا سيلفا اليمين رئيساً جديداً للبرازيل – وهي المرة الثالثة التي يتولى فيها أعلى منصب في البلاد – حتى قام أنصار بولسونارو بارتكاب أعمال شغب في العاصمة البرازيلية. يعكس هذا الأمر رفض مؤيدي الرئيس البرازيلي السابق الإقرار بهزيمته رفضاً عميقاً، خاصة أنه هُزم بفارق ضئيل للغاية عن دا سيلفا، الذي ينظرون إليه باعتباره سياسياً يسارياً فاسداً ينبغي أن يعود إلى السجن الذي احتُجز فيه لإدانته بالفساد قبل أن تُلغى هذه الإدانات لاحقاً في عام2021.

كان بولسونارو في نظر أنصاره بمنزلة “المنقذ” الذي يدافع عن القيم التي يعتزون بها، وهي: “الله، الوطن، الأسرة”، وكانت لديهم آمال كبيرة في هزيمة دا سيلفا في الانتخابات الرئاسية، وعندما لم يحدث ذلك لجؤوا إلى الاحتجاجات والحملات العدوانية. ومع وجود الرئيس البرازيلي السابق في فلوريدا بالولايات المتحدة، أصبح مؤيدوه “أكثر راديكاليةً”؛ لأنهم لا يثقون بوسائل الإعلام الرسمية.

2خطاب بولسونارو الاستقطابي: من الأسباب الرئيسية للفوضى في البرازيل في الواقع، خطاب بولسونارو المثير للانقسام والمعادي للمؤسسات الديمقراطية، في ظل تشكيكه المتكرر، دون أدلة، في نزاهة النظام الانتخابي البرازيلي، ودفاعه عن إغلاق الكونجرس ومهاجمته المحكمة العليا، وهما اثنتان من المؤسسات التي استهدفها المتظاهرون. ورفض بولسونارو الإقرار صراحةً بهزيمته في الانتخابات وتهنئة خلفه، كما لم يشارك في مراسم تنصيب دا سيلفا في الأول من يناير الجاري، وتخلى عن واجبه الرسمي المتمثل في تمرير الوشاح الرئاسي إلى خلَفه؛ لذلك لم يكن مفاجئاً اتهام دا سيلفا لبولسونارو بتشجيع المشاغبين عبر وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة به؛ حيث قال: “الجميع يعلم أن هناك خطابات مختلفة للرئيس السابق تشجع على ذلك”. من جانبه، أدان بولسونارو أعمال الشغب، رافضاً اتهامات الرئيس البرازيلي بأنه كان له دور في إثارة الاضطرابات، وكتب على تويتر: "نهب وغزو المباني العامة، كما حدث اليوم، كان خارج القانون".

3الدور السلبي لبعض حلفاء الرئيس السابق: على مدار الأسابيع الماضية، كان المتظاهرون يحتلون الشوارع ويغلقون بعض الطرق السريعة، وربما جاء ذلك بدعم وتمويل من بعض حلفاء بولسونارو، مثل كبار ملاك الأراضي ومجموعات الأعمال الذين ساعدوا في دفع تكاليف نقل الآلاف من أنصار بولسونارو إلى العاصمة برازيليا. هناك دور أيضاً للجيش؛ حيث دعمت بعض الشخصيات العسكرية البارزة أجندة بولسونارو اليمينية المتطرفة لفترة طويلة، وحتى في الآونة الأخيرة أبدت دعماً صريحاً للعديد من التظاهرات المؤيدة للرئيس السابق. وساهم استمرار دعم الجيش أجندة بولسونارو في توفير الشرعية لتبني مثل هذه الآراء بين أفراد الشرطة العسكرية التي كانت مكلفة بمراقبة التظاهرات في برازيليا.

دلالات مهمة

لأعمال الشغب التي تشهدها البرازيل، دلالات مهمة يمكن تناولها على النحو التالي:

1استلهام نموذج مؤيدي ترامب في الولايات المتحدة: ما وقع في البرازيل في 8 يناير 2023، كان بمنزلة تكرار لمشهد اقتحام أنصار الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب” مبنى الكابيتول في واشنطن العاصمة بالولايات المتحدة في 6 يناير 2021، في محاولة لمنع التصديق على انتخابات 2020 وفوز الرئيس جو بايدن.

في الواقع، كانت هناك مخاوف حقيقية من تكرار تجربة اقتحام مبنى الكابيتول في الولايات المتحدة داخل البرازيل، سواء بسبب انتقادات الرئيس البرازيلي السابق الملقب بـ”ترامب الاستوائي” للنظام الانتخابي، أو نتيجة الاحتجاجات العنيفة من قبل أنصاره الذين كانوا يخيمون خارج قواعد معسكرات الجيش، ودعوا القوات المسلحة إلى السيطرة على البلاد ووقف تنصيب دا سيلفا. في الوقت نفسه، شجع حلفاء “دونالد ترامب”، مثل “ستيف بانون” كبير الاستراتيجيين السابقين في البيت الأبيض، أعمال الشغب بالبرازيل، وروج لشائعات لا أساس لها من الصحة حول تزوير الانتخابات على البودكاست الخاص به وعلى وسائل التواصل الاجتماعي لأسابيع قبل الانتخابات البرازيلية، وواصل بانون حديثه حتى مع ظهور لقطات للدمار الواسع النطاق في البرازيل، وكتب مراراً على موقع التواصل الاجتماعي جيتر: "لولا سرق الانتخابات.. البرازيليون يعرفون ذلك".

2قوة نفوذ الجماعات المتطرفة: تُظهر الهجمات التي تعرضت لها بعض مؤسسات الدولة البرازيلية أن الجماعات المتطرفة مرتبطة جيداً بعضها ببعض، ولديها قدرات وإمكانيات قوية، مكنتها من القيام بهذه الخطوة، ربما بدعم خفي من بعض عناصر الشرطة. وتظهر الصور والفيديوهات المتداولة أنه بينما كان المتطرفون يقتحمون الكونجرس ويدمرون بعض محتوياته، كانت الشرطة تنتظر بالخارج دون اتخاذ أي إجراء لمواجهة مثيري الشغب.

وتُشير بعض المؤشرات الأولية إلى احتمال تورط قوات الأمن وبعض حلفاء بولسونارو في أعمال الشغب، وهو ما دفع الرئيس البرازيلي إلى إقالة وزير الأمن العام، وكذلك حاكم برازيليا (حليف بولسونارو) لمدة 90 يوماً؛ بسبب صمته بشأن أعمال الشعب وتباطُئه في التحرك للسيطرة على الوضع وردع المتظاهرين. واتهم دا سيلفا قوات الأمن بـ”عدم الكفاءة أو سوء النية أو الحقد”؛ لفشلها في إيقاف المتظاهرين، وقال إن “انعدام الأمن” سمح لمؤيدي بولسونارو “الفاشيين” بخرق الحواجز التي أقامتها القوات المسلحة خارج مبنى الكونجرس، والمحكمة العليا، وقصر بلانالتو الرئاسي.

3تفاقم حالة الانقسام السياسي: تشهد البرازيل حالة من الاستقطاب السياسي والأيديولوجي العميق، وكانت أعمال الشغب الأخيرة مجرد مظهر من مظاهرها المتعددة؛ إذ إنها علامة مثيرة على مدى استعداد بعض البرازيليين لمهاجمة المؤسسات الديمقراطية التي يقولون إنها لم تعد تمثلهم.

واتضح هذا الانقسام العميق بين الناخبين البرازيليين بجلاء خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة، بين من انتخب “دا سيلفا” (%50.9) ومن صوت لصالح منافسه “بولسونارو” (49.1%). الأخطر من هذا أن حالة الانقسام بدأت تُترجم في صورة أعمال عنف، من شأنها تهديد الاستقرار السياسي في أكبر دول أمريكا اللاتينية. وسبق أن اعتقلت الشرطة العسكرية البرازيلية رجلاً يحمل سكيناً ومفرقعات بالقرب من الكونجرس قبيل تنصيب دا سيلفا بقليل. وفي الأسبوع الماضي، ألقت السلطات القبض على أحد مؤيدي بولسونارو زُعم أنه وضع متفجرات في شاحنة وقود بالقرب من مطار في العاصمة عشية عيد الميلاد. وقال الرجل إنه يأمل “بث الفوضى” قبل تنصيب دا سيلفا.

تداعيات محتملة

تنطوي أعمال الشغب التي تشهدها البرازيل على عدد من التداعيات المحتملة المتمثلة فيما يلي:

1اختبار قوة المؤسسات البرازيلية: ستكون القدرة على معالجة التداعيات المتوقعة لأعمال الشغب اختباراً حقيقياً لقوة مؤسسات الدولة البرازيلية، في ظل الدور المحوري الذي تقوم به المحكمة الفيدرالية العليا بقيادة “ألكسندر دي مورايس”، الذي كان موقفه حاسماً في رفض أعمال الشغب، ومطالبته القوات المسلحة بتفكيك جميع معسكرات أنصار بولسونارو في جميع أنحاء البلاد في غضون 24 ساعة، كما طالب الشرطة باعتقال وسجن أي محتجين لا يزالون متبقين في المعسكرات، وهدد بمحاسبة قادة القوات المسلحة والشرطة ووزير الدفاع أمام المحكمة إذا لم يتم تفكيك هذه المعسكرات. مع ذلك تظل المخاوف قائمة بشأن احتمال حدوث انقلاب عسكري في البرازيل التي لديها تاريخ طويل في عدم قبول القوات المسلحة بالحكم المدني.

2الإضرار باقتصاد البرازيل ومكانتها الدولية: من المُرجح أن تضر الاضطرابات التي تشهدها البرازيل بالأوضاع الاقتصادية المتأزمة بالفعل؛ إذ يزيد التخريب المتعمد في برازيليا من احتمالات هروب الاستثمارات الأجنبية، وهو ما اتضح في تراجع الأسهم البرازيلية عقب أعمال الشغب، فضلاً عن تأثيره المحتمل على قدرة دا سيلفا على المضي قدماً في أجندته الحكومية. وتُعطي الاضطرابات صورة سيئة للغاية عن وضع البلاد في الخارج، وربما تحد من إمكانية استعادة البرازيل مكانتها الدولية والإقليمية التي تراجعت خلال السنوات الأربع الماضية؛ إذ سيحتاج دا سيلفا إلى ترتيب الأوضاع الداخلية المتدهورة أولاً.

3مستقبل غامض لبولسونارو: يمكن أن يؤدي استمرار أعمال الشغب وتداعياتها، إلى الإضرار بمكانة بولسونارو، في ظل مطالبة أصوات ديمقراطية بالكونجرس الأمريكي، إدارة جو بايدن بإبعاده عن الأراضي الأمريكية، وترحيله إلى البرازيل؛ بسبب “إلهامه الإرهاب المحلي”، ومواجهة تحقيقات بـ”الفساد”، إلا إنه سيظل حاضراً بقوة في المشهد السياسي. وسيتوقف هذا الأمر على مدى استمرار ولاء حزبه “الليبرالي المحافظ”، الذي حصل على أكبر عدد من المقاعد في مجلسي الشيوخ والنواب في الانتخابات الأخيرة. وقد أدان فالديمار كوستا نيتو رئيس الحزب الليبرالي اليميني “نهب الكونجرس الوطني”، وقال: “لم تكن الفوضى أبداً جزءاً من مبادئ أمتنا”. "أريد أن أقول لكم إننا نُدين بشدة هذا النوع من المواقف. وإن القانون يجب أن يتم الوفاء به، وتعزيز ديمقراطيتنا".

ختاماً، يمكن القول إن الثامن من يناير 2023، سيظل علامة فارقة في تاريخ البرازيل؛ لكونه يمثل تهديداً جدياً لاستقرار البلاد ونظامها الديمقراطي، في ظل تراجع الثقة بالمؤسسات الديمقراطية مع هجوم الرئيس السابق نفسه ومن خلال فضائح الفساد. ورغم نجاح قوات الأمن في إعادة السيطرة على العاصمة واعتقال ما لا يقل عن 400 شخص من أنصار الرئيس السابق، من المرجح أن تتفاقم حالة الانقسام التي تعاني منها البرازيل، في ظل تبادل الاتهامات بين دا سيلفا وبولسونارو حول المسؤول عن هذه الأحداث، وإصرار بعض المتظاهرين على البقاء في مواقعهم؛ ما قد يؤدي إلى مواجهات محتملة مع قوات الأمن. وسيكون على المسؤولين البرازيليين مواجهة الجماعات القوية داخل الجيش وقوات الشرطة التي تدعم بولسونارو، وحشد دعم القوى الديمقراطية للدفاع عن مؤسسات البلاد الوطنية.