• اخر تحديث : 2024-04-18 04:21
news-details
تقدير موقف

الآفاق المحتملة للتطورات التكنولوجية خلال عام 2023


سيشهد عام 2023 تعاظم دور عدد من التقنيات التكنولوجية المتطورة ذات التأثيرات الكبرى في السياسة الدولية، وفي مقدمتها تقنيات الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الفضاء، وتقنية “الميتافيرس”، من بين تقنيات أخرى؛ وذلك جنباً إلى جنب مع استمرار التطور المضطرد في بعض التطورات التكنولوجية التي برزت في السنوات القليلة الماضية، لا سيما على صعيد السيارات الكهربائية، وشبكات الاتصال، وغير ذلك. ومن شأن تلك التطورات مجتمعةً أن تسفر عن احتدام الصراع التكنولوجي المحتدم بالفعل بين الشركات التكنولوجية بعضها وبعض من ناحية، وكذلك الصراع بينها وبين الدول، لا سيما في ظل تعاظم قوة تلك الشركات من ناحية ثانية.

التطورات الرائدة

يمكن الوقوف على أبرز ملامح التطورات التكنولوجية المتوقعة في عام 2023؛ وذلك على النحو التالي:

1استمرار نمو شبكات الجيل الخامس: ترتبط تكنولوجيا الاتصال مصيرياً بشبكات إنترنت الجيل الخامس الفائقة السرعة، لا سيما أن سرعتها تفوق شبكات الجيل الرابع بنحو 100 مرة؛ لذا من المتوقع أن تبلغ تأثيراتها الواسعة عدداً من الصناعات الرائدة لا الهواتف الذكية فحسب. ومن المتوقع في هذا الإطار أن يتخطى عدد مشتركي تلك الشبكات عالمياً ملياراً ونصف المليار مشترك في عام 2023 و5 مليارات مشترك في عام 2028، بما يعادل نحو 55% من إجمالي عدد مشتركي شبكات الاتصالات عالمياً، كما يمكن الدفع باستمرار الصراع المحتدم بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين حول تلك الشبكة من ناحية، وتعاظم دور شركة هواوي الصينية في عدد من الأسواق البديلة رغم المخاوف الأمريكية بشأن مخاطرها الأمنية المحتملة من ناحية ثانية، وتزايد انتشار تلك التقنية في آسيا وأمريكا الشمالية بصفة خاصة من ناحية ثالثة.

2الاستخدام الفعلي لشرائح وحدات هوية المشترك الإلكترونية :(eSIM) بالتوازي مع التطورات المحتملة على صعيد شبكات الاتصال، من المتوقع أن يشهد العام الجاري طفرة على صعيد تكنولوجيا الاتصال، وفي مقدمتها الهواتف الذكية، وخصوصاً مع إطلاق شركة “أبل” الأمريكية مجموعة (iPhone 14) بصفتها هواتف مخصصة على نحو يجبر الملايين على البدء في استخدام شرائح وحدات هوية المشترك الإلكترونية، ويدفع شركات الهواتف المحمولة الأخرى إلى استخدامها، وبخاصة في ظل قابلية المعلومات المخزنة عليها للتعديل؛ ما يعني أن المستخدم يستطيع اختيار الرقم وتغييره بل تغيير شركة الاتصالات التي يود الاشتراك فيها من خلال الإعدادات أو الاتصال بمزود الخدمة، وكذلك إضافة أكثر من رقم عليها دون الحاجة إلى استبدال شريحة الاتصال. ولا شك أن تلك التقنية من شأنها أن تُحدث طفرة على صعيد الأجهزة الذكية بشرط تعدُّد الشركات التي تدعم شريحة الاتصال الإلكترونية؛ كي يمكن دمجها في الهواتف الذكية، ثم تجاوز ذلك وصولاً إلى مختلف أجهزة إنترنت الأشياء.

3تنامي الطلب على إنترنت الفضاء: في أعقاب الحرب الروسية–الأوكرانية، وانقطاع الإنترنت جزئياً وحجب مواقع التواصل الاجتماعي في الداخل الإيراني، حظي إنترنت الفضاء بدفعة كبرى، وبخاصة جهود شركة “سبيس إكس” التي تهدف إلى إطلاق عشرات الآلاف من الأقمار الصناعية إلى مدار أرضي منخفض لتوفير تغطية إنترنت عريضة النطاق، وهو الزخم الذي من المتوقع أن يزداد في العام الجاري، في ظل تعدد محطات المستخدمين، وإطلاق مزيد من أقمار “ستارلينك” الصناعية، وتنامي الطلب على ذلك النوع من الإنترنت.

إذ يمثل “ستارلينك” مبادرة طموحة لإنترنت الفضاء العالي السرعة، الذي يربط المناطق النائية بالأقمار الصناعية، ويمكن من خلاله نقل كميات كبيرة من المعلومات بسرعة إلى أي نقطة على الأرض دون الحاجة إلى كابلات الألياف الضوئية، ويزيد الطلب عليها في حالات الحروب والأزمات الدولية.

4تزايد الاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي: تتوقع شركة Addo (الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي والبيانات) تنامي الاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي، لا سيما في مجال المحتوى المرئي، بجانب الروبوتات الشبيهة بالبشر في العام الجاري، دون أن يعني ذلك إحلال الذكاء الاصطناعي محل البشر. وفي هذا الإطار، دفع “برنارد مار” في كتابيه المعنونَين “مهارات المستقبل” و”اتجاهات الأعمال في الممارسة”؛ أن يؤدي الذكاء الاصطناعي في العام الجاري إلى تمكين القوى العاملة من إداء وظائفها على نحو أفضل.

5تزايد الاستثمارات في الميتافيرس: مع تنامي الاعتقاد بأن تلك التقنية قد تصبح هي مستقبل الإنترنت، ستتخطى الاستثمارات الدولية في تلك التقنية في العام الجاري 150 مليار دولار، ليصل حجم التجارة الإلكترونية في الميتافيرس إلى 2.6 تريليون دولار بحلول عام 2030. ويتراوح سوق الميتافيرس، على اختلاف الصناعات المرتبطة به، ما بين 8 تريليونات و13 تريليون دولار بحلول العام ذاته. ومن المتوقع في العام الجاري أن يزداد الشعور بقرب إتاحة تلك التقنية على أرض الواقع بالتوازي مع التقدم الذي تشهده ألعاب الفيديو باستخدام الواقع الافتراضي، واقترابها الاتصالي من الشكل الذي يتطلبه الميتافيرس.

6سباقات لتطوير الحوسبة الكمومية: في الوقت الحالي، هناك سباق عالمي لتطوير الحوسبة الكمومية، التي تستخدم الجسيمات دون الذرية لإنشاء طرق جديدة لمعالجة المعلومات وتخزينها، على نطاق واسع؛ إذ تُعد الحوسبة الكمومية قفزة تكنولوجية تفوق في سرعتها المعالجات التقليدية بتريليون مرة؛ ما قد يعني انعدام جدوى ممارسات التشفير الحالية؛ ولذلك تتزايد أهمية مراقبة الاستثمارات الدولية في هذا المجال؛ حيث تضخ دول مثل الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة والصين وروسيا مليارات الدولارات لتطويره، ولا سيما مع تعدد مجالات استخدامه المحتملة لتشمل العلوم الزراعية، من خلال إيجاد محفز جديد للأسمدة على سبيل المثال، وعلوم التغذية من خلال تحسين الإنتاج العالمي للأغذية، ودراسات الطاقة من خلال تطوير الموصلات الفائقة ذات درجة الحرارة العالية، وصناعة السيارات لمحاكاة التفاعلات الكيميائية المعقدة داخل بطاريات السيارات الكهربائية باستخدام كمبيوتر كمومي، وصناعة الأدوية لتصميم الأدوية واختبار السمية اعتماداً على التجربة والخطأ، وغير ذلك.

7انتشار وتنوع تطبيقات التوأمة الرقمية :(Digital Twin)  من المتوقع في عام 2023 أن تتجاوز تقنية “التوأمة الرقمية” تطبيقاتها الأصلية ذات الصلة بالمنتجات الصناعية، لا سيما صناعة السيارات والفضاء والدفاع، لتتعدد استخداماتها في مجال الهندسة المعمارية والبناء والجغرافيا وكذلك الطب؛ إذ من المتوقع في العام الجاري أن توفر التوأمة الجغرافية الرقمية (Geo–Digital Twins) الفرصة لمحاكاة وتحليل سلوك المدن والمباني وشبكات البنية التحتية، وكيفية تحرك الأشخاص والمركبات، واستهلاك الطاقة، وغير ذلك على نحو يُتيح المجال لمزيد من الابتكارات المتقدمة التي تُزيد كفاءة العملية الإنتاجية من خلال تفاعلات افتراضية سلسة.

 

ويمكن من خلال تلك التقنية إنشاء نسخة افتراضية طبق الأصل من منتجات الشركات لتحليلها وتحسينها، وكذلك تحليل الأثر البيئي للمدن، بما في ذلك استخدام الطاقة واستهلاك المياه وإدارة النفايات لتقليل البصمة الكربونية للمدينة، ودعم أهداف الاستدامة؛ هذا بجانب الصيانة التنبؤية ومحاكاة سلوك جميع الأجزاء الميكانيكية والمولدات والتوربينات، وعلاجات المرضى المصابين بأمراض خطيرة.

8منافسة في صناعة السيارات الكهربائية: هيمنت شركة “تسلا” على مبيعاتالسيارات الكهربائية في العام المنصرم، ومن المتوقع أن يشهد العام الجاري تحولات جذرية في تلك الصناعة، لا سيما مع احتدام المنافسة عليها من قبل شركات أخرى، في مقدمتها “كيا” و”جنرال موتورز” وغيرهما؛ إذ تعكف شركة “تسلا” على تصميم موصل الشحن الخاص بها للسيارات الكهربائية الأخرى، وهو ما سيمكن سائقي الأنواع الأخرى من السيارات من تجديد بطارياتهم في محطات الشحن التابعة للشركة.

وعلاوة على ذلك، حظرت كل من كاليفورنيا ونيويورك مبيعات السيارات التي تعمل بالغاز بحلول عام 2035، وهو ما يعني في مجمله أن صناعة السيارات الكهربائية ستتجاوز العلامة التجارية الواحدة في عام 2023، في تحولات غير مسبوقة في أسواق صناعة تلك السيارات.

دلالات بارزة

يمكن الوقوف على أبرز دلالات التطورات التكنولوجية المحتملة في العام الجاري من خلال النقاط التالية:

1احتدام الصراع على شبكات الجيل السادس: من المتوقع أن تصبح التقنيات الرئيسية لشبكات الاتصالات المتنقلة متاحة في وقت مبكر من عام 2023 مع ظهور شبكات الجيل السادس في عام 2030؛ فعلى الرغم من اعتماد تكنولوجيا الجيلين الثالث والرابع في مختلف دول العالم، واحتدام الصراع العالمي على شبكات الجيل الخامس؛ بدأ السباق العالمي على شبكات الجيل السادس مبكراً، لا سيما مع سرعته الفائقة وإمكانياته الهائلة؛ فقد أطلقت الصين قمراً صناعياً لاختبار موجات إرسال محتملة لشبكات الجيل السادس ذات سرعات فائقة، بالتعاون مع شركتي “زد تي إي” و”تشاينا يونيكوم”، كما تملك “هواوي” مركزاً متخصصاً في أبحاث تلك الشبكات.

فيما أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية بالفعل ما يُعرف باسم “التحالف من أجل حلول صناعة الاتصالات”، وهو التحالف الذي يشمل عمالقة التكنولوجيا، مثل “أبل” و”جوجل” و”سامسونج”، دون “هواوي”، وهو ما يثير إشكاليات حقيقية حول كيفية استخدام بيانات مستخدمي تلك الشبكات من قبل الحكومات والأجهزة الأمنية والشركات التكنولوجية على حد سواء؛ إذ إن من المتوقع أن يُصبح المستخدمون في حالة من حالات الانكشاف المعلوماتي الذي قد يُقوض خصوصياتهم.

2توسع متزايد لأدوار عمالقة التكنولوجيا: تعكس التطورات التكنولوجية المحتملة في العام الجاري تنامي حجم وقوة وتأثير عمالقة التكنولوجيا، وخاصةً في ظل حجمها الاقتصادي المتنامي، وضخامة ميزانياتها، واستحواذها على عدد كبير من الشركات الناشئة والمتوسطة، واستخدامها كميات هائلة من بيانات المستخدمين، وعظم سيطرتها على الأسواق الجديدة. وكلما تنامت قوة الشركات، تناقصت – بالضرورة – قوة الدول، وتقلصت بالتبعية سيادتها السيبرانية، وتراجعت قدرتها على السيطرة على تلك الشركات التي توجه بابتكاراتها التكنولوجية بوصلة الثورة الصناعية الرابعة التي ستسهم مخرجاتها – بالضرورة – في موازين القوى الدولية.

3ركود اقتصادي–تكنولوجي محتمل: منذ بداية العام الجاري، ومع احتدام المنافسة التكنولوجية، تلوح في الأفق تأثيرات الحرب الروسية–الأوكرانية التي فاقمت تداعيات جائحة كوفيد–19 التي انعكست سلباً على سلاسل الإمداد العالمية؛ فعلى الرغم من رواج بعض التقنيات التكنولوجية في العام الجاري، فإن من المتوقع أن يشهد القطاع التكنولوجي معدلات تضخم قياسية، وانخفاضاً في أسعار الأسهم، وتسريحاً جماعياً للعمال في الأشهر الأولى من عام 2023، لتتجه كبرى الشركات التكنولوجية نحو البحث عن طرق لخفض تكاليف إنتاجها وأتمتة عملياتها، بيد أن ذلك لن يؤثر في ميزانيات تلك الشركات أو مراكزها الدولية؛ فوفقاً لتقرير Bain & Company، تتوقع 77% من الشركات زيادة ميزانياتها التكنولوجية أو الحفاظ عليها في عام 2023، وهو ما يعني انخفاض الإيرادات والأرباح وتقويض دورة الأعمال بسبب ارتفاع الأسعار وانخفاض القدرة الشرائية للمستهلكين. وفي المقابل، فإن من المتوقع أن تسهم التطورات التكنولوجية في مجملها في مساعدة الاقتصاد العالمي على التعافي.

4هيمنة أمريكية أوروبية على سوق التكنولوجيا العالمية: تعكس التطورات التكنولوجية المتوقعة في العام الجاري هيمنة العلامات التجارية الأمريكية والأوروبية على الأسواق التكنولوجية، بيد أنه في اتجاه مضاد لذلك، تسعى الصين إلى اقتحام سوق السيارات الكهربائية لتطرح أول نموذج كهربائي منها في عام 2023. ولا شك في أن الصين ستمتلك الريادة في مجالات الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية والطيران الفائق السرعة، في الوقت الذي تتجه فيه إلى إزالة جميع أجهزة الحاسوب وبرامج التشغيل الأجنبية خلال عامين، لتستبدل بها تكنولوجيا صينية تعمل على أنظمة تشغيل وبرامج محلية؛ ما يعني خسائر ضخمة للشركات الأمريكية العاملة في السوق الصينية.

5صراع محتدم أمريكي–صيني: يتجلى في عام 2023 صراع دولي محتدم على الحوسبة الكمومية كما يتضح في قاعدة بيانات مؤسسة “جلوبال داتا”؛ فوفقاً لها تتصدر المنظمات والشركات التقنية الأمريكية براءات الاختراع في مجال الحوسبة الكمومية، لتأتي في مقدمتها شركة “آي بي إم” و”ألفابِت” و”نورثروب جرومان”.

وفي المقابل، تسعى الصين إلى تضييق الفجوة بينها وبين الولايات المتحدة من خلال شركاتها الرائدة، وفي مقدمتها “علي بابا” و”هواوي” و”بايدو” من ناحية، والمختبر الوطني لعلوم المعلومات الكمومية ومركز أبحاث العلوم والتكنولوجيا بالشراكة مع الأكاديمية الصينية للعلوم من ناحية ثانية، كما تسعى إلى تكثيف الاستثمارات الصينية في مجال اتصالات الأقمار الصناعية الكمومية بجانب التطبيقات العسكرية الكمومية من ناحية ثالثة.

ختاماً، فإنه في ظل التطور الرقمي والتكنولوجي المضطرد، تحولت الاستثمارات الدولية إلى العملات الرقمية والذكاء الاصطناعي، في الوقت الذي تَعِد فيه تقنية الميتافيرس بثورة في مجالي العالم الافتراضي والواقع المعزز. وبالتوازي مع تلك التطورات، سيحتدم في المقابل الصراع التكنولوجي في عام 2023 على شبكات الجيلين الخامس والسادس وصناعة السيارات من بين أمور عدة، وكذلك الصراع بين الولايات المتحدة والصين وأوروبا على الأسواق التكنولوجية العالمية لتخوض في ذلك صراعاً آخر في مواجهة الشركات التكنولوجية الكبرى التي خلقت مراكز ثقل دولية في مواجهة الدول.