• اخر تحديث : 2024-04-18 04:21
news-details
مقالات مترجمة

فاينانشيال تايمز: الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في مصر


نشرت صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية مقالاً لهيئة تحرير الصحيفة تحت عنوان: "الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في مصر"، تناولت فيه الصحيفة تفاقم الأزمة الاقتصادية في مصر، حيث أكدت في صدر المقال بأن على الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن يقوم بتقليص دور الدولة والشركات المملوكة للجيش في الاقتصاد، حتى يمكن العمل على وقف تدهور الاقتصاد المصري، ومحاولة الخروج من هذه الأزمة الخطيرة. وقد جاء المقال على النحو التالي:

قدم عبد الفتاح السيسي منذ ما يقرب من عقد من الزمان وعوداً لشعبه بإنعاش الاقتصاد وبناء دولة جديدة. لكن مع إحياء النظام في مصر هذا العام للذكرى العاشرة للانقلاب الذي أوصل قائد الجيش السابق إلى السلطة في البلاد، فإنه لن يجد المصريون الكثير مما قد يدعوهم إلى الابتهاج بهذه الذكرى.

وعلى العكس من ذلك، فإن عشرات الملايين من الناس سيكابدون من أجل توفير الطعام على موائدهم، حيث انخفضت قيمة الجنيه المصري إلى أدنى مستوياته القياسية، وارتفع معدل التضخم إلى أكثر من 20% (حسب البيانات الرسمية).

ويعاني القطاع الخاص بشدة على مدى عام تقريباً جرّاء النقص في العملات الأجنبية، وهو ما أدى إلى خنق شركات الأعمال في البلاد. والخلاصة أن مصر دولة تعيش في أزمة.

وقد تضررت مصر بشدة، كما الكثير من دول العالم، من تداعيات جائحة كوفيد-19، وتعاني البلاد أيضاً من الآثار السلبية التي سببتها الحرب الروسية على أوكرانيا. لكن اللائمة يجب أن تنصبّ أيضاً بشكل مباشر على نظام السيسي الاستبدادي، لأنه ترأس دولة تعيش بما يتجاوز إمكانياتها.

وقد وجدت القاهرة نفسها مضطرة للذهاب إلى صندوق النقد الدولي العام الماضي للمرة الرابعة خلال ست سنوات. وحتى قبل أن تتم الموافقة في أكتوبر الماضي على تأمين هذا القرض الذي تبلغ قيمته ثلاثة مليارات دولار، كانت مصر هي ثاني أكبر مدين للصندوق بعد الأرجنتين.

ويكمن جوهر المشاكل التي تعاني منها البلاد في الاعتماد بشكل مفرط على الأموال الساخنة التي تتدفق إلى ديونها المحلية كمصدر للعملة الأجنبية، والتوسع في فرض سطوة الجيش على الاقتصاد المصري.

وقد تم الكشف عن نقاط الضعف التي تعتري الاقتصاد المصري في بداية الأمر مع بداية غزو روسيا أوكرانيا، عندما سحب المستثمرون حوالي 20 مليار دولار من الأموال الساخنة التي كانت تستثمر في الديون المصرية.

ووجدت مصر، التي كانت تدفع أعلى سعر فائدة حقيقي في العالم لجذب تدفقات الحافظة الداخلية، مع دعم الجنيه المصري بشكل مصطنع، نفسها مضطرة إلى اللجوء إلى دول الخليج من أجل إنقاذ الموقف.

ومنذ ذلك الحين، قام البنك المركزي المصري بخفض قيمة الجنيه على مراحل لتحقيق توازن بين العرض والطلب في سوق العملات الأجنبية (الفوركس). واتفقت القاهرة مع صندوق النقد الدولي على الانتقال إلى سعر صرف مرن، مع خفض قيمة الجنيه بنحو الثلث مقابل الدولار منذ أكتوبر الماضي.

ولكن المشكلة الأعمق هنا هي الدور الذي يلعبه الجيش في اقتصاد البلاد، والذي يمتد من محطات البنزين إلى البيوت البلاستيكية (الصوبات الزراعية)، ومصانع المكرونة، ومصانع الأسمنت، والفنادق، ووسائل النقل، وأبعد من ذلك.

كما يُشرف الجيش على المئات من مشاريع تطوير البنية التحتية للدولة، بما في ذلك مشاريع التباهي الفارغة مثل بناء عاصمة إدارية جديدة ومدن في الصحراء.

وقد أدت هذه الظاهرة (هيمنة الجيش على الاقتصاد) إلى مزاحمة القطاع الخاص الذي شعر بالقلق الشديد من مغبة التنافس مع أقوى مؤسسة حكومية؛ وأدت الظاهرة أيضاً إلى إعاقة الاستثمار الأجنبي المباشر الذي من شأنه أن يولّد فرص عمل جديدة وأن يكون مصدراً أكثر استدامة للعملة الصعبة.

ومع ذلك، فمنذ أن توجه نظام السيسي لأول مرة إلى صندوق النقد الدولي من أجل خطة إنقاذ بقيمة 12 مليار دولار في عام 2016، قام الصندوق والدول المانحة الأخرى، لسبب غير مفهوم، بغض الطرف عن هذه القضية في الوقت الذي قامت القاهرة من جانبها بحظر أي نقاش داخلي حولها.

ويبدو أن صندوق النقد الدولي قد بدأ ولو متأخراً في معالجة هذه المشكلة مع القرض الأخير للبلاد. حيث يقول الصندوق إن القاهرة ملتزمة بالحد من “بصمة الدولة” في الاقتصاد، بما في ذلك الشركات المملوكة للجيش، من خلال الانسحاب تماماً من القطاعات “غير الاستراتيجية”، وأيضاً من خلال بيع الأصول المملوكة للدولة، بما فيها شركات الجيش.

كما ستكون الكيانات المملوكة للدولة مُطالبة بتقديم حسابات مالية إلى وزارة المالية بمعدل مرتين في العام، وكذلك تقديم معلومات عن أي أنشطة “شبه مالية” تقوم بها بغرض تحسين الشفافية.

ويبقى الأمر الآن عند صندوق النقد الدولي والدول المانحة لاستخدام نفوذهم لضمان وفاء النظام الذي يترأسه الجيش بالتزاماته بهذا الصدد.

وكانت الحكومة قد واصلت توسيع نطاق الدور الذي يلعبه الجيش في الاقتصاد، بعد إجراء بعض الإصلاحات في عام 2016 لتأمين القرض الذي حصلت عليه من الصندوق والذي بلغت قيمته 12 مليار دولار، بينما فشلت في نفس الوقت في إجراء تغييرات جادة كان الاقتصاد في حاجة إليها.

وغالباً ما يُفترض بأن مصر من الأهمية بمكان بحيث لا يمكن السماح بفشلها، وأن المانحين أو دول الخليج سوف يقومون دوماً بإنقاذ القاهرة.

لكن الواقع هو أن ما يقدر بنحو 60 مليون مصري يعيشون تحت خط الفقر أو فوقه بقليل، بل ويزدادون فقراً باستمرار، مما يعني أن الدولة تقوم بالفعل بخذلان مواطنيها.

وإذا كان حلفاء القاهرة جادين بالفعل في مساعدة البلاد، فعليهم أولاً الضغط على السيسي ودفعه للوفاء بتعهداته (خاصة تلك المتعلقة بتقليص دور الدولة والشركات المملوكة للجيش في الاقتصاد).