• اخر تحديث : 2024-11-23 11:50
news-details
قراءات

المقاومة في الضفة الغربية.. مسار بناء القوات: الواقع والتحديات


أولاً: مقدمة:

حيث إن الحكم على الشيء فرعٌ من تصوره؛ وحيث إن لكل مصطلح دلالاته وما ينبني عليه، وحيث إن أهم العلوم البشرية هي تلك العلوم المرتبطة بمصائر البشر وما يمكن أن تعكسه هذه العلوم من آثار- سلبية أو إيجابية- على حياتهم، وحيث إن الأمن والحماية والسلامة هي من أهم مقتضيات بناء الدول والمجتمعات، فلا قيمة لمجتمع بلا أمن، فهو- الأمن- من أكبر منن الله على خلقه الذين أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف.

وحيث إن من أهم مقتضيات الأمن توفر وتوفير وسائل ووسائط حيازته، جاءت هذه الورقة لتتحدث عن مسار بناء القوات (اقرأ تأمين الأمن) في الضفة الغربية وما يعترض هذا المسار من تحديات، وهنا تجدر الإشارة إلى مجموعة نقاط يجب أن تتم ملاحظتها والعمل بمقتضاها عند التفكير في وضع مسار لبناء قوات- مطلق قوات-، كون عدم ملاحظة هذه الإشارات وما ينبني عليها، تُخرج الأمور عن سياقها، وتهدد بهدر الطاقات بلا طائل، ومن أهم هذه الملاحظات ما يأتي:

تعريف التهديد والمخاطر الناتجة عنه:

إن أهم ما يجب الانتباه له عندما تقرر أي جهة أن تقوم بوضع خطة لمسار بناء قوات، الهدف منه تحقيق المصالح وكبح التهديدات، إن أول الملاحظات هي تعريف هذه الجهة القائمة بهذا العمل للتهديد وما ينجم عنه من مخاطر، حيث إن أهم محدد لبناء القوة هو: تعريف التهديد الذي بنيت من أجله، والمصلحة التي يرجى تحصيلها من مثل هذا العمل.

وتعريف التهديد ينبثق منه تحديد المخاطر الناتجة عنه، فليس كل خطر ناتج عن تهديد يتطلب الشخوص لكبحه، أو النهوض لصده، وما كل مصلحة تحصل بالقوة أو بالتهديد بها -بالقوة-، كما أنه لا توجد أي جهة تملك من الموارد والإمكانات ما يمكّنها من تأمين كل ما يتطلبه كبح التهديدات أو تحصيل المصالح!

فما يُملك من قدرات قد تحد من طاقته قلة الإمكانات، أو الضوابط والسياسات، لذلك قيل إن امتلاك القوة إنما هو مسار يرسم، ومسير يقطع، خطوة بخطوة، ومرحلة إثر مرحلة، وكلها محكومة أولاً وأخيراً بتعريف التهديد ومن ثم المخاطر الناتجة عنه.

ملاحظة النمو والسير سيراً وليس القفز قفزاً:

الملاحظة الثانية في هذا السياق هي أن هذا المسار إنما أشرنا له سابقاً خطوة بخطوة، فيعرّف التهديد أو المصلحة، ومن ثم يُحدد ما هو مقدورٌ عليه في هذا المرحلة من إجراءات أو نشاطات، بناءً على ما نملكه من قدرات وإمكانات لكبح هذا التهديد أو جزء منه، أو تحصيل تلك المصلحة أو بعض منها، فيعمل على تنفيذها- الإجراءات- والقيام بما يحقق الهدف، ويحصل المصلحة.

وهنا لابد من الإشارة إلى أن خطط بناء هذا المسار وإن كانت محكومة بما نملك من قدرات وإمكانات؛ فإنها- الخطط- تراعي تطور التهديد والمخاطر الناتجة عنه، فتوائم نفسها مع هذا التطور، لذلك يجب أن تكون خطط مسار بناء القوات من المرونة بمكان بحيث يستطيع القائمين على تنفيذها من إحداث التغييرات المناسبة فيها عندما يرون أي تطور أو تغيير في طبيعة التهديد وكنهه وما ينجم عنه من مخاطر.

عدم حرق المراحل:

ومن المتطلبات واجبة الرعاية والملاحظة أثناء التخطيط لمسار بناء القوات؛ ملاحظة عدم حرق المراحل، وترك الأمور لأخذ وقتها، وعدم استعجال جني المحاصيل قبل أوان نضجها، فيجب مثلاً أن يأخذ الأفراد قسطهم الوافي من التدريب والتأهيل، ومعرفة الأرض والعدو، ومهمتهم، والبيئة التي يعملون فيها، وأدوات فعلهم ووسائط قتالهم.

كما يجب أن يتعرف بعضهم إلى بعض، وتبنى بينهم أواصر المحبة وعرى الثقة، وكيف يديرون شأنهم الداخلي، وما هي سلسلة القيادة والسيطرة التي يعملون من خلالها، وكيف يتصل بعضهم ببعض، وكيف يتلقون الأوامر والتكاليف ممن هم فوقهم في المسؤولية، وكيف يمررونها إلى من هم دونهم، وأمور أخرى يمكن أن تفصل بشكل أكثر تفصيلاً، كلها الهدف منها إطالة عمر العاملين، والاستثمار الأفضل للقدرات، وهي أمور لا يمكن أن تتم إذا حرقت المراحل حرقاً، أو اعتسفت الإجراءات اعتسافاً.

تحمل المخاطر وقبول التحديات:

ومن أهم ملاحظات أخذ قرار المضي في مسار بناء القوات؛ تقبل الجهة القائمة على هذا العمل للمخاطر، وقبولها للتحديات، فهذا مسارٌ كله عقبات، ومليٍءٌ بالتحديات، إن رأس جبل جليد أي عملية عسكرية ما نراه أو يراه المراقب في ساعة التنفيذ للعمل، وحين تشغل القدرات، عندها تُدَّبج الخطب والمقالات، ويسرد الشعر والشعارات، مدحاً للفاعل- وهذا حقه والواجب علينا تجاهه- وما نتج عن فعله من أهداف وغايات، ولكن يغفل الجميع أن خلف هذا الفعل أفعال، وأن ما شوهد ورصد عن التنفيذ ما هو إلا نهاية خط ومسار بُدء فيه منذ أزمان، لم يره الراءون، ولم يشاهده المشاهدون، مسارٌ فيه كثيرٌ من الجنود المجهولين، تحملوا المخاطر وقبلوا التحدي، وفعلهم هذا- تأمين متطلبات العمل- فيه من المخاطر والأهوال ما لو قورنت بخطر الفعل النهائي- الاشتباك مع العدو- لفاقته خطورة، وحازت أكثر منه أهمية.

ثانياً: توصيف منطقة العمليات:

ومن مقتضيات وضع مسار لبناء القوات؛ تعريف منطقة العمليات وبيئة العمل التي سيتم فيها هذا البناء، ومن ثم التفعيل أو التشغيل لهذه القدرات، وهنا سنعرض لهذا التوصيف بناء على ثلاثة عناوين كلية تأتي على الشكل الآتي:

جغرافياً:

إن خلاصة العلوم العسكرية، والتكتيكات القتالية، والفنون العملياتية تُختصر في قدرة القائد على المواءمة بين المقاتل ووسيلة القتال والجغرافيا المنوي العمل فيها، ولا يمكن أن تتم هذه المواءمة بغياب المعرفة بجغرافيا منطقة العمليات.

هذه المعرفة تضيف قوة إلى قوة المقاتل، وتعدل موازين الأفضلية لصالحه في مواجهة عدوه، وقد قلنا كثيراً وقليلاً عن هذه المعرفة، وما تعكسه هذه المعرفة بالجغرافيا من أثر على المهمة وكيفية تنفيذها، وعلى القدرة وكيفية ترتيب أولوية مراكمتها.

ونختصر القول بأن معرفة الجغرافيا تنجي من الهلاك فيها أو بسبب عدم معرفتها، فقد تقتل الأرض جاهلها، ولكنها تُقتل بعالمها، أما عن جغرافيا عمل المقاومة في الضفة الغربية، فهي جغرافيا مساعدة إلى أبعد الحدود، وتفرض على أي عدو فيها أكبر التحديات، فنظرة بسيطة لخارطة الضفة الغربية أو لأية صورة من صورها الجوية، تفاجئ المرء صاحب الاختصاص بكثير من الميزات والمواصفات التي تزيد من فاعلية القدرة- البشرية والمادية-، وتمكن من تشغيلها والاستفادة منها بأفضل السبل، فالجبال في كل مكان، وما بين الجبل والآخر؛ وادٍ سحيق، وفي طيات تلك الجبال مغاور ومغارات، وفي سهولنا ما يؤمن للمقاتل أسباب الحياة بما تحوزه من ماء ونباتات، وهي جغرافيا تصعب محاصرتها وغلق منافذ الدخول أو الخروج منها، فإن سدت طريقاً؛ وجد المقاتلون طرقاً، وإن قطع شارع؛ ففي زقاق أحيائنا ما يعوض عنه، إنها جغرافيا تضفي على المقاتل عناصر قوة لا يمكن تخيلها إلا من قبل من خبرها وعرف أهميتها، فتدرعوا بالأرض أيها المقاتلون رعاكم الله.

ديموغرافيا:

وكما أن الجغرافيا مهمة؛ فإن الديموغرافيا مهمة أيضاً، فليست الأولى بخالية من الثانية، كما تضفي الثانية الأهمية على الأولى؛ وتحيلها إلى ساحة عمل تضيف قوة إلى قوة المقاتل، فكما أن الجغرافيا هي ماء المقاوم الذي يسبح فيه؛ فإن الديموغرافيا هي تلك الكائنات التي تشاركه هذا المحيط وتلك المياه، وما لم يعرف المقاوم من هم شركاؤه في هذه البيئة وتلك الأجواء؛ فإنه سيؤتى من حيث لا يحتسب، ويُضرب من حيث لا يرتقب، إنها الديموغرافيا التي تشارك الجغرافيا في تأمين متطلبات العيش والحياة لهذا الثائر المقاتل الذي يبحث عن أي سبيل أو سبب لتعظيم قدرته ومراكمة طاقته، لتسديد ضربته.

إنها ديموغرافيا العائلة والعشيرة والحمولة، ديموغرافيا يتصل بعضها ببعض، فليس هناك مقاتل لا يملك صلات قرابة مع أكثر أبناء الحي الذي ينشط فيه، فضلاً عن امتدادات القرابة وصلاتها التي تصله بما هو خارج حيه أو مخيمه أو مدينته من ناس وبشر، إنها ديموغرافيا، إن أحسنّا استخدامها ومراعاة شؤونها، فإنها ستشكل الخزان الرافد والمعين الذي لا ينضب، الذي يمد المقاومة بأهم عناصرها، ألا وهو العنصر البشري الشجاع المضحي.

أمنياً:

أما عن الأمن فحدث ولا حرج، إن مقاومينا يعملون في بيئة من أشد البيئات تعقيداً من حيث البعد الأمني، ففيها من الأجهزة الأمنية ما يعجز عن توصيفه الواصفون، فهي لا تقتصر على أجهزة العدو الأمنية التي تعمل ليل نهار- 7/7، 24/24- وتُضافر جهدها وتحشد طاقاتها وتعبئها في وجه المقاومة، بل لقد امتدت قدرات هذا العدو وتعاظمت من خلال تشغيل جيش من العملاء والمصادر البشرية التي تحصي على الناس أنفاسهم، وتعرف من تغيّب عن بيته ليبيت في بيت صديقه، ومن دخل ومن خرج، ومتى وأين ذهب، يتابع العدو وعملاؤه كل حركة كل سكنة وبطرق بشرية أو إلكترونية، فبعض النشطاء إن غاب عن السمع؛ رن هاتفه ليُسأل عنه، إن لم يكن عبر ضباط العدو وعناصره، فعبر أجهزة سلطة الحكم الذاتي وكوادره!

وهنا الطامة الكبرى، فجزء من احتياجات العدو الأمنية، وطلباته المعلوماتية تؤمن عبر أجهزة السلطة الأمنية، وهنا أين المفر؟ فهم أهلنا وأبناء جلدتنا يصدق فيهم قول المثل (ابن بطني بعرف رطني)، أما عن أجهزة الأمن الأردنية أو المصرية أو الأمريكية؛ فحدث ولا حرج!

هذه بيئة يجب أن تُعرف وتُشخّص تشخيصاً دقيقاً، لا لتكبل المقاومين ورُعاتهم؛ وإنما لمعرفة خريطة هذه الألغام الأمنية، فلا تثور في وجوهنا، معرفة الهدف منها (اختصاء) هذه الألغام، وهنا يطول الكلام.

عسكرياً:

وحتى يكتمل التوصيف؛ لابد من ذكر شيء حول البعد العسكري في هذا التوصيف، فأرض الضفة الغربية مستباحة عسكرياً، ويكفي المراقب أن ينصت إلى نشرات الأخبار الصباحية، ليستمع إلى كم المداهمات التي قام بها العدو في الليلة الفائتة، أو الساعات الماضية، ولكن هذا وجه العملة الأولى، أما وجهها الثاني فهو ما نريد معرفته والإضاءة عليه، إن الضفة الغربية من حيث الموقع والأهمية وطبيعة التضاريس الجغرافية، هي أهم جزء من فلسطين المحتلة، ولولا ذلك ما أقدم العدو على احتلالها في عام 1967، ولأهميتها لأمن هذا الكيان المؤقت؛ قيل إن موشى ديان عندما كان وزيراً للدفاع قبل احتلال تلك الأراضي، كان يصحب زائريه إلى سطح مقر الكنيست ويؤشر لهم إلى مدن وقرى الضفة الغربية التي كانت في حينه تحت السلطة الأردنية، ليدلل لهم كم هو أمن كيانه مهدد ببقاء قوات (معادية) لها في تلك الجغرافيات.

إن الضفة الغربية قريبة من مختلف مراكز ثقل العدو البشرية والاقتصادية والأمنية والسياسية ما يمكنها من أن تشكل تهديداً ذا مصداقية على كل مراكز الثقل تلك وبأقل القدرات وأبسطها، إن مناطقنا في الضفة الغربية تعج بالأهداف العسكرية المعادية- الثابتة والظرفية-، ما يمكّن المقاومين من تسديد الضربات تلو الضربات لهذا العدو، بحيث يسلبونه الأمن، ويستنزفونه بأبسط وسائط القتال، إن هذه المعرفة تفيد جداً ومطلوبة وجوباً لما تسهم فيه من دور في مرحلة تعريف التهديدات، وما تتركه من أثر على خطط مسار بناء القوات وتشغيل القدرات.

ثالثاً: متطلبات البناء:

بعد تلك المقدمة التأصيلية لبناء المسار، وهذا التوصيف الكلي لمنطقة العمليات وبيئة التشغيل، نأتي الآن إلى متطلبات السير في هذا المسار، والتي من أهمها:

تحديد المهمة:

إن أول متطلب من متطلبات مسار بناء القوات هو تحديد مهمتها، وكيف وأين سيتم تشغيلها، إن أكبر خطأ يفضي إلى تدمير القوات وتحطيمها وعدم تمكنها من تحقيق أهدافها، هو عدم تحديد المهمة من بنائها ومراكمة أسبابها، أو تحميلها أكثر مما تحتمل، فما كل مهمة ممكنة التنفيذ في كل وقت ومكان، ولا يعيب القائد أو المقاتل أن يقول أن هذه المهمة خارج قدرتي، وأني لا أستطيع تنفيذها في هذا الزمن!

لذلك يجب أن تحدد قيادة أي جسم عسكري أو أمني مراحل بناء قدرتها، ومهام هذا الجسم في كل مرحلة من هذه المراحل وبشكل دقيق وغير حمالٍ لأوجه، مع ترك هامش مناورة بين يدي مشغلي هذه القدرات، فهل مهمة هذه القدرات: القتال الحاسم مع العدو؟ أم استنزافه؟ أم اشغاله؟ هل هي مهام هجومية أو دفاعية؟ إن كل مهمة من هذه المهام تقتضي مسيراً ومساراً يختلف عن الأخرى، وإن تقاطع بعضها مع بعض في المشتركات.

ترتيب الأولويات:

ومن متطلبات نجاح هذا المسار، وحتى يؤدي دوره المطلوب منه؛ تحديد الأولويات، من حيث البناء والتشغيل، فأي بنود القوة أولى بالرعاية في هذا الظرف الزماني والمكاني؟ هل الأولوية لتجميع القدرات البشرية وفرزها وفحص قدرتها وكفاءتها ومدى شجاعتها وتضحياتها؟ أم أن الفرصة الآن تفرض علينا تجميع القدرات القتالية المادية؟ فالأسواق تعج بها، ويمكن تأمين الكم والنوع المؤثر في صراعنا مع عدونا، وهذه فرصة قد لا تعوض، وعليه فلتكن الأولوية لتجميع المادي من القدرة، ثم نعيد التركيز على البشري منها، هل نحن في مثل هذا الموقف مثلاً؟ إن ترتيب الأولويات يعني معرفة ما يمكن أن تتم مواجهته من تهديدات، واستثمار ما يعرض أمامنا من فرصٍ سانحات.

تخصيص القدرات:

وينبني على ترتيب الأولويات؛ تخصيص القدرات، فلأي شيء ستصرف معظم الموازنات؟ وتحت إمرة من ستوضع أكثر الطاقات- المادية والبشرية-؟ هل نحن في مرحلة تفرض علينا أن ننفق كثيراً من قدراتنا على تمتين بيئتنا الحاضنة لتتحمل ضغط الأعداء، فتكون لنا هذه الحاضنة خير رداء؟ ما هو نوع القدرات المادية التي سننفق على مراكمتها وتجمعيها أكثر من غيرها؟ هل سنقتني كل ما يعرض علينا من أدوات ووسائل قتال، لمجرد أننا نملك ثمنه أو نستطيع إخفاءه؟ ثم ماذا عن متطلبات تأمين هذه القدرات بعد حيازتها؟ كيف ستؤمن وما هي المخصصات المالية والبشرية المطلوب تخصيصها لهذه المهمة؟ إن مسألة تخصيص القدرات يغفل عنها المسؤولون ولا يعيرونها الاهتمام المطلوب كونهم- المسؤولين- قد اشتبهوا عند تعريف التهديد والمخاطر الناتجة عنه، حيث هو الأساس الرئيسي في مسار بناء القوات ومراكمتها، فمن يشتبه في المقدمة، يشتبه في النتيجة.

تأمين سلاسل التوريد البشرية والمادية:

ومن متطلبات بناء مسار القوات في الضفة الغربية أو غيرها من المناطق؛ تأمين سلاسل التوريد البشرية والمادية لهذه القدرات، فمن أين سنأتي بها؟ وكيف سنخزنها أو ندخرها؟ وكيف سنوزعها على مستحقيها؟ إن على متصدي مسار بناء القوات هذا أن يحددوا أماكن هذه المصادر وتلك السلاسل، فهل هي داخلية بالكل؟ أم خارجية بالمجمل؟ أم خليط بين هذا وذاك؟ أيهما أأمن لإغلاق دائرة العمل العسكري- أهداف، وسائل، طرق عمل- أن تكون هذه السلاسل خارجية المصدر، أم داخلية المنبع؟ إنها مجموعة من الأسئلة الأولية التي تشكل أحد نقاط الارتكاز الرئيسية التي يرتكز عليها مسار بناء القوات، التي يجب أن تكون معروفة الإجابة قبل البدء بالمسار، ومعه، وبعده.

رابعاً: التحديات:

أما عن العقبات، فيمكن الإشارة إلى أهمها، وعلى شكل عناوين كلية دون الخوض في التفاصيل الفنية، لذلك نقول إن من أهم التحديات التي تعترض سبل مسار بناء القوات هذا في الضفة الغربية ما يأتي:

تحديات أمنية:

إن أولى التحديات التي تواجه مسار بناء القوات في الضفة الغربية هي التحديات الأمنية، إنها تحديات ذات طابع داخلي وخارجي، فبالإضافة إلى ما تفرضه قوات العدو الأمنية من تحديات على المقاومين؛ هناك التحديات التي تواجهنا من جراء عمل أجهزة أمن سلطة الحكم الذاتي، وتنسيقها مع العدو، وأجهزة بعض الدول العربية والأجنبية التي جئنا على ذكرها سابقاً، إنها تحديات من نوع الشحم المختلط بالعظم؛ فإن جئت لتستأصلها قد تضر حيث أردت النفع، وإن تركتها تنمو على غاربها؛ فأنت معرض لمختلف الجلطات الدموية (اقرأ التحديات الأمنية)، وما ينفع مع مثل هذه التحديات هو تسميتها باسمها ومعرفة التهديدات التي تمثلها، وما ينجم عن هذه التهديدات من مخاطر ليُبنى على الشيء مقتضاه، وهنا دعونا وبكل صراحة نقول أن بناء القوة ومراكمتها لتنهض بما هو مطلوب منها في مثل بيئة عمل الضفة يكاد يكون ضرباً من المستحيل إن لم يتم تعريف التهديدات الأمنية بشكل دقيق ودون مواربة، فيعمل على تحييد ما يجب وما يقدر على تحييده منها، أو يجمد ما يجب تجميده، أو مساكنة ما لا يمكن بتره أو استئصاله، لطبيعة الضرر المترتب على مثل هذه الأعمال، وفي هذا تفصيل يطول ليس هذا مكانه.

تحديات عسكرية:

إن طبيعة محتل أرضنا هي طبيعة إحلالية، وما نجح عدونا في مشروعه إلى الآن إلا لكونه يملك من أدوات القدرة والسيطرة والقمع العسكرية ما مكّنه من إخراجنا من أرضنا، أو تشريدنا فيها، لذلك يجب الانتباه إلى أن من أهم أدوات فرض العدو نفسه علينا هي الأدوات العسكرية تعاونها أدوات أمنية وسياسية، هذا من جهة، أما من الجهة الأخرى فإن امتلاك عدونا مثل هذه الوسائل والوسائط يفرض على متصدي مسار بناء القوات تحدٍ من نوع عدم قبول استفزازه لنا لنخرج له بما ملكنا أو راكمنا من قدرات فــ (يجزها) قبل أن يصلبّ عودها، ويضرب جذرها في الأرض.

إن مسار بناء القوات في الضفة الغربية يتطلب رؤوساً باردة لا تتجاوب مع الاستفزازات، وتعرف متى وأين وبأي قدر تشغّل ما تملكه من قدرات، كما تعرف في نفس الوقت ما هي القدرات التي يجب المحافظة عليها لتشكل مفاجئة للعدو، ندفعها في وجهه في الزمان والمكان الذي نحن نريد ونقرر، لا ما هو- العدو- يريد ويقرر.

تحديات ديموغرافية:

إن ما نقصده بالتحديات الديموغرافية هو أن بيئتنا الحاضنة يجب أن تكون جزءاً من اهتمام المتصدين لبناء القوة في الضفة الغربية، فلا يجب أن تحّمل هذه البيئة فوق طاقتها، ولا أن تستنزف في غير مكانها. كما يجب أن يؤمّن لها الحد الأدنى من القدرة على الصمود والمواجهة، وفي كل المجالات، في المجالات الأمنية فلا تترك مستباحة من العدو وعملائه، وفي المجالات الاقتصادية والمعاشية، فلا يجب أن تترك مرتهنة بعجلة العدو الاقتصادية والمعاشية، بل يجب أن ينظر ويفكر في كيفية فصل عجلة الحياة الاقتصادية المعاشية لهذه البيئة الحاضنة عن دورة العدو الاقتصادية؛ حتى لو في حدها الأدنى.

فكلما أمنا سبيل عيش كريم لهذه البيئة من ذاتنا وبذواتنا سددنا ثغرة للعدو ينفذ من خلالها لها، إنه بالقدر الذي ترانا هذا البيئة الحاضنة معها وأمامها ويسعنا ما وسعها، وأننا نقدمها على أنفسنا، ونشعر بها ونراعي متطلباتها، كلما كنا كذلك؛ وسّعت لنا في حضنها، وغطت علينا بجناحها، وسترت عن عدونا عناصر قوتنا، عندها يأتي النصر الذي جاء بعد صبر.

تحديات موضوعية حفظ أمن سلاسل التوريد:

ومن أهم تحديات مسار بناء القوات؛ حفظ أمن سلاسل التوريد البشرية والمادية التي تمد هذه القوات بسبل الحياة. إن حفظ أمن الموارد- البشرية والمادية- مقدمٌ على ما سواه، فلا قيمة لمصدر طاقة أو قدرة لا يمكن حفظ أمنها أو السيطرة على حركتها، إن العدو قد يسمح لنا بمراكمة قدرة هو مسيطر على مسار بنائها، أو مراقب لحركة تطورها، وسيتركها حتى تنضج، فيضربها عند أخذ قرار تشغيلها، فيفقد الجميع الثقة بالقدرة على مراكمة القدرة، فضلاً عن تشغيلها، عندها سيتحول إعادة بناء هذه القدرات أو ترميمها إلى ضرب من المستحيل.

هذه بعض الأصول في موضوع بناء القوات التي نعتقد أنها تصلح لتكون مادة يستفاد منها عند التفكير في بناء قوات أو مراكمة قدرات، في أي مكان، وخاصة في الضفة الغربية، كأولوية عمل للمختصين والمهتمين في ضرب الصهاينة المحتلين، العداة الصائلين.