• اخر تحديث : 2024-05-15 19:58
news-details
قراءات

كيف تتعامل الحكومة الإسرائيلية مع تصاعُد المواجهات مع الفلسطينيين؟


تصاعدت التوترات بين الفلسطينيين والإسرائيليين على نحو لافت في الأيام الأخيرة؛ فقد أعلن الجيش الإسرائيلي، يوم الجمعة 27 يناير الفائت، مقتل 7 إسرائيليين وإصابة 10 آخرين في عملية إطلاق نار نفذها شاب فلسطيني يبلغ من العمر 21 عاماً في قلب حي استيطاني شمال القدس المحتلة، في هجوم هو الأقوى منذ سنوات حسبما وصفه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

وعقب ساعات من الهجوم الأول، وقع هجوم آخر في حي سلوان بالقدس، أدى إلى إصابة إسرائيليَّيْن أحدهما ضابط بجروح خطيرة. وقد جاءت العمليتان بعد يوم واحد من استشهاد 9 فلسطينيين في مخيم جنين للاجئين، في إحدى أعنف العمليات الإسرائيلية في الضفة منذ سنوات؛ الأمر الذي دفع السلطة الفلسطينية إلى الإعلان عن وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، كما أُطلقت بعض الصواريخ من قطاع غزة تجاه المدن الإسرائيلية على الحدود مع القطاع، أعقبها شن الطيران الإسرائيلي عدة غارات في القطاع.

توظيف الأزمة

دفعت التطورات في القدس والضفة الغربية، الجيش الإسرائيلي إلى الإعلان عن تعزيز فرقة الضفة الغربية بكتيبة إضافية والاستعداد لأي تطورات ميدانية جديدة بناءً على تقييم الوضع. كما عُقد اجتماع طارئ لمجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر "الكابنيت" مساء السبت 28 يناير؛ حيث تم الإعلان عن اتخاذ إجراءات لتعزيز المستوطنات، كما اتُّخذت إجراءات أخرى تتضمن إغلاق منازل منفذي الهجمات، وحرمان عائلاتهم من بعض الحقوق والامتيازات. ومن المتوقع أن يعمل نتنياهو على توظيف الأزمة الحالية لتعزيز شعبيته في الداخل الإسرائيلي، سياساً وأمنياً؛ وذلك على النحو التالي:

1تصدير المخاوف الأمنية في الساحة الداخلية: من المتوقع أن تستغل الحكومة الإسرائيلية العمليات الأخيرة في التركيز على مخاطر التهديدات الأمنية التي تواجهها إسرائيل، والدفع نحو تنفيذ المزيد الاقتحامات والاغتيالات في الضفة الغربية، وزيادة القمع ضد الفلسطينيين، لا سيما في جنين ونابلس، بهدف الحد من قدرة المسلحين الفلسطينيين على الحركة، ومنع انتقال فكرة الكتائب الفلسطينية المسلحة في الضفة الغربية مثل “عرين الأسود” و”كتيبة جنين” إلى بقية المدن في الضفة، بالإضافة إلى العمل على تقطيع أوصال الضفة، وفرض المزيد من القيود على عمليات الانتقال بين مدنها، وتقليص دخول العمال الفلسطينيين إلى المستوطنات الإسرائيلية في محيط القدس.

وقد تدفع إجراءات كهذه إلى تصعيد التوتر مع الفلسطينيين في القدس والضفة وقطاع غزة، وكذلك في مدن الخط الأخضر، خاصةً مع اقتراب شهر رمضان، ووقف التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، وهو ما يُعطي هامشاً أكبر للمستوطنين اليمينين المتطرفين وكذلك للمسلحين الفلسطينيين للحركة وتنفيذ عمليات.

2تعزيز التحركات الاستيطانية في الضفة الغربية: ربما تضغط الأحزاب اليمينية المتطرفة في الحكومة والكنيست لاستغلال الظروف الأمنية الحالية وهيمنتها على الحكومة لتنفيذ مخططاتها الرامية لتعزيز الاستيطان في الضفة الغربية، لا سيما ما يتعلق بالعمل على ضم “المنطقة ج” بشكل عملي إلى إسرائيل. وتضم المنطقة الأخيرة نحو 60% من أراضي الضفة الغربية، وتخضع بسكانها الفلسطينيين والإسرائيليين للسيطرة العسكرية والإدارية الإسرائيلية.

يُضَاف إلى ذلك تسريع المشاريع الخاصة بالتهويد وتغيير الوضع القائم في القدس، والعمل على شرعنة العديد من المستوطنات غير القانونية في الضفة. وفي هذا الإطار يتوقع أن يُركز وزير المالية بتسلئيل سموتريتش – الذي نُقلت إليه مهمة الإشراف على الإدارة المدنية في الضفة الغربية – على العمل على تعميق الاستيطان وتهجير الفلسطينيين من المنطقة “ج” وفرض المزيد من الإجراءات التمييزية ضد الفلسطينيين.

3توسيع تراخيص حمل الأسلحة من قبل المستوطنين: من المتوقع أن تعمل الحكومة الإسرائيلية اليمينية على منح المزيد من الصلاحيات للشرطة الإسرائيلية. ويتضمن ذلك تحصين عناصر الشرطة من الملاحقات القضائية، ومنح المزيد من الحرية في إطلاق النار على “مصادر التهديد المحتملة”، كما أعلن وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير أنه أصدر أوامره بمضاعفة القوى العاملة في قسم الأسلحة النارية، وتوفير السلاح للمزيد من المستوطنين. ولم يقتصر الأمر على هذا الحد، بل طالب الوزير الإسرائيلي بإنشاء حرس وطني في إسرائيل. ومن المتوقع أن يعمل “بن غفير” على تعزيز الإجراءات الأمنية القمعية ضد الفلسطينيين، خاصةً بعد الاتهامات الأخيرة التي طالته بالتقصير في أداء مهامه.

4خيارات مُعقدة بشأن “توسيع الصراع” مع الفلسطينيين: يبدو أن الحكومة الإسرائيلية تُفضل – في الوقت الحالي – تشديد الإجراءات الأمنية والعقابية ضد الفلسطينيين في الضفة، مع القيام ببعض عمليات الاقتحام المحدودة في المناطق التي تشهد نشاطاً للمجموعات المسلحة الفلسطينية، مع تجنب الذهاب لصراع شامل مع الفلسطينيين من شأنه أن يُفجر الأوضاع في الضفة الغربية والقدس، وكذلك في قطاع غزة الذي يبدو أنه أكثر التزاماً من أي وقت مضى بالتطورات في مناطق الضفة الغربية والقدس، على نحو ما حدث في معركة “سيف القدس” في 2021، بالإضافة إلى إمكانية عودة التصعيد داخل مدن الخط الأخضر.

وربما تسعى الحكومة الإسرائيلية إلى تجنُّب سيناريو كهذا خشية التعرض للمزيد من الضغوط الدولية والإقليمية، مع إعلان نتنياهو اعتزام حكومته عقد المزيد من اتفاقيات “التطبيع” في المنطقة، والرغبة في التركيز على “الخطر الإيراني” وتعزيز التنسيق مع الولايات المتحدة لمواجهة إيران، وربما العودة للقيام ببعض العمليات في الداخل الإيراني، ولعل هذا ما اتضحت مؤشراته مع إشارة بعض التقارير إلى تورط إسرائيل في الهجوم الذي استهدف مصنعاً دفاعياً في ‏إيران باستخدام طائرات مسيرة مساء يوم 29 يناير الفائت.

علاوة على ذلك، فإن من الصعب التنبؤ بمآلات “تفجُّر الأوضاع مع الفلسطينيين” على الأوضاع الداخلية في إسرائيل مع تزايُد الانقسام في الشارع الإسرائيلي بسبب سياسات اليمين المتطرف والصدام المستمر بين الحكومة والمنظومة القضائية والقانونية في البلاد.

لكن من جهة أخرى، فإن من غير المستبعد أن يُقدم نتنياهو على الذهاب لخيار “التصعيد الشامل” مع الفلسطينيين إذا تصاعدت الضغوط عليه في الداخل، وشعر بتهديدات جدية لتحالفه اليميني؛ حيث سيسعى نتنياهو حينها للهروب نحو الأمام وتعزيز تماسُك الجبهة الداخلية التي تبدو أكثر خضوعاً للتيارات اليمينية من أي وقت مضى.

الهروب للأمام

خلاصة القول: من المتوقع أن تُعزز الحكومة الإسرائيلية إجراءاتها الأمنية في القدس والضفة الغربية، مع التوسع في منح تراخيص حمل السلاح للمستوطنين، والمضي قدماً في إحداث نقلة استيطانية كبيرة في الضفة الغربية والقدس، مع الاستمرار في سياسة الاقتحامات والاغتيالات في الضفة. وتهدف الأحزاب اليمينية من تلك الإجراءات إلى الحفاظ على شعبيتها في الشارع، وتعزيز تماسك الائتلاف الحكومي الذي يواجه تحديات لا يمكن الاستهانة بها من المعارضة الإسرائيلية والمنظومة القضائية والقانونية في البلاد على حد سواء.

ويبدو أن حكومة نتنياهو حريصة – في الوقت الحالي على الأقل – على تجنُّب تفجُّر الأوضاع بشكل كامل مع الفلسطينيين، مع تعرضها للكثير من الضغوط الداخلية والخارجية. لكن من ناحية أخرى، فإن من غير المستبعد أن تندفع الحكومة اليمينية إلى خيار “التصعيد الشامل” للهروب للأمام، إذا أحست بمخاطر تُهدد تماسُكها وتُعرِّضها للانهيار.