رغم هول الكارثة التي حلّت في المنطقة، جراء الزلزال الذي ضرب تركيا وسورية في الأيام الفائتة، غير أنها أي (الكارثة)، كان لها تأثير في وجدان أهالي السلطة في لبنان، فقد حرّكت عقولهم قبل ضمائرهم، وشكلّت لهم فرصةً، سانحةً لعقد "مصالحةٍ مع الذات"، ثم مع الجغرافيا.
وهنا، فقد بدأت الخطوات الجدية والعملانية الأولى لتحقيق هذه المصالحة، من خلال إرسال الحكومة اللبنانية لوفدٍ حكوميٍ رفيعٍ إلى دمشق، برئاسة وزير الخارجية اللبنانية عبد الله بو حبيب، لإجراء مباحثاتٍ مع الجانب السوري في شأن التعاون بين البلدين في المجال الإنساني، في هذه الظروف الصعبة، وكيفية إسهام الجانب اللبناني في تخفيف المعاناة عن الشعب السوري، تحديدًا سكان المناطق التي ضربها الزلزال المدمر.
ولاريب أن لتكليف بو حبيب بترأس الوفد اللبناني، دلالة واضحة، على انتهاج الحكومة اللبنانية سياسةٍ جديدةٍ، حيال العلاقات الثنائية مع دمشق. على اعتبار أن مواقف وزير الخارجية، تعبّر عن سياسة مجلس الوزراء اللبناني، ورئيسه.
إذًا، دخلت العلاقات الثنائية اللبنانية- السورية مرحلةً جديدةً الى الأمام ونحو الأفضل. ولاريب أن المضمون سياسي، ولو كان الغلاف إنسانيًا تحت وطأة الظروف القاهرة التي تعيشها الجارة الأقرب للبنان. والدلالة الأبرز لولوج لبنان هذه المرحلة، فتجلت من خلال استقبال الرئيس السوري بشار الأسد للوفد الحكومي اللبناني.
وهي المرة الأولى التي ينعقد فيها لقاء لبناني- سوري على هذا المستوى الرسمي الرفيع، منذ ما قبل بدء الحرب الكونية على سورية في منتصف آذار من العام 2011. ويبدو أن هذا التطور في العلاقات الثنائية أزعج الإدارة الأميركية، وإن أعلنت دعائيًا وفي شكلٍ غامضٍ وخدّاع، بأنها علّقت العمل بأبرز عقوبات قانون قيصر لمعاقبة الشعب السوري، لستة شهور، وقد يكون الهدف من وراء ذلك هو تبرير التغاضي عن حالات عدم الالتزام بالعقوبات، ريثما تهدأ الموجة الإنسانية والعاطفية، ليس إلا.
وهنا برزت الزيارة التي قامت بها السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا، لبو حبيب في الساعات الفائتة. لذا تساءلت مصادر سياسية متابعة عن توقيت هذه الزيارة في هذه الظروف، خصوصًا أنها جاءت بعد عودة الوفد الحكومي اللبناني من العاصمة السورية، فهل تهدف الزيارة إلى فرملة الاندفاعة اللبنانية تجاه دمشق، تحت وطأة التهديدات الأميركية كالعادة، على حد تعبير المصادر، أم أن الحكومة اللبنانية كسرت حاجز الخوف، بالتالي هي ماضية قدمًا في تعزيز العلاقات الثنائية مع الجارة الأقرب؟.
وتعقيبًا على ماورد آنفًا، يرجّح مرجع لبناني معني في هذا الشأن، مضي الحكومة اللبنانية في استكمال الخطوات التي بدأها الوفد الحكومي في دمشق أخيرًا، على طريق فتح مرحلةٍ جديدةٍ من العلاقات الأخوية بين لبنان وسورية، لما فيه مصلحة الشعبين والبلدين. ويوضح أن المرجعيات السياسية لهذا الوفد الذي ترأسه بو حبيب، الذي ضمّ وزير الأشغال العامة والنقل علي حمية، وزير الشؤون الاجتماعية هكتور الحجار ووزير الزراعة عباس الحاج حسن، هي أي هذه (المرجعيات) والمؤلفة من: حزب الله، التيار الوطني الحر، وحركة أمل، هي مكونات رئيسية للحكومة اللبنانية، وكانت في طليعة من طالب بإعادة تعزيز العلاقات الثنائية مع سورية. ويختم المرجع بالقول: "العجلة انطلقت ولا عودة إلى الوراء".