• اخر تحديث : 2024-05-03 01:18
news-details
تقدير موقف

ما أبرز القضايا المطروحة في خطاب حالة الاتحاد للرئيس بايدن؟


ألقى الرئيس الأمريكي جو بايدن خطابه الثاني لحالة الاتحاد منذ توليه منصبه رسمياً في العشرين من يناير 2021، أمام كونجرس منقسم في أعقاب انتخابات التجديد النصفي للكونجرس التي أجريت في الثامن من نوفمبر الماضي؛ حيث يُسيطر الديمقراطيون على مجلس الشيوخ، والجمهوريون على مجلس النواب، وفي وقت يحتدم فيه التوتر بين الإدارة الأمريكية والجمهوريين الذين تعهدوا بعدم تمرير أجندة بايدن التشريعية خلال العامين القادمين، وعقد العديد من جلسات الاستماع، وتدشين لجان تحقيق في سياسات الإدارة الأمريكية الداخلية والخارجية خلال أول عامين لها في البيت الأبيض، في ظل التوقعات بقرب إعلان الرئيس الأمريكي ترشحه لفترة رئاسية ثانية، بينما تتصاعد بعض الدعوات الديمقراطية لاختيار مرشح ديمقراطي جديد مع تقدم عمر بايدن الذي سيصل إلى 86 عاماً مع نهاية فترته الرئاسية الثانية، في حال فوزه في نوفمبر من العام القادم أمام مرشح الحزب الجمهوري.

قضايا الخطاب

ركز خطاب الرئيس عن حالة الاتحاد أمام جلسة مشتركة لمجلسي الكونجرس على القضايا المحلية والدولية المعقدة التي تتقدم أجندة الإدارة الأمريكية، والتي يتمثل أبرزها فيما يلي:

1الترويج لنجاحات إدارة بايدن خلال عامين: خلال خطابه الذي استمر 73 دقيقة، سعى بايدن إلى الإشارة إلى تحسن وضع الولايات المتحدة بشكل كبير عما كانت عليه عندما تولى المسؤولية قبل عامين؛ من اقتصاد يترنح إلى اقتصاد مزدهر بوظائف جديدة، ومن دولة مشلولة ومنهكة بالوباء إلى دولة أعيد فتحها الآن، وديمقراطية نجت من أكبر اختبار لها منذ الحرب الأهلية. واستغل بايدن الخطاب للترويج للإنجازات التي حققتها إدارته، فاستعرض الفوائد الاقتصادية من التشريعات التي وقَّع عليها، وتفاخر بإنشاء نحو 12 مليون وظيفة، وبقاء معدل البطالة عند أدنى مستوى له منذ أكثر من 50 عاماً، وأرجع الفضل إلى قانونَين مدعومَين من الحزبَين أحدثا طفرة في استثمارات التصنيع ومشروعات البنية التحتية في جميع أنحاء البلاد.

2تهديد الديمقراطية الأمريكية وتصاعد التطرف: كرَّس الرئيس الأمريكي جزءاً كبيراً من خطابه للحديث عن أزمة الديمقراطية التي تعرضت للتهديد والهجوم في 6 يناير 2021 عندما اقتحم أنصار الرئيس السابق ترامب مبنى الكونجرس في محاولة لوقف التصديق على الانتخابات الرئاسية لعام 2020، بينما لا يزال هناك العديد من الجمهوريين بمجلس النواب الذين ينكرون فوز بايدن في تلك الانتخابات، وقد حث الأمريكيين على التحدث علناً ضد العنف السياسي والتطرف، وندد بالهجوم على زوج الرئيسة السابقة لمجلس النواب نانسي بيلوسي في 26 أكتوبر الفائت. وقد أشار بايدن إلى أن المهاجم استخدم مفردات مقتحمي مبنى الكونجرس في 6 يناير. وقد دعا القادة السياسيين في البلادة لإدانة مثل هذا العنف.

3دعوة للوحدة والعمل المشترك مع الجمهوريين: قدم الرئيس الأمريكي خطاباً عن حالة الاتحاد مناقضاً بشكل حاد لخطاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الذي أعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية القادمة، والذي يعمل على تعزيز حالة الانقسام الحزبي والسياسي الأمريكي؛ فقد كان خطاب بايدن دعوة إلى الوحدة بين الديمقراطيين والجمهوريين في وقت قد تنحرف فيه الحزبية نحو مزيد من العنف، فاستخدم مصطلحَي “الحزبَين” و”مؤيد من الحزبَين” أكثر من عشر مرات خلال خطابه، واستخدام “أصدقائي الجمهوريين” عندما شكر الجمهوريين الذي صوتوا لصالح قانون البنية التحتية. وقد أبدى بايدن استعداده للتوصل إلى تسويات مع الجمهوريين بعد فوزهم بالأغلبية في مجلس النواب، ودعا للتعاون بين الحزبَين لتمرير قوانين مدعومة منهما كما حدث خلال أول عامين له في البيت الأبيض، بما في ذلك رفع سقف الديون البالغ 34.1 تريليون دولار، والعمل المشترك لتقوية الاقتصاد وتقليص العجز، لكنه لم يُقدم أي تنازلات للجمهوريين. وبدلاً من ذلك، دعاهم لتبني برنامجه لزيادة الضرائب على الأثرياء، وتقديم المساعدات الاجتماعية للمحتاجين.

كما تطرق بايدن، خلال خطابه، إلى قضايا عليها اتفاق ديمقراطي وجمهوري؛ ما دفع الحاضرين من الحزبَين إلى التصفيق وإبداء الدعم له، ومنها دعم الصناعة الأمريكية، والمشاريع الخاصة الجديدة، وتمويل 20 ألف مشروع للبنية التحتية، وهو ما يكشف عن إمكانية اتفاق الديمقراطيين والجمهوريين على مجموعة مشتركة من الأهداف، حتى لو كانت لديهم وجهات نظر مختلفة للغاية حول كيفية تحقيقها.

4مكافحة الاحتكار خاصة من شركات التكنولوجيا الكبرى: أصبح بايدن أول رئيس ينطق بكلمة “مكافحة الاحتكار” في خطاب حالة الاتحاد منذ الرئيس الأمريكي الأسبق “جيمي كارتر” في عام 1979، داعياً الكونجرس إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد احتكار شركات التكنولوجيا الكبرى، فقال إن “الرأسمالية بدون منافسة ليست رأسمالية، بل ابتزاز واستغلال”، وفي الوقت ذاته، سلط الضوء على جهود إدارته لتكثيف إنفاذ سياسة المنافسة الأمريكية.

5دعوة لمحاسبة الشرطة وقيود على الأسلحة: لطالما عارض بايدن دعوات وقف تمويل الشرطة من بعض التقدميين في حزبه، لكنه استغل خطابه لإدانة حادث الضرب المميت من قبل الشرطة لـ”تاير نيكولز” البالغ من العمر 29 عاماً في ممفيس، وحث الكونجرس على تمرير مشروع قانون إصلاح الشرطة، وجدد دعوته لاتخاذ إجراءات أقوى للحد من الوصول إلى الأسلحة الهجومية، عقب عمليات إطلاق النار الجماعية المتتالية في يناير الماضي.

6استعادة حق الإجهاض على مستوى البلاد: مع وجود خمسة قضاة من المحكمة العليا التي ألغت القرار التاريخي الذي يحمي الحق في الإجهاض لمدة نصف قرن، دعا بايدن الكونجرس إلى استعادة حق الإجهاض على مستوى البلاد، وقد تعهد باستخدام حق النقض (الفيتو) ضد أي حظر فيدرالي للإجهاض يصل إلى مكتبه، وقال إن "إدارته تبذل كل ما في وسعها لحماية الوصول للرعاية الإنجابية وحماية خصوصية المرضى".

7اهتمام متواضع بقضايا السياسة الخارجية: جاءت قضايا السياسة الخارجية الأمريكية في مرتبة متراجعة خلال خطاب الرئيس عن حالة الاتحاد؛ فقد رد على الانتقادات الجمهورية بشأن تعامل الإدارة مع أزمة بالون التجسس الصيني، بتأكيد أنه سيحمي الولايات المتحدة الأمريكية من التهديدات الصينية لسيادتها، وقال إنه أخبر الرئيس الصيني بأن واشنطن تسعى إلى “المنافسة لا إلى الصراع”، وقد أكد أن الاستثمارات الأمريكية في تحالفاتها وتقنياتها العسكرية المتقدمة، تجعل الولايات المتحدة في وضع أقوى لها منذ عقود للتنافس مع بكين والدفاع عن مصالحها.

وبخصوص الحرب الروسية–الأوكرانية، أشاد بايدن بالدعم الأمريكي لأوكرانيا، وقدرة الولايات المتحدة على تشكيل تحالف دولي ضد العمليات العسكرية الروسية والحفاظ على تماسكه. ورغم معارضة بعض الجمهوريين بمجلس النواب استمرار المساعدات الأمريكية لأوكرانيا، وجه الرئيس حديثه إلى السفيرة الأوكرانية لدى الولايات المتحدة أوكسانا ماركاروفا، التي كانت حاضرة الخطاب، أن الولايات المتحدة ستدعم كييف مهما استغرق الأمر؛ لمساعدتها على صد العمليات العسكرية الروسية.

دلالات عديدة

حمل أول خطاب عن حالة الاتحاد للرئيس جو بايدن أمام الكونجرس المنقسم بين الديمقراطيين والجمهوريين، وكذلك أجواء هذا الخطاب، جملة من الدلالات البارزة، يتمثل أهمها فيما يلي:

1خطاب تمهيدي لإعلان بايدن ترشحه لفترة رئاسية ثانية: استغل الرئيس الأمريكي – الذي يبلغ 80 عاماً ليُعَد أكبر رئيس أمريكي في التاريخ – خطابه عن حالة الاتحاد للتمهيد للإعلان عن إعادة ترشحه لفترة ثانية في الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في نوفمبر 2024، وليؤكد لمؤيديه أنه لا يزال يتمتع بالمهارات السياسية اللازمة لقيادة البلاد، وللفوز في الانتخابات الرئاسية القادمة؛ فقد أظهر بايدن قدرة على إلقاء خطاب بهدوء دون أن يشعر بالارتباك وسط هتافات المنتقدين الجمهوريين بمجلس النواب لسياساته، ودخول الرئيس في حوار معهم بعيداً عما يتضمنه الخطاب بشأن الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية، وذكَّر بأن الولايات المتحدة بحاجة إلى “إنهاء المهمة”، ليمنحه الناخبون فترة ولاية ثانية للقيام بما بدأه.

وهناك ارتفاع في نسبة تأييد الديمقراطيين لإعادة انتخاب الرئيس لفترة رئاسية ثانية خلال الأيام التي سبقت خطاب حالة الاتحاد، الذي وضع فيه بايدن الأسس لترشحه للانتخابات الرئاسية لعام 2024؛ حيث كشفت نتائج استطلاع رأي أجرته مجلة إيكونوميست ويوجوف، خلال الفترة من 4 إلى 7 فبراير الجاري، أن 53% من الديمقراطيين يريدون الآن أن يترشح بايدن لإعادة انتخابه، بينما كانت تلك النسبة قبل أسبوعين من هذا الاستطلاع 38% فقط. ويضع الرقم الجديد بايدن على قدم المساواة مع الرئيس السابق ترامب، الذي يقول 54% من الجمهوريين إنهم يؤيدون ترشحه للمرة الثالثة للانتخابات الرئاسية القادمة.

2مزيد من الصدام بين الجمهوريين والبيت الأبيض: أعلن الجمهوريون، في أعقاب خطاب الرئيس الأمريكي، أن الناخبين منحوهم الأغلبية في مجلس النواب حتى يتمكنوا من وقف الإنفاق الفيدرالي الجامح. ورداً على خطاب بايدن، قال الجمهوريون إنهم لا يزالون يخططون لاستخدام سقف الديون لدفع الإدارة الأمريكية لإجراء تخفيضات في الإنفاق، وهي معركة تشريعية تلوح في الأفق، وستكون لها عواقب وخيمة على الاقتصاد العالمي. وقد تعهدت سارة هاكابي ساندر حاكمة ولاية أركنساس، خلال تقديمها الرد الجمهوري الرسمي على خطاب بايدن، بعرقلة جدول أعمال الرئيس بايدن حول قضايا سقف الدين، والصين، والتضخم، وأمن الحدود، وغيرها من القضايا التي ستلعب دوراً كبيراً في الانتخابات الرئاسية لعام 2024، فضلاً عن سعي الجمهوريين في مجلس النواب أيضاً، إلى إخضاع الإدارة لسلسلة من التحقيقات، ولا سيما سياساتها تجاه الهجرة، وأولويات إنفاذ القانون، والتعاملات التجارية لـ”هانتر بايدن”، وإذا ما كان الرئيس قد استفاد منها.

3تقديم بايدن مقترحات أقل طموحاً: لم يتضمن خطاب الرئيس الأمريكي عن حالة الاتحاد مبادرات رئيسية جديدة، في إشارة إلى واقع الحكومة المنقسمة مع سيطرة الجمهوريين الآن على مجلس النواب؛ وذلك في تباين بين الخطاب الحالي وبين دعواته خلال خطابه السابق عن حالة الاتحاد أمام كونجرس يهمين الديمقراطيون على مجلسيه؛ حين دعا إلى إنفاق تريليونات الدولارات لإعادة تشكيل البرامج الحكومية بشكل كبير في مجال الرعاية الصحية ورعاية الأطفال وتغير المناخ والضرائب والبنية التحتية، لكنه في خطابه الأخير ركز على مقترحات أقل طموحاً تهدف إلى تكثيف الجهود لعلاج السرطان، وتحسين رعاية الصحة العقلية، ومكافحة إدمان المواد الأفيونية، ومساعدة قدامى المحاربين.

4استغلال المرشحين الجمهوريين المحتملين للانتخابات الرئاسية الخطاب: اغتنم ترامب والجمهوريون الذين قد يترشحون ضده للحصول على ترشيح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية القادمة، بما في ذلك نيكي هالي ورون ديسانتيس ومايك بومبيو ومايك بنس، فرصة خطاب حالة الاتحاد لانتقاد الرئيس الأمريكي؛ ففي مقطع فيديو مدته دقيقتان نُشر على وسائل التواصل الاجتماعي، هاجم الرئيس الأمريكي السابق، الرئيس بايدن بسبب موافقه تجاه قضايا الهجرة، والجريمة، والتضخم، ودعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا، بينما غرد “بنس” نائب الرئيس السابق، بعد خطاب بايدن قائلاً: "لقد حان الوقت للقيادة الجمهورية الجديدة لإعادة أمتنا إلى القوة والازدهار الذي كان لدينا في ظل الإدارة الأمريكية السابقة".

5ضعف سيطرة مكارثي على المشرعين الجمهوريين: تحدى المشرعون الجمهوريون دعوة رئيس مجلس النواب كيفن مكارثي للتحلي بالكياسة خلال إلقاء الرئيس الأمريكي خطاباً عن حالة الاتحاد؛ حيث قاطعوا بايدن عدة مرات، ووصفت النائبة الجمهورية مارجوري تايلور جرين الرئيس بايدن بأنه "كاذب". وقد هتف جمهوريون آخرون بتأمين الحدود، في إشارة إلى أن بايدن لم يفعل ما يكفي لوقف الهجرة غير الشرعية عبر الحدود الجنوبية للولايات المتحدة.

6ارتداء إكسسوارات ذات دلالات سياسية: ارتدى العديد من المشرعين أنواعاً مختلفة من الإكسسوارات خلال إلقاء بايدن خطابه عن حالة الاتحاد، وهي الإكسسوارات التي حملت دلالات سياسية متعددة؛ فقد ارتدى عدد من أعضاء التجمع الأسود في الكونجرس وعدد من الديمقراطيين، بما في ذلك النائبة الديمقراطية “إلهان عمر”، دبابيس سوداء عليها الرقم “1870”، في إشارة إلى العام الذي شهد أول حادثة معروفة لمقتل مواطن من أصول إفريقية بأيدي الشرطة الأمريكية، بينما ارتدى آخرون – مثل السيناتور إليزابيث وارن وباتي موراي – إكسسوارات على شكل أقلام الشمع التي يستخدمها الأطفال في التلوين؛ للإشارة إلى دعمهم الاستثمار الفيدرالي في رعاية الأطفال. وارتدى بعض المشرعين دبابيس وشرائط زرقاء وصفراء لدعم أوكرانيا، بجانب بعض الإكسسوارات الأخرى لدعم حقوق الإجهاض بعد قرار المحكمة العليا الذي أَلغى حقاً تاريخياً يتيح الإجهاض، وغيرها لرفض العنف المسلح، وكذلك عنف الشرطة.

في الختام، استخدم الرئيس الأمريكي خطابه عن حالة الاتحاد أمام الكونجرس المنقسم للإشادة بنجاح إدارته في التعامل مع التحديات الداخلية والخارجية العالية المخاطر، من حشد الحلفاء حول أوكرانيا وسط حرب طاحنة إلى تحقيق انتصارات من كلا الحزبين في الداخل؛ بهدف تعزيز الاقتصاد وتعزيز القدرة التنافسية للبلاد، وللإشادة بسجله الاقتصادي وانتصاراته في الإنفاق على البنية التحتية والطاقة النظيفة وتسعير الأدوية، تمهيداً لإعلان ترشحه لفترة رئاسية ثانية في الانتخابات الرئاسية التي ستُجرَى في نوفمبر 2024. ويشير خطاب الرئيس بايدن إلى أن إدارته ستواصل دفع معظم السياسات الضريبية ذاتها التي كان يدافع عنها منذ انتخابه، لكن ستكون لديه فرصة ضئيلة للتوقيع عليها لتصبح قانوناً، بالنظر إلى انقسام الأغلبية بالكونجرس بين الديمقراطيين والجمهوريين.