• اخر تحديث : 2024-05-15 19:58
news-details
قراءات

استضافت الصومال القمة الرباعية -قمة دول خط المواجهة- في 1 فبراير الجاري (2023) والتي ضمت دول إثيوبيا وكينيا وجيبوتي، بهدف تعزيز الشراكات الإقليمية في مجال مكافحة الإرهاب، واتخاذ إجراءات حاسمة حول التحرك الموسع لمواجهة حركة شباب المجاهدين التي تنشط في جنوب ووسط الصومال، ويمتد نشاطها لبعض دول الجوار الإقليمي مثل كينيا وإثيوبيا، الأمر الذي يشكل تهديدًا للأمن الإقليمي في القرن الأفريقي. وهو ما تجلى في اتفاق قادة الدول الأربع على تدشين آلية إقليمية للتنسيق حول عمليات المواجهة مع حركة الشباب في الداخل الصومالي ضمن مخرجات القمة الرباعية.

وقد تكشف هذه القمة عن ملامح أولية لتدشين تحالف إقليمي جديد ربما يقوم على أنقاض التحالف الثلاثي الذي أُعلن عنه في سبتمبر 2020 بين دول إثيوبيا والصومال وإريتريا التي غابت عن القمة الأخيرة لأسباب غير معلنة، لا سيما أن اتفاق الدول المعنية على التعاون الإقليمي لمواجهة تصاعد نشاط الإرهاب في المنطقة، قد يكون خطوة أولية لتبني رباعي التحالف الجديد أجندة إقليمية؛ للتعاطي مع أزمات القرن الأفريقي التي تتصاعد بفعل الصراعات والخلافات الداخلية. إلى جانب تداعيات الأزمات الدولية الراهنة مثل الحرب الروسية الأوكرانية التي تلقي بظلالها السلبية على أوضاع دول المنطقة منذ اندلاعها في فبراير 2022.

كما جاء انعقاد هذه القمة وما تمخضت عنه من مخرجات استراتيجية كخطوة إيجابية يمكن البناء عليها من أجل تحقيق التكامل الإقليمي الذي تستطيع من خلاله دول المنطقة استعادة الاستقرار الإقليمي عبر تسوية جميع الأزمات والملفات الشائكة التي تؤثر سلبًا على أمن واستقرار الإقليم.

دلالات التوقيت

تكتسب هذه القمة الرباعية أهميتها من توقيت انعقادها الذي يحمل جملة من الدلالات على الصعيد الإقليمي في المنطقة. وتتمثل أبرز هذه الدلالات في:

1- مواجهة حركة الشباب مهمة شاقة: وذلك بالرغم من الخطوات المتقدمة التي أحرزها الجيش الصومالي خلال الفترة الأخيرة، خاصة بعدما أعلن الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود شن حرب شاملة على الحركة عقب وصوله للسلطة في مايو 2022، حيث كثفت القوات الحكومية الصومالية عملياتها العسكرية ضد معاقل الحركة في وسط وجنوب البلاد، وذلك بالتعاون مع شركائها المحليين (ميلشيات العشائر الصومالية)، والإقليميين (القوات الأفريقية التابعة للاتحاد الأفريقي/أتميص)، والدوليين (القوات الأمريكية المتمركزة في الصومال).

وأدى ذلك إلى استرداد الحكومة الصومالية -بحسب تقارير غربية- لمساحات واسعة من الأراضي التي كانت تسيطر عليها الحركة خلال الأشهر الست الأخيرة مقارنة بالسنوات الخمس الماضية، حيث استطاعت استعادة أكثر من 100 قرية من عناصر الحركة. كما نجحت القوات الصومالية في قتل 500 عنصر من الحركة وفقًا للإحصاءات الحكومية خلال الشهرين الأخيرين، فضلًا عن إغلاق السلطات الحكومية أكثر من 200 حساب مصرفي للحركة، و70 شركة للاتصالات اللاسلكية. إلا أن الحركة يبدو أنها لا تتأثر بفقدان السيطرة على الأرض وتستمر في القيام بهجماتها الإرهابية في البلاد.

2- انهيار التحالف الثلاثي بالمنطقة: وذلك نتيجة بعض التغيرات التي طرأت على الساحة الإقليمية، حيث أطيح بالرئيس الصومالي السابق محمد عبد الله فرماجو عقب خسارته للانتخابات الرئاسية بالبلاد لصالح الرئيس الحالي حسن شيخ محمود، والذي لم تتضح بشكل جلي بوصلة سياسته الإقليمية ربما لقصر مدة إدارته للبلاد منذ مايو 2022. إضافة إلى التحولات الاستراتيجية التي شهدتها الحرب الإثيوبية خلال الفترة الأخيرة، عقب توقيع اتفاق بريتوريا في نوفمبر 2022 بين الحكومة الإثيوبية وجبهة تحرير تيجراي وما تلاه من خطوات متبادلة لتنفيذ بنود الاتفاق بين الجانبين.

ويأتي ذلك على عكس رغبة الرئيس الإريتري الذي تتزايد مخاوفه من انتقام محتمل لجبهة تيجراي ضد نظامه الذي تورط في الحرب الإثيوبية خلال العامين الماضيين، وهو ما قد يبرر التوتر المكتوم بين آبي أحمد وأفورقي خلال الفترة الأخيرة. كما أن آبي أحمد ربما يضحي بعلاقته بأفورقي لصالح تحسين علاقاته مع الولايات المتحدة الأمريكية والغرب لحاجته الشديد لمساعداتهم في إعادة إعمار البلاد واستعادة التوازن للاقتصاد الإثيوبي خلال الفترة المقبلة.

3- الطموح الكيني بقيادة الإقليم: لا تزال كينيا تطمح في لعب دور قيادي في شرق أفريقيا بما في ذلك القرن الأفريقي، مستغلة عدم اتزان إثيوبيا بسبب أزماتها الداخلية وتأرجح علاقاتها مع واشنطن والغرب. ويتقابل ذلك مع رؤية الرئيس الجديد ويليام روتو للدور الكيني في المنطقة خلال ولايته الرئاسية الجديدة، وهو ما قد يبرر حرص كينيا على الانخراط في أزمات المنطقة لتعزيز نفوذها وحضورها هناك.

4- رغبة إثيوبيا في استعادة الدور المفقود: خاصة بعدما توقف القتال في شمال البلاد بفضل توقيع اتفاق وقف الأعمال العدائية في نوفمبر 2022. وسرعان ما التفت آبي أحمد لأهمية تحسين صورته على الصعيد الدولي، وهو ما ظهر في زيارته للسودان في يناير الماضي لمحاولة استعادة ورقة الخرطوم عبر عرض الوساطة الإقليمية بين الأطراف السودانية الداخلية، إضافة إلى مشاركته في القمة الرباعية الأخيرة بالصومال لمواجهة الإرهاب، إلى جانب قيامه بجولة أوروبية في فبراير الجاري (2023) لاستعادة ثقة الشركاء الغربيين في النظام الإثيوبي تمهيدًا لعودة الاستثمارات بشكل أكبر وضخ المزيد من المساعدات والمشروعات في الداخل الإثيوبي.

5- تزايد عزلة إريتريا: وهو ما يعكسه غياب الرئيس الإريتري أسياس أفورقي عن حضور قمة مقديشو، والذي يمكن تفسيره باتساع الفجوة بين أفورقي وآبي أحمد على خلفية إنهاء الحرب الإثيوبية في إقليم تيجراي دون مراعاة للمخاوف الإريترية من جبهة تحرير تيجراي، وربما تشهد العلاقة بينهما قطيعة جديدة في حال مقايضة واشنطن تحسين العلاقات مع النظام الإثيوبي على حساب التخلي عن النظام الإريتري تمهيدًا لتغيير محتمل في أسمرة.

بالإضافة إلى توتر العلاقات بين إريتريا وجيبوتي على مدار السنوات الماضية بسبب جزيرة دميرة المتنازع عليها بين الطرفين. ولا ينبغي إغفال قناعة أفورقي في بعض الأحيان بعدم جدوى التحالفات الإقليمية وعقد القمم والاجتماعات، وهو ما يبرر غيابه عن حضور قمم الاتحاد الأفريقي ومنظمة إيجاد خلال العقدين الماضيين.

دوافع استراتيجية

تتباين الدوافع لدى الدول الأربع المشاركة في قمة مقديشو، ويمكن الإشارة إلى أبرزها على النحو التالي:

1- الصومال: في البداية، يحمل احتضان مقديشو لأعمال القمة الأخيرة تطورًا إيجابيًّا ورسالة للمجتمع الدولي بشأن استعادة البلاد جزءًا من الاستقرار السياسي والأمني خلال الفترة الأخيرة ويمكن البناء عليه خلال المرحلة المقبلة. كما تعكس القمة حرص الرئيس حسن شيخ محمود على انفتاح الصومال على محيطه الإقليمي في إطار سياسة تصفير المشكلات التي يتبناها منذ صعوده للسلطة في مايو الماضي.

وقد يعزز ذلك فرصه في التضييق على حركة الشباب وتطويقها من خلال الحصول على الدعم الإقليمي والدولي العسكري واللوجستي -وهو ما اتفق عليه القادة في مخرجات القمة- والدفع نحو الضغط على المجتمع الدولي من أجل رفع مجلس الأمن الدولي للعقوبات المفروضة على الصومال بحظر الأسلحة والتي تجددت في نوفمبر 2022 بموافقة 11 دولة وامتناع 4 أخرى عن التصويت. كما تسعى مقديشو إلى ضمان احترام دول الجوار الجغرافي للسيادة الصومالية، وعدم تقديم الدعم لأرض الصومال في مساعيها للحصول على الاعتراف الدولي من أجل نيل الاستقلال عن الصومال التي ترفض هذه الخطوة باعتبارها تفكيكًا لوحدة البلاد.

2- كينيا: تنصب أولويات نيروبي بشكل أساسي على ضمان أمنها الداخلي ضد هجمات وعمليات حركة الشباب المجاهدين التي تستهدف الداخل الكيني خلال السنوات الأخيرة. كما تتطلع النخبة الحاكمة الجديدة في البلاد لفتح صفحات جديدة في علاقاتها مع محيطها الإقليمي، تمكنها من تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية معها، أملًا في تعزيز النفوذ الكيني الإقليمي في شرق أفريقيا خلال الفترة المقبلة، وإن كان ذلك سيواجه ممانعة إثيوبية قوية خاصة أنها لا ترغب في مراوحة مكانتها الإقليمية في القرن الأفريقي برغم تحدياتها الداخلية المستمرة.

3- إثيوبيا: تحاول أديس أبابا استغلال زخم توقيع اتفاق بريتوريا الأخير لتقديم نفسها مجددًا للغرب أملًا في رفع العقوبات الأمريكية بشكل كامل ونهائي، واستقطاب المساعدات لإعادة الإعمار وتنشيط الاقتصاد المتراجع خلال الفترة الأخيرة. وتسعى إثيوبيا أيضًا إلى عدم ترك مساحة حركة في جوارها المباشر لبعض الأطراف الإقليمية خوفًا من استمالة بعض دول المنطقة وتأليبها ضد المصالح الإثيوبية.

كما أنها تسعى لتأمين مواقف دول الجوار المباشر تجاه جبهة تيجراي خوفًا من أي انهيار محتمل للاتفاق خلال الفترة المقبلة، وبالتالي يستطيع إحكام قبضته وحصاره عليها مرة أخرى داخليًّا وإقليميًّا. ولا يمكن إغفال المساعي الإثيوبية لاستعادة نفوذها المتراجع في القرن الأفريقي خلال الفترة الماضية بسبب الحرب الإثيوبية الأخيرة، وقد تتبنى تنفيذ عملية التكامل الإقليمي على أن يكون لها اليد العليا بما يضمن لها الهيمنة الإقليمية مجددًا في المنطقة. 

4- جيبوتي: يشعر النظام الجيبوتي بالقلق خلال الفترة الأخيرة في ضوء تصاعد نشاط الإرهاب بالداخل عقب هجوم حركة فورد المتمردة هناك في أكتوبر 2022. لذلك، تظهر حاجة نظام إسماعيل جيله إلى الدعم الإقليمي لمواجهة التحديات الأمنية في البلاد حال اندلاع أي اضطرابات أو تحركات داخلية ضده.

كما أنه قد يحتاج هذا الدعم في حال تنامي التوتر مع إريتريا في ضوء الخلافات القائمة بين البلدين بسبب السيادة على جزيرة دميرة المتنازع عليها بينهما. وفي سياق آخر، ترغب جيبوتي في تعزيز استخدام دول المنطقة لا سيما إثيوبيا لميناء جيبوتي خلال الفترة المقبلة، مما يمنحها أهمية استراتيجية متميزة في المنطقة، ويعزز النمو الاقتصادي في البلاد.

مكاسب محتملة

قد تمثل أقلمة المواجهة لحركة الشباب المجاهدين في الصومال باتفاق الرباعي الإقليمي على شن حملة عسكرية مشتركة ضد الحركة أحد أبرز المكاسب الاستراتيجية لعقد قمة مقديشو الأخيرة، كونها حولت النظرة إلى الحركة من مجرد قضية داخلية في الصومال إلى قضية إقليمية تهدد دول القرن الأفريقي، وما يترتب على ذلك من مسئوليات على عاتق دول المنطقة لاحتواء مخاطر الحركة هناك، وهو ما يعني الدفع نحو بذل المزيد من الجهد الجماعي الإقليمي لتحقيق السلام في القرن الأفريقي خلال الفترة المقبلة، الأمر الذي قد يشجع المجتمع الدولي لتقديم الدعم المادي واللوجستي لدول المنطقة في هذا الصدد.

وإن كان ذلك يمثل أيضًا مكسبًا استراتيجيًّا لكل من إثيوبيا وكينيا كونه يضمن استمرار تمركز قوات البلدين في الصومال لمرحلة ما بعد انسحاب قوات أتميص الأفريقية من البلاد المقرر لها في ديسمبر 2024، وهو ما يعزز نفوذ البلدين في الداخل الصومالي، واستمرار ممارسة الضغوط على النظام الصومالي ليضمن كل طرف عدم التطرق لملفات شائكة مثل احتلال إثيوبيا لإقليم أوجادين (الإقليم الصومالي في إثيوبيا).

كما قد يدفع هذا التحالف الجديد المحتمل نحو المساهمة في تخفيف حدة سوء الأوضاع الإنسانية الإقليمية في القرن الأفريقي بسبب موجات الجفاف والصراعات المسلحة، وذلك عبر التنسيق مع القوى الدولية الفاعلة لتقديم المساعدات الإنسانية لدول المنطقة.

وإجمالًا، قد يمثل الجانب الأمني الذي عكسته قمة مقديشو مدخلًا مهمًا لتدشين تحالف رباعي في القرن الأفريقي، ويعززه توسع علاقات التعاون بين الدول الأربع لا سيما على الصعيد الاقتصادي ربما تمهيدًا لخلق حالة من التكامل الاقتصادي الإقليمي في المنطقة التي تواجه جملة من التحديات والأزمات الإقليمية والدولية تطال تداعياتها جميع دولها، الأمر الذي ربما يفتح المجال أمام انخراط دول أخرى لهذا الرباعي مثل السودان وجنوب السودان خلال الفترة المقبلة.

ومع ذلك، يبرز عدد من المعوقات في وجه هذا الطرح على رأسها احتمال تصاعد التنافس الإثيوبي الكيني على النفوذ في المنطقة، إضافة إلى ممانعة الرئيس أسياس أفورقي لبناء أي تحالف خوفًا من أن يكون موجهًا ضده وضد مصالحه في الداخل الإريتري وفي الإقليم.