• اخر تحديث : 2024-11-23 11:50
news-details
تقدير موقف

كيف أنعشت الحرب الأوكرانية "السوق السوداء" للأسلحة؟


مع اندلاع الحرب الأوكرانية، أكدت كييف حاجتها إلى دعم الدول الغربية وحلفاء الناتو لها بالسلاح والمعدات اللازمة لمواجهة القوات الروسية. ومع استمرار تدفق السلاح إلى أوكرانيا بكميات كبيرة، برزت مخاوف من انتعاش السوق السوداء للسلاح وعمليات الاتجار غير المشروع، في ظل نقاط الضعف التي تعانيها عملية نقل الأسلحة إلى أوكرانيا، والمحفزات التي فرضتها معطيات الحرب الأوكرانية. وقد سبق أن حذر الأمين العام للإنتربول يورجن ستوك، في يونيو الماضي، من أن الصراع في أوكرانيا سيؤدي إلى ظهور العديد من الأسلحة في السوق السوداء. ويلاحظ هنا أن موسكو وظفت هذا الملف للضغط على الدول الغربية؛ فخلال شهر يناير الماضي، أكد عضو لجنة “الدوما” الروسي للأمن ومكافحة الفساد أدالبي شكاجوشيف، أن إمدادات الأسلحة الأمريكية إلى أوكرانيا تخلق سوقاً سوداء جديدة للسلاح في أوروبا.

مؤشرات التدفق

ثمة عدد من المؤشرات يُستدل بها على ارتباط الحرب الأوكرانية بتزايد عمليات تجارة السلاح في السوق غير الرسمية، وتدفق الأسلحة الموجهة للحرب الأوكرانية إلى تلك السوق، ومنها:

1- تقارير حول وصول نسب قليلة من السلاح إلى جبهات القتال: نُشر عدد من التقارير أشارت إلى وصول نسب قليلة من تدفقات السلاح إلى جبهات القتال، وأن بقية التدفقات لم تصل إلى وجهتها النهائية؛ فعلى سبيل المثال أكد جوناس أومان المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة “Blue-Yellow”، أن نحو 30-40% فقط من الإمدادات القادمة عبر الحدود وصلت إلى وجهتها النهائية.

وأشارت شبكة CBS الأمريكية، في تقرير لها عن عملية تسليح أوكرانيا منذ بدء الحرب الروسية، إلى أن 30% فقط من الأسلحة التي يرسلها الغرب إلى الجيش الأوكراني هي التي وصلت بالفعل إلى وجهتها النهائية، فيما نقلت تقارير صحفية عن مسؤولين عسكريين أوكرانيين أن بلادهم فقدت ما يقرب من 50% من إمدادات الأسلحة التي تدفقت منذ اندلاع الحرب؛ ما يفتح الباب لبيعها لأطراف ثالثة.

2- محاولة وكالات إعلامية شراء أسلحة المساعدات عبر الإنترنت: نشرت شبكة “روسيا اليوم” تقريراً أعلنت فيه أن عدداً من صحفييها حاولوا الدخول ضمن عمليات شراء لأسلحة كانت موجهة إلى الجيش الأوكراني ووصلت إلى عصابات التهريب، وأكدت أن تدفق الأسلحة الغربية إلى الجيش الأوكراني أدى إلى ظهور أسواق بديلة على “شبكة الإنترنت المظلمة” يمكن شراء بعض هذه الأسلحة من خلالها، مشيرةً إلى أن أسعار تلك الأسواق البديلة منخفضة جداً، وأن مهربي الأسلحة الأوكرانيين ربما يكونون قد أقاموا اتصالات وتفاهمات مع حرس الحدود بحيث يتمكنوا من العبور من بولندا وإليها دون تعقيدات.

3- تحذيرات من تدفق السلاح لجماعات الجريمة المنظمة: على الصعيد الدولي، حذرت منظمة الشرطة الجنائية الدولية، في يونيو الماضي، من أن بعض الأسلحة المتقدمة المرسلة إلى أوكرانيا ستنتهي إلى أيدي جماعات الجريمة المنظمة، كما سبق أن أعلنت وكالة تطبيق القانون الأوروبية، في أبريل الماضي، أن تحقيقاتها تشير إلى بدء عمليات تهريب الأسلحة من أوكرانيا لتزويد جماعات الجريمة المنظمة، وحذرت من أن الحرب أدت إلى انتشار عدد كبير من الأسلحة النارية والمتفجرات في البلاد، وأن تسرب تلك الأسلحة لجماعات الجريمة المنظمة يهدد الأمن الأوروبي.

4- مخاوف أمنية من تكرار خبرات الحروب السابقة: دفعت خبرات الحروب السابقة في أوروبا، وفي بقية دول العالم، الحكومات والمنظمات الدولية إلى التحذير من احتمالات تكرار تدفق السلاح من مناطق الحروب إلى السوق السوداء. وقد أشارت وكالة تطبيق القانون الأوروبية، في يوليو الماضي، إلى ذلك بقولها إن التهديد المحتمل الذي لوحظ في مناطق الحرب في الماضي، هو أن الأسلحة النارية يمكن أن تقع في الأيدي الخطأ.

5- إبلاغ فنلندا عن تهريب أسلحة من المساعدات إلى دول أوروبية: على مستوى عمل أجهزة الشرطة المحلية في الدول الأوروبية، حذرت فنلندا، في أكتوبر الماضي، من تهريب عصابات إجرامية أسلحة المساعدات الغربية من أوكرانيا؛ حيث أفاد كريستر ألجرين رئيس قسم الجريمة المنظمة في مكتب التحقيقات بالشرطة الفنلندية، بأن الأسلحة التي أُرسِلت في الأصل باعتبارها مساعدات عسكرية لأوكرانيا، بما في ذلك بنادق هجومية ومسدسات وقنابل يدوية وطائرات بدون طيار مقاتلة، عُثر عليها في عدة دول أوروبية. ورغم أنه لم يعط تفاصيل نوعية عن عمليات التهريب التي اكتشفتها الشرطة الفنلندية، مثل عدد الأسلحة المستعادة أو قيمتها السوقية، فإنه أكد اعتقاد أجهزته الأمنية أن ثلاثة من أكبر العصابات أعادت تنشيط طرق التهريب، لإعادة توجيه الأسلحة المتجهة إلى أوكرانيا.

محفزات ميدانية

يرجع انتعاش أسواق السلاح غير الرسمية، المرتبط بالحرب الأوكرانية، إلى عدة محفزات، منها:

1- دعوات الحكومة الأوكرانية مواطنيها لحمل السلاح: مع بدء الحرب الروسية على أوكرانيا، دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، مواطنيه لحمل السلاح، كما أكد وزير الدفاع الأوكراني السابق أوليكسي ريزنيكوف، أن أي شخص لديه الاستعداد والقدرة على حمل السلاح، يمكنه الانضمام إلى صفوف قوات الدفاع؛ الأمر الذي يعني غطاءً شبه شرعي لحيازة وتداول الأسلحة بين المواطنين في ظل حالة الحرب الراهنة، فيما تشير تقارير صحفية إلى أن نحو 2.5 مليون أوكراني يمتلكون سلاحاً بشكل شرعي في أوكرانيا، بينما يمتلك 5 ملايين آخرون أسلحة غير مرخصة، مع تداول عشرات الآلاف من بنادق الكلاشينكوف وأسلحة أخرى بالسوق السوداء.

2- التوقف عن الاحتفاظ بسجلات الأسلحة المسلَّمة للمدنيين: سلطت وكالة تطبيق القانون الأوروبية، في أبريل الماضي، الضوء على أحد العوامل التي تتسبب في تيسير تدفق الأسلحة من أوكرانيا إلى جماعات الجريمة المنظمة؛ حيث أشارت إلى أن المسؤولين الأوكرانيين، مع تقدم الحرب، تخلوا عن فكرة الاحتفاظ بسجلات للأسلحة النارية التي تم تسليمها للمدنيين، وأن الأسلحة النارية أضحت تُوزع دون سجلات، على النحو الذي يحد من القدرة على تتبع هذه الأسلحة والتأكد من عدم تسربها إلى السوق غير الرسمية لتجارة السلاح؛ لذلك دعت وكالة “يوروبول” إلى الاحتفاظ بسجل للأسلحة والمواد والمعدات العسكرية المنقولة من الاتحاد الأوروبي إلى أوكرانيا؛ لمساعدة وكالات إنفاذ القانون على تعقبها.

3- اتهام شبكات الفساد بتهريب أسلحة المساعدات الغربية: في سياق الحديث عن تهريب جزء من أسلحة المساعدات الغربية لأوكرانيا إلى الأسواق غير الرسمية لتجارة السلاح، يثار الحديث عن دور شبكات الفساد في أوكرانيا في هذا الأمر؛ حيث يشير جوناس أومان المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة Blue-Yellow””، إلى أن السوق السوداء للسلاح في أوكرانيا ازدهرت منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، وكونت شبكات فاسدة من مسؤولين ورجال أعمال وساسة وشبكات تهريب، كما حذر جيف أبرامسون العضو البارز في جمعية الحد من الأسلحة، من تسبب الفساد داخل الحكومة الأوكرانية في زيادة احتمالات انتقال السلاح الغربي إلى السوق غير الرسمية.

4- تنامي خبرات شبكات تهريب السلاح في أوكرانيا خلال العقود الماضية: تُرجع العديد من التقارير الخبرة الأوكرانية باعتبارها مركزاً لتهريب الأسلحة عبر الأسواق غير الرسمية، إلى تسعينيات القرن الماضي، وبالتحديد مع انهيار الاتحاد السوفييتي؛ حين ترك الجيش السوفييتي كميات كبيرة من الأسلحة الصغيرة والخفيفة في أوكرانيا دون الاحتفاظ بالسجلات الكافية ومراقبة المخزون، وهو المخزون الذي تحول جزء منه – وفق تقارير ومسوح بحثية – إلى مناطق نزاع أخرى، وتسرب إلى السوق غير الرسمية للسلاح. ومع التدخل الروسي في شبه جزيرة القرم عام 2014، “تمكن المقاتلون غير النظاميين من كلا الجانبين تدريجياً من الوصول إلى مجموعة واسعة من المعدات العسكرية، بما في ذلك مجموعة كاملة من الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة” وفق ما ذكره تقرير لمشروع “Small Arms Survey” في عام 2017، الذي قدَّر الأسلحة الصغيرة والخفيفة التي فُقدت أو نُهبت بين عامي 2013 و2015 بنحو 300 ألف قطعة؛ حيث جرت عمليات نهب وفقدان للأسلحة والذخيرة من المخازن استفادت منها عصابات التهريب وتجار السلاح في السوق السوداء.

5- انتهاء الإشراف الغربي على الأسلحة عند حدود بولندا: يرفع المسؤولون الغربيون أيديهم عن مسؤولية حدوث تسرب للأسلحة التي تُسلَّم لأوكرانيا إلى السوق السوداء، ويبررون عدم قدرتهم على تأكيد المساءلة والشفافية فيما يتعلق بعمليات نقل الأسلحة إلى كييف بأن السلاح الغربي يتم إيصاله إلى الحدود البولندية الأوكرانية، ثم يجري تفريغه في شاحنات لتسليمه لمسؤولين أوكرانيين ونقله داخل الأراضي الأوكرانية، وينتهي حينها الإشراف الأمريكي والغربي على الأسلحة. ولا يستطيع المسؤولون الغربيون التأكد بأنفسهم بعد ذلك من مكان أو استخدامات شحنات السلاح.

6- عدم وجود المانحين العسكريين على أرض المعركة: يساهم الوجود الميداني لعناصر تابعة للحكومات المانحة على تتبع تدفقات السلاح ومراقبة مساراتها، وتعزيز المساءلة عن عملية تداول السلاح وانتقاله، رغم حدوث بعض الثغرات في وجود هذه العناصر أيضاً، إلا أن عدم وجود عناصر من القوات الأوروبية والأمريكية بشكل خاص على أرض المعركة، في ظل رغبة واشنطن في تجنب الانخراط العسكري المباشر، حد من قدرتها على تتبع عمليات انتقال السلاح داخل الأراضي الأوكرانية. وقد اعترف وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، بالفعل بأن عدم وجود قوات لبلاد على الأرض، يُصعِّب عملية التتبع والمساءلة.

7- غياب وسائل إنفاذ اتفاقيات عدم نقل المعدات: في حين قال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، في مايو الماضي، إن الولايات المتحدة أجرت فحصاً شاملاً للوحدات الأوكرانية التي تزودها بها، وأجبرت كييف على توقيع اتفاقيات لا تسمح بإعادة نقل المعدات إلى أطراف ثالثة دون إذن مسبق من الحكومة الأمريكية. فإن تنفيذ تلك الاتفاقيات على أرض الواقع يواجه تحديات يجعلها محدودة التأثير، على رأسها غياب وسائل الإنفاذ، فضلاً عن الشكوك في قدرة الحكومة الأوكرانية ذاتها على ضمان تنفيذ تلك الاتفاقيات.

8- توفير الحكومة الروسية الأسلحة للقوات الانفصالية والمرتزقة: منذ ما قبل اندلاع الحرب الأوكرانية بشكل رسمي، اتهمت تقاريرُ الحكومةَ الروسية بالتورط في توفير الأسلحة للقوات الانفصالية في شرق أوكرانيا، فضلاً عن تجنيد مقاتلين مرتزقة من الشرق الأوسط، وبالتحديد من دول مثل ليبيا وسوريا وكذلك الشيشان، فضلاً عن الدور الذي تلعبه مجموعة فاجنر الروسية. وهو ما يهدد بتسرب السلاح إلى الدول الأصلية لهؤلاء المقاتلين مرة أخرى عند عودتهم.

حرب معلومات

يدفع جانب كبير من الخطاب الغربي إلى اعتبار أن الحديث عن تدفق الأسلحة المقدمة لدعم أوكرانيا إلى الأسواق غير الشرعية للسلاح إنما هو جزء من دعاية روسية؛ فعلى هامش الحرب العسكرية، ثمة حرب معلومات تدور بين المنصات والأجهزة الغربية والروسية حول حدوث تلك التدفقات بالفعل أولاً، وحول المسؤول عن حدوثها ثانياً، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:

1- تأكيد روسي بتهريب الأسلحة الغربية للجماعات الإجرامية: تؤكد روسيا من جانبها أن المساعدات العسكرية الغربية إلى أوكرانيا، يتم تحويلها إلى السوق السوداء، ومن ثم يتم تهريبها إلى الجماعات الإرهابية والإجرامية؛ حيث أكدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زخاروفا، في أكتوبر الماضي، أن جزءاً كبيراً من الأسلحة التي يدعم بها حلف الناتو أوكرانيا دخل بالفعل أو سيدخل قريباً السوق السوداء للسلاح، وسينتهي بها المطاف في أيدي الإرهابيين والمتطرفين والجماعات الإجرامية في الشرق الأوسط ووسط أفريقيا وجنوب شرق آسيا.

كما أكد عضو لجنة “الدوما” الروسي للأمن ومكافحة الفساد أدالبي شكاجوشيف، في تصريح لوكالة “نوفوستي” خلال شهر يناير الماضي، أن إمدادات الأسلحة الأمريكية إلى أوكرانيا تخلق سوقاً سوداء جديدة للسلاح في أوروبا، وذكر أن “أكثر سوق سوداء مكتظة بالأسلحة الأمريكية، موجودة الآن في بولندا وفرنسا، فضلاً عن السوق الموجودة أصلاً في دول الشرق الأوسط”، وأضاف أن "أسلحة السوق السوداء تقع في أيدي المنظمات والخلايا الإرهابية فيما لا يقل عن 10 دول – 15 دولة".

2- اتهام الولايات المتحدة روسيا بالقيام بدعاية كاذبة: تتهم الولايات المتحدة روسيا بأن تقاريرها وتصريحاتها عن تدفق السلاح الغربي إلى السوق السوداء، تأتي في إطار حملات دعائية روسية كاذبة، بل تعتبر أن المشكلة لا تتعلق بتهريب الأوكرانيين للسلاح الغربي، وإنما تتعلق بمصادرة الأسلحة من قبل القوات الروسية خلال المعارك؛ حيث يمكن في هذه الحالة أن تستخدم روسيا الأسلحة المصادَرة في القيام بعمليات دعائية كاذبة، كما اعتبر المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية إريك باهون، تقارير بيع صواريخ جافلين الأمريكية على الإنترنت من قبل مسلحين أوكرانيين، بمنزلة حملة تضليل روسية.

3- رفض الحكومة الأوكرانية القلق من تسرب الأسلحة: ترفض الحكومة الأوكرانية الحديث عن تسرب الأسلحة التي تتسلمها من دول حلف الناتو إلى سوق السلاح غير الرسمية؛ فعلى سبيل المثال، رفض وزير الدفاع الأوكراني السابق أوليكسي ريزنيكوف، في يوليو الماضي، المخاوف المتعلقة بتحول الأسلحة التي ترسلها الولايات المتحدة ودول أخرى إلى أوكرانيا إلى شبكات الاتجار غير المشروع بالأسلحة، ووصف القلق من ذلك الأمر بأنه “مصمم بشكل مصطنع”، في إشارة إلى وقوف أجهزة الدعاية الروسية وراءه، مؤكداً تعاون بلاده مع تلك الدول لضمان الشفافية، وأنها عرضت على تلك الدول إرسال بعثات للمراقبة، وأن بعض الدول قامت بذلك بالفعل.

4- إعلان واشنطن عدم تأكدها من حدوث عمليات تهريب: صرح مسؤول عسكري أمريكي كبير للصحفيين، في أكتوبر الماضي، بأن البنتاجون لم ير أي علامات أو أدلة موثوقة على حدوث عمليات تهريب لأي من الأسلحة التي أرسلتها الولايات المتحدة إلى أوكرانيا، أو على استخدامها في مهام أخرى غير مواجَهة القوات الأوكرانية للقوات الروسية، مؤكداً أن وزارة الدفاع الأمريكية لا تمتلك أي مؤشرات على أن هذه الأسلحة ذهبت إلى أي مكان آخر غير القتال ضد الروس، وأن الوزارة ترى أن القوات الأوكرانية تستخدم تلك المساعدات بالفعل على خطوط المواجهة.

5- إلقاء المسؤولية على روسيا باعتبارها من بدأت الحرب: رغم أن الولايات المتحدة تنفي وجود أدلة مؤكدة على انتقال أسلحة الدعم الغربي من أوكرانيا إلى سوق السلاح غير الرسمية ومن ثم إلى الجماعات الإجرامية، فإنها تحرص على تحميل الجانب الروسي مسؤولية ذلك، حال حدوثه؛ فقد أشار المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس، في أكتوبر الماضي، إلى أن روسيا عبر بدئها تلك الحرب، تتحمل المسؤولية عن أي تطورات أو تحولات ناتجة عنها، ومنها وصول الأسلحة إلى المنظمات الإجرامية والسوق السوداء.

6- التعويل على الحاجة المكثفة للسلاح كحائل دون تهريبه: تدفع الولايات المتحدة، في ترويجها لضعف احتمالات تسرب السلاح الغربي إلى السوق السوداء، بأن الحاجة الأوكرانية المكثفة والشديدة لتلك الأسلحة، تحول دون تدفقها إلى التجارة غير المشروعة، وأن الطلب الداخلي المكثف على الأسلحة للاستخدام في ساحة المعركة من قبل الجيش الأوكراني، يعيق انتشار الأسلحة الصغيرة وأنظمة الدفاع الجوي المحمولة والأسلحة المضادة للدبابات في السوق السوداء، وهو ما يتوافق مع تصريحات وزير الدفاع الأوكراني السابق أوليكسي ريزنيكوف، في يوليو الماضي، التي قال فيها إن قواته تحتاج للسلاح من أجل البقاء، ومن ثم ليس لديهم سبب لتهريب الأسلحة من أوكرانيا.

ارتدادات أمنية

يثير تدفق الأسلحة من ساحة الحرب الأوكرانية إلى أسواق السلاح غير المشروعة العديد من المخاوف؛ لما له من ارتدادات أمنية إقليمية وعالمية، منها:

1- مخاوف من استيلاء جماعات إجرامية على السلاح: تثير عملية تدفق الأسلحة إلى ساحة الحرب الأوكرانية بمستويات منخفضة من المساءلة والشفافية والأمن، مخاوف من أن تستطيع بعض الجماعات الإجرامية والإرهابية الاستيلاء على تلك الأسلحة، سواء أثناء نقلها أو الاستيلاء عليها من مخازنها، وهي المخاوف التي تعضدها خبرات سابقة في البلقان والعراق وأفغانستان، فضلاً عن استغلال تلك الجماعات حالة السيولة التسليحية، وانتعاش شبكات الاتجار غير المشروع بالسلاح لشراء السلاح الغربي المتطور من السوق السوداء بأسعار رخيصة، ونقله إلى أماكن نشاطها.

2- استفادة التنظيمات الإرهابية من تدفق الأسلحة إلى أفريقيا: أثار اندلاع الحرب الأوكرانية المخاوف في قارة أفريقيا على وجه الخصوص من أن تتأثر القارة بانتعاش سوق الأسلحة غير الشرعية، وتغذية عمليات تجارة وتهريب السلاح في أفريقيا المرتبطة بعصابات الجريمة المنظمة والتنظيمات الإرهابية؛ ما يتسبب في تزايد مخاطر الإرهاب في القارة، وتأجيج الصراعات، وتشكيل العديد من التحديات الأمنية، وهو ما نبه عليه الرئيس النيجيري محمد بخاري، أمام قمة رؤساء دول لجنة حوض بحيرة تشاد، في 29 نوفمبر الماضي؛ حيث أشار إلى أن الحرب الروسية الأوكرانية تسمح بتدفق الأسلحة والمقاتلين إلى منطقة بحيرة تشاد، وتحويل مسار الأسلحة الخاصة بالحرب إلى غرب إفريقيا، وتصل في النهاية إلى التنظيمات الإرهابية؛ ما يعزز قوتها.

3- قلق من فقدان السيطرة على المجموعات المسلحة: حتى مع التثبت من تسليم الأسلحة إلى المجموعات المقاتلة، فإن ثمة قلقاً من فقدان السيطرة على تلك المجموعات، واستغلال الأسلحة التي حصلت عليها. وفي هذا السياق، يطرح البعض تخوفات من أن يفقد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، دعم الجماعات اليمينية المتطرفة مثل كتيبة آزوف، بالشكل الذي يجعل تلك الجماعات تتصرف بشكل منفرد، مستغلةً ما تمتلكه من قوة وسلاح، فضلاً عن أن انتشار السلاح قد يحفز بعض المجموعات غير العسكرية على إنشاء جناح عسكري، مع احتمالات حدوث بعض التمردات مع استمرار الحرب.

4- تحذيرات من تهريب الأسلحة إلى دول الاتحاد الأوروبي: حذرت وكالة يوروبول، في يوليو الماضي، من أن انتشار الأسلحة النارية والمتفجرات في أوكرانيا، وانتقالها إلى السوق السوداء، يمكن أن يؤدي إلى زيادة الأسلحة النارية والذخائر التي يتم تهريبها إلى الاتحاد الأوروبي عبر طرق التهريب القائمة التقليدية، أو عبر منصات الإنترنت، خاصة في مرحلة ما بعد الحرب الأوكرانية، بالشكل الذي يمثل خطراً على الأمن الأوروبي، خاصةً الأسلحة الخفيفة التي قد تستغلها عصابات الجريمة أو متطرفون داخل الدول الأوروبية.

محاولات للضبط

ختاماً: رغم عدم اعتراف الدول الغربية بحدوث مشكلات في عملية توريد الأسلحة للجيش الأوكراني، وإنكار انتقالها إلى السوق غير الرسمية للسلاح، فإن ثمة مطالبات وإجراءات للتدخل لضبط تلك العملية والحيلولة دون تفاقمها. وقد ناقش عدد من الدول الأعضاء في حلف الناتو مع أوكرانيا تطوير شكل من أشكال نظام التتبع أو قوائم الجرد التفصيلية للأسلحة الموردة إلى أوكرانيا، بحيث تنشئ الحكومة الأوكرانية نظاماً أكثر شمولاً لمراقبة الأسلحة وتعقبها بمساعدة الدول الغربية، كما طالب أعضاء من الكونجرس الأمريكي بإشراف أكثر صرامة على إمدادات الأسلحة الأمريكية لأوكرانيا. وأعلنت الولايات المتحدة، في أكتوبر الماضي، عن برنامج تتبع؛ لضمان عدم تهريب الأسلحة الخفيفة العالية التقنية التي تم التبرع بها لأوكرانيا.

فقد كشفت وزارة الخارجية الأمريكية عن خطتها الجديدة التي تعتمد على أساليب غير تقليدية، مثل تتبع وسائل التواصل الاجتماعي، وتعزيز الاستفادة من المعلومات الاستخباراتية المفتوحة المصدر، باعتبار أن الطبيعة المختلفة للحرب الأوكرانية النشطة تتطلب إجراءات مختلفة، كما تتضمن الخطة مبادرات قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل لتعزيز الرقابة الأمريكية والأوكرانية على الأسلحة المنقولة، وخاصةً أنظمة الصواريخ الأكثر تقدماً، والأجهزة المضادة للطائرات، وتحسين الطيران وأمن الحدود في أوكرانيا لمكافحة إساءة استخدام الأسلحة ومنع الاتجار غير المشروع بها.