• اخر تحديث : 2024-05-03 21:39
news-details
قراءات

هل يتراجع زخم الدعم الغربي لأوكرانيا خلال المرحلة القادمة؟


حرصت الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي على تقديم الدعم والمساندة لأوكرانيا منذ اندلاع الحرب الروسية–الأوكرانية في 24 فبراير 2022. وبالرغم من تأكيد الدول الغربية أنها ستستمر في مد يد العون إلى كييف، فإن هناك تحديات قد تحول دون استمرار تقديم هذا الدعم، ومن أبرزها حدوث تضارب في المصالح بين مختلف الأطراف، واستنزاف موارد المساعدة لكييف، فضلاً عن موجات التضخم غير المسبوقة في كافة أرجاء العالم، بجانب عدم القدرة على مجاراة القدرات العسكرية الروسية، والتعبئة المستمرة للمقاتلين. وما يجعل هناك صعوبة في حسم موقف الدول الغربية هو أنها إذا تخلت عن أوكرانيا كلياً فإنها ستكون عرضة لضربات اقتصادية وتهديد لأمنها القومي مستقبلاً، فضلاً عن ضعف صورتها أمام العالم؛ ولذلك ستظل الدول الغربية في حاجة لمساندة كييف. وبين هذا وذاك، سيكون من الصعب الجزم بإمكانية انتهاء الحرب الروسية الأوكرانية خلال عام 2023.

تحديات الدعم 

هناك مجموعة من التحديات قد تُقلل من مستوى الدعم الذي تقدمه الدول الغربية لأوكرانيا بحيث لا يكون بمقدار الدعم المقدم لها خلال العام الماضي. ويمكن تلخيص تلك التحديات فيما يلي:

1– تقلبات الرأي العام الغربي تجاه أزمة أوكرانيا: أشارت بعض استطلاعات الرأي داخل الولايات المتحدة الأمريكية إلى تغير في الرأي العام الأمريكي تجاه الأزمة الأوكرانية؛ فبعدما كانت نسبة داعمي تقديم المساعدات الأمريكية لكييف مرتفعة، تراجعت تلك النسب، مشيرين إلى أن واشنطن قد قدمت بالفعل الكثير من المساعدات من أموال دافعي الضرائب إلى أوكرانيا؛ حيث قدمت خلال العام الماضي منذ اندلاع الحرب مساعدات عسكرية بقيمة 20 مليار دولار، وهو ما يراه البعض ضخماً، ومن الصعب استمراره على الوتيرة نفسها، كما أن هناك مشرعين داخل الكونجرس يؤمنون بالفكرة ذاتها.

2– صعوبة تخلي الدول الأوروبية عن الطاقة الروسية: يعتمد عدد كبير من دول الاتحاد الأوروبي، وعلى رأسها ألمانيا، بصورة كبيرة، على موارد الطاقة الروسية، ولا سيما الغاز الطبيعي، وهو أمر لا يمكن إيجاد بديل له على المدى القصير؛ ولذلك سيكون من الصعب على الدول الأوروبية الاستمرار في تقديم الدعم العسكري لأوكرانيا على حساب مصالحها؛ لاستمرار ارتفاع فواتير الطاقة، وعدم القدرة على تلبية احتياجات مواطنيها منها؛ ما قد يؤدي إلى تقلب الرأي العام ضد الحكومات في تلك الدول بما يسمح بحدوث توترات اجتماعية واقتصادية وسياسية  داخل العديد من الدول الأوروبية، وهو الأمر الذي سيجبرها في لحظة ما على تقليل الدعم العسكري لكييف، والبدء في التفاوض من أجل قبول شروط موسكو.

3– ارتفاع مستويات التضخم داخل الدول الغربية: مع استمرار ارتفاع مستويات التضخم العالمية، ستتجه الدول الغربية إلى تقليل الدعم لكييف، ولا سيَّما أن الدول تتحمل بالفعل أعباء كبيرة لسد تكاليف الغذاء والطاقة لشعوبها؛ لذلك سيكون من الصعب عليها الاستمرار في اقتطاع أجزاء من ميزانياتها الوطنية من أجل تقديم الدعم والمساندة لأوكرانيا.

4– تبايُن القدرات الدفاعية بين موسكو وكييف: أثبتت الحرب أن روسيا لديها قدر من المرونة في إنتاج الأسلحة بوتيرة سريعة، سواء كانت تقليدية أو حديثة؛ فقد زادت من إنتاج صواريخ كروز بالرغم من العقوبات الاقتصادية الغربية عليها، كما زادت موسكو من إنتاج الأنظمة التقليدية المنخفضة الجودة بوتيرة سريعة، وهو ما سمح لها بالاستمرار في قصف أوكرانيا بوتيرة ثابتة منذ أكتوبر المنصرم. وهناك معلومات غير مؤكدة حول دعم كوريا الشمالية لروسيا عسكرياً، بجانب استمرار موسكو في إنتاج الدبابات بما يدعم سيناريو استمرار موسكو في الحرب حتى أوائل الصيف القادم.

أما على الجانب الآخر فلا تمتلك أوكرانيا الأسلحة القادرة على مواجهة روسيا، خاصة “ناقلات الجنود المدرعة ومركبات المشاة القتالية والدبابات”، وإذا زاد الغرب من مد كييف بهذه الأنواع من الأسلحة من المخزون المتاح لديه فربما تكون قادرة على الاستمرار في مجابهة موسكو خلال النصف الثاني من عام 2023، وهو أمر مشكوك فيه بالنظر إلى بدء الحديث عن تراجع المخزون من الأسلحة والذخيرة في بعض الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة؛ بسبب المساعدات المقدمة لأوكرانيا.

وحتى مع تعهد واشنطن ودول شمال وشرق أوروبا بزيادة إنتاج الذخيرة والأسلحة منذ الصيف الماضي، فإن مستوى إنتاج دبابات “ليبوبارد 2 Leopard 2” – على سبيل المثال – سيظل ثُمن معدل إنتاج الدبابات الروسية، وهو ما قد يساعد على تقهقر القوات الأوكرانية داخل إقليم دونباس، وتراجع الروح المعنوية لديها. ولكن في الوقت ذاته ستستمر الخسائر الروسية، لكنها لن تحول دون استمرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الحرب.

دوافع غربية

على الرغم من التحديات التي تقوض استمرار الدعم الغربي لأوكرانيا على وتيرة العام السابق، فإن هناك مجموعة أخرى من الأسباب التي قد تحول دون توقف الدول الغربية عن تقديم يد العون لأوكرانيا بشكل نهائي، ويمكن إيجاز أهم تلك الأسباب فيما يلي:

1– رغبة الدول الغربية في استنزاف روسيا: ترغب الدول الغربية وبشدة في استنزاف القدرات الاقتصادية والعسكرية الروسية، وتغيير مسار الحرب لصالح لأوكرانيا، وهو الأمر الذي قد يُحفز على استمرار الدعم العسكري والمعنوي والاستخباراتي المقدم لكييف؛ حيث تنظر الدول الغربية إلى كييف باعتبارها ساحة حرب بالوكالة؛ إذ إنها تقدم المساعدات العسكرية للقوات الأوكرانية دون أن تضطر هي أن تزج بجنودها وتتكبد خسائر بشرية ومالية كبيرة؛ ولذلك قد تستمر في تقديم الدعم لكييف حتى تتمكن من إنهاك الجانب الروسي وتضييق الخناق عليه.

2– التخوف من توجُّه موسكو لحسم الحرب: بدأت موسكو منذ سبتمبر 2022 في تعبئة المزيد من الجنود وإرسالهم إلى أوكرانيا، ولو من دون تدريب، وتستمر في ممارسة حرب استنزاف لموارد كييف في المناطق الشرقية، كما أنها تستهدف محطات الطاقة، ومنشآت البنية التحتية الحيوية؛ بغرض إنهاك كييف ودفعها للاستسلام طواعيةً، ومن شأن ذلك أن يحسم الحرب سريعاً لصالح موسكو، وهو ما قد يكون محفزاً لاستمرار الدعم الغربي لأوكرانيا.

3– دفع بعض القطاعات لاستمرار دعم أوكرانيا: بالرغم من أنه سبق الإشارة إلى وجود بعض التقلبات في الرأي العام الغربي بشأن استمرار الدعم لأوكرانيا، فإن هناك استطلاعات أخرى تشير إلى متابعة الشعوب الغربية بقوة لما يدور في ساحات المعركة الأوكرانية؛ فخلال استطلاع رأي أجرته مؤسسة إيبسوس في أكتوبر الماضي في الولايات المتحدة، وُجد أن ثلثي الأمريكيين يتابعون تطورات الحرب الروسية الأوكرانية عن قرب.

كما أشار أكثر من النصف إلى ضرورة استمرار واشنطن في إرسال المساعدات إلى كييف. ووفقاً لاستطلاع رأي آخر أجرته المؤسسة الألمانية لاستطلاعات الرأي Bertelsmann Stiftung في أكتوبر 2022، فإن 60% من سكان دول الاتحاد الأوروبي يدعمون استمرار الدعم الأوروبي لأوكرانيا، وجاء مواطنو دولتي فرنسا وألمانيا في المقدمة.

4– خشية غربية من زيادة تدفق اللاجئين الأوكرانيين: إذا استمرت الحرب الروسية–الأوكرانية وتحقيق موسكو نجاحات في أرض المعركة، فإن ذلك يعني مزيداً من الخسائر البشرية المدنية في أوكرانيا، فضلاً عن زيادة موجات تدفق اللاجئين الأوكرانيين إلى الدول الغربية، وهو أمر يضع عليها مزيداً من الأعباء والالتزامات؛ لذلك ستكون في حاجة لاستمرار تقديم المساعدة لأوكرانيا؛ لعدم إضعاف موقفها، ومن ثم إيقاف موجات اللاجئين الأوكرانيين للدول الغربية.

التحدي الداخلي

وختاماً، يمكن القول إن استمرار الدعم الغربي لكييف سيكون مقروناً بقدرة الدول الغربية المتمثلة في الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية على الحفاظ على استقرار مستويات الأسعار الداخلية، وضبط الاقتصادات ومستويات التضخم وسلاسل الإمداد من الطاقة بحيث تبقى بمنأى عن الحرب، لكن إذا تغيرت تلك الأوضاع فسيكون من الصعب على الدول الغربية الاستمرار في دعم كييف؛ لأنها ستكون في حاجة لمعالجة مشكلاتها الداخلية أولاً.