مع قُرب انتهاء فصل الشتاء، وبدء فصل الربيع الذي يُنظر إليه على أنه يمثل بدء مرحلة جديدة في الحرب الروسية–الأوكرانية، تزداد التوقعات بحدوث تصعيد جديد في مسار الحرب؛ الأمر الذي دفع إلى تحذيرات دولية من مخاطر هذا التصعيد المحتمل؛ فقد أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، عن قلقه بشأن الاتجاه الأخير للحرب، معتبراً أن آفاق السلام تتضاءل، مقابل تزايد فرص التصعيد. فيما اعتبرت الممثلة السامية للأمم المتحدة لشؤون نزع السلاح إيزومي ناكاميتسو، أن التدفق الواسع النطاق للأسلحة في الصراع الروسي–الأوكراني يضاعف القلق بشأن ارتفاع حدة الصراع، مشيرة إلى تزايد الهجمات على البنية التحتية والمدنية التي اعتبرتها تصعيداً غير مقبول للحرب.
الإصرار الروسي
ثمة عدد من المؤشرات تعزز احتمالات أن تشهد الحرب الروسية الأوكرانية تصعيداً خلال فصل الربيع، أو تفسر تزايد الاعتقاد الدولي بالإقدام على مثل هذا التصعيد. وهذه المؤشرات متعلقة، في جانب منها، بطبيعة التحركات والسياسات الروسية. ويمكن تناول أبرز هذه المؤشرات فيما يلي:
1- توقعات أوكرانية بتصعيد روسي خلال الأشهر القادمة: بعد مرور عام على الحرب الأوكرانية، تشير تصريحات المسؤولين الأوكرانيين إلى إدراكهم أن الشهور القادمة قد تكون أصعب مما مضى، وأنها قد تشهد تصعيداً عسكرياً روسياً، وهو ما يدفعهم لتعزيز المطالبات بالدعم العسكري الغربي وتزويد الحلفاء الغربيين لكييف بالمزيد من الأسلحة لمواجهة هذا التصعيد المحتمل.
وقد أكدت ناتاليا هومينيوك رئيسة المركز الصحفي المنسق الموحد لقوات الأمن والدفاع في جنوب أوكرانيا، امتلاك الاستخبارات الأوكرانية مؤشرات على استعداد موسكو لشن هجوم جديد والتصعيد في جنوب أوكرانيا برياً وبحرياً وجوياً، كما أكد أوليكسي دانيلوف سكرتير مجلس الأمن القومي والدفاع الأوكراني، أيضاً استعداد روسيا للتصعيد في الحرب على أوكرانيا، معتبراً أن العام الجاري سيشهد معارك رئيسية، وأن الشهور القادمة ستكون حاسمة في الحرب. وتؤثر تلك التوقعات على التحركات الأوكرانية؛ حيث تدفع تلك الإدراكات كييف بدورها إلى مزيد من التصعيد لمواجهة التصعيد الروسي، سواء كان حقيقياً أو مُتصوراً.
2- تعيين رئيس الأركان قائداً للعملية العسكرية الخاصة: عين وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، رئيسَ هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة للاتحاد الروسي فاليري غيراسيموف، قائداً للعملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا؛ الأمر الذي أرجعته موسكو إلى زيادة المهام التي يتعين إنجازها، والحاجة إلى تفاعل أوثق بين مكونات الجيش؛ ما قد يشير إلى إقدام موسكو على عمليات عسكرية أوسع أو أكثر كثافة خلال فصل الربيع. وقد نُظر إلى تعيين غيراسيموف على أنه تصعيد روسي، وتأكيد لرغبة موسكو في مواصلة الحرب وإحراز مزيد من التقدم العسكري، خاصة أن غيراسيموف، بحكم منصبه، هو الرجل الثالث في التسلسل الهرمي العسكري للجيش الروسي، بعد الرئيس ووزير الدفاع.
3- تقدُّم عسكري روسي باتجاه إخضاع “باخموت”: تحاول القوات الروسية منذ شهور السيطرة على “باخموت” في إقليم دونيتسك الشرقي، الخاضعة للسيطرة الأوكرانية، إلى حد جعلها تُعتبر أطول معركة في الحرب الأوكرانية حتى الآن. وتشير التطورات الميدانية الأخيرة إلى تكثيف العمل العسكري الروسي لإخضاع البلدة، مع مؤشرات على إحراز تقدم روسي باتجاه تحقيق هذا الهدف، بالشكل الذي دفع بعض التقديرات إلى اعتبار أن موسكو تسير باتجاه النجاح في تحقيق السيطرة على “باخموت”، كخطوة على طريق استمرار العمليات الرامية إلى تحقيق وتأمين سيطرة روسية في منطقة “دونباس”. هذه المؤشرات تصاعدت في الأيام الأخيرة مع إعلان موسكو، يوم 20 فبراير الجاري، أنها سيطرت بالكامل على بلدة باراسكوفيتشفكا التي تقع عند المدخل الشمالي لمدينة باخموت. كما سبق أن أعلنت مجموعة “فاغنر” العسكرية، في 12 فبراير الجاري، سيطرة مقاتليها على بلدة “كراسنا هورا” الأوكرانية الواقعة على مسافة كيلومترات قليلة شمال باخموت.
وتعتبِر موسكو مدينة باخموت ذات أهمية استراتيجية لتحقيق المزيد من التقدم في المنطقة باتجاه مدن أكبر في شرق أوكرانيا، مثل كراماتورسك وسلوفيانسك، فيما يتشبث الأوكرانيون بها باعتبارها “حصناً منيعاً” أو “قلعة” على حد توصيف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
4- تزايد الضغوط الداخلية في روسيا قبيل ذكرى الحرب: مع اقتراب الذكرى الأولى لإعلان روسيا عن بدء عمليتها العسكرية في أوكرانيا، في 24 فبراير، فإن الضغوط السياسية الداخلية تتفاقم بالنسبة إلى القوات المسلحة وللكرملين. ومقابل الاستياء من فشل روسيا في تحقيق أهدافها من الحرب الأوكرانية، وعدم القدرة على السيطرة على العاصمة الأوكرانية كييف، ولا على شرق أوكرانيا بشكل خاص، وإطالة أمد الحرب، واستنزاف الجيش الروسي خلال عام، مع تلقيه بعض الهزائم أو التراجع في بعض المواقع، وعجزها عن التقدم في بعض المناطق، فضلاً عن الخسائر البشرية والعسكرية. فإن الرئيس الروسي يسعى إلى تحقيق المزيد من التقدم، لترويجها كإنجازات العام الأول من الحرب الأوكرانية؛ الأمر الذي يدفع موسكو إلى التصعيد العسكري الميداني لإحراز تقدم مقبول في ذكرى اندلاع الحرب أو في الأشهر الأولى بعد تلك الذكرى السنوية، إذا ما تعهد بوتين بذلك في خطابه.
5- استمرار الرئيس “بوتين” في خطابه التصعيدي: واصل الرئيس الروسي سياسة التصعيد ضد القوى الغربية وأوكرانيا؛ ففي خطابه أمام الجمعية الفيدرالية يوم 21 فبراير الجاري، اتهم الرئيس الروسي الدول الغربية بالتسبب في بدء الصراع بأوكرانيا. وأكد “بوتين” مواصلة العملية العسكرية، وذكر أن “بلاده تواجه خطراً وجودياً”، وأضاف أنه “من المستحيل هزيمة روسيا في أرض المعركة”. هذا الخطاب يشير إلى استمرار المحددات الحاكمة لرؤية بوتين للصراع، وهو ما يرجح احتمالية الدخول في مرحلة جديدة من التصعيد في أوكرانيا.
6- الرسائل السلبية لقرار الانسحاب الروسي من معاهدة “نيو ستارت”: أعلن الرئيس الروسي بوتين، يوم 21 فبراير الجاري، تعليق مشاركة بلاده في معاهدة “نيو ستارت”، وهي اتفاقية مشتركة مع الولايات المتحدة تستهدف الحد من عدد الرؤوس الحربية النووية الاستراتيجية التي يمكن للبلدين نشرها. هذا الإعلان استبطن عدداً من الرسائل السلبية التي قد ترشح الأوضاع للمزيد من التصعيد في أوكرانيا؛ فالانسحاب الروسي يبعث رسالة أن موسكو ليست على استعداد للدخول في مفاوضات في الوقت الراهن، كما أعاد القرار الخيار النووي إلى الواجهة مجدداً، وخاصة أن الرئيس “بوتين” حرص في خطابه، يوم 21 فبراير الجاري، على التأكيد قوة الترسانة العسكرية الروسية، وذكر أنه "مستعد لاستخدام كل الوسائل الضرورية للدفاع عن وحدة أراضي روسيا".
7- وجود مصادر خارجية للدعم العسكري لموسكو: بالرغم من الحديث الشائع في الإعلام الغربي عن أن موسكو فقدت الكثير من مخزونها التسليحي في الحرب الأوكرانية، فإن ثمة مؤشرات تكشف عن وجود مصادر خارجية للدعم العسكري والتسليحي لموسكو؛ فثمة مصادر لإمداد موسكو بالمقاتلين من الخارج، وخصوصاً عبر مجموعة فاجنر التي تستقطب مقاتلين من دول مختلفة. ومن جهة أخرى، كشفت تطورات الصراع عن انخراط إيران في الحرب عبر تقديم الأسلحة لموسكو، وخصوصاً الطائرات المسيرة الإيرانية الصنع. كما اتهمت الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، بعض الدول – وعلى وجه الخصوص كوريا الشمالية والصين – بتقديم دعم تسليحي لموسكو.
مُحفِّزات غربية
على الجانب الآخر، ثمة عدد من المؤشرات تُعزز احتمالات التصعيد في الحرب الروسية الأوكرانية خلال فصل الربيع، أو تفسر تزايد الاعتقاد الدولي بالإقدام على مثل هذا التصعيد. وتأتي تلك المؤشرات على هيئة مُحفِّزات غربية، والتي يمكن تناولها على النحو التالي:
1- اتهامات روسية لأوكرانيا بالإقبال على استخدام قنابل قذرة: تتهم روسيا أوكرانيا بامتلاك قنابل قذرة والتفكير في استخدامها في ساحة المعركة، وهو ما ورد على لسان أكثر من مسؤول روسي، منها ما سبق أن صرح به وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو، لوزراء دفاع حكومات غربية، في أكتوبر الماضي، من أن أوكرانيا قد تستخدم القنبلة القذرة، التي تحتوي على مواد مشعة بالإضافة إلى متفجرات تقليدية. ورغم التكذيب الغربي للمخاوف الروسية ووصفها بـ”الادعاءات”، فإن المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، أكد حقيقة تلك التهديدات، واستنكر عدم ثقة الحكومات الغربية بالمعلومات التي قدمتها موسكو لهم بهذا الشأن.
كما أكد رئيس وحدة الأسلحة المشعة بالجيش الروسي إيغور كيريلوف، أن القوات تم حشدها للعمل في بيئة ملوثة بالإشعاع. فيما قالت لجنة التحقيق الحكومية الروسية، في 6 فبراير الجاري، إنها تحقق في اشتباه في استخدام القوات الأوكرانية أسلحة كيميائية بالقرب من بلدتي سوليدار وباخموت.
وتثير تلك الاتهامات الروسية المتكررة المخاوف في الغرب من أن موسكو نفسها تفكر في استخدام القنابل القذرة، وإلقاء اتهامات استخدامها مسبقاً على الجانب الأوكراني، أو أن روسيا تسعى لترويج تلك الاتهامات ذريعةً لتصعيد عسكري جديد تقليدي أو غير تقليدي في الحرب الأوكرانية، بل وصلت المخاوف الغربية إلى حد الاعتقاد بأن الادعاءات الروسية باستخدام كييف قنابل قذرة يمكن أن تُستخدم ذريعةً لتنفيذ التهديدات والتلميحات الروسية باللجوء إلى السلاح النووي، ولو بشكل محدود، إذا ما اقتضى الأمر؛ فقد اعتبر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الاتهامات الروسية مؤشراً على تخطيط موسكو لمثل هذا الهجوم وإلقاء اللوم على أوكرانيا، كما أبلغ وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، نظيره الروسي سيرجي شويغو، رفض واشنطن اتخاذ موسكو هذه الاتهامات ذريعةً للتصعيد الروسي.
2- الانعكاسات المحتملة لزيارة الرئيس الأمريكي لكييف: ربما تؤدي زيارة بايدن المفاجئة لكييف، يوم 20 فبراير الجاري، إلى تعقيد مشهد الصراع، وتدفع نحو مرحلة جديدة من التصعيد؛ فخلال الزيارة التي استمرت لساعات قليلة تعهد الرئيس الأمريكي بمواصلة الدعم وتقديم المزيد من المساعدات لأوكرانيا. اللافت أن هذه الزيارة تعطي لخطاب موسكو بشأن المؤامرة الأمريكية والغربية ضدها المزيد من الزخم، ومن ثم، قد تستغل القيادة الروسية الزيارة لتبرر للداخل الروسي استمرار العملية العسكرية. ولعل هذا ما يدلل عليه تعليق وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على الزيارة؛ حيث رأى أن "زيارة بايدن لأوكرانيا وتقديم الدعم مجرد مسرحية ولا يوجد أفق لإنقاذ نظام كييف".
3- الإعلان عن تسليح أوكرانيا بدبابات من الدول الغربية: بعد مطالبات مستمرة من أوكرانيا لحلفائها الغربيين بتزويدها بدبابات لمواجهة الهجوم الروسي، وشن هجوم مضاد لاستعادة الأراضي الأوكرانية، استجابت الدول الغربية وتعهدت بتزويد كييف بشحنات من الدبابات ضمن حزم المساعدات العسكرية الغربية لأوكرانيا؛ فعلى سبيل المثال، أعلنت ألمانيا، في 15 فبراير الجاري، أنها سترسل إلى أوكرانيا بحلول نهاية مارس القادم نصف كتيبة دبابات من طراز “ليوبارد 2 – إيه 6”. وسبق أن أعلن وزراء دفاع ألمانيا وهولندا والدنمارك، مطلع فبراير الجاري، أن أوكرانيا ستتلقى في الأشهر المقبلة ما لا يقل عن 100 دبابة من طراز “ليوبارد 1 – إيه 5” كمدرعّات مستعملة تم تجديدها؛ وذلك فضلاً عن التعهدات الأمريكية بتسليم دبابات من طراز أبرامز، والتعهدات البريطانية بتسليم دبابات من طراز “تشالنجر”، وتعهدات غيرهما من الدول.
وفيما ستوفر تلك الأسلحة لأوكرانيا عند وصولها قدرات هجومية نوعية أكبر، ربما تمكنها من تحقيق بعض التقدم الميداني، وتعزيز كفاءتها القتالية في مواجهة القوات الروسية بدرجة أكبر، إلا أن هذا الأمر تكتنفه بعض الصعوبات؛ منها ما يتعلق بالتدريب، ومنها ما يتعلق بتأخر المدد الزمنية لتوريد بقية الدبابات. ولكن على الجانب الآخر، قد تدفع تلك التوريدات المنتظرة موسكو إلى مزيد من التصعيد لاستباق وصول التعزيزات العسكرية الغربية، وكسب المزيد من الأراضي قبل وصول الدبابات الغربية، كما حرصت موسكو على استغلال الإعلان الغربي عن تدعيم كييف بالدبابات ذريعةً للتصعيد في الحرب على أوكرانيا باعتبار أن هذا الدعم الثقيل يُعبِّر بحد ذاته عن تصعيد غربي ضد موسكو؛ فقد اعتبر وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو، أن إمدادات الأسلحة الغربية لأوكرانيا تجر الناتو مباشرة إلى الصراع وقد تؤدي إلى تصعيد لا يمكن التنبؤ به.
4- تقارير حول استئناف أمريكي لبرامج فائقة السرية بأوكرانيا: تداولت تقارير إعلامية أنباءً عن حث وزارة الدفاع الأمريكية الكونجرس الأمريكي على استئناف تمويل البرامج الفائقة السرية بأوكرانيا، التي توقفت مع اندلاع الحرب الأوكرانية؛ بحيث يمكن للجيش الأمريكي توظيف عملاء أوكرانيين لتعقُّب تحركات القوات الروسية. ورغم أن هذه البرامج سيتم استئنافها حال موافقة الكونجرس على ذلك، مطلع العام القادم، فإن موسكو من الممكن أن تتعامل معه على أنه تصعيد استخباراتي أمريكي مباشر ضدها.
5- تفكير في الترخيص لأوكرانيا بإنتاج أسلحة ومعدات غربية: في إطار البحث عن آليات لتخفيف اعتماد كييف على إمدادات الأسلحة من الحلفاء الغربيين، في ظل الطلب الأوكراني المستمر والمتزايد للحصول على أسلحة غربية هجومية ثقيلة، تشير تقارير صحفية بريطانية إلى أن مسؤولين تنفيذيين من قطاع الدفاع البريطاني سافروا إلى كييف لمناقشة خطط إقامة مشروعات مشتركة لتصنيع أسلحة ومركبات محلياً، بالإضافة إلى إجراء شركات تصنيع أسلحة بدول أوروبية أخرى مناقشات مع أوكرانيا بخصوص الأمر نفسه؛ بحيث تتمكن أوكرانيا من تصنيع أسلحة ومركبات عسكرية بريطانية وأوروبية داخل أراضيها بموجب رخصة. وبجانب ما تمثله تلك الخطوة، حال موافقة الحكومة البريطانية والحكومات الأوروبية عليها، من تصعيد غربي، وتعزيز للقدرات العسكرية الأوكرانية، فإن موسكو ستعتبرها أيضاً تعبيراً عن تصعيد غربي قد تستغله بدورها لتصعيد مقابل.
محاولات للضبط
ختاماً، وبعيداً عن كون التصعيد المحتمل في مسار الحرب الأوكرانية تصعيداً للحسم في ضوء طول أمد الصراع واستنزافه قدرات الأطراف المختلفة، أو كونه تصعيداً من أجل التهدئة والوصول إلى طاولة المفاوضات وتسوية تحقق الأهداف الأدنى لمختلف الأطراف، أو حتى إذا ما كان تصعيداً مرحلياً في إطار مراحل الصعود والهبوط في الحروب الطويلة؛ فإنه على الجانب الآخر، يمكن ملاحظة بعض المؤشرات على محاولات ضبط التصعيد والحيلولة دون تفلته؛ ففضلاً عن أن كثيراً من تصريحات التصعيد الغربي والروسي خلال العام الماضي من الحرب – ومنها التلميحات باللجوء إلى الأسلحة غير التقليدية – لم تُترجم فعلياً إلى تصعيد ميداني كبير؛ فإن الدول الغربية لا تزال ترفض مطالبات الجانب الأوكراني بتزويده بطائرات قتالية عقب تزويده بالدبابات؛ الأمر الذي سُيُنظر إليه – إن حدث – على أنه تصعيد جديد، قد يكون غير مأمون العواقب. فضلاً عن رفض تزويد كييف بأسلحة وأنظمة صواريخ بعيدة المدى؛ خشية أن تستخدم أوكرانيا تلك الأسلحة في ضرب عمق الأراضي الروسية أو شبه جزيرة القرم، رغم التعهدات الأوكرانية بعدم فعل ذلك.
الأمر الذي يشير إلى حرص الولايات المتحدة والدول الغربية على عدم انفلات الصراع، وعدم تزويد أوكرانيا بأسلحة قد تفتح تصعيداً مباشراً بين الغرب وروسيا، وهو ما عبر عنه مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان، بقوله إن الرئيس الأمريكي جو بايدن ليس مستعداً لتسليم أوكرانيا صواريخ يصل مداها إلى 300 كيلومتر، في ظل سعيه لتجنب حرب عالمية ثالثة.