جرى إطلاق نتائج مؤشر ميونخ للأمن لعام 2023 في نسخته الثالثة على هامش المؤتمر الذي عُقد خلال الفترة (17–19 فبراير الجاري) – بوصفها أحدث الإضافات على تقرير المؤتمر السنوي الذي بدأ إطلاقه في عام 2015 – وهو المؤشر الذي يناقش مُدرَكات المواطنين تجاه أبرز المخاطر العالمية في 12 دولة، وهي دول مجموعة السبع ودول البريكس، من خلال استطلاع رأي يجريه مؤتمر ميونخ، بالشراكة مع شركة الاتصالات العالمية “Kekst CNC”.
تغيرات جوهرية
من المُلاحَظ أن النسخة الحالية من المؤشر شهدت تغيرات جوهرية، سواء في منهجية بناء المؤشر أو نتائجه، متأثرةً بشدة بالحرب الأوكرانية. وفيما يلي استعراض لأبرز التغيرات في منهجية المؤشر ونتائجه الرئيسية:
1. استبعاد روسيا من عينة الدول المُمثَّلة بالمؤشر: جرى استبعاد روسيا من عينة الدول الممثلة بالمؤشر، لتصبح دول البريكس “BRICS” الممثلة بالمؤشر هي دول الـ”BICS” فقط، مع الحفاظ على عدد الدول الممثلة بعدد (12 دولة)؛ حيث استُبدِل بالعينة الروسية عينة أخرى مماثلة من أوكرانيا. ويُعد هذا تغييراً واضحاً في المنهجية لم تشهده النسخ السابقة للمؤشر؛ حيث اعتمدت النسخ السابقة للمؤشر على استطلاع رأي لعينة حجمها (12000) مبحوث عالمياً من (12) دولة، وهي دول مجموعة السبع ودول البريكس بواقع 1000 مبحوث من كل دولة.
2. إضافة خطر شح الطاقة إلى قائمة المخاطر بمؤشر ميونخ: شهدت النسخة الحالية إضافة خطر “اضطرابات إمدادات الطاقة” ضمن قائمة المخاطر العالمية، ليصبح عدد المخاطر العالمية بالمؤشر (32) خطراً في مقابل (31) خطراً بنسخ المؤشر الثلاث السابقة؛ وذلك على خلفية تنامي هذا الخطر تحديداً عقب الحرب الأوكرانية.
3. زيادة وتيرة المخاوف من المخاطر العالمية مقارنةً بـ 2022: سجل مؤشر ميونخ للأمن 2023 زيادة مستوى القلق لدى المستطلعة آراؤهم في 20 مؤشراً للمخاطر من إجمالي 31 خطراً؛ وذلك مقارنةً بالنسخة السابقة، لا سيما تلك المتعلقة بالحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها.
4. تنامي الخطر “الروسي” ليصبح ثاني أعلى المخاطر العالمية: احتل الخطر الروسي ثاني المخاطر بعد خطر “اضطراب إمدادات الطاقة” المضاف حديثاً إلى قائمة المخاطر؛ فقد بلغت الزيادة في المؤشر نحو 19 نقطة في المتوسط عن مؤشر العام السابق لجميع الدول فيما عدا الهند، التي شهدت تراجعاً في إحساسها بالخطر الروسي بنحو 10 نقاط.
5. "الأزمات المالية والاقتصادية" ضمن المخاطر الثلاثة الأولى: جاءت مخاطر الأزمات المالية والاقتصادية بالمرتبة الثالثة ضمن المخاطر العالمية الأعلى خلال عام 2022، متقدمةً أربعة مراكز عن العام السابق الذي جاءت فيه بالمرتبة السابعة ضمن المخاطر العالمية لعام 2022.
6. تقدم واضح في خطر “استخدام الأسلحة النووية”: شهد خطر “استخدام الأسلحة النووية” تقدماً واضحاً بنحو 11 مركزاً من المرتبة الـ22 من 31 خطراً بنسخة المؤشر السابقة إلى المرتبة الـ11 من 32 خطراً بقائمة المخاطر الحالية، ليشهد بذلك ثاني أعلى زيادة بعد الخطر الروسي، وبلغت (14.3) نقطة في المتوسط عن نتائج العام الماضي.
7. ارتفاع الخوف من مخاطر “نقص إمدادات الغذاء”: شهدت النسخة الحالية ارتفاعاً واضحاً في خطر “نقص إمدادات الغذاء”، محققاً ثالث أعلى زيادة من بين قائمة المخاطر العالمية بمؤشر ميونخ خلال عام 2022؛ فقد صعد من المرتبة الـ17 في عام 2021 إلى المرتبة التاسعة خلال عام 2022.
8. زيادة “الخطر الإيراني” بقائمة المخاطر العالمية: ارتفع الخوف من الخطر الإيراني بدول العينة بنحو 3 مراكز عن قائمة العام السابق، ليتحوَّل من المرتبة الـ28 عام 2021، إلى المرتبة الـ25 بقائمة المخاطر عام 2022.
9. تراجع حاد بخطر “فيروس كورونا” من القمة إلى القاع: شهد خطر “فيروس كورونا تراجعاً حاداً بمؤشر هذا العام؛ حيث انتقل من قائمة المخاطر الخمس الأعلى عام 2021 بالمرتبة الرابعة، إلى قائمة أدنى خمسة مخاطر خلال المؤشر الحالي بالمرتبة الـ28.
10. تراجع مخاطر “الإرهاب” بدول العينة: شهدت نسخة العام الحالي تراجعاً في مخاطر “الإرهاب الإسلامي الراديكالي” من المرتبة الـ15 من بين 31 خطراً عام 2021 إلى المرتبة الـ24 من بين 32 خطراً بقائمة مخاطر عام 2022، كما تراجع “الإرهاب اليميني” من المرتبة الـ26 بقائمة مخاطر 2021 إلى المرتبة الـ28 ضمن قائمة مخاطر عام 2022، فضلاً عن تراجع خطر الجريمة المنظمة بنحو “3” مراكز من المرتبة الـ14 بعام 2021 إلى المرتبة الـ17 بعام 2022.
11. حفاظ المخاطر البيئية على موقعها ضمن المخاطر الأعلى: على الرغم من سيطرة المخاطر الخاصة بالحرب الأوكرانية على المخاطر العالمية، باعتبارها الحدث العالمي الأبرز الذي تضررت منه كافة دول العالم، فإن المخاطر المتعلقة بتغير المناخ لا تزال ضمن المخاطر الرئيسية التي لات زال تشغل أذهان دول العينة؛ فقد جاء كل من “الطقس القاسي وحرائق الغابات”، و”تغير المُناخ بوجه عام”، و”تدمير البيئات الطبيعية” من ضمن أعلى ستة مخاطر بالعالم؛ حيث احتلت مخاطر الطقس السيئ المرتبة الرابعة ضمن المخاطر العالمية، تليها المخاطر المتعلقة بتغير المناخ في المرتبة الخامسة، ثم خطر تدمير البيئات الطبيعية بالمرتبة السادسة.
تحيز واضح
وختاماً، من الواضح أن نتائج مؤشر ميونخ للأمن لهذا العام تأثرت بشكل كبير بالمخاطر المتعلقة بالحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها العالمية باعتبارها الحدث الأبرز في العالم، وما يصاحبها من مخاطر تتعلق بنقص إمدادات الطاقة – الذي جاء بالمرتبة الأولى ضمن المخاطر العالمية – ومخاطر الأمن الغذائي، والمخاطر الاقتصادية والمالية المتعلقة بموجات التضخم التي اجتاحت دول العالم؛ وذلك على حساب المخاطر المتعلقة بالإرهاب والجريمة المنظمة وجائحة كورونا وغيرها من المخاطر التي كانت تشغل اهتمام العالم خلال العام السابق.
ويمكن القول إن هذه النتائج منطقية، في ظل ما يتعرض له العالم حالياً من مخاطر الحرب الأوكرانية، إلا أنه في الوقت ذاته يشوب هذه النتائجَ تحيزٌ واضحٌ في اختيار العينة؛ فاستبعاد روسيا واستبدال أوكرانيا مكانَها، له – بالتأكيد – نتائجه التي منحت المخاطر الروسية وزناً أكبر من غيرها من المخاطر الأخرى في نتائج المؤشر، وهو ما يضع العديد من علامات الاستفهام حول مصداقية هذه النتائج وحياديتها ومدى تأثرها بالصبغة السياسية الغربية.