• اخر تحديث : 2024-11-22 10:05
news-details
تقدير موقف

أبعاد تصاعد نشاط التنظيمات الإرهابية في غرب أفريقيا


أكد تقرير دولي صادر عن وكالة التنمية الدولية التابعة للأمم المتحدة في 7 فبراير الفائت أن منطقة الساحل قد أضحت تمثل المركز العالمي الجديد للإرهاب، في ضوء تزايد أعداد المنضمين إلى التنظيمات الإرهابية هناك بنسبة 92% مقارنةً بسنوات سابقة؛ لأسباب اقتصادية وليست دينية.

وقد سلَّط التقرير الضوء على تنامي المخاوف الدولية من توسع تنظيم "داعش" في الأساس وتهديداته الإرهابية في الساحل ووسط وجنوب أفريقيا، لا سيما بعدما دفعت التحديات الأمنية إلى تنامي مشاعر الاستياء لدى قطاع كبير من الرأي العام الأفريقي ضد المقاربات الغربية لمكافحة الإرهاب، وهو ما أدى بدوره إلى تزايد الضغوط على فرنسا التي تراجَع نفوذها نسبياً بعدما أعلنت انسحابها من بعض دول المنطقة، مثل مالي وبوركينا فاسو اللتين وجَّهتا البوصلة إلى موسكو لتعزيز العلاقات الثنائية بين الطرفين.

ومع ذلك، ربما يدفع تنامي التهديدات الأمنية التي يشكلها تنظيما القاعدة وداعش وفروعهما، وتوسعهما المستمر في أجزاء من غرب أفريقيا، نحو تهديد وجودي للدولة في المنطقة التي تعاني بطبيعة الحال من مشكلات هيكلية يفاقمها الإخفاق في مواجهة التهديدات الإرهابية خلال السنوات الأخيرة، وربما يتطور الأمر إلى سقوط بعض هذه الدول في يد التنظيمات الإرهابية كما هو الحال في تجربة طالبان الباكستانية.

تراجع غربي

واجهت دول غرب أفريقيا تحدياً أمنياً هائلاً خلال السنوات الماضية نتيجةً لتصاعد أنشطة التنظيمات الإرهابية، وخصوصاً المحسوبة على تنظيمي القاعدة وداعش. هذه الأنشطة دفعت عدداً من القوى الغربية، وخصوصاً فرنسا، إلى تعزيز حضورها الأمني والعسكري في غرب أفريقيا. صحيح أن هذا الحضور لم يُؤدِّ إلى القضاء على أنشطة التنظيمات الإرهابية، بيد أنه كان يوفر بعض الدعم العسكري لدول المنطقة لمواجهة التهديدات الإرهابية.

مع ذلك يبدو أن منطقة غرب أفريقيا تشهد متغيرات جديدة في ظل التراجع الغربي الواضح، وخصوصاً بعد انسحاب القوات الفرنسية من مالي العام الماضي، وكذلك إعلان بوركينا فاسو، في شهر يناير الفائت، أنها طلبت من فرنسا سحب قواتها المتمركزة في العاصمة واجادوجو مع إنهاء الاتفاق العسكري بين البلدَين المُوقَّع في نهاية عام 2018. علاوةً على ذلك، كشفت العديد من التقارير عن اعتزام ألمانيا سحب قواتها المشاركة في بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في مالي أواخر العام الحالي، حتى إن وزير الداخلية الألماني بوريس بيستوريوس، أشار في مقال نشرته صحيفة “سود دويتشه تسايتونج” الألمانية، شهر يناير الفائت، إلى أن "إبقاء جنود ألمان في مالي حتى مايو 2024 لا معنى له في ظل الظروف الحالية؛ لأن القوات لا تستطيع تأدية مهمتها هناك".

هذا التراجع الغربي من المنطقة ربما يخدم التنظيمات الإرهابية من بعض الأوجه؛ فهو من جهة يُنتج فراغاً أمنياً يساعد التنظيمات الإرهابية على توسيع نشاطها. ومن جهة أخرى، يعطي هذا التراجع المزيد من الزخم للخطاب والدعاية الإرهابية بحيث تُصوِّر التنظيمات الإرهابية نفسها بأنها قد خرجت منتصرة من صراعها مع القوى الغربية، وبالتبعية قد تعزز بعض الجماعات، مثل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، صورتها كطرف يساعد على فرض النظام وإدارة المناطق الخاضعة لسيطرته، وبالتبعية يساعد على تعويض تراجع السلطة المركزية في هذه المناطق والقيام ببعض وظائفها.

محفزات التصعيد

ما يعزز فرضية الانعكاس الإيجابي للانسحاب الغربي من غرب أفريقيا على أنشطة التنظيمات الإرهابية بالمنطقة، أنه جاء متزامناً مع مجموعة من المحفزات تدفع نحو تصاعد أنشطة التنظيمات الإرهابية في غرب أفريقيا والساحل، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:

1التصعيد العملياتي للتنظيمات الإرهابية: يعزز تنظيما القاعدة وداعش عملياتهما الإرهابية ضد القوات الحكومية في بعض دول المنطقة خلال الفترة الأخيرة؛ فقد نشط عناصر داعش في جنوب شرق النيجر باستهداف دورية عسكرية في 11 فبراير الفائت؛ ما أسفر عن مقتل 10 جنود وإصابة وفَقْد نحو 29 آخرين؛ وذلك برغم إطلاق الجيش النيجري مؤخراً العملية العسكرية “ألماهاو” ضد معاقل داعش في منطقة تيلابيري الواقعة عند المثلث الحدودي مع دولتي مالي وبوركينا فاسو؛ بهدف القضاء على بؤر تنظيم داعش وتدمير قواعده اللوجستية هناك.

بينما استهدفت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة لتنظيم القاعدة قوات الجيش المالي في عدد من المناطق بالبلاد خلال السنوات الأخيرة؛ حيث تعد الجماعة وتنظيم داعش في الصحراء الكبرى هما أكثر التنظيمات الإرهابية نشاطاً في الساحل؛ حيث يتركز نشاطهما في عدد من دول المنطقة، وخاصةً بوركينا فاسو ومالي والنيجر.

2اتساع رقعة سيطرة تنظيم داعش في أنحاء أفريقيا: قام تنظيم داعش، بعد سنوات من تكبده المزيد من الخسائر في الشرق الأوسط، بالحفاظ على قدرته على تنفيذ عمليات في مناطق مختلفة، ووسَّع قاعدة الكيانات التابعة له في أجزاء من غرب ووسط وجنوب القارة الأفريقية، إضافة إلى قدرته على تعبئة موارد هائلة والاستحواذ على كمية كبيرة من الأسلحة؛ ما يؤجج عدم الاستقرار والعنف في المنطقة. ولا يزال تهديد داعش مرتفعاً في عدد من المناطق الأفريقية؛ حيث ينتشر التنظيم من منطقة الساحل حتى خليج غينيا في غرب أفريقيا، وهو ما يُثير القلق على السلم والأمن الدوليين وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة؛ فقد أدى تصاعد النشاط الإرهابي إلى إغلاق أكثر من 10.000 مدرسة في منطقة الساحل، إضافة إلى نزوح الآلاف من بوركينا فاسو عقب الهجمات الإرهابية هناك.

3توتر العلاقات الإقليمية في المنطقة: وخاصةً بين مالي وأعضاء الجماعة الاقتصادية لغرب أفريقيا (إيكواس)؛ بسبب العقوبات التي فرضتها الأخيرة على السلطات المالية الانتقالية، في ضوء توتر علاقاتها مع فرنسا، على خلفية الرفض الفرنسي للانقلاب العسكري الذي شهدته البلاد في مايو 2021، وكذلك التقارب الروسي المالي الذي أفضى إلى توقيع اتفاق بين الطرفَين في سبتمبر 2021 يقضي بنشر قوات فاجنر في شمال ووسط البلاد لمواجهة الإرهاب؛ الأمر الذي دفع باماكو للانسحاب من تكتل دول الساحل الخمس G5 في مايو 2022؛ ما عزَّز حالة الخوف من تفاقم التحديات الأمنية بالمنطقة.

وعلى صعيد آخر، شهدت العلاقات بين بوركينا فاسو وغانا بعض التوتر في ديسمبر 2022؛ بسبب معارضة الأخيرة استعانة الأولى بقوات فاجنر الروسية الأمنية الخاصة لمساندتها في مواجهة التنظيمات الإرهابية، وهو ما يؤثر على التعاون الأمني والاستخباراتي بين دول المنطقة فيما يتعلق بمحاربة الإرهاب؛ حيث علقت النيجر ومالي التنسيق الأمني والعسكري بينهما خلال الفترة الأخيرة، بالرغم من تصاعد النشاط الإرهابي لتنظيمي داعش والقاعدة في منطقة المثلث الحدودي بالساحل؛ الأمر الذي قد يُسهِّل حركة التنظيمات الإرهابية بحرية بين الحدود، ويعزز الهجمات الإرهابية في بلدان المنطقة.

4تراجع الدعم الدولي لدول المنطقة: وخاصةً بعدما أعلنت فرنسا انسحابها من مالي ثم من بوركينا فاسو خلال الشهور الأخيرة، وسرعان ما انسحبت قوة تاكوبا الأوروبية في يوليو 2022 من الساحل، بالإضافة إلى تزايد الشكوك حول استمرار عمل بعثات الأمم المتحدة لحفظ السلام في غرب أفريقيا والساحل، خاصةً بعدما أعلنت بعض البعثات، مثل مينوسما في مالي، عن احتمالية انسحاب قواتها من البلاد؛ الأمر الذي يمثل فرصة جيدة للتنظيمات الإرهابية لتوسيع نفوذها على مساحة أكبر من الأراضي الأفريقية بالساحل وغرب أفريقيا.

5تحالف بعض التنظيمات الإرهابية في المنطقة: فقد التقى “إياد أغ غالي” زعيم جماعة نصرة الإسلام والمسلمين الموالية لتنظيم القاعدة، في 26 يناير 2023، ممثلين عن حركات مسلحة في شمال مالي؛ من أجل توحيد الصفوف لمقاتلة تنظيم داعش؛ للحيلولة دون سيطرته على كيدال. ومن الواضح أن “غالي” يخطط لتطوير استراتيجيته السياسية والعسكرية تمهيداً للحظة إقامة دولة تحكمها الشريعة الإسلامية في شمال مالي.

كما اجتمع غالي – وفقاً لموقع أفريكا إنتليجنس – مع الجنرال المتقاعد في الجيش المالي وقائد إحدى مجموعات الدفاع عن النفس في الشمال المالي الحاج أغ جامو؛ لوضع خطة مشتركة لمحاربة تنظيم داعش في الصحراء الكبرى بقيادة أبو البراء الصحراوي، كما تم توقيع اتفاق عدم اعتداء بين الجانبَين. وقد يُمثِّل ذلك تحالفاً مؤقتاً بين الطرفين في ضوء بحثهما عن الدعم اللوجستي من أجل البقاء، خاصةً في مواجهة تنظيم داعش.

ويأتي ذلك في إطار استمرار العلاقات المتوترة بين الحكومة المالية وبعض التنظيمات الإرهابية؛ فقد أدان قادة الطوارق عدم التزام الحكومة باتفاق الجزائر المُبرَم في عام 2015، وطالبوا في ديسمبر 2022 بعقد اجتماع مع الشركاء الدوليين لإنقاذ الاتفاق.

6استمرار حالة الهشاشة لبعض دول المنطقة: تُعَد منطقة غرب أفريقيا وكذلك الساحل من أكثر المناطق الهشة والمهمشة على المستويين الجيوسياسي والجيوأمني؛ نظراً إلى العوامل التي لعبت دوراً في زعزعة أمن واستقرار المنطقة بشكل عام. ويدلل على ذلك تعدد الانقلابات العسكرية خلال السنوات الثلاث الأخيرة؛ حيث شهدت المنطقة عدداً من الانقلابات العسكرية في مالي وبوركينا فاسو وغينيا كوناكري، إضافة إلى فشل بعض المحاولات الانقلابية في دول النيجر وغينيا بيساو ومالي وجامبيا، وهو ما يؤكد معاناة الدولة في غرب أفريقيا من بعض المشكلات التي تؤثر على طبيعة دورها، مثل مشكلات الحكم والإدارة، وتلاشي الشرعية السياسية للحكومات، وضعف القدرات الأمنية والعسكرية لبعض الجيوش الأفريقية، وسيولة الحدود بين دول المنطقة؛ الأمر الذي يجعل تلك الحكومات عرضة لتهديدات كبيرة من التنظيمات الإرهابية إذا سنحت الفرصة لهذه التنظيمات للانقضاض على السلطة.

7تزايد السخط الشعبي ضد بعض حكومات المنطقة: وذلك في ضوء إخفاق بعض دول المنطقة في التصدي للتنظيمات الإرهابية والقضاء عليها، وما يرتبط بذلك من تزايد الإنفاق العسكري لبعض الدول، الذي تضاعف ثمانية أضعاف خلال الفترة الأخيرة بهدف القضاء على التهديدات الأمنية على حساب الإنفاق على الخدمات الاجتماعية الأساسية، مثل الرعاية الصحية والتعليم، وهو ما عزز تفاقم الأوضاع الإنسانية، وأفضى إلى المزيد من الاستياء الشعبي ضد السلطات الحكومية، كما دفع نسبة كبيرة من الشباب للانضمام إلى التنظيمات الإرهابية من أجل الحصول على المال وتحسين أحوالهم المعيشية المتردية.

8صعوبة ملء “فاجنر” الفراغ الناجم عن الانسحاب الغربي: قد تستغل التنظيمات الإرهابية في الساحل وغرب أفريقيا عدم دراية قوات فاجنر بالطبيعة الجغرافية للمنطقة، في استهدافها وتكبيدها المزيد من الخسائر؛ من أجل إلحاق الهزيمة بها، برغم تصاعد نفوذ وشعبية فاجنر في الأوساط الشعبية بالمنطقة خلال الفترة الأخيرة، خاصةً بعد نشاطها في أفريقيا الوسطى وتقديمها الدعم اللوجستي لكل من مالي وبوركينا فاسو مؤخراً.

9سباق النفوذ بين التنظيمات الإرهابية: وهو ما يُبرِزه الصراع الدائر بين جماعة نصرة الإسلام والمسلمين القاعدية من جهة وبين تنظيم داعش في الصحراء الكبرى من جهة أخرى؛ من أجل الفوز في معركة النفوذ على قيادة الجهاد الإقليمي بالساحل وغرب أفريقيا، وما قد يترتب عليه من توسيع السيطرة على رقعة جغرافية واسعة تسهم في توطيد موطئ قدم مهم لأي من التنظيمَين خلال الفترة المقبلة، وسط غياب للقوات الحكومية؛ ما يقضم من سيادة الدولة في بعض مناطقها.

تداعيات محتملة

يحمل تصعيد النشاط الإرهابي في غرب أفريقيا والساحل عدة تداعيات محتملة، خاصةً في ضوء تطلع بعض التنظيمات الإرهابية لإسقاط بعض الأنظمة الحاكمة في المنطقة وإقامة دول تحكم بالشريعة الإسلامية حسبما تزعم هذه التنظيمات؛ فقد تستمر تلك التنظيمات في شن المزيد من الهجمات الإرهابية وتوسيع رقعة عملياتها من أجل استمرارية إنهاك الجيوش الأفريقية والضغط على الحكومات من أجل تقديم تنازلات حال الاتفاق على توقيع اتفاقات سلام بين الطرفين خلال الفترة المقبلة.

ومن المتوقع أن تدفع التنظيمات النشطة في غرب أفريقيا والساحل نحو ممارسة المزيد من الضغوط على القوى الدولية الفاعلة؛ من أجل إجبارها على الانسحاب من المنطقة، وملء الفراغ الذي سوف تُخلِّفه هذه القوى نتيجة ضعف الحكومات الأفريقية في السيطرة على كامل أراضي دولها، بحكم ضعف القدرات والإمكانات اللوجستية والعسكرية. وفي سبيل ذلك، ربما تشهد الفترة المقبلة سلسلة من التحالفات الإقليمية بين بعض التنظيمات التي تتماهى أيديولوجياً في غرب أفريقيا من أجل تعزيز قدراتها العسكرية والقتالية في سبيل تحقيق أهدافها بالمنطقة، بما في ذلك زعزعة استقرار حكومات دول المنطقة، وربما تطيح بها في مرحلة مقبلة.

وإجمالاً.. من الصعب أن تترك القوى الدولية الساحة في غرب أفريقيا والساحل للتنظيمات الإرهابية فارغة لتعزز نفوذها وحضورها هناك؛ خوفاً من تهديد المصالح الدولية الاستراتيجية في المنطقة، ولاحتمالية تمدد نشاط الإرهاب ليطرق أبواب أوروبا، إضافة إلى تزايد المخاوف من تدفق موجات الهجرة غير الشرعية من أفريقيا إلى القارة الأوروبية عبر البحر الأبيض المتوسط؛ الأمر الذي يتطلب تحمل الشركاء الدوليين مسؤوليتهم تجاه دعم الحكومات الأفريقية وجيوشها الوطنية من أجل تعزيز كفاءاتها وقدراتها على التعاطي مع التهديدات الأمنية في المنطقة، ومحاولة تبني مقاربات جديدة لا ترتكز على المقاربة الأمنية فقط، بل تشمل أيضاً المقاربة التنموية التي ربما يكون لها دور بارز في تقليص حجم المنضمين إلى تلك التنظيمات بسبب الظروف الاقتصادية المتردية، ومن ثم تُجفِّف منابع تمويل الإرهاب في غرب أفريقيا، فضلاً عن انعكاسات ذلك على بقاء وقوة الدولة الوطنية في أفريقيا.