• اخر تحديث : 2024-05-03 21:39
news-details
قراءات

فرص المعارضة التركية في الانتخابات الرئاسية القادمة


اختار تحالف الأمة التركي المعارِض المُكوَّن من ستة أحزاب، في 6 مارس 2023، رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو مرشحاً لمنافسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية المقبلة التي ستجرى في 14 مايو 2023؛ وذلك بعد أزمة استمرت 72 ساعة إثر رفض رئيسة حزب "الجيد" المنضوي تحت التحالف دعم أوغلو، ثم تراجعت ووافقت على ترشحه؛ الأمر الذي شكك في قدرته على الفوز بالانتخابات، وهدد بتفكك التحالف المعارض؛ ما عزز شعبية أردوغان الذي يُسخِّر كافة جهوده للفوز بالانتخابات المقبلة.

تحديات المعارضة

نشأ تحالف الأمة المعارض (أو تحالف طاولة الست) منذ عام، ويضم أحزاب (الشعب الجمهوري، السعادة، الديمقراطية والتقدم، المستقبل، الديمقراطي، الجيد) بغية الاتفاق على طرح اسم مرشح موحد للتحالف؛ لمنافسة أردوغان في انتخابات 2023، أملاً في الفوز بها بعد سيطرة الأخير على مقاليد الحكم بالبلاد، منذ عقدين، رئيساً للوزراء ثم رئيساً للبلاد، إلا أن هناك عدداً من التحديات التي تواجه التحالف قبل شهرين من الاستحقاق الانتخابي، منها:

1. المواقف الإشكالية لرئيسة حزب الجيد: أعلنت رئيسة حزب "الجيد" ثاني أقوى أحزاب تحالف "الأمة المعارض" ميرال أكشينار يوم 5 مارس 2023 انسحابها من التحالف ورفض ترشح كليتشدار أوغلو، ودعت رئيسَي بلديتَي أنقرة وإسطنبول منصور يافاش وأكرم إمام أوغلو إلى الترشح للرئاسة، ووعدت بدعمهما، وأكدت أن “الطاولة السداسية لا تمثل إرادة الشعب بعد اليوم”، وأن “الحسابات والطموحات الشخصية مُفضَّلة على تركيا”، بيد أن رئيسَي البلديتَين رفضا الترشح، وأعلنا تمسكهما بترشح رئيس حزبهما “الشعب الجمهوري”، ثم قاما بزيارتها لإقناعها برأيهما، وهو ما أدى إلى موافقتها على العودة للتحالف بعد الموافقة على شروطها بتعيينهما نائبَين للرئيس حال فوز المعارضة بالانتخابات.

ولعل دوافع أكرم ويافاش في رفضهما الترشح للرئاسة المقبلة متشابه؛ فكل منهما يريد فعلاً الترشح للرئاسة، واتخذا عدداً من المواقف ظهرا خلالها منافسَين لرئيس حزبهما كليتشدار أوغلو وللرئيس التركي أردوغان أيضاً، بيد أنهما يرغبان في منح الفرصة لكليتشدار أوغلو، كما أنهما يرغبان في الحصول على دعم حزب "الشعب الجمهوري" أكبر أحزاب المعارضة حال ترشحهما في أي دورة انتخابية رئاسية مقبلة؛ نظراً إلى كونهما من أكثر قيادات الحزب شعبيةً وقبولاً في الشارع التركي، وكذلك لتعزيز فرص تعيين أيٍّ منهما في منصب رئيس الوزراء حال العودة إلى نظام الحكم البرلماني. أما تراجع أكشينار عن موقفها فجاء لأن التحالف وافق على شروطها، وللحفاظ على تماسك حزبها نفسه الذي شهد عدة استقالات بعد انسحابها من تحالف "الأمة".

2. ضعف شعبية أوغلو: رغم إجماع تحالف المعارضة على ترشيح كمال أوغلو للانتخابات المقبلة، الذي يُعرَف عنه أنه بيروقراطي متمسك بأخلاقيات حزبه، وعمل بوزارة المالية منذ السبعينيات من القرن الماضي؛ فإن هناك عوامل تُضعِف فرصه في الفوز، ومنها موقف أكشينار الذي شكك في قدرته على الفوز، وكبر سنه (74 عام)؛ ما يجعله أكبر المرشحين سناً في الانتخابات، وانخفاض شعبيته؛ لأنه يحتل دوماً مرتبة متأخرة في استطلاعات الرأي بعد أردوغان ومنصور يافاش وإمام أوغلو، كما أنه على مدى عشرين عاماً منذ انضمامه إلى حزب الشعب الجمهوري في 2002، لم يتقدم على أردوغان في أي انتخابات أو استطلاع للرأي؛ لأنه يفتقد مواصفات القائد السياسي، والكاريزما الشخصية التي يتمتع بها أردوغان.

3. غموض البرنامج الرئاسي لمرشح المعارضة: عقب الإعلان عن ترشحه للانتخابات المقبلة، أعلن كليتشدار أوغلو أمام بضعة آلاف من مؤيديه أن التحالف “سيحكم تركيا بالمشاورات والتوافق”، وسبق أن أكد أن أجندة عمله ستُطالِب بـالعودة إلى نظام الحكم البرلماني، واستقلال القضاء، والإفراج عن الصحفيين، وضمان الحريات، ووقف العنف ضد المرأة، وإنهاء تسييس التعليم، وكذلك إعادة رسم السياسة الخارجية، وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، بيد أنه لم يحدد آليات تطبيق هذه المبادئ أو الجدول الزمني لها، لا سيما أنها مبادئ عامة يتوافق أي حزب عليها، وهذا يضاعف صعوبة مهمته، لا سيما أن التحالف تأخر في الإعلان عن المرشح الموحد، ولم يتبقَّ سوى شهرين على الانتخابات؛ فهل سيتمكن أوغلو من طرح أفكاره المثالية لكافة الشرائح الانتخابية وليس فقط أعضاء حزبه أو تحالفه؟

4. الجدل حول آلية إدارة الدولة: عشية الإعلان عن ترشح أوغلو للرئاسة، أعلن التحالف الاتفاق على 12 مادة لمرحلة الانتخابات وما بعدها، تتركز في (الحكم بالتوافق بين الأحزاب الست؛ بحيث يُمثَّل كل حزب من التحالف بوزير واحد على الأقل في مجلس الوزراء، وأن يكون تعيين وإقالة الوزراء بالاتفاق مع رئيس الحزب، وتعيين عمدة إسطنبول وأنقرة نائبَين للرئيس للمهام المحددة التي يراها الرئيس مناسبة)؛ الأمر الذي يشكك في آلية إدارة الدولة بعد فوز أوغلو بالانتخابات، ويعيد فكرة الحكم من خلال “الفريق الرئاسي” مرةً أخرى؛ ما يخالف الدستور التركي المعمول به الآن الذي ترغب المعارضة في تعديله، ويطرح عدة تساؤلات؛ منها: هل ستتم مشاورة قادة أحزاب الأمة الست ونائبَي الرئيس قبل اتخاذ كل قرار بالدولة؟ وهل سيقبل الشارع التركي تلك الصيغة الجديدة في إدارة الدولة؟ الأمر الذي يشير إلى احتمالات حدوث خلافات وانقسامات بشأن إدارة الدولة واتخاذ القرار حال فوز أوغلو.

5. انقسام التحالف بشأن الأكراد: رحَّب الرئيس المشارك لحزب الشعوب الديمقراطي الكردي مدحت سنجار بترشيح أوغلو للانتخابات الرئاسية، وقال إنه في انتظار زيارته إلى مقر حزبه للتفاهم على التحالفات الانتخابية، ولم يعلن حتى الآن بصورة مباشرة تأييد أوغلو في الانتخابات أم لا، وهذا يعود إلى انقسام موقف تحالف “الأمة” تجاه الأكراد؛ حيث يؤيد معظم الأحزاب التحالف مع الحزب الكردي لاستقطاب كتلته الانتخابية التي تفوق (7.8%) من الناخبين لصالح التحالف؛ ما يعزز فرص فوزه أمام أردوغان، بيد أن أكشينار ما زالت ترفض ذلك، وسبق أن أكدت أنها “لن تشارك الأكراد طاولة واحدة”. ورغم أن الحزب الكردي سبق أن ألمح إلى دعم كليتشدار أوغلو حال ترشحه للرئاسة وعدم ترشيح منافس له، فإن ذلك يجب أن يكون عبر اتفاقات انتخابية معلنة من قبل الطرفين، وستكون هناك استحقاقات مستقبلية للحزب الكردي مقابل هذا الدعم؛ فهل ستوافق أكشينار على ذلك في ظل موقفها القومي المتشدد من الأكراد الذي حال حتى اليوم دون ضم حزبهم إلى تحالف الأمة؟

فرص المنافسة

ستسفر الانتخابات الرئاسية التركية المقبلة عن فوز الرئيس الثالث عشر للبلاد، وسيكون أمامه أكبر عدد من التحديات الداخلية بعد كارثة زلزال “كهرمان مرعش” المدمر الذي أثَّر على 11 محافظة تركية، و15% من سكان البلاد البالغ عددهم 85 مليون نسمة، وتجاوزت أضراره المادية 100 مليار دولار، وأودى بحياة 46 ألف شخص، فضلاً عن سائر التحديات الاقتصادية والسياسية. وحتى اليوم فإن هناك 3 مرشحين أعلنوا رسمياً خوضهم الانتخابات المقبلة؛ هم: مرشح تحالف “الشعب” الحاكم الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، ومرشح تحالف الأمة المعارض كمال أوغلو، ورئيس حزب البلد محرم إنجه، الذي طلب من أكشينار رئاسة الوزراء حال فوزه بالانتخابات، وبناءً على مواقف الأحزاب الحالية فإن هناك عدة سيناريوهات للانتخابات؛ هي:

1. فوز الرئيس التركي أردوغان: رغم تراجع شعبية أردوغان عن الانتخابات السابقة، وكثرة الأزمات الداخلية، فإنه ما زال الأوفر حظاً بالفوز بالانتخابات، لا سيما أنها تتطلب الفوز بالأغلبية البسيطة (50%+1)؛ وذلك نتيجة نجاحه خلال الأشهر الأخيرة الماضية في تحقيق تحسن نسبي للاقتصاد، ورفع الحد الأدنى للأجور، وإنهاء حالة العزلة الخارجية التي عانت منها أنقرة، عبر إجراء مصالحات إقليمية ودولية أدت إلى ضخ مليارات الدولارات في الاقتصاد التركي، وهو ما أكده خلال تعليقه على أزمة ترشح كليتشدار أوغلو؛ حيث جدد تمسك تحالف الشعب بهدفه، وهو الفوز بالانتخابات، واستغل الزلزال لرفع شعبيته قائلاً: "نعيش كارثة حقيقية، ونعمل على إنقاذ حياة الناس وتأمين احتياجاتهم، وهؤلاء يتصارعون على المناصب".

وربما يكون هذا السيناريو المرجح؛ نظراً إلى استمرار أردوغان في الحكم وسيطرته على العملية السياسية والانتخابية لمدة 20 عاماً، فضلاً عن قدرته على الحشد الجماهيري، وهو ما أكدته آخر استطلاعات للرأي؛ حيث ما زال يحتفظ أردوغان بقاعدة تأييده التي تبلغ (36%) من الكتلة التصويتية، ومرشحة للزيادة قبل الانتخابات إذا اتخذ قرارات في صالح الناخبين، كما أن فوز أردوغان ربما يأتي لضعف منافسه الرئيسي كليتشدار أوغلو، وتسخيره كل إجراء حكومي لمصلحته الانتخابية، لا سيما ما يخص التعامل مع كارثة الزلزال المدمر؛ فقد أعلن مؤخراً عن عزمه بناء 100 ألف منزل مؤقت، ونقل المواطنين إليها خلال شهرين؛ أي قبل إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة، فضلاً عن إجراءاته الحكومية الاقتصادية الأخرى التي من شأنها رفع شعبيته.

2. فوز مرشح المعارضة: ويقضي هذا السيناريو بفوز مرشح تحالف الأمة المعارض كليتشدار أوغلو. وهذا يتوقف على تحركاته السياسية خلال الشهرين المقبلين لإقناع الناخبين به وقدرة الأحزاب الخمس الأخرى بالتحالف على حشد قواعدهم الشعبية خلفه، واحتواء أزمة رفض أكشينار لترشحه؛ لأن موقفها لن ينسى، خاصةً عندما وصفت التحالف بأنه “لا يعبر عن إدارة الشعب” التي تعتمد على استطلاعات الرأي غير المؤيدة لكليتشدار أوغلو. ورغم هذا فإن هناك احتمالية بفوزه نتيجة الرفض الشعبي لسياسات أردوغان، وطول فترة حكمه. وإذا تمكن أوغلو من استغلال نقاط ضعف الرئيس الحالي وخطأ بعض سياساته وكسب تأييد الأكراد له وتكثيف جهوده خلال الحملات الانتخابية والترويج لشخصه باعتباره رئيساً قوياً للبلاد وليس الترويج “لتحالف الأمة”، فربما يفوز بالانتخابات.

فوز أوغلو وفشله في إدارة الدولة: ويقضي هذا السيناريو بفوز مرشح تحالف “الأمة” المعارض في الانتخابات وتوليه الحكم بالفعل، ثم فشله في إدارة الدولة، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة أو إعادة الانتخابات. وهذا سيحدث نتيجة طعن أردوغان في النتائج قضائياً، وافتعاله المشكلات والأزمات سياسياً لإنهاء حكم أوغلو سريعاً. وإذا فشل أوغلو في الفوز أو في إدارة الدولة، فإن ذلك ربما يؤدي إلى تفكك تحالف “الأمة” المعارض أو خروج بعض الأحزاب منه، مثل حزب "الجيد".

مما سبق، نستنتج أن الوضع الداخلي بتركيا، في ظل التداعيات الاقتصادية والإنسانية بعد الزلزال المدمر، والبيئة الإقليمية والدولية في ظل استمرار تداعيات الحرب الأوكرانية وتصاعد التنافس على تغيير شكل النظام الدولي؛ لا يتحمَّل وجود “رئيس تركي ضعيف” أو “فريق رئاسي”، وهذا سيمنح أردوغان فرصاً مضاعفة بالفوز، لا سيما بعد الجدل حول تسمية مرشح تحالف المعارضة كليتشدار أوغلو.