• اخر تحديث : 2024-05-10 13:04
news-details
قراءات

ما التداعيات المحتملة للاضطرابات الداخلية في كينيا؟


تشهد كينيا حالة من الاضطرابات الداخلية في الآونة الأخيرة، التي تصاعدت وتيرتها مع قيام زعيم المعارضة “أودينجا” في 20 مارس الجاري بأكبر احتجاج في العاصمة “نيروبي” ضد حكومة الرئيس “وليام روتو” منذ توليها السلطة. وقد امتدت الاحتجاجات إلى مدن أخرى، ومنها “كيسمايو” الواقعة غرب البلاد. وطالبت المعارضة بتنحي الرئيس “روتو” عن حكم الدولة، ودعت إلى تنظيم احتجاجات أسبوعية ضد الحكومة؛ لفشلها في معالجة ارتفاع التضخم والتكاليف المعيشة، وترتَّب على ذلك اندلاع مواجهات بين قوات الأمن الحكومية وأنصار زعيم المعارضة؛ ما ترتب عليه وقوع العديد من الإصابات وسقوط بعض القتلى، كما تم إغلاق الطرق المؤدية إلى المباني الحكومية الرئيسية. ويتزامن ذلك مع إعلان الحكومة رفضها السماح للمعارضة بتنظيم الاحتجاجات. وتأتي هذه الاحتجاجات في ضوء جملة من الأبعاد المفسرة لها، كما قد ينتج عنها عدد من التداعيات المحتملة.

أبعاد مفسرة

ثمة جملة من الأبعاد الرئيسية المفسرة لتصاعد وتيرة احتجاجات المعارضة السياسية في كينيا خلال الآونة الأخيرة، وهي الأبعاد المتمثلة فيما يلي:

1. تدهور الأوضاع الاقتصادية على مختلف المستويات: شكلت الاعتبارات الاقتصادية أحد الأبعاد المؤثرة لهذه الاحتجاجات؛ حيث يواجه الاقتصاد الكيني جملة من التحديات، على رأسها ارتفاع أسعار الفائدة، وانخفاض احتياطيات النقد الأجنبي، وانخفاض قيمة العملة الوطنية (الشلن)، وتراجع تحصيل الإيرادات، وارتفاع الإنفاق الحكومي، وتزايد أعباء خدمة الديون، وارتفاع الدين العام بما يزيد عن نحو (8.74) تريليون شلن كيني؛ أي ما يعادل نحو (68.81) مليار دولار في أواخر عام 2022؛ وذلك بنسبة تصل إلى نحو (62.3%) من الناتج المحلي الإجمالي (GDP)، فضلاً عن ارتفاع معدل التضخم السنوي الذي بلغ نحو (9.2%) في شهر فبراير الماضي مقارنةً بنحو (9%) في يناير 2023. ويعزى ذلك إلى الاضطرابات التجارية بفعل التداعيات المصاحبة للحرب الروسية الأوكرانية.

كما تفاقمت المشكلات الاقتصادية بدرجة كبيرة في منتصف مارس الجاري بعد أن خفَّضت وكالة التصنيف العالمية “Standard & Poor’s” التصنيف الائتماني لكينيا من الحالة المستقرة إلى السلبية؛ ما أضعف احتمالات جذب الاستثمار الأجنبي المباشر وجهود الحكومة للحصول على قروض خارجية ملائمة. ويعكس هذا التصنيف تنامي المخاطر بشأن قدرة الدولة على الوفاء بخدمة الديون؛ وذلك بسبب تقييد الوصول إلى الأسواق الدولية، وقلة الاكتتاب في السندات المحلية.

2. تجديد الرفض لنتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة: تبلور ذلك في الأساس منذ الوهلة الأولى لإعلان “اللجنة المستقلة للانتخابات والحدود” في الخامس عشر من أغسطس 2022 نتائج الانتخابات العامة، التي أسفرت عن فوز الرئيس “روتو”، وهو ما دفع زعيم المعارضة السياسية “أودينجا” إلى عدم الاعتراف بهذه النتائج، وإعلان تقدمه بالتماس إلى المحكمة العليا اتهم فيه رئيس اللجنة الانتخابية “وافولا تشيبوكاتي” بانتهاك قانون الانتخابات من خلال القيام بفرز الأصوات من جانب واحد وإعلان النتيجة، بيد أن قرار المحكمة قد جاء بالرفض في 5 سبتمبر 2022، وهو ما دفع “أودينجا” ونائبته “مارثا كاروا” إلى تأكيد رفض هذا القرار، وأعربا عن خيبة أملهما تجاهه.

كما سجل زعيم المعارضة اعتراضه على قرار الرئيس الكيني “روتو” إيقاف أربعة مفوضين انتخابيين رفضوا المصادقة على فوزه في الانتخابات العامة التي جرت في أغسطس 2022، وهو القرار الذي جاء بعد طلب الجمعية الوطنية محاكمة هؤلاء المفوضين؛ إذ أكد أن الحكومة قد بدأت خطة لعزل هؤلاء المفوضين الذين دافعوا عن العدالة، متهماً الرئيس “روتو” بمحاولة السيطرة على إدارة الانتخابات المقبلة في عام 2027؛ وذلك بتعيين أعضاء موالين له في اللجنة لتنفيذ عمليات التزوير.

3. تفاقم إشكاليات الأمن الغذائي: ترتبط إحدى نقاط التحرك للمعارضة في الاحتجاجات الأخيرة في الأساس بتزايد إشكاليات الأمن الغذائي، ولا سيما منذ بدء الحرب الروسية–الأوكرانية، التي أدت إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية؛ حيث تعتمد الدولة على نحو (30 – 50%) من القمح المستورد من طرفي الحرب، كما عانت الأسر من ارتفاع تكاليف الوقود والمياه والسكن والكهرباء، وكذلك من تزايد أسعار غاز الطهي بنسبة (4.7%) خلال شهري يناير وفبراير الماضيين. وتشير بيانات الاتحاد الأوروبي إلى أن نحو (4.4) مليون شخص بما يعادل نحو (27%) من سكان المناطق القاحلة وشبه القاحلة، يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد؛ حيث فقد المزارعون في هذه المناطق ما يصل إلى نحو (70%) من المحاصيل، وما لا يقل عن (2.4) مليون من الماشية في مايو 2022، كما يعاني ما يزيد عن (900) ألف طفل من سوء التغذية الحاد.

ومن المتوقع أن تشهد حالة الأمن الغذائي تدهوراً محتملاً غير مسبوق في الفترات المقبلة؛ حيث تشير التقديرات إلى وجود توقعات بمعاناة ما يزيد عن نحو (5.4) مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي الحاد بين مارس ويونيو 2023. ومن المرجح أن يتزايد هذا العدد في الأشهر التالية. ويأتي ذلك الوضع مدفوعاً بشكل أساسي بمجموعة من العوامل المحفزة، وقد يكون من بينها تنامي حالة الجفاف المستمر بسبب فشل مواسم الأمطار الأربعة المتتالية، واحتدام الصراع المحلي القائم على الموارد، وانخفاض الإنتاج داخل الدولة.

تداعيات متفاقمة

تتعدد وتتنوع التداعيات المحتملة بفعل الاضطرابات الداخلية التي شهدتها كينيا في الآونة الأخيرة، وتتمثل فيما يلي:

1. اتساع نطاق أحداث العنف الداخلي: يعزز من ذلكالتزايدُ الملحوظ في أحداث العنف التي شهدتها الدولة في عام 2022 بالمقارنة بالسنوات الخمس السابقة؛ حيث تم تسجيل ما يزيد عن نحو (990) حالة عنف فعلية، وهي الأحداث التي نتج عنها سقوط نحو (700) حالة وفاة. ويعد زيادة نشاط الميليشيات الرعوية في شمال الدولة، وخاصةً في منطقة “وادي كيريو” بمنزلة أحد المحفزات الرئيسية لتنامي هذه الأحداث. ويأتي ذلك نتيجة التنافس على الوصول إلى المراعي المحدودة والموارد المائية نتيجةً للجفاف وانتشار الأسلحة الصغيرة المُهرَّبة من البلدان المجاورة، مثل إثيوبيا وجنوب السودان والصومال. وقد تم تسجيل قرابة (170) حادثة عنف مرتبطة بهذه الميليشيات في عام 2022، وهو ما يمثل زيادة بنحو (139%( مقارنةً بالعام السابق.

2. تصاعد وتيرة الأعمال الإرهابية: يعزز ذلك النشاطُ المتزايد لحركة الشباب المجاهدين “الصومالية” في المناطق الساحلية وشمال كينيا، وخاصةً في مقاطعة “مانديرا”؛ نتيجةَ قربها من الحدود الصومالية. وقد أعلنت الحركة مواصلة هجماتها في كينيا إذا قرر الرئيس “روتو” إبقاء قواته في الصومال. وقد جاء ذلك في إطار بيان صحفي نشرته وسائل الإعلام الداعمة للتنظيم في 27 أغسطس 2022.

وتجدر الإشارة إلى استخدام الحركة غابات “بوني” الكثيفة ملاذاً لها في مقاطعتي “لامو” و”جاريسا”، واعتمادها على الأرباح المتحققة من قطع الأشجار بشكل غير القانوني، ونشاط حرق الفحم داخل الغابة؛ وذلك وفقاً لمنظور الحكومة الكينية. وقد انخرطت الجماعة في هجمات مباشرة ضد المدنيين؛ ما أدى إلى مقتل ما يقرب من نحو (40) مدنياً في عام 2022، وهو ما يزيد عن ضِعف العدد المسجل في عام 2021، وكذلك ارتفعت حصيلة الاشتباكات المسلحة بين الحركة وقوات الأمن الكينية في عام 2022؛ حيث سجلت نسبة زيادة بلغت نحو (75%) بالمقارنة بالعام السابق.

3. تزايد ضغوط المعارضة على النظام الحاكم: يعزز ذلك الشواهدُ المرتبطة بالتحركات المستمرة للمعارضة السياسية بقيادة “أودينجا” ضد الرئيس “روتو” منذ حسمه مقعد رئاسة الدولة في أغسطس من العام الماضي، وقد يكون من أبرزها تعهُّد حزب المعارضة الرئيسي “قرار الوحدة” (azimio la umoja) بتشكيل حكومة ظل بقيادة “أودينجا”؛ وذلك في منتصف أكتوبر 2022 بهدف إبقاء الحكومة تحت المراقبة والتحقق من تجاوزاتها. وأكد الحزب أن هذه الحكومة ستكون لها ميزانيتها الخاصة، كما أشار إلى أنه سوف تُعيَّن “مارثا كاروا” نائبة زعيم المعارضة “أودينجا” في الانتخابات الرئاسية الأخيرة في منصب أمين مجلس الوزراء للعدل والشؤون الدستورية، كما سيُعيَّن وزير الزراعة المنتهية ولايته “بيتر مونيا” في المنصب ذاته في هذه الحكومة.

ويضاف إلى ما سبق انتقاد الحزب المعارض الرئيس “روتو”؛ لاتخاذه قرارات أحادية الجانب بشأن تغييرات سياسية هامة، وكذلك عدم انتهاجه أسلوب القيادة الجماعية “التشاركية”، وهو ما اتضح في رفض زعيم المعارضة القرار الرئاسي المتعلق برفع الحظر عن محاصيل المعدلة وراثياً في البلاد؛ حيث أكد أن استخدام هذه المحاصيل التي تحظرها الدول المتقدمة، مثل ألمانيا وفرنسا والسويد، سوف يخاطر بحياة الكينيين، كما حذر المواطنين من قبول هذا الإجراء تحت ذريعة مواجهة نقص الغذاء، وأضاف أنه بصفته زعيماً للمعارضة، سيلعب دوره بفاعلية للحيلولة دون ذلك.

4. تنامي الضغوط الشعبية لمعالجة التحديات الاقتصادية: من المتوقع أن تتزايد هذه الضغوط على الرئيس “روتو” في الفترات المقبلة، وخاصةً في ضوء الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها الدولة، وانعكاساتها السلبية على مجمل الأوضاع المعيشية للمواطنين، ولا سيما في ظل ارتفاع معدل البطالة بين الشباب بدرجة ملحوظة؛ حيث يصل إلى نحو (40%) من الذين تتراوح أعمارهم بين (18–34) عاماً، كما أن الاقتصاد لا يخلق وظائف كافية لاستيعاب (800) ألف شاب ينضمون إلى سوق العمل كل عام.

وختاماً، يمكن القول إن سيناريو استمرار حالة الاضطرابات الداخلية في الدولة هو الأكثر ترجيحاً. ويدفع نحو هذا الاتجاه التصعيدُ المحتمل للمعارضة السياسية لحجم وكثافة الأنشطة الاحتجاجية التي تقوم بها ضد حكومة الرئيس “روتو” خلال الفترات المقبلة، وهو ما سيُقابَل برد فعل حاسم وقاطع من قِبل النظام الحاكم؛ ما قد يُدخِل البلاد في حالة من العنف والعنف المضاد الممتد. ويعزز من ذلك استمرارُ تمسك المعارضة بعدم الاعتراف بمخرجات العملية الانتخابية التي جرت العام الماضي، وكذلك استثمارها التردي المستمر للأوضاع الاقتصادية وانعكاسها على المستويات المعيشية للأفراد باعتبار ذلك محركاً للتعبئة الشعبوية ضد النظام الحاكم.