• اخر تحديث : 2024-11-15 12:27
news-details
تقدير موقف

دلالات إعلان روسيا نشر أسلحة نووية تكتيكية في بيلاروسيا


أعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في 25 مارس 2023، أن روسيا توصلت إلى اتفاق مع بيلاروسيا لنشر أسلحة نووية تكتيكية على أراضي جارتها الأصغر، مؤكداً أنه تم إرسال عشر مقاتلات إلى مينسك تستطيع حمل أسلحة نووية تكتيكية.

وبعد يومين، أعلن الكرملين أن عملية بناء بنية تحتية ساحلية في المحيط الهادئ ستنتهي في بداية عام 2024، وذلك لنشر الغواصتين ذواتي المهام الخاصة بيلجورود وخاباروفسك، والقادرتان على حمل طوربيدات بوسيدون المُسيّرة والمزودة برؤوس حربية نووية.

مبررات الموقف الروسي

بررت روسيا خططها المعلنة بشأن التوسع العسكري النووي غرباً وشرقاً، ويمكن تفصيل ذلك على النحو التالي:

1- الرد على ترتيبات أمريكية مماثلة: أكد الرئيس الروسي أن تلك الخطوة لن تؤدي إلى خرق اتفاقيات حظر الانتشار النووي، إذ أنها تتطابق مع الترتيبات المماثلة التي أبرمتها الولايات المتحدة مع العديد من حلفائها الأوروبيين، والتي قامت بتخزين 100 سلاح نووي أمريكي، في ست قواعد عسكرية أمريكية في خمس دول أوروبية، فضلاً عن إعلان بولندا إمكانية استضافتها أسلحة نووية أمريكية، في أكتوبر 2022، ولذلك تسعى روسيا إلى تأكيد قدرتها على مجاراة واشنطن، وتهديد أمن حلفائها الأوروبيين وذلك عبر نشر أسلحتها النووية في بيلاروسيا.

2- حماية موسكو لبيلاروسيا: يهدف بوتين من جراء ذلك الإعلان إلى تأكيد أن موسكو قادرة على توفير الأمن لبيلاروسيا في مواجهة الضغوط الغربية. فقد أوضح بوتين أن نظيره البيلاروسي، ألكسندر لوكاشينكو، هو من طلب نشر الأسلحة النووية الروسية على أراضي بلاده.

وأكدت مينسك أنها تعرضت على مدار الفترة الأخيرة لضغوط من الولايات المتحدة وبريطانيا ودول أوروبية، وأن هذه الضغوط طالت الداخل البيلاروسي، في إشارة إلى إمكانية سعي الدول الغربية لإسقاط الحكومة الحالية، واستبدالها بحكومة أخرى موالية للغرب، خاصة وأن بيلاروسيا شهدت احتجاجات قادتها المعارضة في أغسطس 2020، وذلك بعد فوز الرئيس البيلاروسي الحالي، ألكسندر لوكاشينكو، بأكثر من 80% من الأصوات، حيث قامت المرشحة الرئاسية والمعارضة سفيتلانا تيخانوفسكايا، بالاحتجاج على نتيجة الانتخابات، وتحريك احتجاجات في الشارع البيلاروسي، وهي الاحتجاجات التي تم قمعها بعد اتهام الغرب بالوقوف خلفها، فضلاً عن طرد تيخانوفسكايا خارج البلاد، والتي بدورها حصلت على دعم غربي.

3- الرد على الترتيبات الأمريكية: أفاد مصدر مُقرّب من وزارة الدفاع الروسية بأن أسطول المحيط الهادئ المُحدث لم يضم غواصتيْن فقط، وإنما غواصات أخرى ستشارك في أداء مهام الردع الاستراتيجي، مما يعني أن موسكو ستعزز نفوذها العسكري النووي في غرب المحيط الهادئ وسط تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة والصين، بسبب تفعيل الأولى تحالف "أوكوس" مع سيدني ولندن، إذ أن هذا التحالف يهدف إلى تطويق الصين.

ومن ثم، تسعى روسيا للرد على ذلك وإظهار تضامنها مع بكين عبر نشر غواصات وأسلحة نووية هناك. ولعل ما يدعم ذلك الاستنتاج اتهام وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، في 14 مارس 2023، الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا بتدبير "مواجهة تستمر لسنوات" في آسيا عبر إطلاقها تحالف "أوكوس".

دلالات الموقف الروسي

يُشير القرار الروسي إلى عدد من الدلالات والتي يمكن الإشارة إلى أبرزها على النحو التالي:

1- استعراض قدرات روسيا النووية: تُعيد الخطوات الأخيرة التي اتخذها بوتين بشأن توسيع ترسانته النووية البحرية شرقاً ونشر أسلحة نووية غرباً التذكير بحجم الترسانة النووية الروسية الضخمة، حيث تمتلك موسكو 5977 رأساً نووياً، وفقاً لاتحاد العلماء الأمريكيين، ولديها منذ فترة طويلة القدرة على ضرب هدف في أي مكان في العالم، بينما تمتلك واشنطن أقل قليلاً من موسكو، وذلك بواقع 5428 رأساً نووياً. وبالإضافة إلى ما سبق، تشير التقديرات إلى أن روسيا تمتلك نحو 400 صاروخ بالستي عابر للقارات مسلح نووياً، يمكن أن تحمل ما يصل إلى 1185 رأساً حربياً نووياً.

2- إيصال رسالة ترهيب إلى اليابان: لا شك في أن إعلان موسكو عن سرعة الانتهاء من بناء مواقع في أقصى شرق روسيا تضم غواصات نووية روسية في المحيط الهادئ يُعد بمثابة إحدى رسائل الترهيب الروسي إلى اليابان، والرد على التحركات اليابانية المناوئة لموسكو، والداعمة للغرب، خاصة بعدما زار رئيس الوزراء الياباني، فوميو كيشيدا، كييف لإبداء دعمه لها، بالتزامن مع زيارة الرئيس الصيني إلى موسكو في مارس 2023.

وكذلك تسعى موسكو لتأكيد وجودها العسكري ضمن معادلة التنافس الصيني الأمريكي في منطقة المحيط الهادئ، وهو ما وضح في إعلان وزارة الدفاع الروسية، في 21 مارس 2023، تحليق قاذفتين استراتيجيتين من طراز "تو – 95 أم أس" (Tu-95MS) فوق بحر اليابان لأكثر من 7 ساعات، تزامناً مع وصول كيشيدا إلى أوكرانيا.

ومن ناحية أخرى، اختبرت البحرية الروسية، في 28 مارس 2023، صواريخ أسرع من الصوت مضادة للسفن على هدف وهمي في بحر اليابان، وهي التحركات التي أقلقت طوكيو، إذ أدانتها وأكدت أنها ستظل يقظة حيال العمليات العسكرية لموسكو في الشرق الأقصى.

ردود الفعل المختلفة

جاءت ردود الفعل ممن قبل الأطراف المُختلفة على النحو التالي:

1- استنجاد أوكرانيا بالغرب: انتقدت الخارجية الأوكرانية تلك الخطط، ودعت إلى ضرورة عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة لمواجهة التهديد المُحتمل المترتب على نشر أسلحة نووية في بيلاروسيا.

2- تضارب الموقف الغربي: نددت قيادة حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وبرلين وباريس بـالخطوة الروسية، معتبرين أنها إحدى محاولات موسكو للترهيب بالسلاح النووي، وانتهاكاً لمعاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى، بينما دعت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة لاتخاذ إجراءات فعّالة لمواجهة الابتزاز النووي الذي يمارسه الكرملين، فضلاً عن التلويح بفرض عقوبات على بيلاروسيا من خلال تهديدها بـ"عواقب وخيمة" إذا قبلت بنشر أسلحة نووية روسية على أراضيها. ووصف الرئيس الأمريكي جو بايدن، في 29 مارس 2023، إعلان بوتين بأنه "خطر ومثير للقلق".

وفي المقابل، حاولت وزارة الدفاع الأمريكية التقليل من أهمية القرار الروسي، مُشيرة إلى إنه لا توجد مؤشرات على أن روسيا تستعد لاستخدام أسلحة نووية بعد إعلان موسكو نشر أسلحة نووية تكتيكية في بيلاروسيا. واكتفت بالتصريح بأنها ستراقب الموقف عن كثب، مع تأكيد الالتزام بمبدأ الدفاع الجماعي لحلف شمال الأطلسي.

3- دعوة الصين إلى الوساطة: لم تنتقد الصين الموقف الروسي، ولكنها دعت جميع الأطراف إلى ضرورة إيجاد حل سلمي للحرب الروسية الأوكرانية بالطرق الدبلوماسية، والعمل معاً لنزع فتيل الصراع، وأكدت الخارجية الصينية أن موقف بكين واضح بشأن ضرورة تقليل المخاطر الاستراتيجية وتجنب اندلاع حرب نووية.

التداعيات المُحتملة

قد يُسفر ذلك الإعلان من جانب روسيا عن عدد من النتائج يمكن إجمالها على النحو التالي:

1- تصعيد نووي غربي: يصف الغرب الخطط الروسية بأنها "ابتزاز نووي"، وبالتالي، فإنه من المتوقع أن تتخذ الولايات المتحدة إجراءات تصعيدية كما في إعلانها، في 28 مارس 2023، حجب بعض البيانات عن قوتها النووية عن موسكو، واصفة ذلك بأنه رد مناسب على تعليق موسكو مشاركتها في معاهدة الأسلحة النووية الجديدة "نيو ستارت".

2- تهديد أمن أوروبا: يلاحظ أن وضع أسلحة نووية في بيلاروسيا يُشكل خطراً كبيراً على أمن أوروبا، ولاسيما وأن بيلاروسيا دولة قريبة جداً من أوكرانيا ووسط أوروبا، وبالتالي، يمكن حتى للصواريخ والطائرات ذات المدى القصير أن تضرب أهدافاً داخل العمق الأوروبي، خاصة وأن بيلاروسيا دولة حليفة للكرملين، وهو ما يرفع درجة التهديد للأمن الأوروبي.

وفي التقدير، فإنه من المُتوقع أن يستمر تصعيد الخطاب النووي بين موسكو وواشنطن خلال الفترة المقبلة، مع التنصل من كافة الترتيبات السابقة بموجب معاهدة "نيو ستارت"، والتي تضمن الحد من نشر الأسلحة النووية. وعلى الرغم من الانتقادات الغربية لروسيا، فإنه من الملاحظ أن السلوك الروسي جاء مكافئاً للرد على الخطوات الأمريكية، والتي تمثلت في نشر واشنطن لأسلحة نووية في أوروبا، أو محاولة إدخال اليابان طرفاً في الحرب الأوكرانية عبر دعم كييف اقتصادياً، كما أن التصعيد المتبادل بين واشنطن وروسيا سوف يعني اتجاه الأخيرة لتعزيز التعاون العسكري مع الصين في المحيط الهادي في مواجهة التحالفات العسكرية الأمريكية، سواءً مع اليابان أو أستراليا.