• اخر تحديث : 2024-05-02 13:29
news-details
قراءات

لماذا تصاعد الجدل حول مستقبل الدور السويسري في العالم؟


ارتكز الدور السويسري في العالم، لعقود، على عدد من المرتكزات كفلت وشكَّلت ملامح هذا الدور وطبيعته، وعلى رأس تلك المرتكزات الجانب السياسي المرتبط بمبدأ الحياد الذي يُمكِّن سويسرا من القيام بأدوار الوساطة في النزاعات، مع استضافة عدد من المنظمات الدولية، واحتضان عدد من جولات التفاوض بين العديد من الخصوم السياسيين والعسكريين، سواء داخل الدولة الواحدة أو في دول متصارعة. وعلى الجانب الاقتصادي مثَّلت سويسرا مركزاً مالياً هاماً جاذباً للمستثمرين وكبار رجال الأعمال، خاصةً مع معدلات الثقة والأمان والاستقرار المرتفعة التي تمتعت بها بنوكها، إلا أن الآونة الأخيرة شهدت عدداً من الهزات التي تهدد تلك المرتكزات، مثل الضغوط على سويسرا للتخلي عن حيادها في الحرب الأوكرانية، وانهيار بنك “كريدي سويس”، فضلاً عن عدم الاضطلاع بمهمة الوساطة بين إيران والسعودية، والسماح للصين بتحقيق نجاح مهم في هذا الملف رغم الفرص التي كان من المفترض أن تستغلها بيرن.

الحرب الأوكرانية

مع استمرار الحرب الأوكرانية، برزت دعوات غربية وسويسرية إلى دور سويسري أكبر في الحرب يتجاوز مجرد فرض العقوبات إلى الانخراط بالدعم التسليحي لكييف، سواء بشكل مباشر، أو بالسماح للدول الغربية بإعادة تصدير الأسلحة السويسرية لأوكرانيا. وبوجه عام تطرح الحرب ضغوطاً على تمسُّك بيرن بمبدأ الحياد في سياستها الخارجية، خاصةً في الجانب العسكري.

1– الاكتفاء بفرض العقوبات دون تسليح كييف: تتخذ سويسرا موقفاً تجاه الحرب الأوكرانية لا يُمانِع بعض الانخراط عبر فرض عقوبات على روسيا، لكنها تتحفَّظ بشدة على استخدام أسلحتها بطريق مباشر أو غير مباشر في دعم أحد طرفي الصراع، وهو ما عبَّر عنه الرئيس السويسري آلان بيرسيه، الذي أكد أنه لا يجب أن تُستخدَم الأسلحة السويسرية في الحروب، مع تأكيده في الوقت ذاته فرض بلاده عقوبات غير مسبوقة على روسيا. إلا أنه ينبغي الإشارة إلى أن الانضمام السويسري إلى العقوبات على موسكو مثَّل في حد ذاته تحولاً مهماً في السياسة الخارجية السويسرية التي لم تنضم إلى العقوبات المفروضة على روسيا عام 2014 عقب ضم شبه جزيرة القرم؛ حيث اعتبرت بيرن هذه المرة أن الوضع الاستثنائي الناتج عن الهجمات الروسية على أوكرانيا يتطلَّب إجراءات استثنائية.

2– مبادرات ومقترحات لتخفيف قيود إعادة التصدير: شهدت سويسرا خلال الشهور الأخيرة العديد من المبادرات والمقترحات السياسية والبرلمانية لتخفيف قواعد إعادة تصدير الأسلحة؛ من أجل تمكين البلدان الأخرى التي تمتلك أسلحة مصنوعة في سويسرا من توريدها إلى أوكرانيا، ضمن شحنات الدعم التسليحي الغربي لكييف؛ حيث يحظر القانون السويسري على أيِّ دولة تشتري أسلحة سويسرية، إرسالها إلى طرف في نزاع، مثل أوكرانيا.

وتنطلق تلك المقترحات والمبادرات من عدة مداخل؛ منها ما يتعلق بضرورة التضامن الغربي مع أوكرانيا، وعدم الاكتفاء بالمشاركة في فرض العقوبات، ومنها ما يتعلق بأهمية مواجهة التهديد الروسي في أوروبا، ومنها ما يتعلق بالحفاظ على مصالح قطاع الصناعات الدفاعية السويسري خشية أن يؤدي الامتناع عن دعم أوكرانيا بالسلاح مباشرةً أو السماح للدول المستورِدة بذلك إلى خسارة كييف عملاءها من الجيوش الغربية المستورِدة للأسلحة السويسرية، وهو ما دفع نواباً برلمانيين إلى اعتبار أن تعديل قواعد إعادة التصدير ضروري من أجل تجنب إحباط أو غضب الشركاء الغربيين. وقد أظهر استطلاع للرأي، في مارس الماضي، موافقة نصف السويسريين على السماح للحكومات الأجنبية بإعادة تصدير المعدات العسكرية السويسرية إلى أوكرانيا، مقابل معارضة 46% وتردُّد 4%.

3– استنكار الدعوات السويسرية للانخراط في الحرب: ثمة العديد من الدعوات داخل سويسرا تطالب بدعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا، مع تفاوت نسبي في تقدير حدود هذا الدعم، وهي الدعوات التي تشترك في المطالبة بالتخلي عن سياسة الحياد السويسرية، مع تباين أيضاً في حدود هذا التخلي، وهي الدعوات التي يرفضها الرئيس السويسري آلان بيرسيه، الذي استنكر ما وصفه بـ”جنون الحرب في دوائر معينة” في سويسرا، في حين أن بيرسيه يرى أن المفاوضات مع روسيا هي السبيل إلى حل الصراع، وأن تلك المفاوضات ضرورية لإنهاء الحرب في أوكرانيا في القريب العاجل، وهو ما يأتي أيضاً ضمن أسباب دفاع سويسرا عن سياسة الحياد؛ حيث تُعوِّل على أن تُمكِّنها تلك السياسة من رعاية المفاوضات بين كييف وموسكو، في الوقت الذي تنخرط فيه الدول الأوروبية في الحرب عبر تقديم دعم مباشر لأوكرانيا.

4– دفاع الحكومة السويسرية عن سياسة الحياد: مقابل الضغوط والانتقادات للموقف السويسري من الحرب الأوكرانية، تدافع الحكومة السويسرية عن “حياد سويسرا”، معتبرةً أن أهميته حالياً أكثر من أي وقت مضى؛ فقد أكد الرئيس السويسري آلان بيرسيه، في مارس الماضي، أهمية استمرار التزام بلاده بسياسة الحياد التي تستند إلى الالتزام بالسلام والقانون الإنساني والوساطة حيثما أمكن ذلك؛ حيث قال إن صون القانون الإنساني وقانون حقوق الإنسان واتفاقيات جنيف قد يبدو قديماً بالنسبة إلى البعض، لكنه أصبح أكثر أهميةً من أي وقت مضى، محذراً من أنه سيكون من الخطير جداً التخلص من هذه المبادئ الأساسية الآن.

5– رفض روسي لعروض الوساطة السويسرية: رغم الامتناع والرفض السويسري للتصدير المباشر أو غير المباشر عبر أطراف ثالثة لأسلحتها إلى أوكرانيا، فإن انضمام بيرن إلى العقوبات الأوروبية والغربية على روسيا دفع موسكو نحو التشكيك في حيادها، بل في إمكانية قيامها بالوساطة بينها وبين كييف؛ فعلى سبيل المثال، علَّقت ماريا زاخاروفا المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، في مارس الماضي، على إعلان وزير الخارجية السويسري إيجناسيو كاسيس، خلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي، استعداد بلاده في أي وقت لجمع الأطراف حول طاولة المفاوضات للتوصل إلى تسوية في أوكرانيا، بقولها إن سويسرا فقدت وضعها المحايد، ولا يمكنها أن تكون منصة مناسبة للوساطة بسبب انضمامها إلى العقوبات التي تعتبرها موسكو عقوبات أحادية غربية غير قانونية، وهو السبب الذي سبق أن عللت به موسكو رفضها عرضاً سويسرياً لتمثيل المصالح الأوكرانية في روسيا ومصالح موسكو في أوكرانيا.

6– تحفيز الحرب التفكير في مقترحات التعاون الدفاعي الأوروبي: رغم عدم عضوية سويسرا في الاتحاد الأوروبي، لكنها – كغيرها من الدول غير الأعضاء في أوروبا الغربية – تدرك هي وشعبها أن هناك العديد من المشتركات التي تجعلها، رغم عدم العضوية في الاتحاد، جزءاً من الثقافة والسياسة والأمن الأوربي، وجزءاً كذلك من النظم الليبرالية الغربية في الوقت الذي يتم فيه تصوير الحرب الأوكرانية على أنها معركة بين الديمقراطية الغربية والأوروبية وبين نظام غير ديمقراطي روسي تصفه بعض التقارير الغربية بأنه أوتوقراطي بل كليبتوقراطي.

وقد تدفع الحرب الأوكرانية والتهديد العسكري الروسي في قلب القارة الأوروبية، السويسريين إلى إعادة النظر في مبدأ الحياد، على الأقل بما يضمن حماية الأمن السويسري، وهو ما يفسر ما أظهرته بعض استطلاعات الرأي حول تأييد 52% من السويسريين الانضمام إلى اتحاد دفاعي أوروبي يشمل الدول الملتزمة بسياسة أمنية ودفاعية مشتركة، وصولاً إلى تشكيل جيش أوروبي مشترك للدفاع عن الدول الأوروبية الأعضاء، وهو اتجاه يتماشى مع اتجاه أوروبي عام يتجه نحو التركيز على تطوير سياسة دفاعية أوروبية مشتركة.

انهيار “كريدي سويس”

لم تكن حرب أوكرانيا التحدي الوحيد للدور العالمي لسويسرا في اللحظة الراهنة؛ إذ طرحت أزمة انهيار بنك “كريدي سويس” العديد من المخاوف بشأن البنوك السويسرية، ومدى قدرة سويسرا على الاستمرار بوصفها مركزاً مالياً عالمياً آمناً ومستقراً، واجتذاب رؤوس الأموال العالمية بعد اهتزاز الثقة بسوق المال وقطاع المصارف السويسري، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:

1– انتقادات وإخفاقات متوالية لبنك كريدي سويس: واجه بنك كريدي سويس، الذي يعد من أعمدة القطاع المالي والمصرفي السويسري، في السنوات الأخيرة العديد من الانتقادات والاتهامات والإخفاقات التي أودت بسمعته المصرفية، والتي كان من الممكن أن تطال سمعة المؤسسات المصرفية السويسرية عامةً؛ فبالإضافة إلى معاناة البنك من خسائر كبيرة وصلت إلى 7.3 مليار فرنك سويسري (6.6 مليار جنيه إسترليني) في عام 2022، فإن البنك واجه أيضاً العديد من الاتهامات المتعلقة بالتورط في خرق العقوبات وغسيل الأموال والتهرب الضريبي والفساد والتجسس والاحتيال على المستثمرين.

فضلاً عن وجود نقاط ضعف في ضوابطه الداخلية المرتبطة بالتقارير المالية. وفي حين بدأ الانخفاض الأخير في أسعار أسهم بنك “كريدي سويس” مع انهيار بنك “سيليكون فالي” في الولايات المتحدة، فإنه تضاعف مع الإعلان عن وجود نقاط ضعف جوهرية في إجراءات إعداد التقارير المالية للبنك. ومع وصول البنك إلى حافة الانهيار، استحوذ بنك UBS على بنك Credit Suisse مقابل 60% أقل مما كان يستحقه البنك عندما أغلقت الأسواق قبل الصفقة التي كلَّفت 3.25 مليار دولار فقط.

2– تدخلات حكومية لتجنب تبعات الانهيار غير المنضبط: اعترف الرئيس السويسري آلان بيرسيه، في سياق حديثه عن التدخل للحيلولة دون الانهيار الكامل لبنك كريدي سويس، بأن الانهيار غير المنضبط للبنك سيؤدي إلى عواقب لا حصر لها على الدولة والنظام المالي الدولي. وأكد توماس جوردان رئيس مجلس إدارة البنك المركزي السويسري، أن إفلاس بنك كريدي سويس سيكون له عواقب وخيمة على الاستقرار المالي الوطني والدولي والاقتصاد السويسري، وهو ما يفسر حرص الحكومة السويسرية على التدخل لمنع الانهيار الكامل لبنك كريدي سويس؛ حيث فكرت الحكومة في الاعتماد على القطاع الخاص عبر خيارات الدمج مع بعض الدعم المحدود، فيما تشير بعض التقارير إلى أنها فكرت في خيارات التأميم الجزئي أو الكلي كخطة بديلة إذا فشلت جهود القطاع الخاص.

وبخلاف التدخل السويسري بإسقاط ما تزيد قيمته عن 17 مليار دولار من سندات الدرجة الأولى الإضافية “إيه تي 1” المرتفعة المخاطر ببنك Credit Suisse، وتغيير قاعدة تحمُّل المساهمين، وليس حملة السندات، العبء الأكبر من تعثر المؤسسة؛ حيث لم يخسر المساهمون استثماراتهم بالكامل كأصحاب تلك السندات رغم أن قيمة الأسهم في الصفقة كانت أقل من قيمتها عند إغلاق أسواق المال، فضلاً عن إلغاء الحاجة إلى تصويت المساهمين على اتفاقية الاندماج لتجنب احتمالات تعثُّر الصفقة؛ فإن البنك الوطني السويسري أعلن أنه سيقدم قرضاً بقيمة 100 مليار فرنك سويسري (108 مليارات دولار) إلى UBS وCredit Suisse لتعزيز السيولة، وأن الحكومة ستقدم 100 مليار فرنك أخرى دعماً، إذا لزم الأمر.

3– امتلاك UBS تأثيرات مهيمنة في القطاع المالي السويسري: تنطلق بعض الانتقادات لصفقة الاندماج من اعتبار أنها لم تراعِ أبعاد المنافسة، وأن بنك UBS أصبح يتمتع بسلطة شبه احتكارية يمكن أن تزيد تكلفة الخدمات المصرفية في البلاد، وأن كل ما سيفعله البنك بعد عملية الاندماج سيكون مؤثراً بشدة على السوق بوصفه فاعلاً رئيسياً ومهيمناً. وفضلاً عن المشكلات التي قد تواجهها سوق المال وقطاع المصارف السويسري من هيمنة بنك UBS عقب عملية الاندماج، فإن ذلك يحمل أيضاً مخاطر محتملة مستقبلية من زاوية مدى القدرة على إحداث تدخل داعم يمنع الانهيار كالذي قام به بنك UBS تجاه “كريدي سويس”؛ فمع عدم وجود مؤسسات خاصة كبيرة قادرة على تنفيذ خطة إنقاذ، قد يتعرض الاقتصاد السويسري لهزة كبيرة إذا تعرض بنك UBS لمخاطر فشلت الحكومة في مواجهتها.

4– فشل صفقة الاستحواذ على كريدي سويس في حماية الوظائف: فيما انطلقت بعض الانتقادات الرافضة لصفقة الاستحواذ على بنك كريدي سويس من تأثيراتها على معدلات العمل والبطالة؛ حيث لم تراعِ الصفقة التي عُقدت على عجل، تجنُّب الانهيار معايير حماية الوظائف في بنك كريدي سويس؛ فإن الرئيس التنفيذي لبنك UBS أكد تلك المخاوف بتصريحاته التي أعلن فيها أن البنك سيحاول تخفيض 8 مليارات فرنك (8.9 مليار دولار) من المصروفات سنوياً بحلول عام 2027، منها 6 مليارات فرنك (6.5 مليار دولار) من خفض أعداد الموظفين.

5– شكوك في كفاءة عملية الاستحواذ ومستقبلها: من المتوقع أن تستغرق عملية الدمج الكامل للبنكين الكبيرين من ثلاث إلى خمس سنوات. ومع طول هذه المدة تزداد المخاوف بشأن نجاح تلك الصفقة واستقرار القطاع المالي والمصرفي السويسري؛ حيث تثير عمليات الاندماج الكبرى مخاوف بشأن مستقبلها ونجاحها واستمراريتها، خاصةً أنها غالباً ما تكون محفوفةً بالمخاطر، وغالباً لا تُحقِّق العوائد الموعودة للمساهمين.

وقد أكد العديد من المحللين الماليين وجود قدر كبير من المخاطر التي تحيط بعملية الاندماج، وتجعلها على المحك، مع تأثيرات ذلك على الاقتصاد السويسري ومكانة سويسرا بصفتها مركزاً مالياً إذا ما تعثرت عملية الدمج خلال الفترة المقبلة. وفي السياق نفسه تبرز الدعوات إلى إجراء تحقيق في الأخطاء التي تسببت في انهيار “كريدي سويس”؛ لتجنب سير المؤسسة الضخمة بعد الاندماج إلى الطريق نفسه بما يمثله ذلك من مخاطر كبرى على الاقتصاد السويسري.

6– تضرر سمعة سويسرا باعتبارها مركزاً مالياً عالمياً: رغم نجاح الحكومة السويسرية في دفع عملية إنقاذ بنك “كريدي سويس” الذي كان على حافة الانهيار الكامل، عبر آلية الدمج؛ ما حال دون انفجار أزمة مصرفية سويسرية حادة، وانهيار كبير في القطاع المصرفي السويسري؛ فإن الأزمة التي عاناها البنك مع طريقة الخروج منها عبر آلية الدمج لمنع الانهيار، مثَّلت في حد ذاتها تقويضاً للسمعة العالمية لسويسرا باعتبارها مركزاً مالياً ولنظامها المصرفي، خاصةً أن بنك “كريدي سويس” بتاريخه الطويل من جهة، وحصته السوقية وحجمه الكبير من جهة ثانية، مع دوره الفعال والمهم في سويسرا من جهة ثالثة، تعتبره العديد من التقارير والأكاديميين جزءاً من هوية سويسرا.

ولذلك فإن ثمة مخاوف كبيرة من أن يؤدي انهيار بنك “كريدي سويس” والاستحواذ عليه، والنهاية الصادمة لأحد أكبر البنوك والعلامات المصرفية السويسرية إلى الإضرار بسمعة سويسرا باعتبارها مركزاً مالياً عالمياً آمناً ومستقراً، واعتباره دليلاً على خلل في النظام المصرفي السويسري يقوض ثقة كبار المستثمرين بالبنوك السويسرية، ويُفقِد بيرن واحدة من أهم نقاط قوتها ومزاياها الاقتصادية. وقد وصل الأمر إلى اعتبار الرئيس التنفيذي لشركة الاستشارات “أوبيماس” أوكتافيو مارينزي، أن سمعة سويسرا فيما يتعلق بالاستقرار المالي تلاشت.

7– استفادة مراكز مالية أخرى من الأزمة السويسرية: تصب الشكوك التي طرحتها أزمة “كريدي سويس” في كفاءة واستقرار وأمان النظام المصرفي السويسري في صالح بنوك ودول ومدن أخرى، خاصةً تلك التي تتطلع إلى لعب دور أكبر على مستوى العالم باعتبارها مراكز مالية مستقرة وآمنة وقادرة على إدارة الثروات الكبرى بكفاءة، مثل سنغافورا التي تأمل الاستحواذ على نصيب كبير من الأموال التي يمكن أن يُفضِّل أصحابها البحث عن مركز مالي أكثر استقراراً من البنوك السويسرية، خاصةً إذا لم تنجح بيرن في مواجهة تداعيات الأزمة وتحسين صورة وسمعة نظامها المصرفي وبنوكها بالشكل الذي يُطمئِن كبار المستثمرين بعدم تكرار الأزمة.

إخفاق الوساطة

ختاماً، مثَّل الاتفاق السعودي الإيراني الذي تم بوساطة صينية على استعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، مؤشراً جديداً على إخفاق سويسرا في القيام بمهام الوساطة بين دول العالم، واستغلال فرص تفويض القوة الحامية للمصالح ووضعها المحايد؛ فبعدما قطعت المملكة العربية السعودية علاقاتها الدبلوماسية مع إيران عام 2016، عهدت الدولتان في عام 2017 إلى سويسرا بتفويض القوة الحامية للمصالح من أجل الحفاظ على استمرار الخدمات القنصلية، وهو التفويض الذي دخل حيز التنفيذ عام 2018؛ حيث لعبت الممثليات السويسرية في الرياض وطهران خلال الأعوام الماضية دوراً رئيسياً في التفاوض بين الدولتين بخصوص بعض المسائل العالقة، مثل تسهيل أداء الإيرانيين مناسك الحج في المملكة.

وفي هذا الإطار، انتقدت العديد من الشخصيات السياسية والحزبية والنواب البرلمانيون في سويسرا عدم اضطلاع سويسرا بدور رئيسي في الوساطة بين إيران والسعودية، معتبرين أن نجاح بكين في الوساطة بين الرياض وطهران يقضم من الدور الذي عملت بيرن على ترسيخه لنفسها دولياً بوصفها دولة حياد ووسيط سلام، خاصةً أن ترتيبات تفويض القوة الحامية للمصالح كانت تمنح سويسرا فرصة أكبر للعب دور الوساطة في الإقليم بين البلدين.