• اخر تحديث : 2024-05-07 16:33

أعتقد أننا في حرب باردة جديدة، فقد أصبح زعماء الحزبين في الولايات المتحدة، من الصقور حيال الصين. وهناك قعقعة من احتمال تفجر الحرب حول تايوان، في وقت يتعهد فيه الرئيس الصيني شي جينبينغ بالسيطرة على هذا القرن.

 لا يسعني إلا أن أتساءل: كيف ستبدو هذه الحرب الباردة؟ وهل ستغير المجتمع الأميركي بالطريقة التي أحدثتها الحرب الأخيرة؟

أول شيء ألاحظه، في هذه الحرب الباردة، اندماج سباق التسلح مع التنافس الاقتصادي، وكان التركيز الرئيس للصراع حتى الآن الرقائق الدقيقة، وهي الأدوات الصغيرة التي لا تجعل سيارتك وهاتفك يعملان فحسب، بل تعمل أيضاً على توجيه الصواريخ، وهي ضرورية لأنظمة الذكاء الاصطناعي. وكل من يهيمن على تصنيع الرقائق يسيطر على السوق، إضافة إلى ساحة المعركة. ثانياً، الجغرافيا السياسية مختلفة. وكما يشير كريس ميلر في كتابه “حرب الرقائق”، فإن قطاع الرقائق الدقيقة يهيمن عليه عدد قليل من الشركات الناجحة للغاية. وأكثر من 90% من الرقائق الأكثر تقدماً تصنعها شركة واحدة في تايوان، وشركة هولندية واحدة تصنع جميع آلات الطباعة اللازمة لصنع رقائق متطورة، وتحتكر شركتان في سانتا كلارا، بولاية كاليفورنيا، تصميم وحدات معالجة الغرافيك، وهو أمر بالغ الأهمية لتشغيل تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مراكز البيانات.

وهذا يمثل وضعاً لا يطاق بالنسبة للصين، وإذا تمكن الغرب من منع الصين من الوصول إلى التكنولوجيا المتطورة، فيمكنه حينئذٍ منع الصين من السيطرة، لذا فإن نية الصين هي الاقتراب من الاكتفاء الذاتي للرقائق، ونية أميركا هي أن تصبح أكثر اكتفاءً ذاتياً من الرقائق مما هي عليه الآن، وإنشاء تحالف عالمي للرقائق يستبعد الصين.

إعادة ترتيب السياسة

وفي غضون ذلك، تمت إعادة ترتيب السياسة الخارجية الأميركية بسرعة على هذا المنوال. وخلال الإدارتين الماضيتين، تحركت الولايات المتحدة بقوة لمنع الصين من الحصول على تكنولوجيا البرمجيات والمعدات التي تحتاجها لبناء الرقائق الأكثر تقدماً. ولا تحاصر إدارة الرئيس جو بايدن الشركات العسكرية الصينية فحسب، بل جميع الشركات الصينية. ويبدو هذا ضمانة منطقية، لكن بعبارة أخرى، إنه نوع من الدراماتيكية، فالسياسة الرسمية للولايات المتحدة هي جعل أمة يبلغ عدد سكانها ما يقرب من مليار ونصف المليار شخص، أفقر مما هي عليه.

إنني مندهش أكثر من الطريقة التي أعادت بها الحرب الباردة الجديدة ترتيب السياسة الداخلية. والآن، عندما يتعلق الأمر بالتكنولوجيا الخضراء والرقائق، أقر الكونغرس العام الماضي قانون الرقائق، بمنح وائتمانات ضريبية، وإعانات أخرى بقيمة 52 مليار دولار، لتشجيع إنتاج الرقائق الأميركية، وهذه سياسة صناعية من شأنها أن تحدث فارقاً.

وعلى مدى السنوات والعقود المقبلة، ستضخ الصين مبالغ هائلة في برامج السياسة الصناعية الخاصة بها، عبر مجموعة من التقنيات المتطورة. ويقدر أحد المحللين من مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية أن الصين تنفق بالفعل أكثر من 12 مرة من إجمالي الناتج المحلي لديها على البرامج الصناعية، كما تفعل الولايات المتحدة.

حرب نخب التكنولوجيا

وخلال السنوات المقبلة، سيتعين على قادة الولايات المتحدة معرفة مدى فعالية هذا الإنفاق وكيفية الاستجابة. وخلافاً للحرب الباردة الماضية، هذه الحرب ستخوضها النخب التكنولوجية، ومن المحتمل أن ينفق كلا الجانبين الكثير من الأموال على الأشخاص الأكثر تعليماً، وهو وضع خطر في عصر الاستياء الشعبوي.

بالفعل هناك انقسامات سياسية جديدة. وفي الوسط، يوجد من أيّد قانون الرقائق، بمن فيهم إدارة بايدن والجمهوريون الـ17 – غير المؤيدين لدونالد ترامب – الذين صوتوا مع الديمقراطيين لهذا القانون في مجلس الشيوخ.

على اليمين، هناك بالفعل مجموعة من الشعبويين الذين يتشددون بشدة بشأن الصين، عندما يتعلق الأمر بالشؤون العسكرية، ولكنهم لا يؤمنون بالسياسة الصناعية.

وعلى اليسار، يوجد أولئك الذين يريدون استخدام السياسة الصناعية لخدمة أهداف تقدمية. وأصدرت إدارة بايدن عدداً لا يُصدق من الإملاءات للشركات التي تتلقى دعم قانون الرقائق. وستجبر هذه الإملاءات الشركات على التصرف بطرق تخدم عدداً من الأولويات التقدمية – سياسة رعاية الأطفال، وزيادة النقابات، والأهداف البيئية، والعدالة العرقية، وما إلى ذلك. وبدلاً من أن يكون برنامجاً يركز على تعزيز صناعة الرقائق، يسعى إلى أن يكون كل شيء في آن واحد.