• اخر تحديث : 2024-11-15 12:27
news-details
قراءات

لماذا تُراهن واشنطن على المعارضة في الانتخابات التركية؟


حرصت الولايات المتحدة على توجيه رسائل عديدة مفادها أنها تُبدي اهتماماً كبيراً بدعم المعارضة التركية في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي سوف تجرى في تركيا في 14 مايو المقبل، بما يعني أنها ترى أن صعود المعارضة قد يغير من طبيعة التوجهات الخارجية لتركيا عموماً، وليس ذلك فقط، بل قد يغير من اتجاهات صنع القرار في تركيا، والمسارات المحتملة التي يمكن أن تتجه إليها العلاقات بين أنقرة وواشنطن خلال المرحلة القادمة. وفي هذا السياق، قام السفير الأمريكي لدى أنقرة جيف فليك بزيارة مقر حزب الشعب الجمهوري في 4 أبريل الجاري، والتقى رئيسه كمال كليجدار أوغلو المنافس الرئيسي لأردوغان ومرشح طاولة الستة المعارضة. كما كشفت إدارة بايدن منذ وصولها إلى السلطة في الولايات المتحدة في مواقف عديدة عن دعمها المطلق للمعارضة التركية.

مؤشرات كاشفة

ثمة العديد من المؤشرات التي تكشف عن حرص الولايات المتحدة على تمتين العلاقة مع المعارضة التركية، وسعيها إلى توفير بيئة خصبة لدعمها في العملية الانتخابية المقبلة، وهو ما يمكن بيانه على النحو التالي:

1- لقاء السفير الأمريكي مع مرشح المعارضة: أجرى السفير الأمريكي لدى أنقرة “جيف فيليك” في 3 أبريل الحالي زيارة إلى مرشح تحالف طاولة الستة كمال كليجدار أوغلو بمقر حزب الشعب الجمهوري؛ وذلك بالتزامن مع اقتراب موعد الانتخابات في البلاد. وأثارت خطوة السفير غضب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان؛ حيث وصفها بــ”المعيبة”، وقال خلال افتتاح مشاريع تنموية بمدينة إسطنبول في 4 أبريل الجاري: “في الانتخابات المقبلة علينا تلقين الولايات المتحدة درساً”، وأضاف: “على السفير الأمريكي عدم تجاوز حده، والالتزام بمهام منصبه”، وتابع: "يجب أن يعرف مكانه. إذا كان لا يعرف ذلك، فلن يتمكن من دخول هذا الباب".

2- تأسيس مركز عمليات إلكتروني لمراقبة الانتخابات: دخلت شركة ميتا التي تمتلك منصات “فيسبوك” و”إنستجرام” و”واتساب”، على خط الانتخابات التركية المقبلة؛ حيث أعلنت، في بيان لها في 5 أبريل الجاري، أنها ستفعِّل مركز عمليات لضمان أمن الاقتراع الرئاسي والتشريعي في تركيا. ويستهدف المركز الإلكتروني تنشيط عملية المراقبة على العملية الانتخابية، من خلال تحديد التهديدات المحتملة في الوقت الفعلي، والاستجابة بسرعة أكبر، بالإضافة إلى مواجهة انتشار المعلومات الكاذبة، وإزالة المحتوى الضار في تطبيقاتها؛ للمساعدة على ضمان إجراء الانتخابات بطريقة آمنة ومأمونة.

3- تعزيز وحدة المعارضة في مواجهة أردوغان: كشفت التحركات الأمريكية حيال الانتخابات التركية المقبلة عن دعمها المطلق لــ”طاولة الستة” التي تجمع أحزاب المعارضة التركية، وبدا ذلك في سعي واشنطن لضمان لُحمة المعارضة التركية في مواجهة أردوغان، وتحييد القضايا الخلافية والتباينات الأيديولوجية بينها؛ فبحسب تقارير إعلامية محلية في تركيا، لعبت السفارة الأمريكية في تركيا من وراء الستار دوراً معتبراً في حل أزمة انسحاب ميرال أكشنار رئيسة حزب الخير من طاولة المعارضة في مارس الماضي بعد رفضها ترشيح كليجدار أوغلو في الانتخابات الرئاسية. وكشفت وسائل إعلام محلية عن رعاية السفارة الأمريكية في أنقرة اجتماعاً بين قيادات حزبي الخير والشعب الجمهوري، أسفر عن عودة أكشنار مرة أخرى إلى طاولة الستة، وتمرير حزبها الموافقة على ترشيح رئيس حزب الشعب الجمهوري.

وتجدر الإشارة إلى أن إدارة بايدن منذ قدومها إلى السلطة، تحمل توجهات داعمة للمعارضة التركية؛ فعلى سبيل المثال، أكد بايدن في مقابلة له مع صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية في ديسمبر 2019، ضرورة دعم المعارضة التركية حتى تتمكن من الإطاحة بـ”أردوغان” الذي وصفه بـ”المستبد”. وفي المقابل وبخ “بايدن” الممارسات السلطوية للرئيس أردوغان في الداخل التركي، وانتقد سعيه لتأميم المجال العام وتقييد الحريات العامة.

4- تشدد واشنطن في الملفات الخلافية مع أنقرة: أبدت الولايات المتحدة تشدداً بشأن القضايا الخلافية مع تركيا، وظهر ذلك في معارضة الكونجرس صفقة طائرات F16 المتقدمة إلى تركيا، بالإضافة إلى استبعاد تركيا من برنامج إنتاج مقاتلات طائرات F35، وكذلك استمرار العقوبات الأمريكية على قطاع الصناعات الدفاعية التركية بعد حصول الأخيرة على منظومة الدفاع الصاروخية S400. على صعيد ذي شأن، سعت الإدارة الأمريكية إلى تكثيف الانتقادات لممارسات حكومة العدالة والتنمية؛ فمثلاً انتقد التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأمريكية الصادر في مطلع مارس الماضي، التحركات التركية في مناطق شمال سوريا والعراق؛ حيث وصف التقرير “قوات سوريا الديمقراطية” – التي تعتبرها أنقرة امتداداً لحزب العمال الكردستاني في سوريا – بأنها شريكة للولايات المتحدة في مكافحة تنظيم داعش.

دلالات متنوعة

ثمة دلالات عديدة تتصل بالاستراتيجية الجديدة التي تعتمدها الولايات المتحدة في التعامل مع الانتخابات التركية، والتوجه نحو دعم خصوم أردوغان، في الصدارة منها ما يلي:

1- تنامي شعبية المعارضة في الشارع التركي: كشفت استطلاعات للرأي عن تقدم مرشح المعارضة علىالرئيس رجب طيب أردوغان. وبحسب استطلاع للرأي نشرته شركة “أكسوي ريسيرش” البحثية التركية في 8 مارس الماضي، حقق كمال كليجدار أوغلو نسبة تأييد تبلغ 55.6% متقدماً على أردوغان الذي حقق نسبة تأييد بلغت 44.4%. كما خلص استطلاع أجرته شركة “ألف ريسيرش” في مارس الماضي إلى أن التأييد لكليجدار أوغلو بلغ 55.1% وسجل التأييد لأردوغان 44.9%. وكشف معهد بوتسدام للأبحاث التطبيقية “بيار ريسيرش” احتمال فوز كليجدار أوغلو بنسبة 57.1% بينما تراجع أردوغان إلى 42.9%.

2- تطلع واشنطن لدعم سياسات تركية مُغايرة: ترى واشنطن أن تغيير الرئيس أردوغان وفوز المعارضة قد يغير الوضع في تركيا، بل إن بعض الاتجاهات تشير إلى أن المعارضة التركية حال فوزها بالأغلبية البرلمانية ربما يكون له دور أقوى وأكثر تأثيراً في وضع ومسارات السياسات التركية، وكذلك تحييد هيمنة أردوغان الذي يمسك بمفاصل الدولة الآن. في المقابل، تعي الولايات المتحدة في التوقيت الحالي أن ثمة بيئة خصبة لصعود المعارضة إلى صدارة المشهد، خاصة في ظل تراجع حضور حزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان في الشارع التركي بسبب حدة الأزمة الاقتصادية، وتدهور سعر صرف العملة (الليرة) التي فقدت ما يقرب من ثلث قيمتها، ناهيك عن فشل الإجراءات التقليدية في التحايل على التراجع الحادث في مؤشرات الاقتصاد. وساهمت هذه التطورات في تراجع شعبية أردوغان وحزبه حتى في أوساط القواعد التقليدية الداعمة له.

3- تعويل أمريكي على وجود التيار العلماني في السلطة: بالتوازي مع ما سبق، فإن الدعم الأمريكي للمعارضة التركية لا ينفصل عن قناعة أمريكية بأن حالة التطور الكبير في العلاقات التركية الأمريكية ارتبطت بوجود التيار العلماني في السلطة، وهو ما يعني أن واشنطن ربما تبدي اهتماماً واسعاً بشأن دعم فوز المعارضة بالعملية الانتخابية المقبلة في تركيا؛ ولذلك فإن عودة التيار العلماني للحكم مرة أخرى يمكن أن يؤدي إلى مزيد من تطوير العلاقات المشتركة مع الولايات المتحدة.

4- رغبة واشنطن في تعزيز الصورة الذهنية للمعارضة: وراء ما سبق، قد ترى إدارة بايدن أن إبداء الدعم اللافت للمعارضة التركية في هذا التوقيت يمثل أولوية لإرباك الرئيس أردوغان، وإشغاله بمعارك جانبية يمكن أن توثر على تحركاته الانتخابية، وتجعله أكثر توتراً، وهو ما يسهم في تعزيز الصورة الذهنية للمعارضة التركية، ويمنحها مزيداً من الأريحية في مواجهة أردوغان.

تحييد الضغوط

ختاماً، يمكن القول إن التعويل الأمريكي على المعارضة التركية في حسم الانتخابات المقبلة، يشير في جانب منه إلى أن ثمة انسجاماً بين المقاربة الأمريكية وتوجهات المعارضة التركية، لكن في المقابل فإن سلوك واشنطن الأخير تجاه الانتخابات التركية قد يؤدي إلى تعرض العلاقات التركية–الأمريكية لتوترات حادة في التوقيت الحالي، وهو ما ظهر بالفعل في غياب السفير الأمريكي لدى أنقرة، عن حفل إفطار نظمه الرئيس أردوغان للسفراء في تركيا. وربما يحرص الرئيس التركي على توظيف الانخراط الأمريكي في العملية الانتخابية، على أمل تشويه صورة خصومه من جهة، ودفع واشنطن نحو إعادة حساباتها تجاه الاقتراع في تركيا، وتحييد ضغوطها على الرئيس أردوغان وحكومته في المرحلة الحالية من جهة أخرى.