• اخر تحديث : 2024-11-22 10:05
news-details
تقدير موقف

قراءة في الاتهامات الموجهة لفاغنر بالتورط في الصراع السوداني


نشرت العديد من الصحف الغربية معلومات متضاربة تؤكد تورط شركة فاغنر الروسية، شبه العسكرية الخاصة، في تقديم الدعم لقوات الدعم السريع في صراعها ضد الجيش السوداني للسيطرة على مواقع حيوية في العاصمة السودانية، الخرطوم.

تقارير إخبارية متضاربة

نشرت عدد من وسائل الإعلام الغربية عدة تقارير متضاربة تتحدث عن تقديم شركة فاغنر الروسية المساندة العسكرية لقوات الدعم السريع في قتالها ضد الجيش السوداني. واستندت أغلب هذه التقارير في اتهاماتها إلى وجود تعاون سابق بين فاغنر وقوات الدعم، ويمكن تفصيل هذه الاتهامات على النحو التالي:

1- تلميحات فرنسية بدعم مبكر: أشار تقرير صادر عن "أفريكا ريبورت" في 20 إبريل 2023، نقلاً عن مصدر مقرب من الاستخبارات الفرنسية قوله إن قوات الدعم السريع كانت على اتصال منتظم مع فاغنر منذ اندلاع الاشتباكات بين قوات الدعم والجيش السوداني في 15 إبريل 2023، وأنه في الساعات الأولى من اندلاع القتال، طلب حميدتي من يفغيني بريغوجين، رئيس فاغنر، الدعم الجوي. وعرض بريغوجين إتاحة بعض طائراته من ليبيا المجاورة.

وأشار نفس التقرير إلى أن طائرة نقل عسكرية روسية من طراز "إليلوشن – 76" قد انتقلت بين قاعدة الجفرة الليبية، وما أسماه قوات حميدتي، دون تحديد مكانه بعينه، أو قاعدة جوية محددة، بينما أكد التقرير أنه ليس هناك أي وجود لعناصر فاغنر بداخل قوات الدعم السريع، وفقاً لعناصر الاستخبارات الغربية.

2- اتهامات من السي أن أن الأمريكية: نشر موقع السي أن أن الأمريكي تقريراً في 21 إبريل 2023، زعم فيه أن فاغنر أمدت قوات الدعم بصواريخ أرض جو لمساعدتها على محاربة الجيش السوداني، ودعّم الموقع استنتاجاته بما عده الموقع "نشاط غير اعتيادي" في قواعد فاغنر في ليبيا، إذ رصدت السي أن أن ومجموعة تعمل على المصادر المفتوحة تسمى "كل العيون على فاغنر" "All eyes on Wagner"، أن طائرة نقل عسكرية من طراز "إليلوشن – 76" قامت برحلة من قاعدة الخادم الليبية الخاضعة لسيطرة فاغنر إلى قاعدة اللاذقية السورية، في 13 إبريل 2023، ثم عادت إلى ليبيا مرة أخرى في 14 إبريل، حيث استقرت في قاعدة الجفرة، بوسط ليبيا. ثم زعمت السي أن أن، أن روسيا أسقطت جواً صواريخ أرض جو في شمال غرب السودان في 14 إبريل، وذلك بالاستناد إلى مصادر إقليمية وسودانية.

3- دعم غير مباشر وفقاً للواشنطن بوست: أشارت صحيفة واشنطن بوست، على موقعها الإلكتروني، في 22 إبريل 2023، أنه ليس هناك أدلة مؤكدة على تورط فاغنر في تقديم الدعم المباشر إلى قوات الدعم السريع، غير أنها أشارت إلى أن الجيش الوطني الليبي بقيادة اللواء خليفة حفتر، والذي يتمتع بعلاقات وثيقة مع فاغنر، قام بدعم قوات الدعم السريع، إذ أمد أحد أولاد حفتر، دون ذكر اسمه، قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو الملقب بـ"حميدتي"، بحوالي 30 شحنة وقود، وشحنة عسكرية واحدة على الأقل. واستبعدت الصحيفة أن يكون ذلك قد تم من دون معرفة فاغنر، نظراً لأنها، وفقاً للصحيفة، تقوم بحماية مخازن السلاح التابعة لحفتر. وسبق وأن قاتلت قوات الدعم السريع مع الجيش الوطني الليبي في السابق، وفقاً للصحيفة.

ويلاحظ أن نفس التقرير أشار إلى أن إحدى الدول الإقليمية مارست ضغوطاً على حفتر، في 20 إبريل 2023، وذلك لوقف الدعم المقدم لقوات حميدتي، وأن الأخير استجاب لذلك.

4- عرض قيد النظر وفقاً لوول ستريت جورنال: أشارت صحيفة وول ستريت جورنال، في 21 إبريل 2023، إلى أن فاغنر عرضت على حميدتي، قائد قوات الدعم السريع، إرسال صواريخ أرض جو محمولة على الكتف، من قاعدتها الموجودة في إفريقيا الوسطى، غير أن الأخير رفض هذا الدعم حتى لا يغضب الولايات المتحدة.

تدقيق في المعلومات السابقة

يلاحظ أنه بمراجعة المعلومات الواردة في وسائل الإعلام السابقة، وتدقيقها، يمكن الإشارة إلى عدد من الاستنتاجات، وذلك على النحو التالي:

1- تضارب في المعلومات: يلاحظ أن المعلومات الواردة في وسائل الإعلام المختلفة تكشف عن تضارب واضح في المعلومات، إذ أشارت السي أن أن، إلى تورط شركة فاغنر بشكل مباشر، وذلك دون أن تقدم أي دليل يدعم ذلك، بينما أشارت صحيفة واشنطن بوست إلى دعم غير مباشر من خلال الجيش الوطني الليبي، في حين أشارت وول ستريت جورنال إلى أن فاغنر عرضت الدعم لقوات حميدتي من قاعدة فاغنر في إفريقيا الوسطى، غير أن الأخير رفض. وبالتالي، يبدو من الواضح أنه ليس هناك معلومات دقيقة حول هذا الدعم الروسي المزعوم.

ومن جهة أخرى، أشارت السي أن أن، إلى تقديم فاغنر صواريخ أرض جو لقوات حميدتي معتمدة في ذلك على الرحلة التي قامت بها طائرة شحن عسكري بين قواعد ليبية وسورية، بل إنه من الملاحظ أن الرحلة التي قامت بها الطائرة قد انطلقت من قاعدة الخادم في أقصى شمال شرق ليبيا، ثم عادت من سوريا إلى قاعدة الجفرة الجوية في وسط ليبيا، والتي تبعد بمسافات واسعة عن الشمال الغربي للسودان، مقارنة بقاعدة الخادم، كما أن السي أن أن لم تقدم أي بيانات عن الرحلة التي قامت بها فاغنر لإسقاط أسلحة لقوات الدعم السريع في أقصى الشمال الغربي للسودان.

وبافتراض حصول قوات الدعم السريع على صواريخ أرض جو محمولة على الكتف، فإن هذا لا يعني أنه سوف يكون باستطاعتها استخدامها بشكل مباشر، إذ ستحتاج إلى التدرب عليها، وهو ما سيحتاج إلى وقت، قبل أن تتمكن من استخدامها بفاعلية في أرض المعركة. ولم يتم رصد أي استخدام من جانب قوات الدعم السريع لصواريخ أرض جو ضد مقاتلات الجيش السوداني، بل تم استخدام مدافع مضادة للمقاتلات، والتي عجزت عن منع الجيش السوداني من توظيف المقاتلات ضد تحركات الدعم السريع.

2- استهداف النفوذ الروسي: يبدو من الواضح أن الهدف الرئيسي من نشر هذه المعلومات المتضاربة هو إضعاف النفوذ الروسي في السودان، وذلك عبر الإيحاء بأن موسكو تدعم قوات الدعم السريع على حساب الجيش السوداني. فقد قامت وسائل إعلام فرنسية وأمريكية بالترويج لمثل هذا الدعم. وقد تكون فرنسا تسعى للانتقام من موسكو، بسبب إقدامها على إضعاف النفوذ الفرنسي في مالي وبوركينا فاسو، وصولاً إلى اتخاذ الحكومتين في البلدين قراراً بطرد القوات الفرنسية منهما، واستبدالها بقوات فاغنر الروسية. وبالمثل، فإن واشنطن تسعى لإضعاف النفوذ الروسي كذلك في إفريقيا عموماً، ولذلك، فإن الاتهامات الموجهة من صحف البلدين تستهدف بالأساس إضعاف النفوذ الروسي.

ولعل ما يؤكد هذا المعنى أن الولايات المتحدة لا تزال تتمتع بعلاقات قوية مع قوات الدعم السريع، بل إن تصريحات واشنطن على لسان وزير خارجيتها، أنتوني بلينكن، أدانت ضمنياً الجيش السوداني، وليس قوات الدعم، وذلك حينما قال: "إن الشعب السوداني يريد أن يعود الجيش إلى الثكنات وأن ينعم بالديمقراطية وبحكومة ذات قيادة مدنية"، وذلك دون أي ذكر لقوات الدعم السريع، أو تحميلها أي مسؤولية عن اندلاع الاشتباكات. ولو كان حميدتي يتمتع بعلاقات وثيقة مع فاغنر، لكان من الأولى أن تقوم واشنطن بدعم الجيش السوداني في مواجهته، وهو ما لم يتم.

3- مصالح روسية قوية: يلاحظ أن موسكو تتمتع بعلاقات وثيقة مع كل من الجيش السوداني وقوات الدعم السريع على حد سواء. وفي حين أن وسائل الإعلام الغربية ركزت على العلاقات الوثيقة التي تجمع شركة فاغنر بقوات الدعم السريع، وأن الأولى قدمت للثانية التدريب، فإن أغلب هذه التحليلات أغفلت العلاقة القوية التي تربط وزارة الدفاع الروسية وفاغنر بالجيش السوداني.

ففي نوفمبر 2022، نشرت لوموند الفرنسية تقريراً استقصائياً تتحدث فيه عن حصول فاغنر على حق استغلال الثروات السودانية مقابل إمداد السودان بمعدات شرطية، وتدريب الجيش السوداني، في حين نقل تقرير لفرانس 24، في 19 إبريل، عن مسؤول أمني سوداني، قوله في أوائل 2022، إن خبراء روساً أسهموا في تأمين الاتصالات، وتحليل مواقع التواصل الاجتماعي لمؤسسات تابعة للدولة السودانية. كما أضاف ذات المصدر أن قوات فاغنر موجودة في الخرطوم لتدريب قوات العمليات الخاصة التابعة للاستخبارات الوطنية والأجهزة الأمنية.

ومن جهة أخرى، فإن موسكو ترغب في إقامة قاعدة عسكرية بحرية في السودان. ففي أواخر عام 2020، توصلت موسكو والخرطوم إلى اتفاق لإنشاء قاعدة بحرية روسية في بورتسودان. ووفقاً للاتفاقية، ستستضيف القاعدة المحتملة مركزاً لوجستياً بحرياً وساحة إصلاح، تصل إلى 300 فرد، وأربع سفن بحرية، بما في ذلك السفن التي تعمل بالطاقة النووية. وأوقفت الحكومة الانتقالية السودانية خططاً لإنشاء القاعدة البحرية في إبريل 2021، ويرجع ذلك جزئياً إلى الضغط الأمريكي.

وعلى الرغم من ذلك، فقد قام وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، بزيارة السودان، في فبراير 2023، لإحياء اتفاق القاعدة، إذ التقى بكل من عبدالفتاح البرهان، قائد الجيش السوداني، وحميدتي، ليصدر بعدها تصريحات تؤكد اتفاق موسكو مع الخرطوم على إقامة قاعدة عسكرية، وأن الاتفاق يتنظر إقرار البرلمان السوداني. ووفقاً للاستخبارات الأمريكية، فإن موسكو تخطط لبناء القاعدة في أواخر 2023. ويلاحظ أن الجيش السوداني، وليس قوات الدعم، هو من يسيطر على بورتسودان الآن، وليس من مصلحة موسكو المخاطرة بدعم قوات الدعم على حساب الجيش السوداني، خاصة وأن الأخير يتمتع بتفوق جوي مقارنة بقوات الدعم.

ولعل ما يؤكد قوة العلاقة التي تجمع فاغنر بكل من الجيش وقوات الدعم على حد سواء، إعلان قائد قوات مجموعة فاغنر الروسية، يفغيني بريغوجين، في 21 إبريل 2023، عن استعداده للوساطة لوقف إطلاق النار بين رئيس المجلس العسكري الانتقالي عبدالفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع محمد دقلو (حميدتي)، والأطراف الأخرى في النزاع في السودان، نظراً لما يحظى به من "احترام لدى الجانبين". وحتى إذا ما قررت روسيا الانحياز لأحد الطرفين، فإن ذلك سوف يكون بعد انتظار نتيجة المعارك، واتضاح هوية الطرف الفائز في هذا الصراع، حتى تحافظ على نفوذها هناك.

وفي الختام، يلاحظ أن حديث وسائل الإعلام الغربية عن دعم فاغنر لقوات الدعم السريع جاء متضارباً، كما لم يقدم أي دلائل مؤكدة تدعم روايته بتورط الشركة الروسية في إرسال صواريخ أرض جو محمولة على الكتف إلى فاغنر، خاصة وأن الأخيرة تتمتع بعلاقات قوية مع الجانبين، خاصة الجيش السوداني، ولن تغامر بهذه العلاقة، على الأقل، انتظاراً لما تسفر عنه نتائج المعارك الدائرة في شوارع الخرطوم.