• اخر تحديث : 2024-11-15 12:27
news-details
تقدير موقف

تحالفات وسيناريوهات: قراءة في المشهد الانتخابي التركي 2023


نشر مركز ستراتيجيكس تقدير موقف للكاتب كرم سعيد يتناول الانتخابات العامة القادمة في تركيا المقرر إجراؤها منتصف مايو القادم، وسط تحديات داخلية أفرزت خارطة انتخابية معقدة وزادت من الاستقطاب بين القوى السياسية، ويشير التقدير إلى عدة سيناريوهات بشأن النتائج المحتملة للعملية الانتخابية المقبلة. وفي ما يلي نص التقدير كاملا:

مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية في تركيا المقرر إجراؤها منتصف مايو المقبل، تصاعدت المُنافسة بين الأحزاب والتحالفات، وسط تحديات داخلية وخارجية. حيث تُعقد في وقت تواجه فيه البلاد تداعيات الزلزال المُدمر الذي ضربها في فبراير الماضي، المتوقع له أن يفاقم من الأزمة الاقتصادية مع ارتفاع نسب التضخم إلى مستويات عالية، فضلاً عن التهديدات الأمنية والمخاوف من تكرار الهجمات الإرهابية التي كان آخرها في 13 نوفمبر 2022، بعد انفجار قنبلة في منطقة تقسيم أسفرت عن مقتل 6 أشخاص وأكثر من 80 مصاب. كما تتزامن الانتخابات مع تطور لافت في السياسة الخارجية التركية، كشف عنها توجه أنقرة نحو الانفتاح في علاقاتها مع الدول الإقليمية.

في الآونة الأخيرة، سعت الحكومة التركية لاتخاذ العديد من السياسات الداخلية للتخفيف من التبعات الملموسة للارتفاع غير المسبوق للتضخم، فقد عملت على رفع الحد الأدنى للأجور، وبعد الدمار الذي خلفه الزلزال، أعلنت الحكومة عن حملة كُبرى لإعادة الإعمار في المناطق المُتضررة.

خارجياً؛ تواصل تركيا تحركاتها المكثفة في الإقليم لتعزيز دورها كوسيط في الأزمة الأوكرانية فضلاً عن المشاركة في صياغة الترتيبات السياسية والأمنية المتعلقة بالعديد من أزمات المنطقة، خاصةً في سوريا وليبيا وإقليم ناغورنوكارباخ، وشرق المتوسط، والتي تمثل أوراق استراتيجية للسياسة التركية، وقد بدا ذلك جلياً في اتجاهها إلى توسيع نطاق حضورها في ليبيا وشمال العراق، وتعزيز تقاربها مع دمشق، وكذلك دورها في الحفاظ على اتفاقيات السلام الأذرية الأرمينية.

من جهتها تستنفر المعارضة جهودها، وتوسع من مساحات التنسيق فيما بينها، فأسست في فبراير 2022 تحالف الأحزاب الستة أو ما يعرف بـ"طاولة الستة" التي تسعى لحجز موقع قوي لها في الساحة السياسية التركية، وهي امتداد لتحالف "الأمة" المعارض، وتضم أحزاب (الشعب الجمهوري وحزب الجيد وحزب السعادة المحافظ بالإضافة إلى حزب الديمقراطية والتقدم "ديفا"، حزب المستقبل، وأخيرا الحزب الديمقراطي). ويطرح تحالف الطاولة أهمية العودة للنظام البرلماني، وكذلك وقف تدخل السلطة التنفيذية في رسم السياسات النقدية للبلاد، جنباً إلى جنب التأكيد على الانفتاح على دول الجوار التركي، وضرورة إنهاء الانخراط العسكري التركي في صراعات الإقليم.

سياقات مغايرة

الواضح من هذا المشهد الانتخابي أن تركيا انفتحت على خارطة تحالفات سياسية جديدة بخلاف المشهد الانتخابي السابق، حيث انضم حلفاء وأعضاء سابقون في حزب العدالة والتنمية إلى تحالفات المعارضة؛ وأبرزهم أحمد داود أوغلو رئيس الوزراء الأسبق وعلي باباجان وزير الاقتصاد الأسبق.

تبدو الانتخابات المقبلة في تركيا مختلفة عن سابقاتها، خاصة في ظل المتغيرات التي طرأت على تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية، بالنظر إلى المشهد الاقتصادي. فقد بلغ معدل التضخم 79.6% على أساس سنوي، وهو أحد أعلى نسب التضخم في العالم، في حين ارتفعت معدلات البطالة بنسبة 9.6 % بنهاية العام الماضي.

من جهتها لم تفلح المعارضة في تقديم طرح جاد يساهم في تحسين الأوضاع الاقتصادية للبلاد، إذ اكتفت في العادة بالنقد وإدانة السياسات الحكومية. ويشار إلى أن تعقيدات الواقع الاقتصادي التركي لا تقتصر على ما سبق، فقد ساهمت جائحة كوفيد-19، والارتدادات السلبية للأزمة الأوكرانية الراهنة، وما قد يترتب على الزلزال من تداعيات اقتصادية، في زيادة حدة الأزمة وتوجيه البلاد لمعالجة تحدياتها الداخلية.

في المقابل تأتي الانتخابات وسط استقطاب سياسي بين حزب العدالة والتنمية الحاكم وأحزاب المعارضة، ووسط توتر يسود العلاقة بين أطراف المعارضة ذاتهم، بالإضافة لتصاعد حدة التوتر بين السلطة وحزب الشعوب الديمقراطي ثالث أكثر الأحزاب تمثيلا في البرلمان، حيث يتعرض الحزب لتحديات شديدة، خاصة بعد قرار المحكمة الدستورية في 5 يناير 2023 بحرمان الحزب من المخصصات المالية التي تدفعها الدولة للأحزاب، فقد كان من المقرر أن يحصل على نحو 28.7 مليون دولار كمساعدة عامة. فضلاً عن مطالبة المدعي العام من المحكمة الدستورية التركية حظر الحزب في ظل تهم له بدعم "الإرهاب"، ومن قبل ذلك قضت محكمة تركية في العام 2017، على زعيم الحزب صلاح الدين ديمرطاش بالسجن لأربع سنوات.

بالتزامن مع ذلك، يبرز في المشهد التركي الكردي، العديد من التحديات الأمنية، جراء التهديدات الآتية من شمالي سوريا والعراق، وتحديداً من حزب العمال الكردستاني، لا سيما في ضوء الهجوم الأخير الذي وقع بشارع الاستقرار في حي تقسيم بمحافظة اسطنبول في نوفمبر 2022، واتهمت السلطات التركية حزب العمال الكردستاني بالمسؤولية عنه. وقد طالت التهديدات الأمنية مجريات الانتخابات بعد أن تعرض مقر حزب الخير، أحد أطراف تحالف "الأمة" المعارض إلى إطلاق نار من قبل مجهولين.

كذلك ستجري الانتخابات وسط تنامي النظرة السلبية تجاه اللاجئين السوريين، كشفت عنها مطالبة بعض الأحزاب التركية على غرار حزب النصر اليميني، وحزب الخير وحزب الشعب الجمهوري بضرورة ترحيل السوريين إلى بلدهم، حيث تستضيف تركيا قرابة 3.5 مليون سوري. ويأتي إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مايو 2022، عن مشروع لعودة مليون لاجئ سوري

طواعية إلى بلاده، في سياق تخفيف التوتر والضغط الداخلي تجاه هذه القضية. في موازاة ذلك، تمكن الرئيس التركي من خلال الانفتاح على دمشق، على قطع شوط معقول على صعيد تخفيف عبء اللجوء السوري، بعد أن تحول إلى قضية ضاغطة بيد المعارضة.

على صعيد آخر، تتزامن الانتخابات المقبلة، مع تصاعد التوتر التركي مع اليونان حول جزر بحر إيجة، علاوة على تصاعد المواقف الغربية المناوئة للتحركات التركية للتنقيب عن مكامن الطاقة شرق المتوسط، وكذلك مزامنة الاقتراع مع العمليات العسكرية والغارات الجوية التركية على مناطق شمالي سوريا والعراق منذ 20 نوفمبر الماضي.

وعلى الرغم من ذلك، وفي ضوء الاعتبارات التي تمت الإشارة لها، لا تبدو احتمالات حدوث تغيير جذري في المشهد السياسي واردة بالنظر إلى استمرار شعبية حزب العدالة والتنمية أوساط قطاعات معتبرة من الأتراك، وكذلك مدى نفاذ الرئيس رجب طيب أردوغان في المشهدين الشعبي والانتخابي، إلى جانب غياب مشروع جامع للمعارضةـ فلا تزال التباينات الأيدولوجية فيما بينها تعيق وصولها إلى مرشح واحد لمنافسة مرشح الحزب الحاكم، وكذلك لكون القوى المعارضة لا تمتلك القوة الكافية التي تؤهلها للتفرد بنتائج الانتخابات.

غير أن النجاح المحتمل لحزب العدالة والتنمية لا يعني تمسكه بمفاصل الدولة حتى أصغر شأن فيها، فلا تزال المعارضة تمثل رقماً صعباً في معادلة الحياة السياسية. وفي هذه الانتخابات فإن الأحزاب المعارضة المشاركة بها تُولِيها اهتمامًا خاصًّا؛ لأن نتائجها ستحدد دورها، ومستقبلها، وموقعها في خريطة العمل السياسي، بل ومشاركتها في عموم الحياة السياسية.

خارطة انتخابية معقدة

تنفتح الانتخابات التركية المقبلة بشقيها الرئاسي والبرلماني على خارطة تحالفات سياسية جديدة ومعقدة، وعلى خلاف المشهد في الانتخابات السابقة، إذ تشهد الساحة عدد من التحالفات الانتخابية المتنافسة أو المتشابكة، تتوزع بين تحالفات كبيرة وفاعلة، وأخرى صغيرة وغير مؤثرة، يمكن تقسيمها على النحو التالي:

أولاً: التحالفات الكبيرة الفاعلة

1- تحالف الجمهور

يضم أحزاب: العدالة والتنمية (الحاكم)، وشريكه حزب الحركة القومية بالإضافة إلى حزب الوحدة الكبرى (يميني)، وكذلك حزب الدعوة الحرة أو ما يعرف بالتركية بـ"هدى بار"، وهو حزب كردي ذو ميول إسلامية وقومية.

وترتكز القاعدة الشعبية لهذا التحالف، على البعدين القومي والإسلامي، وقد اتفقت هذه الأحزاب بشأن الاستحقاق الرئاسي على الدفع بــالرئيس الحالي رجب طيب أردوغان لخوض سباق الانتخابات الرئاسية، وقد تمكن الحزب من منع هدر الأصوات أو تشتتها عبر ضم حزب الرفاه الجديد لتحالف الجمهور، وتراجع زعيمه فاتح أربكان نجل رئيس الأسبق نجم الدين أربكان من خوض انتخابات الرئاسة.

كما يتوقع أن يكرر هذا التحالف سيناريو انتخابات 2018، ويخوض أيضا سباق الانتخابات التشريعية بتنسيق وتوافق مطلق.

 2- تحالف الأمة

يضم أحزاب: الشعب الجمهوري الذي يمثل امتداداً لإرث مؤسس الجمهورية التركية كمال أتاتورك، وحزب الخير أو الجيد الذي تأسس في العام 2017، وحزب السعادة الذي يمثل امتداداً لأفكار نجم الدين أربكان بالإضافة إلى لحزب الديمقراطي "يمين وسط".

ويرجح مشاركة أحزاب "تحالف الأمة" الذي تأسس عشية انتخابات العام 2018، الانتخابات البرلمانية معاً والتنسيق فيما بينهم، وظهر ذلك في التوافق بعد جهود معقدة على الدفع بزعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو ممثلاً لهم في السباق الرئاسي.

ثانيا: تحالفات الأحزاب الصغيرة

يُشارك في الانتخابات التركية المقبلة عدة أحزاب مُتفرِّقة، ربما تتجاوز العشرة أحزاب متعددة التوجهات، وفي الغالب ينظر لمشاركتها بأنها تستهدف شقّ صفوف التحالفات الكبيرة، وهي:

1- تحالف اليسار "العمل والحرية"

يضم أحزاب: حزب الشعوب الديمقراطية الجناح السياسي للأكراد، إلى جانب 5 أحزاب يسارية، وهي: "الشعوب الديمقراطي"، و"العمال التركي TİP"، و"العمل EMEP"، و"الحرية الاجتماعية TOP"، و"الحركة العمالية EHP"، و"اتحاد المجالس الاشتراكية".

وتأسس هذا التحالف في أغسطس 2022 ومن المقرر أن يخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة بقائمة موحدة، ومن دون التوافق على مرشح رئاسي.

2- التحالف العلماني الصغير "أتا"

يضم أحزاب: حزب "النصر" الذي يتزعمه أوميت أوزداغ، المعروف بعدائه للأجانب، خاصة السوريين بالإضافة إلى أحزاب "العدالة"، و"الحقيقة"، و"التحالف التركي" و"بلدي". ويعلي التحالف من قيم أتاتورك والعلمانية على ما سواها، وهنا يمكن تفسير تسمية تحالف "أتا"، وهي كلمة مأخوذة من كلمة "أتاتورك".

ولا تنحصر محدودية قدرة هذا التحالف على التنافس في الانتخابات المقبلة بشقيها الرئاسي والبرلماني، ولكنّ ما يقدمه من برامج وخطط وما يطرحه من رؤى لإدارة البلاد. إذ أن التحالف يبدو نخبوياً، ومؤدلجاً بصورة لافتة، بل عنصرياً، وهو ما كشف عنه تصريحات رئيس حزب العدالة بشأن تكوين التحالف الجديد، حيث قال "أي شخص سيكون معنا يجب أن يقف جنبًا إلى جنب مع أتاتورك. لا يمكن أن يكون معارضو أتاتورك ومعارضو العلمانية معنا"، وقد توافق أطراف التحالف على تسمية مرشحهم سنان أوغان لخوض الانتخابات الرئاسية.

3- طاولة الستة

يضم أحزاب: تحالف الأمة (حزب الشعب الجمهوري وحزب الجيد القومي) ومعه حزب السعادة، وحزب المستقبل الذي أسسه رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو، وحزب الديمقراطية والتقدم بقيادة علي بابا جان، وكلاهما كانا في السابق جزءا من حزب العدالة والتنمية، إلى جانب الحزب الديمقراطي.

تتجه الطاولة لتعزيز مساحات التنسيق بينها في الانتخابات البرلمانية، خاصة أنها تلاقت على الدفع بمرشح مشترك لتمثيلها في الانتخابات الرئاسية، بعد اختيارهم كمال كليجدار أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري.

تتلاقى أحزاب طاولة الستة على أهمية العودة للنظام البرلماني، ولذلك يرى العديد من المراقبين أن تحالف طاولة الستة قد يدفع بكل ما يملك في الانتخابات البرلمانية المقبلة، بهدف العودة مرة أخرى إلى النظام البرلماني الذي انتهى العمل به في العام 2018.

 4- المشاركة المستقلة

إضافة إلى التحالفات السابقة القائم منها، والتي لا تزال في طور التكوين، هناك أحزاب ربما تفضل خوض الاستحقاق التشريعي دون الدخول في تحالفات انتخابية، في الصدارة منها حزب الديمقراطية والتقدم، وحزب المستقبل، ويعزز هذا الاحتمال طبيعة الممارسة السياسية لهذين الحزبين منذ ظهورهما قبل ثلاث سنوات، فقد اختارا أن يلعبا أدواراً صغيرة ومحدودة في الساحة السياسية، كما ركز جل جهدهما السياسي مع المعارضة على تعزيز فرص العودة للنظام البرلماني.

في المقابل، وعلى المستوى الرئاسي، يخوض المرشح محرم أنجة رئيس حزب الوطن، السباق بصورة فردية، وهو المرشح الفردي الوحيد بعد تراجع مرشحين بارزين أُخر مثل ميرال أكشنار ودوغو برينجك زعيم حزب الوطن اليساري القومي، وجيم أوزان الرئيس السابق لحزب "الشباب"، وأحمد أوزال رئيس الحزب الواحد.

سيناريوهات محتملة

على ضوء السياقات الحاكمة للمشهد الانتخابي التركي المقرر له منتصف العام الجاري، وخارطة التحالفات الانتخابية القائمة والمحتملة، يمكن الإشارة إلى عدة سيناريوهات بشأن النتائج المحتملة للعملية الانتخابية المقبلة، والأوزان السياسية للتحالفات المشاركة فيها، وفي هذا السياق، يمكن الإشارة إلى عدة مستويات.

السيناريو الأول: استمرار هيمنة تحالف الشعب.

وهو احتمال قائم بشدة، وتعززه العديد من المؤشرات:

أولاً: إزاحة أكرم إمام أوغلو رئيس بلدية إسطنبول من مشهد الانتخابات الرئاسية، خاصة بعد حكم القضاء التركي في 14 ديسمبر الماضي، بالسجن لمدة عامين على إمام أوغلو بتهمة إهانة أعضاء المجلس الأعلى للانتخابات. كما تضمن الحكم تفعيل المادة 35 من قانون العقوبات، التي تفرض حظر على النشاط السياسي للمدانين بعقوبة تتجاوز العامين، وهو ما قد يحول دون ترشح أوغلو للانتخابات الرئاسية.

ثانياً: التحول اللافت في شعبية حزب العدالة والتنمية ورئيسه رجب طيب أردوغان، حيث أظهر استطلاع أجرته شركة Metropoll أواخر أكتوبر 2022 أن نسبة تأييد الرئيس التركي ارتفعت إلى 47.6%، بعد أن كانت 39% مطلع 2022. وربما يعود الصعود اللافت في شعبية الرئيس التركي إلى إقراره مؤخراً حزمة من المساعدات والحوافز الاجتماعية والمالية، أهمها رفع الحد الأدنى للأجور بنسبة 55%، ورفع رواتب ومعاشات موظفي الخدمة المدنية. كما كشف استطلاع للرأي نشره مركز "أريدا سورفي" للأبحاث في الفترة ما بين 23-27 فبراير، شارك فيه 3 آلاف شخص، عن حصول الرئيس أردوغان على 49.8%، مقابل 21.1% لمنافسه كمال كليجار أوغلو.

ثالثاً: التحسن المحتمل في مؤشرات الاقتصاد خلال الفترة المقبلة، بعد إعلان الرئيس رجب طيب أردوغان ووزير الطاقة والموارد الطبيعية فاتح دونماز في أغسطس 2022 أن الغاز المكتشف في حقل "صقاريا 1" بمنطقة البحر الأسود سيدخل مرحلة الضخ في الربع الأول من العام الجاري 2023. وترافق ذلك مع عودة الاستثمارات والودائع المصرفية من الإمارات والسعودية، والمشاريع الروسية التركية بجعل الأخيرة مركزًا لصادرات الغاز الطبيعي الروسي. وإذا تحقق سيناريو البدء باستخدام الغاز المحلي في مارس 2023 بجانب الاستثمارات الخارجية، ربما يشهد الاقتصاد التركي مؤشرات إيجابية كافية لإحداث تحول في توجهات الناخبين الأتراك لمصلحة حزب العدالة والتنمية.

رابعاً: نجاح الرئيس التركي في تسكين قضية اللاجئين السوريين بعد التقارب الحادث بين أنقرة ودمشق، والاتفاق على عودة ما يقرب من مليون سوري إلى بلدهم. إلى جانب خفض التوترات مع الدول الإقليمية والدولية، خاصة مع دول الخليج ومصر واليونان، بعد زيارة وزير الخارجية المصري واليوناني إلى أنقرة لإبداء التعاطف والمساعدة بعد الزلزال المدمر في فبراير 2023.

خامساً: طرح الحكومة التركية لخطط سريعة للتعافي من الخسائر التي خلفها الزلزال، وخطط إعادة إعمار المدن والبلدات المدمرة جنوب تركيا بوقت قياسي خلال عام واحد، إلى جانب تعويض الخسائر المالية التي تكبدها المواطنين.

على صعيد متصل، ليس من المستبعد أن يخسر "حزب العدالة والتنمية" وشريكه "الحركة القومية"، الأغلبية المطلقة في البرلمان، في ظل استمرار حالة التذمر من التدهور الحادث في الأوضاع المعيشية.

ويعني هذا التوقع تكرار ما حدث في الانتخابات العامة في العام 2015، عندما خسر حزب العدالة والتنمية أغلبيته البرلمانية، وفي حال حدوث هذا السيناريو، سيكون من المحتمل أن تتجه المعارضة حال تشكيلها الأغلبية إلى طرح مشروع تغيير الدستور ليعيد صلاحيات البرلمان التي طالتها التعديلات الدستورية التي أجريت في العام 2017، وحولت البلاد للحكم الرئاسي.

السيناريو الثاني: تأمين المعارضة أكبر عدد من مقاعد البرلمان

منذ تحول البلاد للنظام الرئاسي في العام 2017، وتراجع مؤشرات الاقتصاد، فإن "تحالف الأمة" بمعاونة شركائه في "طاولة الستة"، يملك فرصة محتملة للحصول على أغلبية مقاعد البرلمان البالغة 600 مقعد، على حساب حزب "العدالة والتنمية" وشريكه "الحركة القومية" من حصد الأغلبية النيابية. وكشف استطلاع للرأي نشرته شركة "أكسوي ريسيرش" البحثية في تركيا بتاريخ 13 مارس 2023 حصول تكتل المعارضة الرئيسي على 44.1% من التأييد وحصل حزب "الشعوب الديمقراطي" على 10.3% وحصل "حزب العدالة والتنمية" وحليفه حزب "الحركة القومية" على 38%.

ويرتبط ذلك بعدة عوامل:

أولاً: توظيف المعارضة حالة الاحتقان المجتمعي من وضعية اللاجئين السوريين في الداخل، وهو ما قد يسمح للمعارضة من تأمين أكبر قدر من الأصوات القومية والقطاعات الانتخابية غير المؤدلجة المناهضة للاجئين.

ثانياً: خبرة المعارضة في القدرة على التنسيق حيال عملية الترشح في الدوائر الانتخابية، وقد حدث هذا التنسيق للمرة الأولى في الانتخابات البلدية في العام 2019، وهو ما ساهم بفوزها بأكبر بلديات تركيا. وعلى غرار ما حدث في البلديات، يتوقع أن تقوم أحزاب تحالف الأمة بعدم تقديم مرشحين في الولايات التي يتمتع فيها الآخر بحظوظ فوز كبيرة منعًا لتفتيت الأصوات. كما يتوقع أن يقوم تحالف الأمة أيضا بالتنسيق مع حزب الشعوب الديمقراطي الكردي رغم عدم انضمامه للتحالف، وذلك من خلال عدم دفع الأكراد بمرشحين في المناطق التي تمثل دوائر تقليدية لأحزاب تحالف الأمة.

ثالثاً: نجاح تحالف الأمة وشركائه في استثمار التأثيرات السلبية للأزمات الاقتصادية، من خلال الترويج لفكرة السلوكيات الاقتصادية الخاطئة للحزب الحاكم في إدارة الاقتصاد، والتأكيد على أن تدخل الرئيس أردوغان في رسم السياسات النقدية للبلاد زادت من وطأة الأوضاع، وتسبب في انهيار سعر الليرة، وصعود معدلات البطالة والتضخم، وهو ما عمق من التأثيرات السلبية للأوضاع المعيشية للمواطن التركي.

في المقابل، قد تفشل قوى المعارضة سواء "تحالف الأمة" أو "طاولة الستة" في حسم المقعد الرئاسي، بالنظر إلى الفروقات الأيديولوجية والفكرية بين أعضائها، والتي تمثل تحدياً أمام بناء قاعدة توافقية بشأن الاستحقاق الرئاسي.

السيناريو الثالث: خسارة التحالف الحاكم العملية الانتخابية

في هذا السيناريو ربما يخسر كل من حزب "العدالة والتنمية"، وتحالف "الجمهور" العملية الانتخابية بشقيها الرئاسي والبرلماني، وهو ما يعنى تشكيل حكومة تقودها المعارضة. لكن هذا السيناريو يبدو مستبعداً، إذ لا يزال حزب "العدالة والتنمية" والرئيس أردوغان يحظيان بقبول واسع في الأوساط الشعبية فضلاً عن أن الشراكة مع حزب "الحركة القومية" تضمن لها تأمين أصوات التيار القومي.

كما أن نجاحات الرئيس التركي في تصفير القضايا الخلافية مع دول الجوار التركي، سمحت بحدوث انتعاشة لافتة في الاقتصاد التركي، حيث حصلت أنقرة على ودائع مالية من دول خليجية، كما عادت أسواق هذه الدول للانفتاح على المنتجات التركية بعد سنوات من الحظر، وهو ما ساهم في تنشيط بيئة الأعمال التركية.

السيناريو الرابع: تجاوز حزب "الشعوب الديمقراطي" العتبة الانتخابية وخسارة المقعد الرئاسي

من المتوقع أن يفشل صلاح الدين ديمرطاش الذي أعلن مطلع يناير 2023 من السجن الترشح للانتخابات الرئاسية، عبر حسابه في "تويتر" الذي يديره محاميه. لكن من المحتمل بنسبة كبيرة أن يتمكن حزب "الشعوب الديمقراطي" المؤيد للأكراد من تجاوز عتبة الـ7% من مجموع أصوات الناخبين، والتي يُحددها القانون الانتخابي التُركي كشرط لدخول أي حزب للبرلمان، والفوز بعدد معتبر من المقاعد ربما تصل إلى نحو 80 مقعداً، خاصة أن ثمة فرصة مؤكدة أن تزيد نسبة التصويت بين الأكراد بصورة كبيرة خلال الانتخابات المقبلة.

بالتوازي مع ما سبق، ثمة فرص محتملة لصعود حضور ومقاعد حزب "الشعوب الديمقراطي" في البرلمان المقبل، وفي حال نجح في حصد عدد من المقاعد، فأنه سيدفع مع باقي قوى المعارضة باتجاه العودة للنظام البرلماني. لكن في المقابل ليس من المرجح أن يتجه "الشعوب الديمقراطي" حال مروره للبرلمان المقبل من توسيع دائرة التفاهمات السياسية مع "طاولة الستة"، وذلك على خلفية استبعاده من قبل التحالف السداسي، وهو ما أثار غضب الحزب الكردي الذي يواجه دعوى قضائية بحله بتهم تتعلق بالإرهاب.

السيناريو الخامس: انحسار تأثير "الأحزاب الصغيرة"

هناك توقعات بانعدام حظوظ الأحزاب الصغيرة سواء المندمجة في التحالفات اليسارية أو العلمانية، وتراجع فرص الأحزاب الجديدة، ومنها حزب المستقبل، وحزب الديمقراطية والتقدم، وحزب الوطن من دخول البرلمان، وأن هذه الأحزاب حال خوضها الانتخابات بصورة مستقلة أو اجتماعها في تحالفات انتخابية، فإنها قد لا تتجاوز الـ5% من مجموع أصوات الناخبين، وأن دخولها في العملية الانتخابية إنما يأتي من باب سعيها لضمان الحضور في المشهد السياسي أو فرض شروطها، وتعظيم مكاسبها من القوى السياسية الرئيسية في حال عدم قدرة أي منها على حسم الانتخابات الرئاسية من الجولة الأولى.

وأخيراً؛ يمكن القول إن ثمة توقعات بحدوث تغيير في المشهد الانتخابي المقبل يتمثل في صعود المعارضة داخل البرلمان، والحصول على عدد من المقاعد الإضافية مقارنة بانتخابات 2018 التي حصدت فيها 230 مقعداً منها 138 مقعداً لحزب الشعب الجمهوري، و36 مقعدا لحزب الخير مقابل 56 مقعداً للشعوب الديمقراطي الكردي.

وعلى صعيد الانتخابات الرئاسية، فالسيناريو الأرجح هو فوز الرئيس رجب طيب أردوغان بالمقعد الرئاسي من الجولة الثانية حتى مع تمكن المعارضة من الدفع بمرشح توافقي.