• اخر تحديث : 2024-05-15 19:58
news-details
تقدير موقف

الاستحقاق الانتخابي الموريتاني 2023: السياقات والحظوظ


بعد إعلان خمسة وعشرين حزبًا سياسيًّا موريتانيًّا حسم ترشيحاتها، وإغلاق اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات الباب أمام استقبال ملفات الطعون، بات -تقريبًا- كل شيء جاهزًا لخوض غمار استحقاقات تشريعية وولائية ومحلية لنيل ثقة أكثر من 1.7 مليون ناخب، سيذهبون إلى صناديق الاقتراح في شوط أول يوم السبت 13 مايو/أيار 2023.

الشارع الموريتاني الذي ترقب لحظات إعلان الترشيحات، لم يصدمه إلى حد بعيد صداها الذي وصل تردده حد المغاضبة الحزبية وتجميد العضوية بل والانسحاب، الذي يبدو أنه لم يتوقف عند حزب الدولة، حزب الإنصاف، الذي تغير اسمه من حزب الاتحاد من أجل الجمهورية إلى حزب الإنصاف، بعد ما بات يُعرف في الأوساط الموريتانية بأزمة المرجعية، بين الرئيس السابق، محمد ولد عبد العزيز، وبين نظام الرئيس الحالي، محمد ولد الشيخ الغزواني؛ حيث نوزع هؤلاء السياسيون المغاضبون على أحزاب في أغلبها محسوبة على موالاة الرئيس الحالي، والقليل منهم نسق مع أحزاب المعارضة.

ما وراء المُغاضبة.. أي مشهد حزبي؟

عرفت الساعات الأولى بعد إعلان الترشيحات انسحابات هزت الحزب الحاكم في موريتانيا، كان وراء تلك الانسحابات سياسيون وازنون في مناطق داخلية لم تعجبهم الأسماء التي تم اختيارها، فما أُعلن عنه من أسماء لم يخرج أغلبهم من عباءة المتنفذين السابقين وأصحاب المناصب إلا شزرًا، وقد وجد فيه "المغاضبون" محاولة لإبعاد وتحييد طبقة سياسية وبعث التردد لجيل جديد، قد لا يكون من داخل الإطار المعروف منذ سبعينات القرن الماضي. وقد وجد الحزب الحاكم نفسه في وضعية لا يحسد عليها؛ حيث كانت لوائحه الترشيحية لمقاعد البرلمان والمجالس الجهوية والمجالس البلدية مثار انتقاد من طبقة كبيرة من منتسبيه ومناصريه، فأعلنوها مغاضبة.

إن المغاضبة في عرف "المغاضبين"، قد يكون أيضًا باعثها إخلاف وعد الحزب الحاكم بالترشيح في منطقة من المناطق، بل وسحب الاسم من طرف قيادات الحزب لاحقًا تحت طائلة كون هذا المرشح أو ذاك ليست له القاعدة الجماهيرية الكافية لإيصاله للمنصف الانتخابي المطلوب، أو أن ولاءات ذلك المُرشح في منطقته ليست قوية.

وعلى العموم، كانت مراجعة المغاضبين لحزب الإنصاف الحاكم لمواقفهم من هذا الحزب أول تداعيات إعلان الحزب عن لوائحه الرسمية، وقد نتج عن تلك المراجعة للمواقف خلخلة في صفوف الحزب نفسه، وحراك في المشهد الحزبي الموريتاني، تمثل في ترشح هؤلاء المغاضبين في أحزاب أخرى، لكنها أحزاب في أغلبها من مجموع أحزاب الموالاة المساندة لتوجهات الرئيس الحالي، محمد ولد الشيخ الغزواني، وهو ما يعني أنه لم تحدث إعادة تموقع سياسي في التوجه العام المساند للرئيس ولد الغزواني، وقد لا يعني أن أحزاب المعارضة ستستفيد بالضرورة من هذه المغاضبة للحزب الحاكم.

الانتخابات ومسار تحضيرها المعقد

من المؤكد أن يوم السبت، 13 مايو/أيار 2023، وكذلك السبت 27 من نفس الشهر سيكونان حاسمين بالنسبة للأحزاب السياسية ومرشحيها والكُتل الخارجة عن إطار الحزبية؛ ذلك أنهما التاريخان اللذان حددتهما اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات بموريتانيا لإجراء شوطي النيابيات والبلديات والاستحقاقات الجهوية المقبلة.

إنه صيف ساخن ينتظر الشارع السياسي الموريتاني بعد مخاض صعب مرت به مراحل التحضير للانتخابات التي ما فتئت المعارضة تستعد لها؛ لاستغلال ما تراه ضعفًا تمر به الموالاة والحزب الحاكم "الإنصاف"، منذ ما بات يُعرف بملف المرجعية الذي انبثقت عنه لجنة تحقيق برلمانية وتمخض عنه أكبر ملف في تاريخ القضاء الموريتاني، وهو ملف محاكمة الرئيس السابق، محمد ولد عبد العزيز.

لقد دخلت الأحزاب السياسية في موريتانيا مسار التحضير للانتخابات التشريعية والجهوية والبلدية مبكرًا، بعد تلبيتها دعوة من رئاسة الجمهورية لما اعتبرته الأغلبية "تشاورًا سياسيًّا" وأصرَّت المعارضة على دعوته "الحوار السياسي"، بيدَ أن ذلك ما لبث أن أعاقته مطبات عدم التوافق والتناغم، ليعلن، في 2 يونيو/حزيران 2022، عن تعليقه بشكل "أحادي". وتقول رواية المعارضة الراديكالية بالبلاد: إن الرئاسة اعتبرت "أن السياق الحالي للجلسات لا يخدم الأهداف التي يسعى الحوار لتحقيقها".

انتظر الشارع الموريتاني أسابيع لمعرفة ما ستؤول إليه الأحداث بعد "فشل" التشاور السياسي، وكان ممثلو الأحزاب على اتصال بالداخلية التي تبنَّت بل أعلنت عن "جلسات للتشاور حول التحضير للانتخابات المقبلة". فكانت أولى الجلسات في 27 من أغسطس/آب 2022 بمشاركة 25 حزبًا سياسيًّا، وتلت ذلك عدة جلسات تمخضت عنها وثيقة تم توقيعها في 26 سبتمبر/أيلول 2022، وحملت عنوان "معًا من أجل تنظيم انتخابات توافقية وجامعة وشفافة ونزيهة ومقنعة وذات مصداقية، تكون نتائجها مقبولة لدى الجميع".

وقد تضمنت ديباجة ومحاور تفصيلية لمختلف المواضيع ذات الصلة بالانتخابات المذكورة مع جملة من التوصيات التي يمكن أن تسهم في الارتقاء بالممارسة الديمقراطية في البلد.

وقد عرف مسار التحضير للانتخابات وقفات عدة، وتجاذبات خلف الستار وعلى طاولة النقاش التي كانت عليها ملفات عدة شائكة، وكادت تعصف بالتوافق مثل البطاقة الموحدة والنسبية الانتخابية، النسبية التي رأت فيها أحزاب مكسبًا ديمقراطيًّا منذ عام 2006، وأرادها الحزب الحاكم مطلقة في الانتخابات بعد أن طرحها وزير الداخلية، محمد أحمد ولد محمد الأمين، كمقترح من رئيس الجمهورية، محمد ولد الشيخ الغزواني.

إن عروض النسبية التي قدمها وزير الداخلية آنذاك تضمنت اعتمادها بشكل مطلق في الانتخابات الجهوية والبلدية، على أن يكون رأس اللائحة المتفوقة هو رئيس المجلس أو العمدة، واعتمادها بنسبة 50% في الانتخابات البرلمانية. غير أن المقترح تم رفضه من طرف أغلب المحاورين، وبعد جولات تم الاتفاق على إبقاء عملية التصويت كما كانت، أي بطاقات تصويت بعدد اللوائح المترشحة، وهي ثلاث بطاقات للوائح الوطنية، إضافة لبطاقة للتصويت في البلدية، وفي المجلس الجهوي، وفي نواب المقاطعة، واتفقت بعد ذلك الأحزاب السياسية واللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات على إلغاء فكرة البطاقة الموحدة واعتماد بطاقات تصويت بعدد اللوائح المترشحة.

إجراءات دستورية في ظل التخوف من التزوير

كان متوقعًا منذ بدء العد التنازلي للاستحقاقات أن يصدر مرسوم رئاسي بحل الجمعية الوطنية كجهة تشريعية، وفعلًا تم حل البرلمان بمرسوم رئاسي صدر في 13 مارس/آذار 2023؛ حيث أعلنت الرئاسة أنه وبعد استشارة الوزير الأول ورئيس الجمعية الوطنية، وبعد الاطلاع على المادة 31 (جديدة) من دستور 20 يوليو/تموز 1991 المراجع في السنوات 2006، و2012، و2017، تم حل الجمعية الوطنية.

ومع أن قرار الرئاسة وإن اكتسى حلة دستورية إلا أن له أبعادًا سياسية، فلا يستبعد أن يكون بداية لتشكيل نواب -على الأقل من جانب الأغلبية- يتم التأسيس عليهم للمرحلة القادمة، التي ستعرف استحقاقًا رئاسيًّا سنة 2024، وبالتالي تقدم الرئيس الحالي، ولد الشيخ الغزواني، لعهدة رئاسية ثانية في ذلك الاستحقاق، وهو أيضًا فرصة لتعزيز الحظوظ بخلق طبقة سياسية جديدة تحت قبة البرلمان.

لا تستبعد أحزاب المعارضة -بناء على تجارب سابقة- حصول مخالفات قد تبدأ مبكرًا بنية مبيتة أو بدونها فيما يتعلق بتسجيل الناخبين، وهو ما تم فعلًا وباعتراف من اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات التي أكدت في بيان لها إلغاء التسجيل في ثلاثة مكاتب بولايتي الترارزة والحوض الغربي "إثر حصول مخالفات في تسجيل ناخبين"، مشيرة أيضًا إلى إلغاء التسجيل في آجوير بولاية الترارزة، وأغرغار وعين فربه بولاية الحوض الغربي، وهو ما يعني وجود حالات من التزوير في تسجيل الناخبين. ووفق بيان اللجنة، استُخدمت فيها صور لبطاقات تعريف بهذه المناطق التي عمدت فيها الوكالة الوطنية للإحصاء والتحليل الديمغرافي والاقتصادي إلى فصل العدادين المعنيين وإلغاء التسجيل فور اكتشاف اليقظة الإلكترونية للمخالفات، يقول البيان.

جاء رد المعارضة سريعًا من أكبر أحزاب المعارضة في البلاد وهو حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية "تواصل" المحسوب على الإسلاميين، والذي اعتبر أن عمليات التسجيل على اللائحة الانتخابية شابها استغلال فج من قبل البعض لفرصة التسجيل عن بُعد بهدف تغيير الخريطة الديمغرافية للعديد من الدوائر الانتخابية من خلال إغراق لوائحها الانتخابية بناخبين لا علاقة لهم بها.

والملاحظ أن عملية التسجيل وإعداد لوائح الناخبين لم تمر بسهولة فقد كان بيان حزب تواصل شاجبًا لما وصفه بعمليات التهجير الانتخابي التي لحقت عشرات البلديات في الداخل علاوة على بعض بلديات العاصمة؛ حيث تعتبر حالة مقاطعة "واد الناقة"، وهي من أقرب البلديات للعاصمة، نواكشوط، وإن كانت خارجة عن حدودها الإدارية، من أبرز الأمثلة الصارخة على ذلك.

وعمومًا، فقد كان موقف أحزاب المعارضة واضحًا تجاه حالات تسجيل انتخابي ربما تستدعي -حسب بعض المتابعين- فتح تحقيق بشأنها، خصوصًا أن بعض السياسيين المتنفذين والمحسوبين على حزب الإنصاف الحاكم، وحتى بعض كبار موظفي الدولة، تتهمهم المعارضة ووسائل التواصل الاجتماعي بأنهم استغلوا فرصة تمديد التسجيل الانتخابي التي أقرتها اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، فقاموا بمواصلة عمليات التهجير لبعض الناخبين، ونقلهم من مكان إلى آخر للتأثير في الخريطة الانتخابية المحلية لهذه الدائرة أو تلك، ولجعل إرادة الناخب في اختيار من يمثله دون فرض أو إلغاء عرضة للتلاعب.

وقد لفتت وسائل التواصل الاجتماعي والصحافة المحلية المستقلة وأحزاب المعارضة إلى أن ظاهرة ترحيل الناخبين إلى أماكن ليست بالضرورة محل سكنهم ستخلق وضعًا منافيًا لكافة النظم والأعراف الديمقراطية بما تؤدي إليه من تلاعب بالإرادة والاختيار الحر للمواطن.

ومع هذه الحملة المنددة بهذه التصرفات أكدت وزارة الداخلية الموريتانية، وهي الجهة الوصية بشكل عام على رقابة العملية الانتخابية وتوفير الظروف والشروط الملائمة لإجرائها، أن الحكومة ستواكب المسار الانتخابي، وستوفر كافة الضمانات المتعلقة بالشفافية وحياد الإدارة، وهو ما أكده وزير الداخلية، محمد أحمد ولد محمد الأمين، لممثلي أحزاب المعارضة، مبرزًا أيضًا حرص الحكومة على انتهاج سنَّة التشاور الدائم مع مختلف الفاعلين في الحقل السياسي معارضة وموالاة؛ لإنجاح المسلسل الانتخابي مشددًا على أن شفافية الانتخابات مسألة مضمونة، ومفروغ منها، ولا مساومة عليها، وذلك في إطار احترام النصوص ودولة القانون والمؤسسات.

وتبين إحصاءات اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات أن جميع الأحزاب المتقدمة لهذا الاستحقاق بلغ عددها 25 حزبًا معترفًا به، وقد قدمت هذه الأحزاب لوائح لخوض الانتخابات البلدية والجهوية القادمة، اللوائح المنافسة على المجالس الجهوية في عموم البلاد وصل مجموعها 145 لائحة، وبلغ مجموع اللوائح التي ستخوض غمار الانتخابات البلدية 1324 لائحة.

حظوظ حزبية في سياق غير واضح

في بلد مثل موريتانيا من الصعب تحديد توجهات الناخبين لغياب تقاليد حزبية راسخة، ولعدم وجود مراكز لسبر الآراء ومعرفة رغبات الناخب السياسية، وهذا يعني أن الحظوظ الحزبية في الاستحقاق القادم تبقى غامضة. ومع أن الخطاب الرسمي يروج لهذا الاستحقاق على أنه عملية تنافسية ديمقراطية، إلا أن الغالب أن التوقعات والتقديرات لا تتناسب مع النتائج التي يُروَّج لها إلى حدٍّ بعيد؛ بفعل عوامل عدة ليست حصرًا على الولاءات والتحالفات المتغيرة مع كل جديد، ولا ما يظهره الشعب من نفور من حكم معين بناء على سِني تجربةٍ ووعود انتخابية لم تتحقق.

إن الإنجازات والمكاسب التي غالبًا ما يربط بها الناخبون التصويت لمرشح دون غيره، قد لا تصب إلى حدٍّ كبير في خانة مرشحي الحزب الحاكم إذا أنصفت صناديق الاقتراع، وهو ربما ما دفع وزارة الداخلية إلى عقد اجتماع مع رؤساء أحزاب الأغلبية ومطالبتهم بسحب ترشيحاتهم للجهات، ودعم مرشحي الإنصاف، وهي خطوة وإن كانت تبررها الوصاية التي تمتلكها الداخلية على الأحزاب، إلا أنها واجهت الرفض -بادئ الأمر على الأقل- خلال الاجتماع الذي تم بين الداخلية وهذه الأحزاب التي من المفترض أن تكون بحكم تموقعها السياسي غير بعيدة من النظام. وكان مبرر الأحزاب في الترشيح هو ضعف تسيير أصحاب المناصب وباعث ذلك هو الإصلاح وتقريب الخدمات والدفع بعجلة النمو والتنمية، كما تقول أحزاب الأغلبية.

كما أن رفض طلب وزارة الداخلية لقي صدى في المعارضة التي عبَّر أحد تشكيلاتها، وهو: "تحالف أمل موريتانيا" عن رفضه لهذا الطلب، بل ذهابه إلى ضرورة الوقوف أمام ما يسميه "تحالف أمل موريتانيا" بالعودة إلى أساليب الترهيب والترغيب التي طالما طبعت علاقة الأنظمة السياسية في موريتانيا بالفاعلين السياسيين كلما اقترب استحقاق انتخابي. وقد اعتبر "تحالف أمل موريتانيا" التصرف الذي قامت به الداخلية أنه مخالف للقانون والأعراف الديمقراطية ويهدد العملية السياسية في صميمها.

ولم يخل سياق التحضيرات للانتخابات من تراشق بالاتهامات بين المعارضة وبين اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، وهي اتهامات يقرؤها بعض المحللين على أنها نوع من الضغط على اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، حتى تكون أكثر نزاهة وبُعدًا عن التخندق لصالح الحزب الحاكم، وذاك ما حملته تصريحات نُسبت للسياسي المعارض، النائب بيرام الداه اعبيد، الذي اتهم اللجنة بأنها "مسيَّرة ومأمورة ومصمَّمة لتغليب المغلوب على الغالب" معتبرًا أنها تشكل انتكاسة عن المكاسب الديمقراطية التي حققها الموريتانيون بالنضال.

وبخصوص أحزاب المعارضة، وخصوصًا حزبها الأكبر، حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية "تواصل"، فإن منتقديه يقولون إنه يحاول دائمًا أن يمسك العصا من الوسط. وبحكم معارضته حاول حزب "تواصل" الاستفادة من الصراع داخل الحزب الحاكم واستقطاب المغاضبين منه لترشيحهم والاحتواء على شعبيتهم، حدث ذلك في مناطق عدة، والغالب أن المغاضبين من حزب الإنصاف لهم وزن سياسي في مناطقهم، وهي خطوة ترفع أسهم تواصل إلى حدٍّ بعيد في الاستحقاقات القادمة، كباقي أحزاب المعارضة التي ستكون هشاشة الوضع الاقتصادي والاجتماعي في صالحها إن أحسنت استغلالها؛ ذلك أن البلد يمر بأزمات عدة ليس أقلها أزمة الغلاء المعيشي التي ما فتئ البلد يعانيها منذ أزمة كورونا التي أثَّرت تأثيرًا بالغًا على وضع جميع البلدان الفقيرة ومن بينها موريتانيا، دون أن تستطيع الحكومة السيطرة على هذا التدهور المعيشي رغم ما أُعلن عنه من دعم للأسعار وإلغاء للجمركة.

وتبقى حظوظ المعارضة في استقطاب مغاضبي حزب الإنصاف الحاكم أقل من حظوظ أحزاب الموالاة التي كانت في الغالب الوجهة المختارة لهؤلاء المغاضبين، وهذا ما يجعل بعض المتابعين للشأن السياسي الموريتاني يستبعد أي حظوظ للمعارضة على الأقل في الدوائر الانتخابية فيما عدا اللائحة الوطنية التي تعتمد على مبدأ النسبية في الحاصل الانتخابي؛ ذلك أن الدوائر الانتخابية تتطلب قواعد وحواضن شعبية، وتلك ما افتقدتها المعارضة التي تعيش موتًا سريريًّا منذ انتخابات 2019 وفق منتقديها؛ وهذا ما يصعِّب مهمة المعارضة في الاستحقاقات المقبلة، فالمنسحبون من حزب الإنصاف لم يرتموا في أحضان المعارضة كما كانت تنتظر بل التجؤوا إلى أحزاب الأغلبية الداعمة للنظام التي هي في الأصل من نفس مشكاة الحزب الحاكم، حتى يظلوا قريبين من السلطة.

خاتمة

بالمجمل، ربما ما يميز انتخابات الموريتانية التي أصبحت على الأبواب أن 25 حزبًا سياسيًّا -وهو عدد الأحزاب المرخصة بالبلاد- تقدموا بلوائح للانتخابات الجهوية والبلدية المنتظرة، بعضها ينتظر أن تكون نتائج الانتخابات بداية لنهايته حال لم يحصل على نسبة 1%. ومما يميزها كذلك التحول الذي عرفته القوى السياسية على المستوى الحزبي خلال الأعوام الأخيرة وبروز أحزاب تواصل والصواب أكثر قوة على حساب التكتل واتحاد قوى التقدم التي عصفت بها الأزمات الداخلية.

على أن أحزاب المعارضة التي طغت شعبيتها في دوائر انتخابية خلال العشرين سنة الماضية، يبدو أن حظوظها ميدانيًّا لن تكون أكثر قوة من وجودها هي ككيان مؤسسي متماسك له برنامج انتخابي هادف وتنافسي، وقاعدة حزبية وازنة وشعبية تعلق الآمال على مرشحيها لتغيير واقع وتحييد كيان.