• اخر تحديث : 2024-11-23 11:50
news-details
قراءات

لماذا تثير خطة إصلاح قواعد الديون خلافات بين الدول الأوروبية؟


عانى الاتحاد الأوروبي خلال الآونة الأخيرة عدة أزمات ناجمة عن تداعيات جائحة كورونا، والحرب الروسية الأوكرانية، وهي الأزمات التي خلفت تحديات مالية جمة، تمثلت في ارتفاع معدلات العجز والديون وارتفاع أسعار الفائدة ومن ثم ارتفاع تكلفة الاقتراض العام، الذي أدى بدوره إلى انخفاض الحيز المالي للدول فيما ارتفعت احتياجات الاستثمار العام؛ حيث بلغ متوسط نسبة الديون في منطقة اليورو إلى الناتج المحلي الإجمالي بين 103% و104% في 2022؛ ما حتم ضرورة تجديد ميثاق الاستقرار والنمو، وتعديل القواعد المالية للاتحاد الأوروبي التي علقت المفوضية الأوروبية العمل بها في 2020 من جراء أزمة كورونا، لينتهي هذا التعليق بنهاية العام الجاري 2023. ووافق وزراء مالية الاتحاد الأوروبي على قيام المفوضية – وهي الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي – بتطوير نظام يتيح للدول الأعضاء لتقديم خطط لخفض مستوى دين كل دولة. وستسمح هذه الخطط للدول ذات المديونية الزائدة بمزيد من الوقت للوصول إلى مستويات الدين المناسبة، مع الوضع في الحسبان الاستثمارات الضرورية لمحاربة التغير المناخي.

وفي ذلك الإطار، نشرت المفوضية الأوروبية مقترحاتها لإصلاح القواعد المالية للاتحاد الأوروبي اعتباراً من عام 2024. وتستهدف المفاوضات الاتفاق على قواعد جديدة تسهم في تعزيز القدرة على تحمل الديون وتشجيع النمو المستدام والشامل من خلال الإصلاحات والاستثمار؛ حيث تتيح التعديلات للدول الأوروبية المثقلة بالديون المزيد من المرونة للتخلص من الديون المخالفة للقواعد بشكل فردي؛ وذلك بدلاً من المبادئ التوجيهية الموحدة لكل الدول، فيما واجهت تلك المقترحات اعتراضاً من بعض الدول الأوروبية، خاصةً ألمانيا وفرنسا.

نهج جديد

طرحت المفوضية الأوروبية برنامج عمل لإصلاح إطار الحوكمة الاقتصادية في الاتحاد الأوروبي، ليتضمن إنشاء نظام جديد من الناحية المفاهيمية يركز على القدرة على تحمل الديون، ومؤشراً تشغيلياً واحداً – وهو مقياس لنمو الإنفاق العام – يكون نهجاً أكثر تكاملاً في الإشراف الاقتصادي، وتعزيز الملكية الوطنية، وتطبيق أفضل لقواعد إدارة المخاطر المالية:

1. خطط أكثر مرونة لتخفيض مستويات الدين: طرحت المفوضية الأوروبية في 26 أبريل 2023 مقترحات وتعديلات جديدة لقواعد الديون، ستتطلب موافقة بالإجماع بين الدول الأعضاء والبرلمان الأوروبي. وتتيح هذه المقترحات للدول الأوروبية المثقلة بالديون المزيد من المرونة للتخلص من الديون المخالفة للقواعد؛ لذا تقترح المفوضية الأوروبية مسارات فردية للدول لخفض مستويات الدين العام. وبحسب تلك القواعد المرنة، تبحث المفوضية مع كل دولة على حدة مسار خفض الدين العام لها بحسب ظروفها وأوضاعها؛ وذلك بدلاً من المبادئ التوجيهية الموحدة لكل الدول. واقترحت المفوضية إعطاء كل دولة فترة أربعة أعوام لتبدأ في خفض الدين العام الحكومي من خلال سياسة إنفاق محددة لكل عام، ويمكن تمديدها إلى سبعة أعوام إذا كانت هناك مبررات إنفاق استثماري في مجالات ذات أولوية للاتحاد الأوروبي، مثل مكافحة التغير المناخي أو الإصلاحات الهيكلية التي تحسن وضع الدين العام.

2. تقسيم الإطار المقترح البلدان إلى ثلاث مجموعات رئيسية: وفقاً للإطار المقترح توجد ثلاث مجموعات رئيسية من الدول؛ أولها بلدان إجراءات العجز المفرط، وهي التي لديها عجز في الميزانية بنسبة 3%، وتزيد نسب ديونها العامة عن 60%. وبطبيعة الحال، يجب أن تمر بعض السنوات حتى يمكن تقييم تخفيض مسار الإنفاق. ومن المتوقع أن تخفض سبع دول في الاتحاد الأوروبي (بلجيكا وفرنسا وإيطاليا وبولندا ورومانيا وسلوفاكيا وإسبانيا) معيار العجز في عامي 2024 و2025 وفقاً لأحدث توقعات صندوق النقد الدولي. ومن بين هذه البلدان، من المرجح أن يقيد المعيار الجديد لخفض الديون بلجيكا وربما فرنسا، لا سيما إذا كان معيار نسبة الديون المخفضة ينطبق لمدة أربع سنوات، لا لمدة سبع سنوات، وإذا كان التعديل المالي سيؤدي إلى خفض الناتج المحلي الإجمالي. بالنسبة إلى البلدان الخمسة الأخرى، فإن معيار التعديل السنوي الأدنى بنسبة 0.5% أكثر صرامة، ومن المتوقع أيضاً أن يكون لدى بلغاريا وإستونيا ومالطا عجز يزيد قليلاً عن 3% في عام 2024، ولكن أقل من 3% في عام 2025. هذه البلدان الثلاثة لديها نسب ديون أقل من 60%؛ لذلك قد تتجنب أي تعديل اقتصادي.

وتضم المجموعة الثانية البلدان التي لديها عجز في الميزانية أقل من 3% وأعلى من الدين العام 60%، ومن المرجح أن تندرج تسعة بلدان ضمن هذه الفئة في عام 2024، وتشمل النمسا وكرواتيا وقبرص وفنلندا وألمانيا واليونان والمجر والبرتغال وسلوفينيا. من بين تلك البلدان، فإن فنلندا فقط هي التي تخفض معيار نسبة الديون المخفضة وفقاً لتوقعات صندوق النقد الدولي. ومع ذلك، لا يتوقع صندوق النقد الدولي ضبط الأوضاع المالية في فنلندا من 2024-2028.

وذلك فيما تضم المجموعة الثالثة البلدان التي يقل فيها عجز الميزانية عن 3 % وأقل من 60% من الدين العام: ومن المحتمل أن تندرج البلدان الـ11 المتبقية (بلغاريا، التشيك، الدنمارك، إستونيا، أيرلندا، لاتفيا، ليتوانيا، لوكسمبورج، مالطا، هولندا، السويد) في هذه الفئة في عام 2024. ويتطلب الاقتراح من هذه البلدان إعداد خطط مالية هيكلية ستقوم المفوضية الأوروبية بعد ذلك بتحليلها، بما في ذلك معيار نسبة الدين المخفضة.

3. تأكيد أهمية الإشراف الرقابي الفعال: يقترح مشروع قانون المفوضية تغييرات جذرية في الطريقة التي تشرف بها الهيئة على خطط ميزانية البلدان؛ ما يخلق إطاراً أكثر فاعلية يعطي مساحة أكبر للاستثمار العام، مع محاولة احتواء الإسراف المالي، بما يمنح الدول مزيداً من المرونة والملكية لأهدافها المالية، مع وضع ضمانات لضمان المساواة في المعاملة؛ حيث يكثف الاتحاد الأوروبي التنفيذ حتى توفي الدول التزاماتها.

وسيتم تعزيز إنفاذ نظام المفوضية من خلال خفض حجم الغرامات المفروضة على البلدان التي تنتهك القواعد؛ ما يزيد من احتمال فرضها. ومن شأن المزيد من الضمانات أن تضمن نمو الإنفاق بوتيرة أبطأ من النمو الاقتصادي في الأجل المتوسط، وألا تتأخر الإصلاحات المالية حتى نهاية فترة التخطيط المتعددة السنوات.

ووفقاً للمقترحات الجديدة، ستختار الدول الأعضاء مسار الإنفاق الصافي، فضلاً عن التزامات الإصلاح والاستثمار التي ستدرجها في خططها الهيكلية المالية المتوسطة الأجل. ويخضع اعتماد هذه الخطط من قبل الدول الأعضاء لإجراءات التبني الوطنية الخاصة بكل منها التي تحدد دور واختصاصات البرلمانات الوطنية. وسيتم فتح إجراء الخلل المفرط في حالتين: عدم تنفيذ التزامات السياسة العامة لمعالجة الاختلالات المفرطة، بما في ذلك الاختلالات الواردة في الخطة المالية الهيكلية الوطنية المتوسطة الأجل، أو وجود اختلالات مفرطة جديدة وكبيرة تدعو إلى تعديل السياسة المالية.

4. ضمانات مدرجة للحد من الديون المستدامة: سيساعد الإطار المقترح الدول الأعضاء على التصدي للتحديات المالية المتوسطة الأجل في أعقاب جائحة كوفيد-19 وأزمة الطاقة؛ حيث وصلت نسب الدين العام إلى مستويات غير مسبوقة في العديد من الدول الأعضاء، وتم تشديد شروط التمويل مؤخراً؛ ما يعكس التغيير في السياسة النقدية. وتشكل الاتجاهات الهيكلية، بما في ذلك تغير المناخ والتغير الديموغرافي، تحدياً كبيراً لسلامة المالية العامة في الدول الأعضاء.

وتساعد المقترحات على المضي قدماً نحو وضع إطار للمراقبة أكثر اعتماداً على المخاطر يضع القدرة على تحمل الديون في صميمها، ويميز بدرجة أكبر بين البلدان من خلال مراعاة درجة تحديات الدين العام التي تواجهها؛ فبالنسبة لكل دولة عضو بها عجز حكومي أعلى من 3% من الناتج المحلي الإجمالي أو دين عام أعلى من 60% من الناتج المحلي الإجمالي، ستصدر اللجنة “مساراً تقنياً” خاصاً بكل بلد. وسيسعى هذا المسار إلى ضمان وضع الدين على مسار هبوطي معقول أو البقاء عند مستويات حكيمة، وأن يظل العجز أو يتم رفعه والحفاظ عليه دون 3% من الناتج المحلي الإجمالي على المدى المتوسط. وبالنسبة إلى الدول الأعضاء التي يقل عجزها الحكومي عن 3% من الناتج المحلي الإجمالي والدين العام أقل من 60% من الناتج المحلي الإجمالي، فستقدم المفوضية معلومات فنية لها لضمان الحفاظ على العجز الحكومي أقل من 3% من القيمة المرجعية للناتج المحلي الإجمالي أيضاً على المدى المتوسط.

5. تعزيز إمكانات النمو لدى الدول الأعضاء: ستحدد الخطط المالية الهيكلية المتوسطة الأجل للدول الأعضاء التزامات الإصلاح والاستثمار العام التي من شأنها تعزيز إمكانات النمو لدى الدول الأعضاء، ومن ثم الحد من مستويات الديون المرتفعة. وستطبق ضمانات مشتركة لضمان القدرة على تحمل الديون؛ حيث يستلزم أن تكون نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي أقل في نهاية الفترة التي تغطيها الخطة مقارنة ببداية تلك الفترة، وسيتعين تنفيذ تعديل مالي أدنى بنسبة 0.5% من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً بوصفه معياراً ما دام العجز أعلى من 3% من الناتج المحلي الإجمالي، كما سيتعين على الدول الأعضاء المستفيدة من فترة التكيف المالي الممتدة أن تنفذ معظم التسوية خلال السنوات الأربع الأولى التي تغطيها الخطة، وسيتم تعزيز تنفيذ تلك الخطط من خلال تقديم الدول الأعضاء تقارير مرحلية سنوية لتيسير رصد وتنفيذ الالتزامات المتعهد بها في خططها بمزيد من الفاعلية. وستتمكن الدول الأعضاء من الاستفادة من مسار أكثر تدرجاً للتكيف المالي؛ ما يسهم في تعزيز النمو، ودعم القدرة على تحمل الديون.

خلافات مستمرة

واجه وزراء مالية دول الاتحاد الأوروبي، اقتراح المفوضية الأوروبية لمنح دول التكتل المثقلة بالديون المزيد من الوقت لتقليص ديونها، بردود فعل متباينة؛ فلطالما استمرت الخلافات بين الدول الأوروبية حول قواعد الانضباط المالي؛ حيث اعترضت دول مثل اليونان وإيطاليا وبولندا على تلك القواعد سابقاً، ولكن تواجه المفاوضات الحالية اعتراضات الدول الأكثر انضباطاً مالياً مثل ألمانيا وفرنسا وهولندا والدنمارك وفنلندا والنمسا؛ إذ شككت الدول في محاولتها تحقيق توازن بين تعزيز المالية العامة وتعزيز الاستثمار. ويعزى ذلك إلى:

1. عدم عدالة التفاوض بين المفوضية الأوروبية ودول الاتحاد: على اعتبار أن تفصيل قواعد لكل دولة لضبط السياسة المالية من حيث عجز الميزانية ومستويات الدين العام يعني أنه لن تكون هناك مساواة وعدالة بين الدول الأعضاء. وتخشى ألمانيا وغيرها من أن مسارات خفض الدين العام الطويلة الأمد، التي يتم التفاوض عليها ثنائياً مع كل دولة على حدة، ستشجع الحكومات على تأجيل اتخاذ القرارات الصعبة حتى قرب نهاية المدة المتاحة. ويرغب وزير المالية الألماني كريستيان ليندنر في “مسار متعدد الأطراف يعتمد على قواعد مشتركة” لتعديل معايير الانضباط المالي الأوروبي، من خلال وضع قواعد واضحة، تستند إلى أرقام محددة تطبق على كل الدول الأوروبية بحيث تكون المقارنات مبررة وعادلة. ويرى الوزير الألماني ضرورة أن يتم خفض العجز ونسبة الدين العام من الناتج المحلي الإجمالي في الوقت ذاته من كل مرحلة.

2. تباين الأوضاع الاقتصادية للدول الأوروبية: تدرك ألمانيا أن بعض الدول الأعضاء تحتاج إلى مسارات ضبط مالي أكثر مرونة، خصوصاً فيما يتعلق بالوقت، فيما تفترض دول مثل هولندا والدنمارك أن دول جنوب أوروبا الفقيرة تفتقر إلى الانضباط المالي أصلاً ومن ثم فإن وضع أطر زمنية طموحة ستؤدي في النهاية إلى مستويات دين أعلى؛ حيث إن تلك المقترحات ما زالت مجرد خطوة أولى في عملية الإصلاح، وما زال هناك حاجة لإجراء تغييرات وقواعد تؤدي إلى انخفاض مؤكد في الديون، وتتضمن ما يطلق عليه اسم معايير عددية، غير أن المفوضية الأوروبية اقترحت منح الدول المزيد من المرونة للسماح بالاستثمارات المطلوبة لمواجهة تغير المناخ وتحديث الاقتصادات، فيما تبنت فرنسا وجهة نظر معارضة؛ حيث اشتكت من أن جوانب نظام الميزانية كانت جامدة للغاية، وطالبت بوضع قواعد مشتركة للدول التي يزيد عجزها عن 3% من مستوى الناتج المحلي الإجمالي، لكن ينبغي منح الدول التي تقل عن ذلك مزيداً من الوقت لتحديد وتيرة خفض ديونها. وتحاول فرنسا رفع عجزها من 4.7% من الناتج المحلي الإجمالي إلى أقل من 3% بحلول نهاية عام 2027. بينما قالت إيطاليا إنها لا تعطي مجالاً كبيراً للاستثمارات في النمو والتحول الأخضر.

3. غموض متطلبات المسار المرجعي والخطة المتوسطة الأجل: يجب أن تكون نسبة الدين في نهاية فترة الخطة أصغر مما كانت عليه قبل بدئها، ومن الغموض أن مشروع اللائحة لا يحدد “فترة الخطط” وإذا ما كانت أربع أو سبع سنوات يتم فيها تمديد فترة التعديل إلى سبع سنوات. جاء في مشروع اللائحة أن الخطة يجب أن تقدم مسارات مختلفة لـ”فترة لا تقل عن 4 سنوات”؛ ما يعني أن الخطة يمكن أن تغطي أكثر من أربع سنوات.

أيضاً، يجب أن تعني فترة تعديل مدتها سبع سنوات أن هناك تخطيطاً مدته سبع سنوات؛ فمن المفترض أن يؤدي التكيف المالي إلى عجز مالي أقل من 3% ومسار ديون “هبوطي بشكل معقول” بعد أربع إلى سبع سنوات (سبعة بالنسبة إلى البلدان المعتدلة وأربعة بالنسبة إلى البلدان ذات مخاطر الديون الكبيرة، ما لم تقدم إصلاحات اقتصادية تبرر فترة التكيف لمدة سبع سنوات). وتشرح المفوضية “الانخفاض المعقول” على أنه تراجع “في ظل مجموعة قياسية من السيناريوهات السلبية”، وأنه “يجب أن يكون هناك احتمال ضئيل بما فيه الكفاية لزيادة الديون في السنوات الخمس التالية لأفق الخطة”، اعتماداً على معنى منخفض بدرجة كافية.

4. جمود القواعد العددية الصارمة: تمهد المفوضية الطريق تحت ستار الإصلاح لعودة قوية للتقشف، وأن تظل الدول مقيدة بقواعد مالية غير مثمرة، في حين أن ما تحتاجه الدول الأوروبية هو مزيد من السياسات التوسعية للاستثمار في الخدمات العامة والتحول الإيكولوجي؛ حيث إن المقترحات غير كافية لتلبية الاحتياجات والظروف التي تواجهها الدول الأعضاء، وخاصة تلك التي لديها دين عام مرتفع.

 ولا تأخذ القواعد العددية الصارمة التي تؤدي إلى تطبيق تلقائي صارم الأزمات غير المتوقعة – مثل أزمة كورونا أو الحرب الروسية الأوكرانية – في الاعتبار؛ ففي السنوات الـ20 الماضية، تراجعت منطقة اليورو من الركود في أوائل عام 2000 إلى نمو مستقر، إلى خفض التضخم مع نمو منخفض الاتجاه، ثم إلى مرحلة حديثة من التضخم المرتفع. ولا يمكن للقواعد المقننة مواكبة ذلك.

وقد أدت التوترات بين هذه الحقائق الاقتصادية واتباع القواعد عن كثب بشكل متزايد إلى تفسير مرن ولكن مبهم للإطار المالي. وبموجب مقترحات المفوضية، ستظل الدول ملزمة بخفض ديونها إلى 60% من إنتاجها الاقتصادي في المدى الطويل، وتقليل عجزها إلى 3 % من الناتج المحلي الإجمالي، غير أن خطط الإنفاق الفردي ستتيح للدول ذات الديون المفرطة والعجز مزيداً من الوقت والمرونة. وتخشى ألمانيا وهولندا وفنلندا والدنمارك وغيرها من أن تمنح الحكومات وقتاً إضافياً؛ ما قد يؤخر تخفيضات الميزانية؛ لهذا السبب تضغط ألمانيا من أجل “معايير كمية مشتركة” لخفض الديون، وترغب في أن تقوم الدول ذات الديون المرتفعة، مثل إيطاليا، بتخفيض العبء الأمامي.

5. الدور الضخم للمفوضية الأوروبية في المفاوضات: حيث تقترح المفوضية السيناريو المرجعي، وتقيم العرض المضاد للبلد، وتوصي بخطة معدلة إذا وجدت أن العرض المضاد غير موجود. وإذا لم تقبل الدولة الخطة المعدلة، فمن المتوقع أن يعتمد المجلس الأوروبي السيناريو المرجعي للمفوضية لأغراض المراقبة والإنفاذ؛ ما يمنح المفوضية الكثير من القوة، ولا يتفق مع الهدف المعلن المتمثل في تعزيز الملكية الوطنية وزيادة دور المؤسسات المالية الوطنية المستقلة. وخلافاً لمقترحات المجلس المالي الأوروبي وموظفي صندوق النقد الدولي، لا تقترح المفوضية خطوات محددة لرفع مستوى المؤسسات المالية الدولية الوطنية وتمكينها.

ويأتي الاعتراض على المقترحات المعدلة كرد فعل لعدم ثقة الدول الأوروبية بدور المفوضية كمنفذ للقواعد المالية، نظراً إلى التساهل الذي أظهرته في الماضي لعجز الميزانية وجهود خفض الديون؛ ففي دول مثل فرنسا وحتى ألمانيا، في عام 2003؛ حيث امتنع الاتحاد الأوروبي عن تغريم فرنسا وألمانيا لخرق الأهداف، وفي عام 2019، لم يتم تفعيل التهديدات بغرامة تصل إلى 3.4 مليار يورو.

6. فرصة ضائعة لتعزيز التحول الأخضر: تحتم التعديلات على البلدان في المجموعتين الأولى والثانية أن تخفض العجز، وقد تخفض بعض البلدان في المجموعة الثالثة أيضاً. ووفقاً لتوقعات صندوق النقد الدولي، فإن 6 من 11 دولة في المجموعة الثالثة ستنفذ ضبط أوضاع المالية العامة بين 1% و3.5% من إجمالي الناتج المحلي السنوي في الفترة من 2023 إلى 2028؛ ما يدفعها إلى خفض الاستثمار والزيادات الضريبية التي لا تحظى بشعبية؛ ما يقلل من فرص تمويل الاستثمارات الخضراء؛ حيث تعني التعديلات المقترحة لقواعد ديون الاتحاد الأوروبي أن أربع دول فقط – وهي: السويد وأيرلندا والدنمارك ولاتفيا – سيكون لديها مساحة مالية كافية للوفاء بالالتزامات المناخية المطلوبة للحفاظ على الاحترار العالمي عند أقل من 1.5 درجة بموجب المقترحات التي قدمتها المفوضية الأوروبية، بما يمكنها من تمويل الأهداف الخضراء.

بينما لن تستطيع نصف دول الاتحاد الأوروبي إنفاق ما يكفي لتحقيق أهداف المناخ بموجب قواعد الاقتراض الحالية. ويمكن لنحو 13 دولة تحقيق أهداف مناخية أقل طموحاً، بما في ذلك فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وبولندا وهولندا، فلن تكون قادرة على الاستثمار بما يكفي لتحقيق أهداف الاتحاد الأوروبي الخضراء. يأتي ذلك في الوقت الذي تحاول فيه الكتلة الأوروبية التنافس مع الولايات المتحدة والصين على التقنيات النظيفة.

روشتة الإصلاح

وأخيراً، لا يزال هناك عدد من النقاط التي لا تتفق عليها الدول الأوروبية مع مقترحات المفوضية، ومن أهمها مسألة إذا ما كان ينبغي أن تكون هناك أي معايير عددية لتخفيض الديون، تكون مشتركة بين جميع البلدان حتى لو تفاوضت على مسارات فردية، ومتطلبات الإطار الجديد لتلك البلدان التي ليس لديها أي مشاكل ديون كبيرة، وكيفية تحديد إجمالي الإنفاق، ومتى تحصل الحكومة على مزيد من الوقت لخفض الديون، وكيفية تنفيذ الخطط المتفق عليها؛ حيث إن البلدان التي لديها مستويات عالية من الديون يجب أن تعود إلى المالية العامة المستقرة والمستدامة، من خلال تطوير المؤسسات المالية المستقلة وجعلها جزءاً أساسياً من العملية الإصلاحية، والسماح بالاستثمار في المجالات ذات الأولوية مثل الطاقة الخضراء، من خلال إنشاء صندوق أخضر أوروبي يمنح التمويل للدول الأعضاء للاستثمار في المشاريع الخضراء الطويلة الأجل، التي يجب استبعاد الإنفاق عليها من حسابات مستوى الديون.