من المُنتظَر أن يعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن عن رئيس جديد لهيئة الأركان المشتركة، في يوليو 2023، وفقاً لتصريحات المقربين، لكن هناك توقعات بأن يرشح قائد القوات الجوية الجنرال تشارلز كيو براون، ليحل محل الجنرال مارك ميلي الذي اختاره دونالد ترامب لهذا المنصب في عام 2018؛ حيث سيترك منصبه في سبتمبر 2023، وهو موعد انتهاء مدة خدمته في المنصب التي تبلغ 4 سنوات. وبالرغم من تصريح المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بأن “الرئيس بايدن عندما يتخذ قراراً نهائياً، فإنه سيبلغ الشخص المختار ثم يعلن ذلك علناً، فإن هذا لم يحدث بعد”؛ إذ إن هناك أقاويل أخرى حول احتمالية اختيار “بايدن” قائد سلاح مشاة البحرية الجنرال ديفيد بريجر، لتولي المنصب، لكن لا يزال كيو براون هو المرشح الأكثر ترجيحاً؛ نظراً إلى خبراته الواسعة، ورغبة “بايدن” في تحقيق تنوع داخل الإدارة الأمريكية، بما في ذلك وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون). وإذا تم تأكيد تعيين كيو براون من جانب مجلس الشيوخ فسيكون أول ضابط في القوات الجوية منذ عام 2005 يتولى هذا المنصب، بعد الجنرال المتقاعد ريتشارد مايرز، الذي ترك منصبه رئيساً لهيئة الأركان المشتركة في عام 2005.
أسباب الاختيار
يمكن القول إن هناك مجموعة من الأسباب تشجع الرئيس جو بايدن على اتخاذ قراره بتعيين كيو براون رئيساً جديداً لهيئة الأركان المشتركة، ويمكن توضيح أبرز تلك الأسباب فيما يلي:
1– توافر الخبرة الوظيفية والأكاديمية: ينتمي كيو براون – الذي ولد في ولاية تكساس عام 1962 – لعائلة عسكرية بالأساس، حيث كان جده لوالده روبرت إي براون أحد المحاربين في الحرب العالمية الثانية. وقد كان كيو براون ضابط احتياط في سلاح الجو الأمريكي، وبدأ حياته في الجيش الأمريكي الذي خدم فيه لنحو 30 عاماً، وهو برتبة ملازم ثانٍ، حتى حصل على رتبة عميد في عام 2009. وقد عمل مدرباً على طائرات طراز “إف 16” بمدرسة أسلحة القوات الجوية الأمريكية، فضلاً عن قيادته سرباً مقاتلاً في المدرسة ذاتها، وتوليه قيادة الجناح الثامن في قاعدة كونسان الجوية بدولة كوريا الجنوبية، وقائداً للجناح الحادي والثلاثين في إيطاليا بقاعدة أفيانو الجوية.
وبعدما تم تعيينه في القيادة المركزية للقوات الجوية الأمريكية، حاز النجمة الثالثة في عام 2015. وتم ترشيحه في عام 2018 لقيادة القوات الجوية في منطقة المحيط الهادئ ليحل محل الجنرال تيرينس جيه أوشونيسي. ولاحقاً في عام 2020، رشحه الرئيس السابق دونالد ترامب ليترأس أركان القوات الجوية، وهو المنصب الذي ظل فيه حتى الآن. وقد عمل براون في مناطق عدة؛ من بينها الشرق الأوسط وأوروبا. وقد درس كيو براون الهندسة المدنية؛ حيث تخرج في جامعة تكساس التقنية في لوبوك، كما نال درجة الماجستير في علوم الطيران من ولاية فلوريدا، وتحديداً من جامعة إمبري ريدل للطيران.
2– تحقيق التنويع العرقي بالإدارة الأمريكية: يؤكد اختيار “بايدن” لـ”كيو براون” الأمريكي من أصول أفريقية في هذا المنصب، رغبة الرئيس في الحفاظ على مبادئه التي نادى بها طوال حملته الانتخابية خلال عام 2020، وما طبقه خلال العامين الماضيين، من تنويع طاقم أعضاء الإدارة الأمريكية، بحيث تضم أفراداً أمريكيين من أصول أفريقية، وآسيوية، ولاتينية، وغيرها. وبالفعل اختار “بايدن أول وزير دفاع أمريكي من أصول أفريقية، وهو لويد أوستن. وعند تعيين كيو براون رسمياً فسيصبح ثاني أكبر قائد عسكري أمريكي من أصول أفريقية في وزارة الدفاع في الوقت الراهن، لكنه ليس أول أمريكي من أصول أفريقية يتولى هذا المنصب؛ حيث سبق أن تولاه كولن باول خلال الفترة من عام 1989 حتى عام 1993.
3– الحصول على مكاسب انتخابية مؤثرة: قد يعمل الرئيس “بايدن” وفريقه الانتخابي على استغلال اختيارات “بايدن” لتأكيد كونه رئيساً لكل الأمريكيين، بل أنه ساهم في وصول أمريكيين من أصول مختلفة إلى مختلف المناصب الرفيعة المستوى في الولايات المتحدة للمرة الأولى. وقد يساعد تعيين كيو براون على اجتذاب الناخبين الأمريكيين من أصول أفريقية الذين يشعرون بالتهميش، خاصةً أن هذا التعيين يمثل بارقة أمل لهم، وتأكيداً لقدرتهم على تغيير مكانتهم داخل المجتمع الأمريكي. وما يسهم في ذلك هو أن كيو براون قد يكون معروفاً لدى بعض العامة، لاسيَّما أنه خرج في مقطع فيديو بعد مقتل المواطن الأمريكي من أصول أفريقية جورج فلويد على يد الشرطة الأمريكية في عام 2020، ليروي قصته حول كونه “الطيار الأسود الوحيد في الفصول الدراسية المليئة بالرجال البيض”، وكيف تعرض لأسئلة ومعاملة عنصرية خلال وجوده في الخدمة العسكرية، وهي قصة ملهمة يمكن استغلالها في الانتخابات الرئاسية القادمة.
ملفات بارزة
رغم أن منصب رئيس هيئة الأركان المشتركة منصب استشاري؛ حيث سيعمل كيو براون مستشاراً عسكرياً للرئيس “بايدن” إذا وافق عليه مجلس الشيوخ، ولن يقود أي قوات، فإنه سيكون مسؤولاً عن التأكد من تناغم عمل الفرق العسكرية المختلفة؛ لذلك ستكون مهمته صعبة في ظل وجود جملة من الملفات التي تنتظر شاغل المنصب الجديد، وهو ما يمكن توضيحه فيما يلي:
1– التنافس المحموم مع الصين: تعتبر تلك القضية على رأس القضايا التي تنتظر كيو براون إذا تم تعيينه في هذا المنصب. وبالنظر إلى الخبرة التي يمتلكها في منطقة المحيط الهادئ، من خلال عمله رئيساً للقوات الجوية في تلك المنطقة، فستكون لديه رؤية حول كيفية ردع الصين أو تثبيط عملية تمدد نفوذها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، كما قد يكون لديه رؤية حول كيفية تغيير النهج الأمريكي للرد على التهديدات الصينية بصورة أكثر حسماً وقوة.
2– التهديد الروسي لأوروبا: في ظل استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، والتهديد الروسي لأمن واستقرار حلف الناتو والقارة الأوروبية، سيكون على “براون” الاهتمام بتلك القضية التي قد يدلو فيها بدلو حسن، بالنظر إلى خدمته في أوروبا، وعمله مديراً لعمليات الردع الاستراتيجي والتكامل النووي في القوات الجوية الأمريكية بأوروبا خلال عام 2014؛ حينما قامت موسكو بضم شبه جزيرة القرم بصورة “غير قانونية” إليها.
وفي هذا الصدد، سيكون على “براون” النظر في مسألة الاستمرار في مد الجيش الأوكراني بالأسلحة والذخيرة والطائرات بدون طيار لمساعدة كييف على مواجهة موسكو، وهي مهمة صعبة بالنظر إلى تبدل وجهات النظر بين الولايات المتحدة وشركائها في أوروبا بشكل مستمر حول الاستمرار في إرسال الأسلحة والذخائر إلى أوكرانيا في ظل رغبة تلك الدول في تجديد مخزونها الاستراتيجي من الأسلحة، بعدما تناقص بسبب الإمداد المستمر لكييف.
3– تصاعد تهديدات الدول المعادية: هناك تهديدات أخرى ناجمة عن عدة دول حول العالم في مناطق مختلفة، بما في ذلك التهديدات النووية الناجمة عن كوريا الشمالية، وتأثيرها على استقرار شبه الجزيرة الكورية. وبالنظر إلى خبرة “براون” في كوريا الجنوبية، فستكون لديه رؤية عميقة تجاه تلك المنطقة. وعلى صعيد آخر، تتصاعد التهديدات التي تمثلها إيران على مصالح الولايات المتحدة وحلفائها داخل منطقة الشرق الأوسط وخارجها؛ لذا سيكون على “براون” التأكد من تناغم آليات عمل جميع الأفرع العسكرية الأمريكية التي تعمل تحت إشرافه، بما في ذلك الأسطولان الخامس والسابع في البحرين والمحيط الهادئ على الترتيب؛ للتأكد من أن عملها سيصب في صالح تحقيق الأهداف المبتغاة.
4– المعارضة المحتملة من الجمهوريين: قد يواجه “بروان” معارضة من جانب الجمهوريين في الكونجرس الأمريكي؛ حيث يعترض الجمهوريون في مجلس الشيوخ، على سبيل المثال، على سياسات البنتاجون المتعلقة بتقديم إجازة مدفوعة الأجر لأفراد الخدمة العسكرية من النساء اللائي يرغبن في إجراء عمليات الإجهاض، بعدما ألغت المحكمة العليا في يونيو 2022 حكم قضية رو ضد وايد الذي كان يحمي حق المرأة الأمريكية في إجراء عمليات الإجهاض في جميع الولايات الأمريكية، لكن الآن هناك تقييد واسع لهذا الحق، خاصةً داخل الولايات التي يحكمها الجمهوريون، وهو الأمر الذي قد يعوق الموافقة عليه؛ إذ عرقل السيناتور الجمهوري تومي توبرفيل داخل مجلس الشيوخ نحو 200 عملية ترشيح متعلقة بالبنتاجون احتجاجاً على تلك السياسات، وهو الأمر الذي حذرت منه مجموعة من الحزبين بالكونجرس؛ من بينهم زعيم الأقلية الجمهورية بمجلس الشيوخ السيناتور ميتش ماكونيل، وزعيم الأغلبية السيناتور الديمقراطي تشاك شومر، موضحين أن عرقلة تعيين القادة العسكريين، قد ترسل صورة ضعيفة عن الولايات المتحدة إلى خصومها، وتعوقها عن ردعهم، حاثين الأعضاء المعترضين على اللجوء إلى وسائل أخرى غير عرقلة التعيينات، مثل التشريعات، أو تفويض الدفاع الوطني لعام 2024.
وختاماً، فإن تعيين كيو براون في هذا الوقت، أمر ضروري بالنظر إلى قرب انتهاء ولاية الجنرال مارك ميلي، ولكن تمرير تعيينه داخل مجلس الشيوخ أمر غير مؤكد بالنظر إلى عمليات العرقلة المستمرة بسبب اختلاف الجمهوريين على سياسات البنتاجون الخاصة بالإجهاض. وإذا تم تعيين “براون” فمن الطبيعي أنه قد يدعم الرئيس “بايدن” على المستوى الشعبي قبيل الانتخابات، بالنظر إلى بشرته السوداء، وعلى المستوى العسكري بالنظر إلى خبرته العميقة على مدار الفترة الماضية.